أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد سيد أحمد - الشيوعيون المصريون وثورة يوليو (2) إشكاليات الجبهة والوحدة الشاملة وعدم الانحياز















المزيد.....

الشيوعيون المصريون وثورة يوليو (2) إشكاليات الجبهة والوحدة الشاملة وعدم الانحياز


محمد سيد أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 208 - 2002 / 8 / 3 - 13:08
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


اذا صح أن الشيوعيين اليهود في مصر لم يتأثروا بنشأة إسرائيل (وهذا افتراض قد يحتاج إلى تدقيق)، فإن المصريين الذين جندهم هؤلاء اليهود للحركة الشيوعية لا بد أن يكونوا قد تأثروا. إذ تساءلوا: هل من سبب يبرر اعتقالنا غير أن منظماتنا الشيوعية قد ضمّت كوادر يهودا نهضوا فيها بأدوار بارزة؟ صحيح أن الصورة وقتذاك لم تكن تخلو من لبس. فالاتحاد السوفياتي قد اعترف بإسرائيل بمجرد تأسيسها، تماما كما فعلت الولايات المتحدة، وإن كان لأسباب مختلفة. وربما راهن السوفييت بمنظور أممي على أن فرص إسرائيل في أن تصبح بؤرة للقوى التقدمية في المنطقة فاقت فرص أي من الدول العربية، لأن هذه الدول كانت في أغلبها وقتذاك ما زالت أسيرة التخلف والإقطاع والاستعمار. ولم يكن العالم قد شهد بعد تجارب قادها ضباط جيش وتحولت إلى حركات <<ماركسية لينينية>>.
على أي الأحوال، طرحت معضلة لم يعد من الممكن إغفالها، حول مدى <<أهلية أن يقود يهودٌ الحركة الشيوعية المصرية>>. خاصة إذا صح أن هؤلاء اليهود قد جذبتهم إلى الشيوعية قضية تعلقت بهويتهم كيهود قبل أن يكون مبعث انجذابهم هو صراع الطبقة العاملة المصرية والانتماء إلى هذا الصراع انتماء عضويا. ولا شك في أن تأسيس إسرائيل قد زاد من تعقيد المشكلة، ذلك أن إسرائيل قد أسست، على حد قول أنصارها، من أجل حل المشكلة اليهودية. فكيف الارتياح إلى استقامة هؤلاء اليهود وهم مطالبون بخوض النضال ضد دولة تعرِّف نفسها بأنها ملاذ اليهود الأخير؟
لم تطرح المشكلة على هذا النحو وقتذاك. لم يكن مدركا أن هناك <<مسألة يهودية>> داخل الحركة الشيوعية المصرية ذات أثر بالغ في تقرير ملامح هذه الحركة. لقد أرجعت حركة الجيش احتكاكها مع الشيوعيين، وعدم مسايرتهم للحركة الوطنية (حسب تصور الضباط الأحرار لها) إلى مسألة <<عمالة>> تجاه السوفييت، ولم ترجع التوتر بين الجانبين إلى <<مشكلة يهودية>>. مشكلة لم يكن مصدرها مشكلة <<عمالة>> قط. ولم تكن أيضا <<مشكلة صهيونية>>. بل مشكلة هوية عائمة، تائهة. مشكلة انتساب إلى عقيدة هي الشيوعية دون توافر المقومات التى تجعل هذا الانتساب سلسا، <<طبيعيا>>، خاصة مع اختفاء ظروف عام 1942 (ظروف وجود رومل على أبواب الإسكندرية) التي بررت أصلا التوجه إلى الشيوعية.
لم يكن مصدر قوة الحركة الشيوعية هو اندماجها العضوي مع نضال الطبقة العاملة. وعلى نطاق أوسع، مع النضال الوطني لمختلف الفئات الشعبية. أي مع الحركة الجماهيرية في الشارع، المتجاوزة قدرة السلطات على استئناسها واستئصالها. وإنما تمثّل الوجود الشيوعى في المجتمع في صورة <<أفكار>> جمعتها أدبيات الماركسية، كتابات ماركس وإنجلز ولينين وستالين، وقد أسهمت الحركة في الترويج لهذه الأفكار حتى أصبحت بالتدريج مألوفة وشائعة في الفكر السياسى الجاري التعاطي معه في الشارع السياسى المصري.
