أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - اللجنة السورية لحقوق الإنسان - التقرير السنوي للجنة السورية لحقوق الإنسان لعام 2002















المزيد.....



التقرير السنوي للجنة السورية لحقوق الإنسان لعام 2002


اللجنة السورية لحقوق الإنسان

الحوار المتمدن-العدد: 173 - 2002 / 6 / 27 - 05:31
المحور: حقوق الانسان
    


 

 

27 حزيران/ يونيو 2002 ميلادية الموافق 16 ربيع الثاني 1423 هجرية

 

مقدمة

شهدت أوضاع حقوق الإنسان في سورية تراجعاً كبيراً خلال الفترة الممتدة من تموز/ يوليو 2001 وحتى حزيران/ يونيو 2002. ومع استمرار العمل بحالة الطوارئ والأحكام العرفية، لم يتمتع المواطنون بحقوقهم الأساسية التي حُرموا بسبب قانون الطوارئ المفروض منذ عام 1963.

 

خلال الفترة التي يغطيها هذا التقرير كان التراجع شاملاً. فبعد أن بدأت فترة الانفتاح القصيرة التي ميزت معظم العام الأول من حكم الرئيس بشار الأسد بالتراجع ابتداء من شهر آذار/ مارس 2001، شهدت الفترة ما بعد حزيران/ يونيو 2001 تدهوراً كبيراً على صعيد انتهاك حقوق المواطنين السوريين، وبلغت ذروة التصعيد في شهري آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر 2001، حيث اعتُقل فيهما عشرة من نشطاء المجتمع المدني، وفي مقدمتهم النائبان محمد مأمون الحمصي ورياض سيف، والزعيم الشيوعي المعارض رياض الترك، الذي سبق أن اعتُقل 18 عاماً بلا محاكمة أو اتهام قانوني.

 

ولم تكن الأوضاع على صعيد المعتقلين القدامى بأفضل حالاً. ففي حين أفرجت السلطات عن بضع مئات من المعتقلين السياسيين، معظمهم من جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي، وبعضهم من حزب العمل الشيوعي وحزب البعث الديمقراطي، ما زال مصير آلاف المعتقلين منذ مطلع الثمانينات مجهولاً. وكانت الحكومة السورية قد زعمت في التسعينيات بعد الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين إن سجونها أصبحت خالية من هؤلاء، وتبين بعد ذلك أن هذا الادعاء لم يكن صحيحاً، بدليل الإفراج عن المزيد، وآخر دفعة من هؤلاء خرجت من السجون في تشرين الثاني/ نوفمبر 2001p. وكان مجمل الذين أُفرج عنهم خلال العام لم يتجاوز 650 شخصاً، بينما ما زالت اللجنة السورية لحقوق الإنسان تحتفظ بقوائم لحوالي 4000 معتقل اختفت آثارهم، وهناك تقديرات تشير إلى وجود أضعاف هؤلاء من المعتقلين الذين لم تُجمع أسماؤهم، ويعتبرون في عداد المفقودين، وقد يناهز 15000 مفقوداً.

 

ولكن الأسوأ على صعيد الاعتداء على حق الإنسان السوري في الحرية، هو استمرار العمل بالاعتقال التعسفي، دون أمر قضائي، ودون توجيه اتهام إلى المعتقلين. ولا تزال السلطات الأمنية تتمتع بكامل الحرية في اعتقال من تشاء، وفي هذا الصدد وصلت إلى اللجنة السورية لحقوق الإنسان شكاوى من اعتقال 12 مواطناً سورياً، بعضهم خُطف من أماكن عامة، ولا يُعرف مصير معظمهم. أما الذين عُرف مصيرهم، فقد اتضح أن ثلاثة منهم على الأقل قضوا تحت التعذيب.

 

وما يزال القضاء العادي السوري أسيراً للسلطة التنفيذية. وقد بدا ذلك واضحاً في محاكمة النائبين محمد مأمون الحمصي ورياض سيف، اللذين حكمت عليهما محكمة الجنايات الثانية بدمشق بالسجن خمس سنوات بتهمة محاولة تغيير الدستور بالقوة بعد محاكمة لم تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة، وكان واضحاً أن الحكم مُعد سلفاً.

 

أما غالبية المعتقلين على خلفية الرأي أو لأسباب سياسية، فقد أُحيلوا إلى القضاء الاستثنائي. وأصدرت محكمة أمن الدولة العليا حكمين بالسجن على معتقلين اثنين، أحدهما ناشط سياسي كردي هو حسين داود ، والثاني هو مدحت طيفور لقرابته من قيادي في الإخوان المسلمين.  كما عُرض على محكمة أمن الدولة العليا معتقلون من حزب التحرير، ويُعرض عليها (منذ شهر نيسان/ إبريل 2002) خمسة من معتقلي الرأي الثمانية الذين اعتُقلوا العام الماضي، وهم رياض الترك  الذي حكم البارحة بسنين ونصف وحبيب صالح الذي حكم منذ ثلاثة أيام يثلاث سنوات سجن وعارف دليلة ووليد البني وحبيب عيسى. بينما ينتظر ثلاثة معتقلين، هم كمال لبواني وفواز تلو وحسن سعدون دورهم في العرض على المحكمة ذاتها.

 

وما يزال التعذيب مستخدماً على نطاق واسع في السجون ومراكز الاعتقال السورية، سواء في مراكز الشرطة العادية، أو أجهزة الأمن البالغ عددها 13 جهازاً، تتداخل وتتضارب صلاحياتها. وخلال هذا العام عادت ظاهرة محاولة الاغتيال والاختطاف والتهديد إلى المشهد السوري، بما في ذلك الاعتداء في الطريق العام كما حدث مع المحامي خليل معتوق الذي نجا من حادث سير متعمد كاد يودي بحياته.

