أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نعمان الحاج حسين - فاضل العزاوي في رواية ( الأسلاف):مخلوقات نيتشه وماركيز.. أو مائة عام من الديكتاتورية في العراق!















المزيد.....

فاضل العزاوي في رواية ( الأسلاف):مخلوقات نيتشه وماركيز.. أو مائة عام من الديكتاتورية في العراق!


نعمان الحاج حسين

الحوار المتمدن-العدد: 1332 - 2005 / 9 / 29 - 09:40
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


‏( الأسلاف)رواية (فاضل العزاوي) – مؤلف (القلعة الخامسة) التي تم تحويلها إلى فيلم سوري!_ و مؤلف ‏‏..(الديناصور الأخير:مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة ).وتبدو(الأسلاف) رواية خيالية، لكن السرد الواقعي ‏لأحداث الرواية يكشف عن اللامعقول الذي عاشه العراقيون : "..في ذلك اليوم المشهود الذي أمطرت السماء فيه ‏ضفادع فامتلأت شوارع وبيوت وسطوح بغداد بها أثارت دهشة علماء الأنواء الجوية وتناقلت أنباءها الوكالات ‏العالمية ونشرت مقالات كثيرة عنها في الصحف المحلية ، حمل عادل سليم الأمير متاعه الضئيل.."-ص67- ، ولا ‏شك في أنها رواية(سيرة) ولكنها ليست ذاتية بل سيرة عامة ، حين يندغم ما هو شخصي بما هو عام ، ويتماهى ‏مصير الوطن بـ ( مصير الديكتاتور)!‏
و (عادل سليم الأمير) هو بطل (الأسلاف)، ودوره في الرواية أنه ..كاتبها، لكنه يقول أن الشيطان (!) قد كتبها ‏له، فأرسلها إلى الراوي لكي ينشرها باسمه. ويقول الراوي أنه يعرف حقا (عادل سليم الأمير) :"..بل وشاركته ‏الكثير من مغامراته أيضا.."هذا في الوطن ، وفي المنفى:" كنا نعيش في الحي ذاته في برلين ..إلا أننا لم نقترب من ‏بعضنا كثيرا هنا ، كما لو أننا كنا قد اتفقنا على المسافة التي ينبغي أن تظل قائمة بيننا."-ص11- ثم تلقى منه عبر ‏البريد –يضيف الراوي –رسالة مرفقة بالرواية ..المنسوبة للشيطان. والمسافة الفاصلة بين الراوي و(عادل سليم ‏الأمير) تعادل الخيال الفاصل بين الراوي –الحقيقي-والواقع الذي هو مادة الرواية. ويرد ذكر الشخصية الرئيسية ‏دوما بإيقاعها الثلاثي : ( عادل .. سليم ..الأمير ) مما يشيع الإحساس بالمسافة التأملية الفاصلة والإيهام بإبطاء سير ‏الزمن.‏
و (العزاوي) الذي يعيش في المنفى حتى اليوم، غادر العراق سنة1977 ، أي في نفس السنة التي كان (صدام ‏حسين) يهيؤ نفسه فيها للانقضاض على السلطة، وقبل سقوطه بقليل تماهى (الديكتاتور) مع (الروائي) حين ‏صدرت رواية (زبيبة والملك) التي نسبت إلى ..(صدام حسين) الذي حاول أن يدخل آلته القمعية إلى الخيال ‏الأدبي..الحيز الأخير للعراقيين.وكأن (العزاوي)في روايته الجديدة قد قال لنفسه: تعالوا نتخيل أن كل ما عشناه في ‏العراق كان قصة- مخيفة ومأسوية- لكنها مجرد قصة وهكذا..نستطيع أن نرويها.!، ولأن الحكايات لا تحكى إلا ‏بعد أن تتم ،كان يجب أن ينتهي الديكتاتور لكي يبدأ الراوي ..الكلام.وزمن الرواية هو زمن مستعاد لكنه يبدأ من ‏الحاضر ثم يعود ليبدأ من البداية. يقول ( عادل سليم الأمير) في حوار مع إحدى الشخصيات الخيالية/الواقعية:‏
‏".. ما تقوله يناسبني تماما ،سوى أنني لا أعرف كيف أنهي قصة تبدأ في الحاضر.."‏
‏"..لكل حاضر نهاية أيضا، كل ما ينبغي عليك فعله هو انتظارها ولسوف تأتي بالتأكيد".(ص228).‏
ومثلما اعتقدنا جميعا، اعتقد (العزاوي) أن اللحظة الأخيرة لـ(الديكتاتور الأخير ) قد لاحت في سنة 1991 عندما ‏قام التحالف الدولي بمهاجمة العراق بعد احتلال الكويت ، ولا تكمن المفارقة في أن موت الديكتاتورية استغرق اثنتي ‏عشر عاما بعد ذلك– وهي مدة زمنية تكفي ديكتاتوريات أخرى لكي تعيش – بل تكمن في أن الرواية التي بدأ ‏المؤلف بكتابتها عام 1992 لم تكتمل إلا عام 2000 ، أي أن (العزاوي) احتاج المدة الزمنية ذاتها تقريبا لكي ينهي ‏روايته ، فكأن حدس العزاوي لم يخطئ إلا جزئيا بعد تحرير الكويت فراح يبني ويثابر على بناء روايته بينما كان كل ‏شيء في وطنه ينهار ويواصل انهياره –بالتناسب ذاته –ولكن لا أحد توقع نهاية مديدة إلى هذا الحد..وعندما اكتمل ‏الدمار كانت الرواية قد تمت وحلت مكانه..!‏
و بعد السقوط النهائي للنظام العراقي ، تمثل مدينة (كركوك) تلخيصا للأخطار المحدقة بالعراق ، و( كركوك) هي ‏المدينة التي تنطلق منها الرواية التي تمر على أسماء مثل (بعقوبة) و(تلعفر) باعتبارها أمكنة حياة وهي نفسها تتردد ‏كأسماء لأمكنة الموت في نشرات الأخبار اليوم .‏
الراوي في (الأسلاف) يروي إذن قصة (عادل سليم الأمير) الذي يحكي قصته مع الشيطان الذي ألف الرواية ‏التي..الخ .ويفتتح العزاوي روايته باقتباس شعري من (باتريك كافاناغ):‏
‏"مصغيا إلى الطيور تغني على الأشجار الندية
مرت علي مائة عام منذ الآن
لكني كنت خلالها ميتا وثمة شخص آخر غيري يصغي إليها"..‏