والحقيقة أيضا أن القيادات اليهودية قد تعاملت مع الماركسية وكأنما هى <<حزمة أفكار وأدبيات>>، مسجلة في كتب، استوردتها من خارج المجتمع لتطعيم المجتمع بها، وليست <<حالة حركية>> منبثقة من الصراعات التى تفرزها حياة المجتمع بشكل طبيعي، فيستعان بالماركسية، بصفتها <<النظرية الثورية>>، لإكساب حركة المجتمع ملامح وغايات محددة. وهذا قد ترتب عليه أن حركة الضباط الأحرار، الأكثر تغلغلا في واقع المجتمع المصري، وذات العلاقات الوثيقة بالمواقع الأكثر فعالية في تقرير أمور السياسة، فضلا عن القوة المستمدة من صفة الجيش ككيان منظم، قد أثبتت أنها أكثر كفاءة وأهلية للنهوض بالخطوة الحاسمة في أية عملية ثورية، هي الاستيلاء على السلطة، والاستعانة بالدولة لإنجاز عمليات تغيير.
لقد تميز الانفجار الذى أصاب <<حدتو>> عام 1948 بإفقاد الحركة هيكلها التنظيمي، وباختفاء الفواصل التنظيمية التي يقتضي الأمان احترامها في أية حركة سرية، وبتحولها إلى تكتلات تدير حلقات نقاش عامة، يلتقي الكل فيها مع الكل، رغم أن الدولة كانت قد فرضت الأحكام العرفية، وكان الكادر الشيوعى ملاحَقًا من قبل أجهزة الدولة، والمعتقلات مفتوحة، وتستقبل الشيوعيين بالجملة.
لم يكن ل <<حدتو>> خلال أزمتها عام اندلاع حرب فلسطين الأولى نشاط خارجي ملموس، بل كان الجهد كله منصبًا على داخل الحركة، وعلى مناقشات مدرسية دارت حول <<الخطوط السياسية>> التي كانت موضع صراع التكتلات المختلفة. مناقشات دارت حول مدى تطابق هذه <<الخطوط>> أو تعارضها مع التعاليم المعترف بها المسجلة في أدبيات الماركسية، أو في ممارسات الأحزاب الشيوعية المعتمدة. وليس هنا مجال تناول ما جرى خلال تلك الأزمة تفصيلا. وربما لم تجر مناقشة صريحة وقتذاك حول مدى ملاءمة أن تقود عناصر يهودية الحركة، غير أن منظمة واحدة على الأقل هى <<الحزب الشيوعى المصري>> (وقد اشتهرت باسم <<حزب الراية>>) قد نادت منذ تأسيسها عام 1949 باستبعاد اليهود تماما من صفوفها. والحقيقة أن كونها قد استباحت لنفسها أن تُقْدِم على مثل هذه الخطوة التي عرّضتها للاتهام بتبنِّي موقف عنصري، إنما هو تعبير عن مدى جدية المشكلة، واحتلالها موقعا مركزيا في الصراع الذى دار وقتذاك، رغم تحاشي التصدي لها على المكشوف.
إن حرب فلسطين الأولى قد هزت النظام الملكي في مصر هزة عنيفة. وأصبحت تعج الساحة السياسية المصرية، كما سبق وأشرنا، بقوى سياسية مختلفة، تعمل داخل إطار المجتمع المدني وفي القوات المسلحة على حد سواء. لقد شهد عام 1950 1951 عودة الوفد إلى الحكم، وتصاعد الحركة الوطنية حتى بلغت عام 1951 حدّ إلغاء معاهدة 1936 مع بريطانيا، واندلاع معركة رجال الشرطة المصريين مع جيش الاحتلال البريطانى في الإسماعيلية يوم 25 يناير 1952، وقد أشعلت هذه المعركة مظاهرات عارمة، أفضت إلى حريق القاهرة، فإقالة حكومة الوفد وإعلان الأحكام العرفية. لقد كانت الظروف ناضجة لتجاوز النظام إلى نظام غيره، حتى في نظر بعض عواصم الغرب، التي باتت تساورها شكوك أن الإحجام عن التفكير في نظام بديل قد يترك المجال فسيحًا لتحول يستثمره الشيوعيون لغير صالح العالم الغربي.
غير أن الحركة الشيوعية لم تكن جاهزة لامتطاء المد الوطني البالغ حد الغليان. كانت الحركة ما زالت تعاني من الانقسامات المتخلفة عن أزمة 1948 1949، فاستولى <<الضباط الأحرار>> على السلطة.