أما عائلات المعتقلين فلم تخف معاناتها، خصوصاً تلك التي فقدت أبناءها في أحداث السبعينيات والثمانينيات، وامتدت المعاناة إلى عائلات معتقلين حديثي العهد، كعائلة الصحفي المفرج عنه نزار نيوف. وهناك حالات اعتُقلت فيها عائلات بأكملها.

 

وإضافة إلى المعتقلين السوريين، يوجد في السجون السورية معتقلون فلسطينيون وأردنيون ولبنانيون وعراقيون، ومن جنسيات أخرى، على خلفيات سياسية، وبعضهم لا تُعرف تهمتهم أو أسباب استمرار احتجازهم بدون محاكمة.

 

حق التعبير: ثغرات في جدار الخوف

في شهر أيار/ مايو 2001 أفرجت السلطات عن الصحافي المعارض نزار نيوف، الذي كان معتقلاً منذ عام 1992، لتحريره نشرة مدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. كان نيوف حتى الإفراج عنه نموذجاً صارخاً لاعتداء السلطات السورية على الصحافة، فقد تعرض للتعذيب كما نقلت منظمات حقوق الإنسان طيلة سنوات. وبعد خروجه من السجن تبين أنه يعاني من ضعف شديد في بصره، ويحتاج إلى عكازين للتحرك، بسبب مرضه الناجم عن التعذيب. وقد سُمح له بمغادرة سورية للعلاج في الخارج، واستقر به المقام في فرنسا، حيث شن حملة إعلامية على السلطة، أدت إلى إصدار مذكرة اعتقال بحقه.

 

لم يكن هذا التغير الإيجابي الوحيد على هذا الصعيد. ففي 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2001 أفرجت السلطات السورية عن آخر صحافي معتقل، وهو عادل إسماعيل الذي سُجن خمس سنوات لتعاطفه مع حزب البعث الديمقراطي.

 

وقد تراجع خوف المواطنين من الخوض في القضايا السياسية الذي تميز به عهد الرئيس حافظ الأسد، وبرزت إلى السطح منتديات سياسية للحوار حضرها المثقفون ودعاة المجتمع المدني. كما سمحت السلطات بصدور بعض الصحف غير المرتبطة بالنظام أو الحزب الحاكم، لأول مرة منذ عام 1963، كصحيفة "الدومري" الساخرة (صدر عددها الأول في شباط/ فبراير 2001)، و"الاقتصادية" المتخصصة، وكلتاهما أسبوعية. وفي الوقت نفسه سمح لأحزاب الجبهة الوطنية بإصدار نشرات ناطقة باسمها، وتصدر الآن صحيفة "النور" عن الحزب الشيوعي السوري (جناح يوسف فيصل) بانتظام. وسجلت اللجنة السورية لحقوق الإنسان في هذا العام إعفاء المراسلين والصحافيين الأجانب من إلزامهم بالترخيص من وزارة الإعلام الذي كان معمولاً به. وفي مقابل تسهيل عمل المراسلين والصحافيين الأجانب دون إذن من وزارة الإعلام، تعرض هؤلاء لتهديد وترويع وإجبار على كتمان الحقائق بوسائل غير مباشرة تلجأ إليه السلطات.

 

تعرضت أيضاً عائلة نزار نيوف بعد خروجه من سورية للعلاج من آثار سجنه الطويل للمضايقة، بسبب تصريحاته في الخارج. وحاولت السلطات الضغط على نيوف لوقف حملته الإعلامية ضد النظام، من خلال فصل أخويه من العمل، ومضايقة أخ ثالث له يدرس في الجامعة، كما ضيّقت على والديه، وتلقت العائلة تهديدات بالطرد من قريتها "بسنديانة" إذا لم تتبرأ من ابنها وتصريحاته، الأمر الذي رفضه أفراد العائلة جميعاً. وقد اضطرت عائلة نزار نيوف إلى الإضراب عن الطعام بعدما تصاعدت الضغوط عليها.

 

ومن ناحية الحريات الصحافية والإعلامية، فقد تعرضت لضربة كبيرة بصدور قانون جديد للمطبوعات في أيلول/ سبتمبر 2001 يقيد بمجمله الحريات الصحافية، ويمنح الجهات المختصة صلاحيات واسعة في إغلاق الصحافة المستقلة ومعاقبة الصحافيين، بتغريمهم غرامات باهظة أو فرض عقوبات سجن قاسية بحقهم.

ولا يجرؤ الصحافيون السوريون - الذين يبدو عملهم أشبه بالسير في حقل ألغام - على انتقاد "الثورة" (ثورة 8 آذار/ مارس 1963 التي قام بها حزب البعث) وحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم ومؤسسات النظام، إضافة إلى مقام الرئاسة، سواء ما يخص الرئيس السابق أو الحالي. وتعمل وزارة الإعلام في هذا المجال على تقييد الصحافيين والتهديد بسحب رخصهم أو سحبها فعلاً لمن يخالفون التوجهات الرسمية. وفي أواخر نيسان/إبريل الماضي لم تجدد السلطات السورية ترخيص رئيس مكتب وكالة فرنس برس ماهر شميطلي على الرغم من التزامه بالسياسات السورية مما اضطر الوكالة لترك منصب رئيس المكتب شاغراً.

 

وقد فرضت السلطات قيوداً مجحفة وشروطاً تعجيزية على منتديات الحوار التي انتعشت في العام الأول من حكم الرئيس بشار الأسد، ولم يحصل أي منها على الترخيص. وتوقفت كل المنتديات عن النشاط، ما عدا منتدى جمال الأتاسي بدمشق الذي تغض السلطة الطرف عنه، ولكنها اعتقلت الناطق باسمه المحامي حبيب عيسى.

 

الحرية المفقودة: استمرار الاعتقال التعسفي

لا يزال المواطن السوري يعيش تحت طائلة الاعتقال التعسفي دون مقدمات. ولا يختلف في هذا المواطنون المقيمون في البلاد، أو أولئك المغتربون الذين يعودون إليها، أو يزورونها بين حين وآخر.