‏ * * *‏
هكذا تكلم..العزاوي:‏
في الرواية خليط بديع من الأصوات : الآشوري ..والأرمني..والكردي..والعربي والتركماني ، ضمن مزيج الخيال ‏والواقع ، بالإضافة إلى تعدد الأصداء ،فحيث نجد في (الأسلاف) أشخاصا يطيرون و..رجال شرطة يدبون على ‏الأرض ، نفكر بالواقعية السحرية ، بـ (مائة عام من العزلة) لـ(ماركيز) لكن ( العزاوي) يقودنا إلى صدى أكثر ‏عمقا إلى ..(هكذا تكلم زرا دشت) . ولأن (فافضل العزاوي) لا يفتقر – كما لا تفتقر الأسلاف بالذات – إلى ‏الأصالة فإننا أمام دلالة مضاعفة ، لأن هذا يعني إن المؤلف يوظف في روايته ما قد يبدو مجرد تأثيرات أدبية..‏
في فكر (نيتشه) –كما في الفيزياء- إذا قذفنا حجرا إلى الأعلى فإنه ، مهما ارتفع ، سيعود إلى الأرض ‏وكذلك..كل فكرة أو مبدأ مصيرهما الأرض التي هي (الأم) عند نيتشه. و(زرا دشت) الذي هجر البشر وعاش بين ‏ثعبانه ونسره في كتاب نيتشه ، يعود بعد عشر سنوات من العزلة إلى المدينة فيجد الناس مجتمعين لحضور ‏‏(سيرك)ويغتنم تجمهرهم لكي يلقي عليهم أفكاره.. وفي (الأسلاف) بينما يتسكع (عادل سليم الأمير) في شوارع ‏بغداد ):"..يجد نفسه في ساحة الميدان، حيث ساحر يقدم خوار قه التي اجتذبت الناس إليه فجعلتهم يحتشدون حوله ‏مكبرين الله مع كل حركة يقوم بها أو غارقين في الضحك . وقف عادل سليم الأمير يتفرج هو الآخر…فيما وقف ‏الساحر مناديا بصوت بائع يعلن عن بضاعته أن قرده لا يتقن الكتابة فحسب وإنما يتفوق بجودة خطه على هاشم ‏الخطاط ، وهو لا يتقن اللغة العربية وحدها وإنما…" الخ –ص60- ".. لم يكن القرد بالطبع قادرا على إنشاد ‏الشعر، إلا انه راح يخط بريشته على الورق الذي أمامه شيئا ما…وإذ انتهى من الكتابة نهض وناول الورقة لسيده ‏الساحر الذي أخذها منه …ثم راح يردد القصيدة التي كتبها القرد ..وهي قصيدة يحاكي فيها- القرد –شعر حافظ ‏الشيرازي الذي يبدو انه كان معجبا به :…"-ص61- وسوف نقتبس مقطعا من القصيدة لأنها توضح ما ذهبنا ‏إليه من توظيف لأفكار نيتشه . القصيدة تقول:‏
‏"سألني حافظ : ماذا يوجد هناك في السماء
قلت : الجنة
قال: نحن أيضا نستطيع أن نحول الأرض إلى جنة
فلنا هنا رياض وارفة كثيرة وانهار جارية
وحوريات من اجمل ما خلق الله ‏
والحية أيضا سوف نجلبها لتتسلق الشجرة ‏
ماذا سينقصنا بعد ذلك؟
عندما انتهى الساحر من إلقاء القصيدة انفجر الحاضرون بصيحة تهليل مدوية موحدة مأخوذين بسحر أبياتها التي ‏امتلكت قلوبهم وعقولهم.."-ص62- "..أما عادل سليم الأمير فقد بدا كمن ضربه الزلزال حالما سمع الساحر يردد ‏قصيدته التي كان قد نظمها في اليوم ذاته حين كان يجلس في المقهى ودونها في دفتره الصغير.لا يمكن أحد أن يكون ‏قد عرف بها أم تراه قد كتب قصيدة مكتوبة من قبل. ولكن لا فهاهو القرد يعلن أنها قصيدة لعادل سليم الأمير.."-‏‏63-‏
وفي (هكذا تكلم زرا دشت) فان الحشد الواقف في السيرك بانتظار خروج البهلوان من الكواليس يظن أن خطبة ‏زرا دشت عن الإنسان الأخير والإنسان المتفوق( السوبرمان) ما هي إلا تقديم لظهور البهلوان الذي سرعان ما يقفز ‏على الحبل ويقوم بحركاته الخطرة ثم وبسرعة يطير في الهواء ويدور ثم يسقط على الأرض..ميتا! فيحمله زرا دشت ‏ويعود به إلى عزلته الجبلية مع حيواناته البرية مرددا لنفسه(لقد عدت بصيد ثمين يا زرا دشت ..عدت بجثة)!‏
أما عادل سليم الأمير فيتبع الساحر وقرده بعد انتهاء العرض إلى إن:"..انتهى الساحر أخيرا بعد سير طويل إلى مغارة ‏في غابة بساتين على نهر دجلة يخترقها جدول هناك اخرج أفاعيه من قفصها.."-ص63- وعندما اظهر عادل سليم ‏الأمير نفسه للساحر الذي كان يتبع خفية قال الساحر الذي هو شيطان عادل سليم الأمير:"..جلست انتظرك هنا ‏حتى أصابني الملل." –ص64-‏
الأسلاف رواية غنية وان كان من نقطة أخيرة، فهي قدرة النثر العراقي على إثارة إعجابنا حتى في زمن كزمننا، ‏ومنحنا الإحساس النادر بأننا ما نزال ..في زمن قراءة الأدب!‏