من أبرز سمات حركة الضباط الأحرار أنها حركة كانت معادية للاستعمار، وأيضا للشيوعية، عدو الاستعمار الأبرز. صحيح أن هؤلاء الضباط قد أقاموا نظاما راح يبتعد تدريجيا، خلال منعرجات شتى، من الاستعمار الغربي، ولكن هذا لم يكن يعني الاقتراب من الشيوعية. بل ربما بدا الخطر الشيوعي خطرًا زاد تفاقمًا كلما زادت <<ثورة يوليو>> ابتعادًا من الاستعمار وبدت بوضوح خارج المعسكر الغربي، وفاقدة ثقة العالم الغربى فيها. وهكذا بدت وكأنما هى بين خطرين شأنهما أن يتفاقما معا: خطر مؤامرات الاستعمار، ومحاولاته للإطاحة بها، كما باتت في الوقت ذاته تشعر بأن المعسكر الشيوعي العالمي متربص بها أيضًا، ويراها محكومًا عليها بالاقتراب منه، ومعرضة بالتالي لما قد يبذله من جهود لاحتوائها، وفي حالة تعذر ذلك السعي إلى الإطاحة بها هو الآخر! ومن هنا، ظهور الشيوعيين المحليين، وكأنما يمثلون خطرا كامنا، نتيجة أن <<حركة الثورة>> قد تجد نفسها شاءت أم أبت أسيرة للشيوعية من الخارج والداخل معا. ومن هنا، الحاجة لابتكار وسيلة تبطل مفعول الحركة الشيوعية المحلية، وبالذات مع صعوبة الحد من مفعول الحركة الشيوعية العالمية، ذات الوجود (والإشعاع) المستقل عما يجري في ساحات مصر الداخلية.
وقد تداعى من هذا المنطق الكثير. أولا، صعوبة توفير شرط الديموقراطية. فإن النظام بين نارين: المؤامرات التي يحيكها الاستعمار، والصراع المتزايد مع الشيوعيين كلما زاد النظام قربا منهم، وكلما تأكدت صفاته <<الاشتراكية>>. كان لا بد إذن من اشتراكية تفتقر إلى الديمقراطية، وليست اشتراكية تعززها الديمقراطية. وقد ترتب على افتقار <<الثورة>> إلى الديموقراطية أن حل مصطلح <<الحرية الاجتماعية>> محل <<الحرية السياسية>> وأصبحت عملية الإحلال هذه غطاء لطبقة جديدة منتفعة من غياب الديموقراطية، ما عرف في البلدان الاشتراكية بال <<نومينكلاتورا>>.
من هنا، استبدت بثورة يوليو، ومنذ عهد مبكر، فكرة <<التنظيم السياسي الواحد>>. والجدير بالملاحظة أننا عندما نقصر التنظيم على تنظيم واحد، فإننا لا نقيم تنظيمًا حقيقيًّا، وإنما نقيم من التنظيم ما يكفي للحيلولة دون بروز تنظيم آخر. إن التنظيم <<الرسمي>> يصبح مصيدة. يصبح تنظيمًا صوريًّا، والقدر الضروري للحيلولة دون قيام تنظيم سياسي حقيقي. وهكذا ظل النظام علويًّا، بغير مسعى لتنظيم الجماهير، وإقامة حركة ذات جذور عضوية داخلها.
لقد حظرت قيادة الثورة كل أنواع التنظيم، طبعا باستثناء التنظيم الذى خلقته هى (<<جبهة التحرير>>، ف <<الاتحاد القومي>>، ف<<الاتحاد الاشتراكي>>). وقد استجابت الأحزاب المحافظة لمطلب الحلّ دون مقاومة. كانت عملية خروجها من الساحة ميسرة. أما الأحزاب الجماهيرية، فلقد قاومت إلى حد أو آخر. صحيح أن الإخوان المسلمين قاوموا. صحيح أن الوفد قاوم. غير أن الشيوعيين هم الذين ذهبوا في مقاومتهم إلى الحد الأبعد. لقد حافظوا على تنظيماتهم، بغض النظر عن مدى جماهيريتها، من منطلق أن هذا قضية مبدأ. وكان مطلب <<الثورة>> الرسمي، ابتداء من نهاية الخمسينيات أن يحل الشيوعيون الحزب الشيوعي، وأن ينضم أعضاؤه كأفراد <<للاتحاد القومي>>. غير أن الشيوعيين رفضوا. فأعيد اعتقالهم بالجملة، ابتداء من أول يناير 1959، وظلوا معتقلين لأجل غير مسمى، بغض النظر عن الأحكام التي صدرت في حقهم، حتى سلمت الأطراف المعنية بضرورة معالجة هذه المشكلة على نحو آخر.