 

على أن هذا العام كان مشهوداً باعتقال 10 من أبرز وجوه المجتمع المدني (راجع الفصل الخاص بهؤلاء)، في خطوة أعادت إلى الأذهان الاعتقالات الواسعة للنخبة المثقفة والمهنية في سورية عام 1980، خصوصاً بعد إضراب النقابات الشهير.

 

غير أن حملة الاعتقالات لم تقتصر على هؤلاء، بل كان عشرات المواطنين السوريين - وإن لم يُبلغ سوى عن بضعة عشر معتقلاً - ضحية الاعتقال التعسفي، الذي لم يتبعه العرض على المحكمة، أو توجيه اتهامات في مخالفة صريحة للدستور الدائم للجمهورية العربية السورية لعام 1973، حيث ينص في الفقرات 1 و2 و4 من مادته الثامنة والعشرين على أن "كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم"، وأنه "لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون"، وأن "حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون".

 

ولا يزال الاعتقال مناسبة للتعذيب الذي لا تبدو أي بوادر لنهايته في السجون ومراكز الاعتقال السورية. وتتنوع خلفية الاعتقال، بين الاعتقال لأسباب سياسية، والاعتقال للتحقيق في شبهة قضايا جنائية، ولكن حقوق المعتقلين تتعرض لانتهاكات فظيعة، ويُحتجزون في ظروف تفتقر لأدنى ما نصت عليه المواثيق الدولية.

 

وقد أُبلغت اللجنة السورية لحقوق الإنسان خلال هذا العام باثنتي عشرة حالة اعتقال لأفراد، كما يلي:

1- نوح أحمد عثمان: كردي من مدينة الحسكة. اعتُقل في 21 آذار/ مارس 2000 أثناء احتفالات الأكراد بعيد النوروز الكردي.

2- محمد شكري علوش قادر: كردي. مات في مركز التوقيف في جنديرس بتاريخ 25 أيار/ مايو 2001، وسُلمت جثته لأهله بتاريخ 19 تموز/ يوليو 2001.

3- محمد مصطفى سنون: معتقل منذ أوائل الثمانينيات. سُلمت جثته لأهله في 22 تموز/ يوليو 2001.

4- محمد نصير عبد الجواد عبد الواحد: من مدينة حلب، مواليد عام 1949. اعتقلته السلطات في شهر آب/ أغسطس 2001 قادماً إلى سورية من الأردن.

5- محمد حمو: كاتب كردي من مدينة حلب. اعتقلته السلطات في 27 آب/ أغسطس 2001 لبيعه الكتب المطبوعة باللغة الكردية في مكتبته (بدرخان) في حي الأشرفية بمدينة حلب، وأطلق سراحه لاحقاً.

6- فيصل ركبي: من مدينة حلب، مواليد عام 1955. اعتُقل في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2001 أثناء زيارة عادية له إلى البلاد، حيث يقيم في الخارج.

7- عبد الله يوسف هوشة: من مدينة اللاذقية، 61 عاماً، اعتقلته السلطات في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2001 بعد ظهوره من حالة "التواري" التي عاشها منذ الثمانينيات خشية الاعتقال، وهو عضو في الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي، وأُطلق سراحه لاحقاً في اليوم نفسه بعد 14 ساعة اعتقال.

8- إبراهيم نعسان بن عبدو: كردي من عفرين، مواليد عام 1962. اعتُقل في 18 كانون الثاني/ يناير 2002 على خلفية الاهتمام بالثقافة والحقوق الكردية.

9- نورس حسين الرمضان: من مدينة إدلب، مواليد عام 1944. اعتُقل في 13 شباط/ فبراير 2002 عند وصوله إلى سورية قادماً من دولة الإمارات العربية المتحدة.

10- محمد حسن نصار: من مدينة حلب، مواليد عام 1947. كان يعيش في المنفى بعد ملاحقته في بداية الثمانينيات، ولكن لإصابته بمرض ضمور الدماغ (الزهايمر) ، قررت عائلته العودة إلى البلاد وحصلت على إذن من السفارة السورية في عمان. لكن السلطات الأمنية اعتقلته عند الحدود السورية الأردنية في 17 شباط/ فبراير 2002، ولم تفلح مناشدات اللجنة السورية لحقوق الإنسان ولا ذويه في الإفراج عنه رغم حالته الصحية ووضعه الإنساني الخاص، إلى أن توفي في المعتقل، وسُلمت جثته لأهله في 23 آذار/ مارس 2002، وقد بدت آثار التعذيب على جسده.

11- محمد غازي حُبيّب: من مدينة حمص، مواليد عام 1952. اعتقلته السلطات في 16 نيسان/ إبريل 2002 لدى وصوله قادماً من السعودية. وقد أُفرج عنه في 11 أيار/ مايو 2002.

12- مسلم شيخ حسن: كردي من عين العرب قرب حلب، مواليد عام 1967. اعتُقل في شهر أيار/ مايو 2002 في عمله.

 

المعتقلون العشرة

كان من أبرز أحداث هذا العام اعتقال من أصبحوا يسمون ب "المعتقلين العشرة". واعتُبر اعتقالهم انتكاسة للآمال في تحسن الأوضاع السياسية ومن ثم أوضاع حقوق الإنسان. ولكن ما ميّز اعتقال العشرة أنه تم وسط اهتمام إعلامي كبير وتحت الأضواء المسلطة من الداخل والخارج، مما اضطر السلطات إلى توجيه تهم إليهم بموجب القانون الجنائي، وأبرزها محاولة تغيير الدستور بالقوة.

 

وعلى الرغم من استناد السلطات إلى القانون الجنائي، ومحاولة تطويع الاتهام ليتسق مع هذا القانون، فإن اعتقال العشرة كان مخالفة صريحة للدستور السوري، الذي تنص المادة 26 منه على أن "لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك"، كما تقول المادة 27 منه "يمارس المواطنون حقوقهم ويتمتعون بحرياتهم وفقاً للقانون".

