أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمود محمد ياسين - روضة الحاج والتجريد في - المجرم الحقيقى هو النيل!-














المزيد.....

روضة الحاج والتجريد في - المجرم الحقيقى هو النيل!-


محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)


الحوار المتمدن-العدد: 5974 - 2018 / 8 / 25 - 20:14
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


قبل كل شيء فإن التجريد المقصود في هذا المقال هو الفصل العضوى بين مكونات ظاهرة ما ودراستها بعيدا عن الواقع خلافا للتجريد الذى يجرى تفكيكا للمكونات الأساسية للظاهرة بغرض دراستها ذهنيا وإعادة صياغة الواقع الملموس وبالتالي معرفة طبيعته المعقدة والمركبة في كليتها. والتجريد بالمعنى الثانى لا غنى عنه في دراسة الظاهرات الاجتماعية والأعمال الأدبية؛ وبهذا المعنى فإن التجريدات الذهنية تنطلق من الإدراك الانطباعى الأولى للواقع الحسى وتعود مرة أخرى للواقع وقد اصبح مُدْرَكاً، بينما التجريد الأول هو الفكر الذى يحلق في سماوات عالية من التأمل ولا يدرك ابدا الكنه الحقيقى للواقع. وبالنسبة للشعر، فإن التجريد التأملى لا يعصمه من المباشرة؛ وليس المقصود المباشرة اللغوية مثل الدلالات المباشرة، بل عدم المقدرة على تجاوز ما هو ظاهر من الواقع والعجز عن فهم تركيبه الداخلى وإعطاء مقوماته معان خارج المألوف.

تتضمن قصيدة " المجرم الحقيقى هو النيل! " للشاعرة روضة الحاج في مطلعها أبياتا تعكس صوراً مؤثرة لمأساة غرق أربعة وعشرين تلميذاٌ من مدرسة “ كنبة" الثانوية في وسط منطقة المناصير عندما تعطل محرك مركبهم في عرض بحيرة سد مروى وقت الفيضان؛ من هذه الصور تكتب الشاعرة متضرعة إلى "الصبر":

والبِس جميعَ الصابرينَ دثارا
‏الرابطين على حشاهم صخرةً
‏لفوا العمائمَ هيبةً ووقارا !
‏ربِّت على أمٍّ كأنَّ بقلبِها
‏ ناراً ستُشعل من لظاها النارا
‏ما زالُ مِشطُ الحبِّ في يدِها فقد
‏كانت تُجدِّلُ خمسةً أقمارا !!

لكن تتملكك الحيرة عندما تواصل قراءة القصيدة وتقرأ هذه الابيات:
يا صبرَ كلِّ الأرض
كن أوفى لنا
‏من نيلنا فلقد غدا غدّارا
‏يا نيلُ فلتردد عليَّ قصائدي
‏لا تستحقُ الشعر َوالأشعارا
‏إرجع إلى الأزهارِ فوحَ عطورِها
‏وأمنح بقيةَ شدوها الأطيارا
‏وأعِدْ إلى كلِّ المراكبِ حبها
واستغفر الزُرّاعَ والسمارا

إذا تركنا جانباً تقنيات القصيدة ومدى جمالية شاعريتها، فمصدر الحيرة هو أن الشاعرة لا ترى في المأساة الرهيبة غير خيانة النيل وغدره. طبعاً لجوء الشعراء للغلو الميلودرامى في بعض اللوحات الشعرية-الشكلية (كلَوْم وتوبيخ النيل هنا) كاداة يستخدمونها للتعبير المكثف عن أحاسيسهم مسالة مفهومة، ولا يمكن محاكمة هذا الأسلوب وتحميله أكثر مما هو مجرد تخييل؛ لكن، في وقوفها عند حد معاتبة النيل، فإن الشاعرة اختارت أن لا يكون للحادث أي امتداد يشمل مكونات الصورة الكلية التي حدثت في كنفها فاجعة موت التلاميذ غرقا. فالفكرة التي تُحمِّل وزر الكارثة في هذا المقام إلى النيل بسيطة تجرد الحدث من وقوعه في تزامن مع مظالم كبيرة حاقت بمواطني المنطقة، التى شهدت المصيبة؛ فهم يمرون بأجواء من الخذلان السياسى الذى تعرضوا له نتيجة إنشاء سد مروى على نهر النيل في العشرية الأولى من هذا القرن إذ جردوا من الارض التي غمرتها مياه البحيرة التي خلقها السد وهجروا قسرياً بعيدا عنها إلى أراضي اقل جودة بعد أن خُصصت الآراض القريبة من النهر للإستثمار. كما أن فصل مياه البحيرة لمناطق سكناهم وتحويلها لأطراف مفصولة عن بعضها البعض ضاعف من معاناة الأهالى منها تلاميذ صغار يتكبدون المشاق عند عبور مياه الفيضانات العاتية على ظهر مراكب بالية للوصول لمدارسهم.