وبمناسبة هذه التركيبة للنظام الحزبي، أثيرت إشكالية أخرى. إشكالية <<الجبهة>>. كان النظام الحزبي الناصري يقوم على المركزية. على قاعدة الشمولية. لم يكن يقبل بفكرة الجبهة. بينما كان الشيوعيون يطالبون بالجبهة. والجبهة تعني تحالفًا يجمع عددًا من التنظيمات المتميزة، المستقلة، حول برنامج مشترك، وتحرك مشترك. إن صيغة الجبهة كانت تبدو لعبد الناصر وكأنما تعني تقليص سلطته. وكلما زاد النظام توجها إلى اليسار، برزت حاجة متزايدة لدى قائد المسيرة إلى تأكيد المركزية، لا الديموقراطية. وهذا قد ترجم إلى شعار آخر: إن المطروح هو بلوغ، <<وحدة شاملة>> تحت قيادة قطب واحد، لا <<وحدة في صورة جبهة>>، تضم أكثر من قيادة، وتطرح كضرورة تعايش هذه القيادات في نظام ينطوي على قدر أو آخر من الديموقراطية.
ثم ما طرح بشأن فكرة <<الجبهة>> في الداخل، عُمِّم لبلورة إشكالية ثالثة تمثلت في هل تكون الوحدة <<شاملة>> أم <<فيدرالية>> بين القوى <<التقدمية>> المختلفة العاملة على الصعيد الإقليمي. وقد تحمّل الشيوعيون المصريون آثار مواجهة حادة نشبت بين عبد الناصر والحزب الشيوعى السوري في هذا الصدد، عقب الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير عام 1958، لقد نشب خلاف بين عبد الناصر من جانب، والشيوعيين العرب، ومنهم الشيوعيون المصريون، من الجانب الآخر. لقد نادى عبد الناصر بالوحدة <<الكلية>>، <<الشاملة>>، بينما نادى الشيوعيون بالوحدة <<الفيدرالية>>. والواقع أننا كنا بصدد صورة أخرى إقليمية للإشكالية التي طرحت على صعيد الوضع الداخلي المصري، المتمثلة في شعار عبد الناصر عن <<الوحدة الشاملة>> (المفترضة حل التنظيمات الأخرى، بما فيها التنظيم الشيوعي) من جانب، وفكرة <<الجبهة>> (مع عدم حل التنظيمات الأخرى) كما طرحها الشيوعيون من الجانب الآخر. لقد تمسك عبد الناصر بالنظام المركزي، الشمولي، بينما تمسك الشيوعيون، في الحالتين، بفكرة <<المركزية الديمقراطية>>، المنصوص عليها في أدبيات اللينينية بصفتها الأساس الإجرائي، التنظيمي، الذي ينبغي أن يحكم العمل السياسى، والقائم على فكرة تعدد التيارات الفكرية في داخل تنظيم جبهوي شامل. قد يقال إن التعددية التي نادى بها الشيوعيون في ظل الأنظمة الجبهوية ظلت محدودة وقاصرة. ولكن كان خلاف الشيوعيين المصريين مع عبد الناصر حول وجود تعددية أصلا.
أما فيما كان يتعلق بجانب <<المضمون>>، فكانت فكرة التنظيم المركزي (اللا ديمقراطي) هي فكرة افترضت عدم التبعية لأي قطب خارجي تماما كما كان ينبغي مقاومة التبعية لأي قطب بديل داخلي قائم أو محتمل. ومن هنا جاءت إشكالية رابعة هي فكرة <<عدم الانحياز>>، أي رفض الانتماء إلى معسكر الاستعمار من جانب، وإلى معسكر الشيوعية من الجانب الآخر. واتسعت العملية لتسفر عن إشكالية خامسة، هي أن عدم الانحياز للاستعمار والشيوعية إنما قد ترتب عليه امتداد المعارضة على الصعيد القومي لأحزاب ذات أيديولوجية مماثلة لأيديولوجية عبد الناصر، مثل حزبي <<البعث>> و<<القوميين العرب>>.