 

وقد بدأت حملة الاعتقالات هذه باعتقال النائب الدمشقي المستقل محمد مأمون الحمصي (46 عاماً) في 9 آب/ أغسطس 2001 بعدما دخل في إضراب مفتوح عن الطعام معتصماً في مكتبه، في سبيل المطالبة بانفراج ديمقراطي في البلاد. ووجهت السلطات إلى الحمصي تهماً متضاربة (غير التهم السياسية)، منها   التهرب من الضرائب، والتعامل مع جهات أجنبية.

 

ثم تسلسلت الاعتقالات، باعتقال الأمين العام للحزب الشيوعي - المكتب السياسي رياض الترك (الذي سبق اعتقاله 17 عاماً وعمره 72 عاماً) من عيادة طبيب قلب في مدينة طرطوس الساحلية في 31 آب/ أغسطس 2001، على خلفية محاضرة ألقاها في منتدى جمال الأتاسي في دمشق في مطلع آب 2001 وتصريحات أطلقها في حوار على الهواء مع قناة الجزيرة القطرية وصف فيها العهد السابق في سورية بالدكتاتورية.

 

وفي 6 أيلول 2001 اعتقلت السلطات النائب المستقل رياض سيف (57 عاماً) الذي استضاف منتداه محاضرة للأكاديمي السوري المعروف برهان غليون دعت إلى إصلاح ديمقراطي في البلاد، واتهم سيف في قضايا اقتصادية. وتلا ذلك اعتقال خمسة ناشطين في منتديات المجتمع المدني وحقوق الإنسان يوم 9 أيلول 2001 وهم رجل الأعمال السوري حبيب صالح (53 عاماً) والطبيبان كمال اللبواني (45 عاماً) ووليد البني (39 عاماً)، والدكتور عارف دليلة (عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق سابقاً) والأستاذ المتقاعد حسن سعدون. واعترفت السلطات رسمياً باعتقالهم. ثم اعتقلت في 12 أيلول المحامي حبيب عيسى (محامي رياض سيف ومسئول منتدى جمال الأتاسي) والمهندس فواز تلو.

 

ولم يتم التوسع في الاعتقالات بحق ناشطين آخرين، قاموا بمثل ما قام به المعتقلون، ويُعتقد أن تغير الظروف الدولية والإقليمية بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 الإرهابية على الولايات المتحدة قد لعبت دوراً في هذا الصدد.

 

وقد حصلت السلطات الأمنية على رفع الحصانة البرلمانية عن النائبين الحمصي وسيف قبل اعتقالهما من رئيس مجلس الشعب عبد القادر قدورة، وليس من هيئة المجلس المجتمعة حسب الأصول القانونية. أما بالنسبة للمعتقلين الثمانية الآخرين، فقد مُنع ذووهم من زيارتهم قبل 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2001، وحُرموا من هذه الزيارة في وقت لاحق، مما اضطرهم إلى الإضراب عن الطعام احتجاجاً على ظروف احتجازهم.

 

التعذيب: انتهاك الإنسانية

ما يزال التعذيب نهجاً روتينياً في مراكز التحقيق والتوقيف والاعتقال السورية. وعلى الرغم من تحريم التعذيب بموجب الدستور السوري الذي يقول في الفقرة الثالثة من المادة الثامنة والعشرين "لا يجوز تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك"، فإن السجانين يلجأون إلى التعذيب الشديد والفظاظة في معاملة السجناء، مستفيدين من قانون استثنائي "سري" يعفي المعذبين من المسئولية ويوفر لهم الحماية، خصوصاً في إدارة أمن الدولة.

 

فبموجب قانون إحداث إدارة أمن الدولة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 14 بتاريخ 15/1/1969، والمعمول به حتى اليوم يستفيد السجانون الذين يمارسون التعذيب من الحماية التي تنص عليها المادة 16 إذ تقول "لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في الإدارة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكولة إليهم أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير".

 

كما أن المادة 74 من قانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 549 بتاريخ 12/5/1969 تكرس مبدأ الإعفاء من الملاحقة لمرتكبي جريمة التعذيب، وهو أمر معمول به على نطاق أوسع من إدارة أمن الدولة، حيث تقول "لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في إدارة أمن الدولة أو المنتدبين أو المعارين إليها أو المتعاقدين معها مباشرة أمام القضاء، في الجرائم الناشئة عن الوظيفة، أو في معرض قيامه بها قبل إحالته على مجلس التأديب في الإدارة واستصدار أمر ملاحقة من قبل المدير". علماً بأن المرسومين التشريعين المذكورين منصوص فيهما على أنهما لا يُنشران في الجريدة الرسمية، ويُعمل بهما اعتباراً من تاريخ الصدور.

 

وبناء على المعلومات والتقارير التي توفرت للجنة السورية لحقوق الإنسان، يمكن إجمال وسائل التعذيب الأكثر شيوعاً بحق المعتقلين في سورية اليوم بما يلي:

1- الضرب: في جميع أنحاء الجسم وبكل وسيلة ممكنة من الصفع والركل واستخدام أحزمة وأسلاك (كابلات) وعصي.

2- الدولاب: ثني جسم المعتقل بحيث يوضع رأسه وقدماه في الإطار في وضع مقوس ويضرب على رجليه وسائر جسده بالأسلاك أو السياط حتى تسيل منه الدماء.

3- الكرسي الألماني: كرسي معدني بأجزاء متحركة تربط بها يدا المعتقل ورجلاه، وبثني بقية الكرسي إلى الخلف يحدث ضغط كبير على الرقبة والأوصال. وتسبب هذه الطريقة صعوبة في التنفس قد تصل إلى حد الإصابة بإغماء. ويوجد نوع من هذا الكرسي يسمى "الكرسي السوري" تكون الأجزاء المعدنية فيه مثبتة عند الأرجل الأمامية للكرسي حيث تربط رجلا المعتقل، بحيث يؤدي الشد المذكور إلى جرح الكاحلين، وتستخدم هذه الطريقة عموماً بمصاحبة الضرب والجلد.

