تأملات / متاهة العراق !


رضا الظاهر
الحوار المتمدن - العدد: 3498 - 2011 / 9 / 26 - 16:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

كأن البلاد .. بلاد الرافدين .. تمضي الى حتفها !
كفانا وهماً .. ما من ثياب تغطي جسد الامبراطور. وعلينا أن نرى الحقائق المرّة ..
يخطيء، فادحاً، من يتصور أن هذه البلاد واحة للديمقراطية كما سعى الى إيهامنا "المحررون" والمتنفذون، ومازالوا يسعون لحاجة في نفس يعقوب .. الأزمة ليست مؤقتة أو عابرة، إنما عميقة الجذور.
ففي ظل الصراع المتعاظم احتداماً تبرز الأزمة الاجتماعية والسياسية متجلية، على أسطع ما يكون، في المعضلات المستعصية التي باتت عنوان معاناة الملايين من نساء ورجال بلاد الرافدين، وقد أضحت بلاد مصائب لا نظير لها ولا نهاية.
وتمضي هذه الأزمة في طريق تفاقمها .. وتمضي معاناة الملايين في الطريق ذاته لتتفاعل معها وتسهم في تعميقها، بينما يمضي السياسيون المتنفذون في طريقهم، طريق الصراع على المصالح الضيقة، وجني المكاسب على حساب بؤس المحرومين واللامبالاة بمصائرهم، والتمسك بنزعة الاستحواذ وإقصاء "الآخر" ونمط التفكير العقيم، و"التسييس" حسب الحاجات المقيتة، والمضي في نهج يدفع البلاد الى حافة الهاوية، ويجعل مزيداً من المحللين يحذرون من احتمالات توجه البلاد الى نمط جديد من الدكتاتورية.
فمن احتراب بين الكتل المتنفذة وتبادل اتهامات بلغة متوترة وغير مسؤولة، الى استعصاء في تشكيل مجلس السياسات، وهو بحد ذاته تجاوز "سياسي" للدستور، وعدم توافق على الوزارات الأمنية، الى تدهور أمني لن تكون مجزرة النخيب ولا كواتم الصوت آخر تجلياته، الى عجز لمجلس النواب، الخاضع لنهج المحاصصات ذاته، عن إداء دوره المنشود، الى استمرار هيمنة "المحررين" بصيغ جديدة مختلفة جوهرها عرقلة استكمال الاستقلال والسيادة الوطنية، الى فساد شائع على كل المستويات، وتفشٍ للبطالة وغياب للخدمات الأساسية، وانتهاك لحقوق الانسان، وخصوصاً النساء، وعنف ضد المحتجين السلميين، الى حلول ترقيعية وتضليل إعلامي وتشويه حقائق، وتصريحات وخطابات إنشائية عن إنجازات وهمية ومشاريع زائفة، الى غسيل أدمغة وغسيل أموال. ولا تتوقف سلسلة المعضلات عند خطوط التوتر مع الجيران سواء في الشمال أو الشرق أو الجنوب، أو تعمق الأزمة الاقتصادية، أو تزايد التوتر بين متنفذين في الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم وخصوصاً بشأن قانون النفط والغاز والمادة 140 وسوى ذلك من محاور الصراع غير المبرر، أو تواصل نشاط مليشيات تحت واجهات وأسماء مختلفة تخرق الدستور، الذي يتعرض، على الدوام، الى خروقات فاضحة، على الرغم من مزاعم التمسك به .. كل هذا وسط مزيد من الدمار الروحي ومساعي إشاعة روح الخنوع والخوف وإجراءات العسف والترهيب وإسكات الأصوات العادلة ..
ومما ينطوي على دلالة عميقة أن نداءات وتحذيرات المرجعية الدينية الجليلة لم تعد تجدي نفعاً ذلك أنها لا تجد آذانا صاغية ..
وكل هذا وسواه الكثير في دولة لا تمتلك مقومات الدولة، حيث لا مؤسسات ولا عدالة ولا سيادة قانون، وحيث حكومة "شراكة وطنية" تكبلها أغلال صراع المتنفذين واستهانتهم بالمحن التي تطحن رحاها أرواح الملايين من ضحايا المعاناة.
ولعل من بين ما يثير الأسى بل السخط أن الجميع يعترفون بوجود الأزمة، وهو لدى البعض مجرد اعتراف لفظي ملتبس يعكس في جوهره سلوكاً زائفاً، ويبدون تذمراً من الوضع القائم، لكن الأزمة مستمرة والوضع يتفاقم، لأنه يجد متنفذين راغبين في مثل هذا التفاقم وساعين اليه. وليس مما يدعو الى الاستغراب أن يتحدث محللون عن قوى سياسية لا تتورع عن زرع ألغام في طريق قوى أخرى متصارعة معها بدلاً من أن تجعل هذا الصراع في سياق طبيعته السلمية والحضارية المفترضة. وقد حق لهؤلاء المحللين أن يتساءلوا: اذا كانت هذه القوى المتحكمة بمصائر العملية السياسية ووجهة تطور البلاد، وهي ذاتها تعاني من أزمات داخلها، ماتزال متشبثة بمثل هذا النهج الخطر، فهل يعقل أنها ستكون قادرة على حل المعضلات المستعصية وإخراج البلاد من مأزقها ؟
وهو مأزق بات كل ذي بصيرة يعلم علم اليقين أنه لا يمكن أن تبدأ عملية الخروج منه إلا بالتخلي عن نهج المحاصصات الطائفية والاثنية، وأن كل حديث غير هذا ليس سوى ضلال ووهم وضحك على الذقون.
لقد تراكم الكثير من حقائق الواقع وخبر الصراع السياسي والاجتماعي، وبات أكثر جلاء، اليوم، أنه في ظل أجواء الاستعصاء والاحتقان والشك بين الكتل المتنفذة، لا يمكن لأي "تحرك" في الوضع أن يؤدي، وسط الايغال في نهج المحاصصات وما يرتبط به من نمط تفكير وسلوك وتداعيات مقلقة، إلا الى حلول ترقيعية مؤقتة قد تحفظ ماء الوجه، لكنها تمهد، حتماً، الى أطوار جديدة من صراع لا تحمد عقباه.
* * *
يا لهذه الأيام من حزن مقيم ! يا لهذا البلد من حظ عاثر !
هذا العراق متى ينهض من الرماد ؟ هذا العراق متى يخرج من متاهته .. ومن الجحيم ؟
ما للناس لا يهزون عروشاً !؟ ما للرياح لا تسيّر سفناً الى تلك الضفاف !؟
ما للجمال مشيها وئيدا
أجندلاً يحملن أم حديدا .. ؟