إن غرق تلاميذ المدرسة المذكورة هو فصل جديد من فصول الرزايا التى أحدثها توسع النهر بالمنطقة. فبحيرة الخزان لم يغرق فبها أولئك الصغار فحسب، بل غرقت فيها قرى عتيقة وبساتين النخيل وكل ممتلكات المواطنين الذين تحطمت حياتهم وضاعت آمالهم وتُركوا يواجهون مصيرهم لوحدهم في غياب الخطط البديله لإيوائهم.

وهكذا نجد أن التجريد جعل القصيدة تفصل مأساة الغرق وتعجز عن تضمينها في لوحة كلية لما تمر به المنطقة من محن.

ولا تثريب على الشعر الذى تُوظف فيه رؤى سياسية؛ فالشعر الذى يتناول القضايا السياسية يبقى شعراً طالما لم تهيمن قواعد النقد السياسى والمباشرة على الشروط الفنية والمقالة السياسية تبقى نثراً حتى لو تألق الإبداع فى صياغتها.



#محمود_محمد_ياسين (هاشتاغ)       Mahmoud_Yassin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة في رحيل المفكر المصرى سمير امين
- توجهات مجموعة السبع وماذا تعد لافريقيا
- الصادق المهدى وإعادة ترتيب البيت في المركز
- رأى الماركسية في الثورة المهدية في السودان
- الصادق المهدى: كيف يقرأ الماركسية!؟
- -الدولة التنموية- والإزراء بالسياسة والماركسية
- الوسيلة إلى فهم أن الدولة السودانية ليست اختراعا
- ستيفن هوكينغ : كلنا فى الهم شرق وغرب
- ستيفن هوكينغ والذكاء الأصطناعي
- أثيوبيا: حكم ال 6% والدروس المستفادة
- سد النهضة ومأزق الأمر الواقع
- السودان: الفيل في داخل غرفة موازنة العام 2018
- مهزلة تجديد الماركسية - تطور الديالكتيك المادى ونظرية الفوضى
- أمريكا: تخفيض الضرائب - طوباوية البيتكوين (Bitcoin)
- ما لم تكنه ثورة 21 أكتوبر السودانية
- جبال النوبة-السودان: لكى لا يتكرر التاريخ مأساة
- تقرير المصير للقوميات فى الدولة الواحدة: حق داخل حق
- إدوارد سعيد وإستشراق كارل ماركس! (3-3)
- إدوارد سعيد وإستشراق كارل ماركس! (2-3)
- إدوارد سعيد وإستشراق كارل ماركس! (1-3)


المزيد.....




- مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس ...
- مباشر: التعريف بأهم قضايا الطبقة العاملة وقرائة أولية لفعالي ...
- مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس
- الغد الاشتراكي العدد 38
- نداء المشاركة بتظاهرات فاتح ماي بالدارالبيضاء
- الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا ...
- الشرطة تشتبك مع المتظاهرين لمنعهم من دخول ساحة -تقسيم- في إس ...
- اشتباكات بين المتظاهرين وشرطة مكافحة الشغب في ميدان تقسم بإس ...
- في يوم العمال العالمي تيسير خالد : يدعو الى استنهاض دور الحر ...
- رغم تحصين المتظاهرين الأبواب.. شاهد كيف دخلت شرطة نيويورك مب ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمود محمد ياسين - روضة الحاج والتجريد في - المجرم الحقيقى هو النيل!-