4- الشبح: ربط يدي المعتقل خلف ظهره وتعليقه منهما أو من قدميه، وفي كلتا الحالتين يستخدم الضرب أو الصدمات الكهربائية.

5- استخدام الكهرباء: توجيه صعقات كهربائية عن طريق وصل الأسلاك بأجزاء حساسة من الجسم كالأذنين والأنف واللسان والرقبة واليدين والعجز والقدمين والأعضاء التناسلية.

6- الحجز في معزل عن العالم في زنزانة صغيرة رطبة مظلمة دون اتصال بشري لفترات طويلة قد تستغرق شهوراً.

ويُضاف إلى ذلك مظاهر سوء المعاملة والتحطيم النفسي، مثل الإهانة بالألفاظ النابية، والمنع من النوم أو الطعام والماء والهواء النقي، وكذلك من قضاء الحاجة أو وسائل النظافة من الماء وغيره، إضافة إلى منع زيارة الأقارب والحرمان من العلاج الطبي.

 

الموت تحت التعذيب

سجلت اللجنة السورية لحقوق الإنسان ثلاث حالات للموت تحت التعذيب خلال هذا العام، ولم تتجشم السلطات عناء تبرير موت المعتقلين، سوى في حالة واحدة أُلقي فيها باللائمة على المعتقل الذي اتُهم بالانتحار.

والحالات الثلاث هي:

1- محمد شكري علوش قادر: كردي. توفي في يوم احتجازه بمركز التوقيف في جنديرس بتاريخ 25 أيار/ مايو 2001، ولكن جثته لم تُسلم لأهله إلا بتاريخ 19 تموز/ يوليو 2001. وقالت الشرطة التي اعتقلته في إطار التحقيق في جريمة سرقة إنه شنق نفسه ومات منتحراً، بينما يُعتقد بأن المعاملة اللاإنسانية أفضت إلى موته بعد ساعات من اعتقاله.

2- محمد مصطفى سنون: اعتُقل وهو طالب مطلع الثمانينيات، ضمن آلاف المعتقلين لأسباب سياسية آنذاك. وقد سُلمت جثته لذويه بعد أكثر من 20 سنة من الاعتقال، وذلك في 22 تموز/ يوليو 2001. ونظراً للتعذيب الذي استُخدم على نطاق واسع، والتردي الشديد لأوضاع المعتقلين السياسيين الذين قضوا فترة طويلة في السجون، تعرضوا خلالها للتعذيب وسوء المعاملة، وأُصيبوا بأمراض شتى نتيجة قلة التغذية والهزال والأوبئة، لا يمكن استبعاد وفاة المعتقل في هذه السن (في الأربعينيات) نتيجة الاعتقال الطويل في الظروف المذكورة.

3- محمد حسن نصار: لم تكلف السلطات نفسها تفسير اعتقاله وهو البالغ من العمر 52 عاماً، واعتُقل رغم فقدانه الذاكرة نتيجة إصابته بمرض ضمور الدماغ "الزهايمر"، عندما عاد به أهله إلى البلاد بعد استئذان السلطات المختصة. وتعتبر اللجنة السورية لحقوق الإنسان اعتقاله وتعذيبه حالة صارخة من الوحشية، تستدعي التحقيق ومحاسبة مرتكبي هذه الفعلة، خصوصاً وأن آثار التعذيب بدت على جسد المعتقل حين سُلمت جثته لأهله في 23 آذار/ مارس 2002.

 

المحاكمات: نحو "طورأة" القضاء العادي

حرصت السلطات على عرض المعتقلين السياسيين البارزين على القضاء. وانقسمت المحاكمات إلى قسمين: قسم أمام القضاء العادي، وآخر أمام القضاء الاستثنائي. ويجمع بين المحاكمات جميعها مميزات مشتركة، أهمها عدم توفر الأدلة الكافية للإدانة ليستند إليها الادعاء، وتوجيه التهم الهلامية مع الخلط بين السياسي والجنائي منها، علماً بأن التهم الجنائية استُخدمت لخدمة أغراض سياسية.

 

ولم يكن ثمة فرق جوهري في تعامل القضاء العادي مع المتهمين عن القضاء الاستثنائي من حيث قسوة الأحكام الصادرة عنه، الأمر الذي يثير القلق من عملية "طورأة" تجري للقضاء العادي، الذي سيلحق بركب المحاكم الاستثنائية التي تمثل سلطة قانون الطوارئ والأحكام العرفية، لا الدستور والقوانين السارية الأخرى، خصوصاً وأن الدستور السوري ينص في المادة 38 على أن "لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى وأن يسهم في الرقابة والنقد البناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي ويدعم النظام الاشتراكي وتكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر وفقاً للقانون".

 

ولم يُمنح محامو الدفاع أمام القضاء العادي الفرصة الكافية للدفاع عن المتهمين من خلال استدعاء الشهود الذين يعتقدون أنهم يبرئون ساحة موكليهم، بينما كانت هناك إعاقة للاطلاع على محضر الادعاء بالنسبة للمحاكمات أمام القضاء الاستثنائي. وإضافة إلى هذا كانت محاكمة النائبين محمد مأمون الحمصي ورياض سيف نكسة للقضاء السوري، حيث لم يستجلب أي من الشهود الذين طلبت المحكمة حضورهم من المسئولين والوزراء لدعوتهم إلى الشهادة، ولم تستمع المحكمة سوى إلى شهود مدافعين عن رياض سيف فندوا كل ما وجه إليه من اتهامات، ومع ذلك فقد صدر الحكم ضد النائبين.