والحقيقة أن فكرة عدم الانحياز إنما كانت تنطوي على أوجه التباس كثيرة. لقد أشار خروتشوف إلى وجه منها. فلقد اعتبر ممارسة عبد الناصر لسياسة عدم الانحياز على أنها خطوة إيجابية، تقدمية، ذلك أن عبد الناصر انتقل من موقع التبعية للاستعمار إلى موقع التحرر من الاستعمار، وإن ظل ملتبسا فيما تعلق بعلاقته بالشيوعية، إذ اقترب من الاتحاد السوفياتي على الصعيد الدولي، ولكنه ظل يناهض الشيوعيين في الداخل وعلى الصعيد العربي. أما عن حكم خروتشوف بشأن تيتو، فقد اعتبر تبني هذا الأخير لعدم الانحياز خطوة سلبية، ارتدادية، ذلك أن تيتو قد انتقل من موقع الانحياز للمعسكر الشيوعي إلى موقع عدم الانحياز بين المعسكرين. ومعنى ذلك الابتعاد عن الشيوعية بدلا من الاقتراب منها.
إن خروتشوف، خلافا لستالين، عامل من هو ليس شيوعيًّا على أنه ليس بالضرورة في معسكر الإمبريالية العالمية. كان ستالين ينطلق من أن من ليس مع الشيوعية، فإنه بالضرورة في التحليل الأخير مع الإمبريالية. أما خروتشوف، فقد انطلق من أن من ليس مع الإمبريالية، فإنه من الممكن أن يصبح مع الشيوعية، بمعنى أن الشيوعية وحركات التحرر الوطني في العالم الثالث كفيلة بأن تتقارب وأن تتلاشى الفروق بينهما في ظل موازين القوى الدولية الجديدة التي سادت وقتذاك بين المعسكرين العالميين.
أما الشيوعيون المصريون، فقد كان موقفهم من عدم الانحياز وثيق الارتباط بمواقفهم من عبد الناصر التى اتجهت للتباين إلى ثلاث مدارس متميزة، برزت بالذات في المراحل التي أبعِدوا فيها عن النشاط الجماهيري مراحل حبسهم في السجون والمعتقلات، وهي المراحل التي انفصل فيها التنظير عن ممارسة السياسة في الشارع، واختبار ما يفرزه الفكر من تحليلات وتوجهات. فكانت هناك المدرسة القائلة بأن نظام عبد الناصر كان تعبيرا عن <<رأسمالية الدولة الاحتكارية>> أي أن عبد الناصر لم يكن غير منحاز، وإنما كان ينتمي إلى أقصى اليمين (بينما كانت هذه المدرسة تنتمى هي إلى أقصى اليسار). وكانت هناك مدرسة قائلة بأن نظام عبد الناصر إنما تقوده <<مجموعة اشتراكية على رأس السلطة>>. وقد شكلت هذه المدرسة، على نقيض المدرسة السابقة، أقصى يمين الحركة. وكانت هناك مدرسة عارضت التطرف، يمينا ويسارا، وقالت إن عبد الناصر، بانتهاجه سياسة عدم الانحياز، عبر عن اتجاه غالب في البرجوازية الوطنية المصرية، بما تنطوى عليه مواقفها من أوجه تضارب والتباس.
(ينشر بترتيب مع <<الكتب وجهات نظر>>)
غدا: تجربة كاسترو ونظرية تحول القائد الوطني الى قائد
 
جريدة السفير


#محمد_سيد_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيوعيون المصريون وثورة يوليو


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على بيان -حماس- بشأن مفاوضات وقف إط ...
- الجنائية الدولية: ضغوط سياسية وتهديدات ترفضها المحكمة بشأن ق ...
- أمطار طوفانية في العراق تقتل 4 من فريق لتسلق الجبال
- تتويج صحفيي غزة بجائزة اليونسكو العالمية لحرية الصحافة
- غزة.. 86 نائبا ديمقراطيا يقولون لبايدن إن ثمة أدلة على انتها ...
- هل تنجح إدارة بايدن في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ...
- -ديلي تلغراف-: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا ...
- صحيفة أمريكية: المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة في ...
- رسالة هامة من الداخلية المصرية للأجانب الموجودين بالبلاد
- صحيفة: الولايات المتحدة دعت قطر لطرد -حماس- إن رفضت الصفقة م ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد سيد أحمد - الشيوعيون المصريون وثورة يوليو (2) إشكاليات الجبهة والوحدة الشاملة وعدم الانحياز