تأملات / -مبادرات- في حلقة مفرغة !


رضا الظاهر
الحوار المتمدن - العدد: 3395 - 2011 / 6 / 13 - 12:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تأملات

"مبادرات" في حلقة مفرغة !
لم تمر سوى ثلاثة أيام على انتهاء مهلة المائة يوم وعلى مؤتمر حقوق الانسان في العراق حتى شهدت ساحة التحرير ببغداد فضيحة جديدة ماتزال تداعياتها تتفاعل وتسهم في مزيد من مفاقمة الأزمة السياسية والاجتماعية. فقد اعتدى شيوخ عشائر مؤيدون للحكام المتنفذين وعناصر من "بلطجية" يرتدون ملابس مدنية على متظاهرين شباب مدنيين مطالبين باصلاح النظام عبر تظاهرات سلمية في إطار حق كفله الدستور.
ومن الجلي أن هذا السلوك يأتي في سياق محاولات محمومة من جانب الحكومة للتضييق على حركة الاحتجاجات واحتوائها عبر الترهيب والقمع أو إغداق الوعود الزائفة وتقديم بعض التنازلات وإجراء بعض الاصلاحات الجزئية التي لا تمس جوهر الأزمة الحقيقية.
وكنا قد شهدنا قبل انتهاكات الجمعة الماضية اعتقال الشباب الناشطين في الأسبوع السابق، وما رافق ذلك الاعتقال من سلوك تعسفي ومن تداعيات مختلفة. ويلفت الانتباه أن المسألة أخذت بعداً دولياً ارتباطاً بما تشهده المنطقة من أحداث. فلأول مرة تتدخل منظمات دولية مدافعة عن حقوق الانسان وتتخذ موقفاً حازماً تجاه الانتهاكات الفظة التي ارتكبت خلال الأسابيع الأخيرة، وبينها منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش والصليب الأحمر الدولي، فضلاً عن نقابات عمال في أكثر من دولة. هذا ناهيكم عن نواب في البرلمان الأوروبي، الذي من المنتظر أن يناقش يوم الحادي والعشرين من حزيران الحالي موضوع "الربيع العربي"، والذين أبدوا قلقهم العميق على اتساع انتهاك حقوق الانسان في العراق وطالبوا بالافراج عن الشباب الأربعة.
ولا ريب أن تعالي أصوات المدافعين عن حرية التعبير استنكاراً لما شهدته بلادنا من تصعيد في قمع التظاهرات السلمية يعد حدثاً بالغ الأهمية يؤشر، من بين دلالات أخرى، الى تدهور مكانة العراق على صعيد حقوق الانسان. فلم يعد العراق في قائمة الدول الأكثر فساداً حسب بل أصبح في قائمة الدول الأكثر انتهاكاً لحقوق الانسان.
وإذا كان يراد من مؤتمر حقوق الانسان في العراق، الذي عقد مؤخراً وحضره ممثلو الأمم المتحدة، تبييض صفحة انتهاكات النظام لحقوق الانسان، فان ما حدث فيه من منع منظمات المجتمع المدني من إلقاء كلمتها، ومواجهة مع الناشطة الحقوقية والنسوية المناضلة هناء إدور يدلل، من بين أمور أخرى، على زيف ادعاءات الحكام وتدني مستوى اهتمامهم بحقوق الانسان.
ومن ناحية أخرى فانه جرى التراجع عن الوعود التي قطعت في إطار مهلة المائة يوم التي انتهت الثلاثاء الماضي. فقد سمعنا تصريحات تشير الى أنه لن تكون هناك تغييرات جدية في الحكومة المترهلة التي لن تشهد الترشيق الموعود، ولن تقدم أية بدائل لتشكيل ما يسمى حكومة أغلبية أو سوى ذلك من وعود سابقة، تحت ذرائع بينها أن مهلة الأيام المائة لا تكفي لاجراء الاصلاحات المنشودة وأن مهلة جديدة ربما باتت مطلوبة.
والحق أن هذه كلها مناورات هدفها احتواء التذمر والسخط الشعبي المتعاظم الذي لا يمكن أن تمتصه وعود التعويل على زيادة ايرادات النفط للخروج من الأزمة. إنها مجرد خطوات مضلِّلة كما كان الحال عند اطلاق مهلة المائة يوم من إضافة تخصيصات للبطاقة التموينية الى القيام بحملات لتنظيف شوارع أو سوى ذلك من اجراءات تكشف قصور العقل الذي يعجز عن النظر الى أزمة العراق باعتبارها أزمة بنيوية عميقة لا يمكن حلها بمثل هذه الاجراءات الترقيعية وعلى يد مثل هذه الحكومة المشلولة.
ومن الطبيعي القول إن كتلة رئيس الوزراء لا تتحمل وحدها مسؤولية تردي الأوضاع واستمرار المأزق، إنما تشترك معها كل الكتل السياسية المشاركة في الحكومة. وارتباطاً بعودة البرلمان الى الانعقاد قريباً يفترض أن تكون هذه الكتل عند مستوى مسؤوليتها اذا كانت جادة في حل الأزمة كما تدعي، للتوجه الى إجراءات تؤدي الى تقديم الحكومة استقالتها الى البرلمان، والسعي الى إجراء انتخابات مبكرة، مع الشروع بالخطوات الضرورية التي تضمن تعبير الانتخابات عن إرادة الشعب عبر تعديل قانون الانتخابات واصدار قانون للأحزاب وما الى ذلك من إجراءات لا غنى عنها لانتخابات نزيهة وحياة سياسية طبيعية.
ومن الملفت للانتباه أن هذا السبيل العملي لاخراج البلاد من أزمتها السياسية بطريق سلمي ديمقراطي راح يكتسب تأييداً متزايداً. فقد كانت قوى سياسية عديدة تعتبر، حتى وقت قريب، هذا الحل غير عملي وغير ممكن، وإن كان موقفها ينطلق أحيانا من دوافع المناورة السياسية والضغط على الخصوم.
* * *
المناورات السياسية الحالية أو ما يسمى بالمبادرات تدور كلها في حلقة مفرغة وتبقى ضحية لصراع سياسي في إطار نظرة ضيقة. وليس هناك حتى الآن ما يكشف عن وجود مخرج من الأزمة. فكل الحلول، على العكس، مؤقتة وترقيعية.
وستبقى هذه الحلول عاجزة طالما أنها تتفادى طبيعة أزمة الحكم التي أقيمت عليها العملية السياسية، وبالذات نظام المحاصصة الطائفية والاثنية.
ما لم يتغير العقل السياسي القاصر وسلوك "التسييس" المقيت، ويتوقف الصراع المخزي على المغانم، والاستهانة بمعاناة الناس وآلامهم، فان هذه البلاد ستظل أسيرة نفقها المظلم !