 

محاكمة مأمون الحمصي

بدأ التمهيد لمحاكمة مأمون الحمصي بعد اعتقاله بشهرين، حين قُدم لجلسة استجواب إداري يوم 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2001، وحركت النيابة العامة بدمشق دعوى عامة بحقه بجرائم استهداف تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة ومنع السلطات القائمة من ممارسة وظائفها المستمدة من الدستور والنيل من الوحدة الوطنية وتعكير الصفا بين عناصر الأمة ومقاومة أعمال موظفي الدولة المشروعة، وذم وقدح السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

 

وقد بدأت محاكمته بجلسة أولى في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2001. وكانت المحاكمة علنية، غير أن المتهم ومحاميه اختلفوا مع المحكمة مراراً أثناء المحاكمة التي استمرت حتى 20 آذار/ مارس 2002، واتهم الدفاع المحكمة بحرمان النائب الحمصي من الرعاية الصحية في السجن رغم تردي وضعه الصحي بسبب إصابته بالسكري. كما اتهم الدفاع بأنها غير محايدة، وطالبها مرتين بالتنحي عن الدعوى لعدم الثقة بنزاهتها، بعد أن "زورت" ضبط إحدى الجلسات ولم تقم بتسجيل جميع أقوال المتهم، إلا أن المحكمة أصرت على إعلان أهليتها للنظر في الدعوى.

 

وقبل أسبوع من إصدار المحكمة حكمها، انسحبت هيئة الدفاع احتجاجاً على سير المحاكمة التي لم تشهد استدعاء أي شهود من أصل 21 شاهداً طالب الدفاع بحضورهم. وقد أصدرت محكمة الجنايات الثانية بدمشق حكمها على النائب الحمصي رغم عدم وجود محامين يترافعون عنه بسبب انسحاب هيئة الدفاع.

وصدر الحكم ب "الأغلبية"، إذ أن المستشار عباس ديب خالف زميليه في هيئة المحكمة الرأي. وقال قرار المحكمة إنها تجرم المتهم بجنايتي استهداف تغيير الدستور ومنع السلطات الرسمية من ممارسة مهامها، وبجنح ذم وقدح السلطات التشريعية والقضائية، وقضت بحجزه وتجريده من حقوقه المدنية، وبتوقيفه المؤقت مدة خمس سنوات لجرم استهداف تغيير الدستور، وبثلاث سنوات لجرم منع السلطات الرسمية من ممارسة مهامها الدستورية وستة أشهر لجرم ذم السلطات التشريعية والقضائية، و6 أشهر لجرم قدح السلطات التشريعية والقضائية. لكن المحكمة قررت دمج العقوبات، أي أن الحمصي سيُسجن خمس سنوات، كما برأته من تهم إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، والمقاومة السلبية لمنع الأعمال المشروعة التي تقوم بها الدولة لعدم توفر الأدلة الكافية.

 

وقد وكل الحمصي محامين جدداً للدفاع عنه، وقدمت هيئة الدفاع الجديدة طعنها في حكم سجنه قبل انتهاء مهلة الثلاثين يوماً الممنوحة في القانون.

 

محاكمة رياض سيف

جرت محاكمة رياض سيف بالتزامن مع محاكمة مأمون الحمصي. وأُحيل سيف بعد شهرين من اعتقاله لجلسة استجواب إداري أمام محكمة الجنايات في غرفة رئيس المحكمة يوم 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2001. وكانت النيابة العامة الأولى في دمشق قد حركت دعوى عامة على سيف في شباط/ فبراير 2001 بجرم الاعتداء الذي يستهدف تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة وإثارة النعرات المذهبية وتشكيل جمعية سرية لأغراض منافية للقانون (حركة السلم الاجتماعي)، وعند اعتقاله في أيلول/ سبتمبر 2001 أضاف قاضي التحقيق الأول في دمشق إلى ذلك اتهام سيف بالدعوة إلى عقد اجتماعات في منزله تداول المجتمعون خلالها مناقشات وخطباً سياسية تحريضية دون الحصول على إذن من السلطات المختصة.

 

وقد بدأت محاكمته بجلسة أولى في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2001. وكانت المحاكمة علنية. ونجح الدفاع في استدعاء ثلاثة شهود فقط، شهدوا كلهم لصالح المتهم. واستمرت هيئة الدفاع في الترافع أمام المحكمة حتى النهاية، وشاع جو من التفاؤل في الجلسات الأخيرة، قبل أن تقرر المحكمة في 4 نيسان/ إبريل 2002 بالأغلبية تجريم رياض سيف لتفاجئ هيئة الدفاع والمراقبين، وتذكي التوقعات بأن الحكم أُعد سلفاً.

 

وحكمت المحكمة على سيف بالسجن مع النفاذ خمس سنوات بعد تجريمه بجناية الاعتداء الذي يستهدف تغيير الدستور بطرق غير شرعية. كما حُكم عليه بالسجن ستة أشهر لتشكيله جمعية سرية وعقد اجتماعات غير قانونية، ولكن المحكمة أخذت بالعقوبة الأشد، وبرأته في الوقت نفسه من تهمة إثارة النعرات الطائفية والمذهبية. ووصف محامو الدفاع قضية سيف بأنها سياسية، وكذلك اعتبروا قرار تجريمه وسجنه. وقدموا طعنهم في القرار.

 

محكمة أمن الدولة العليا

يُعتبر وجود محكمة أمن الدولة العليا في سورية مخالفاً للدستور الدائم الذي أُقر عام 1973. وما تزال المحكمة قائمة على الرغم من إحداثها بمرسوم تشريعي سابق للدستور، لكن الحكومة السورية تستغل ثغرة دستورية متمثلة في المادة 153 التي تقول "تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تعدل بما يوافق أحكامه"، علماً بأن الحكومة لم تعرض على مجلس الشعب ولم تراجع منذ إقرار الدستور الكثير من القوانين المعمول بها من الماضي، ومنها المرسوم التشريعي رقم 47 تاريخ 28/3/1968 الذي ينص على إحداث محكمة أمن الدولة العليا وتحديد اختصاصاتها، على الرغم مما يحتويه هذا المرسوم من مخالفات صريحة لمواد الفصل الرابع من الدستور الذي يفصل "الحريات والحقوق والواجبات العامة". وكانت هذه المحكمة أنشئت لتحل محل المحكمة العسكرية الاستثنائية الملغاة (التي أُحدثت بقانون مناهضة أهداف الثورة وإحداث محاكم استثنائية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 6 تاريخ 7/1/1965).