الأسلاف :رواية
تأليف:فاضل العزاوي
منشورات دار الجمل ألمانيا-2001‏



#نعمان_الحاج_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية القمني وأوهام المثقفين/تعقيب على الأديب عباس بيضون
- ثقافة المثقفين العرب


المزيد.....




- أفعى تتدلى من سيارة مسرعة على طريق سريع وكارثة وشيكة.. مشاهد ...
- تحول لمعلم جاذب للسياح بشيكاغو.. إزالة -حفرة الفأر- الشهيرة ...
- كتائب عز الدين القسام تعلن مقتل 3 من عناصرها بمعركة مع الجيش ...
- سوليفان: واشنطن تشترط تطبيع السعودية مع إسرائيل مقابل توقيع ...
- بايدن ساخرا من ترامب: -لا تعبث مع نساء أمريكا-!
- محلل سياسي مصري: لهذه الأسباب هزيمة أوكرانيا مؤكدة
- تفاعل كبير مع فيديو للشاعر الراحل الأمير بدر بن عبد المحسن ن ...
- السودان .. ماذا يحدث داخل سجون الحرب؟
- مظاهرة في برلين تنديدا بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة
- مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية للمطالبة بوقف الحرب على غزة


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نعمان الحاج حسين - فاضل العزاوي في رواية ( الأسلاف):مخلوقات نيتشه وماركيز.. أو مائة عام من الديكتاتورية في العراق!