وتشكل محكمة أمن الدولة العليا بمرسوم بناء على اقتراح الحاكم العرفي من رئيس وقاضيين أحدهما مدني والآخر عسكري، ويجوز أن يضاف إلى هيئة المحكمة عضوان آخران في الحالات الهامة التي يعود تقديرها للحاكم العرفي.

 

ويجيز المرسوم التشريعي رقم 47 إحداث أكثر من محكمة أمن دولة واحدة، وتوسع المادة 6 منه صلاحيات محكمة أمن الدولة العليا لتشمل "جميع الأشخاص من مدنيين وعسكريين مهما كانت صفتهم أو حصانتهم". كما أن صلاحيتها غير محدودة في خصوص القضايا التي تنظر فيها، حيث تقول المادة 5 إنه بالإضافة إلى تمتع محكمة أمن الدولة العليا بسائر اختصاصات المحكمة العسكرية الاستثنائية (الملغاة) فهي "تختص في كل قضية أخرى يحيلها إليها الحاكم العرفي".

 

كما ينص مرسوم إحداث المحكمة على أنه "مع الاحتفاظ بحق الدفاع المنصوص عليه في القوانين النافذة، لا تتقيد محاكم أمن الدولة بالإجراءات الأصولية المنصوص عليها في التشريعات النافذة وذلك في جميع أدوار وإجراءات الملاحقة والتحقيق والمحاكمة"، وهو أمر يهدد حق الحصول على محاكمة عادلة.

وبنص المادة الثامنة من المرسوم "لا يجوز الطعن بالأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة العليا. ولا تكون هذه الأحكام نافذة إلا بعد التصديق عليها بقرار من رئيس الدولة الذي له حق إلغاء الحكم مع الأمر بإعادة المحاكمة، أو إلغائه مع حفظ الدعوى، أو تخفيض العقوبة أو تبديلها بأقل منها. ويكون لحفظ الدعوى مفعول العفو العام. ويكون قرار رئيس الدولة في هذا الشأن مبرماً غير قابل لأي طريق من طرق الطعن أو المراجعة".

 

وقد استعادت محكمة الدولة العليا نشاطها بشكل ملحوظ خلال هذا العام، خصوصاً في ظل الاهتمام الكبير بها، بعد قرار تحويل معتقلي الرأي الثمانية إليها. وتعقد هذه المحكمة جلساتها بصورة سرية في العادة، وعقدت بالفعل محاكمتين سريتين خلال هذا العام كُشف النقاب عنهما لاحقاً، وبدأت محاكمة خمسة من المعتقلين الثمانية المذكورين آنفاً، في أجواء لا ترقى إلى حالة العلنية الكاملة، وإن كان مسموحاً حضور مندوب عن الصحافة الحكومية وزوجات المعتقلين، إلى جانب عدد من محامي الدفاع.

 

ووجهت النيابة العامة في دعاواها أمام محكمة أمن الدولة العليا تهماً سياسية إلى المتهمين، يمكن إرجاعها إلى القوانين الاستثنائية غير العادلة، علماً بأن الأحكام غير قابلة للنقض.

وفيما يلي أهم المحاكمات التي عقدتها محكمة أمن الدولة العليا في دمشق هذا العام:

1- مدحت طيفور: من مدينة حماة. اعتقلته السلطات السورية عام 1996، ولا يُعرف عنه أي نشاط أو انتماء سياسي، لكن أخاه الموجود في المنفى مسئول في جماعة الإخوان المسلمين في سورية. وكان مقيماً في السعودية حتى منتصف التسعينيات، حين غادرها إلى الأردن حيث مكث عاماً تقريباً تردد خلاله على السفارة السورية التي أبلغته بأن لا شيء يمنعه من السفر إلى سورية، وبالفعل عاد عام 1996 واعتُقل فور وصوله الحدود. وقد جرّمت المحكمة مدحت طيفور بالانتماء إلى "تنظيم إجرامي"، في إشارة إلى الإخوان المسلمين المجرّمين بالقانون 49 لعام 1980، وحكمت عليه بالسجن 12 عاماً.

 

2- حسين داود: ناشط كردي، يقول حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سورية إنه عضو فيه. وكان داود أُعيد من ألمانيا التي رفضت منحه اللجوء السياسي إلى سورية، واعتقلته السلطات لدى وصوله إلى مطار دمشق في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2000. ولم يُعرض على المحكمة إلا مؤخراً، حيث أصدرت محكمة أمن الدولة العليا في 20 آذار/ مارس 2002 حكماً بسجنه عامين بعد توجيه اتهامين إليه: الأول اتهامه بمعارضة أهداف الثورة من خلال المشاركة المظاهرات المناهضة للنظام في سورية، والثاني اتهامه بالتورط في أنشطة تهدف إلى تقسيم سورية وسلخ جزء منها. وجاء هذا الحكم مخففاً –بالمقارنة بالأحكام القاسية للمحكمة- على خلفية ضغط الحكومة الألمانية.

 

3- رياض الترك: في 4 نيسان/ إبريل 2002، اليوم الذي صدر فيه الحكم على رياض سيف، حركت محكمة أمن الدولة العليا برئاسة القاضي فايز النوري ملف رياض الترك وسبعة معتقلي رأي آخرين، عبر استدعاء عدد من الشهود من قبل النيابة العامة. وقد كان رياض الترك أول من بدأت محاكمته من هؤلاء أمام محكمة أمن الدولة العليا، وذلك في 28 نيسان/ إبريل 2002. وحكمت عليه محكمة أمن الدولة يوم أمس 26/6/2002 بالسجن لمدة سنتين ونصف.

 

واتهمت النيابة العامة الترك بإشاعة أنباء كاذبة أو مبالغ بها من شأنها أن توهن من نفسية الأمة أو تنال من هيبة الدولة أو مكانتها المالية، وترمي إلى إضعاف الشعور القومي وإيقاظ النعرات الطائفية والمذهبية، كما اتهمته بالسعي إلى تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة، وإلى إثارة عصيان مسلح ضد السلطات القائمة بموجب الدستور. وعقدت المحكمة جلستها الأولى علنية، لكنها سرعان ما نكصت وعادت إلى سرية الجلسات، وسمحت بحضور صحفي واحد فقط يمثل وكالة الأنباء الحكومية، وبحضور زوجة المتهم ومحاميه. ومن المقرر أن تصدر المحكمة حكمها في 26 حزيران/ يونيو 2002.

 

4- عارف دليلة ووليد البني وحبيب صالح وحبيب عيسى: بدأت محاكمتهم بعد محاكمة رياض الترك، وعُرضوا على المحكمة في محاكمات منفردة. ويواجهون تهماً من النيابة العامة تدور حول التعدي على الدستور، وإشاعة أنباء كاذبة أو مبالغ بها من شأنها أن توهن من نفسية الأمة أو تنال من هيبة الدولة أو مكانتها المالية، وإضعاف الشعور القومي وإيقاظ النعرات الطائفية والمذهبية، والسعي لإثارة عصيان مسلح ضد السلطات.

 

وقد أضيف إلى هذه التهم اتهام جديد وُجه إلى ثلاثة منهم، هم عارف دليلة وحبيب صالح ووليد البني، وهو "تحقير الرئيس والنظام القائم"، وذلك في جلسة عقدتها محكمة أمن الدولة العليا في 12 حزيران/ يونيو 2002. ورد المتهمون بأن هذا اتهام مفبرك، بينما قال الدفاع إن الاتهام الجديد يستند إلى تسجيلات أُخذت في غفلة منهم في السجن، وهذه تعد دليلاً غير شرعي وغير قانوني. وأصدرت محكمة أمن الدولة العليا حكماً على السيد حبيب صالح بالسجن لمدة ثلاث سنوات بعد إدانته بالسعي لإضعاف الشعور القومي ومناهضة أهداف ثورة حزب البعث الحاكم في سورية.

 

5- كمال لبواني وفواز تلو وحسن سعدون: لم تبدأ محاكمتهم حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، ولكنهم يواجهون تهماً مماثلة لأقرانهم الخمسة الجارية محاكمتهم.

 

6- معتقلو حزب التحرير الإسلامي: علمت اللجنة السورية لحقوق الإنسان أن محكمة أمن الدولة العليا نظرت خلال شهر أيار/ مايو 2002 في قضية بعض المعتقلين من حزب التحرير الإسلامي ممن اعتُقلوا في عامي 1999 - 2000، ولكن لم يتسنّ - بسبب سرية المحكمة - معرفة شيء عن مجريات المحاكمة، أو طبيعة الأحكام الصادرة.

 

المواطنة المنقوصة: قضايا عالقة

لم يكن هذا العام أفضل من سابقيه بالنسبة إلى الاعتراف بالحقوق التي تفرضها المواطَنة السورية، كالحرية والحقوق المدنية. فصحيح أن السلطات أفرجت عن مئات المعتقلين السياسيين، لكنها أبقت على مئات غيرهم معروف أنهم على قيد الحياة، وآلاف مجهولي المصير.

 

وفي الواقع فإن الحكومة السورية ما زالت بعيدة عن تطبيق الدستور فيما يخص حقوق المواطنين وواجباتهم. حيث تنص المادة الخامسة والعشرون في الدستور، وهي أولى مواد الفصل الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة، على ما يلي:

1- الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم.

2- سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.

3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.

4- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.

كذلك فإن المادة 27 من الدستور تقول "يمارس المواطنون حقوقهم ويتمتعون بحرياتهم وفقاً للقانون"، والمادة 29 تقول "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني".

 

وإضافة إلى ذلك، فإن حكومة الجمهورية العربية السورية موقعة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، الذي تقول مادته الأولى "يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء"، ومادته الثالثة "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه". كما ينص هذا الإعلان على أنه "لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة" و"لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية".

وتؤكد كل البراهين والقرائن إلى أن الحكومة السورية لا تزال غير ملتزمة بحقوق المواطنة كما ينص عليه دستورها، والمعاهدات الدولية، وفيما يلي تفصيل ذلك:

 

الاعتقال السياسي

لا تزال الحكومة السورية ترفض القيام بحل جذري لمشكلة الاعتقال السياسي الجماعي الذي قامت به منذ مطلع الثمانينيات. لكنها في مطلع التسعينيات، أفرجت عن دفعات من المعتقلين، تراوح حجم الدفعة بين عشرات ومئات المعتقلين السياسيين.

 

وخلال هذا العام أفرجت السلطات عن معتقلين يقدر عددهم بحوالي 650 شخصاً. وكان بين الذين أُفرج عنهم ممن ينتمون إلى حزب التحرير الإسلامي (68 معتقلاً)، وهؤلاء جرت بحقهم اعتقالات واسعة في عامي 1999 - 2000. لكن السلطات أبقت أكثر من 20 سجيناً ممن تعتبرهم قادة التنظيم المحظور، وهناك معلومات عن عرضهم مؤخراً على محكمة أمن الدولة العليا. كما أن الاعتقالات في صفوف أعضاء حزب التحرير استمرت حتى وقت قريب، وتفيد الأنباء أنها طالت العشرات.

 

وقد رافق الإفراج عن بعض المعتقلين تطور إيجابي تمثل في الإعلان في الصحافة الحكومية لأول مرة عن عفو يشمل معتقلين سياسيين، وحصل هذا بشكل خاص حين أُفرج في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي عن حوالي 120 شخصاً من الإخوان المسلمين وحزب التحرير وبعض الشيوعيين. وكان المهندس خالد الشامي (60 عاماً) والشيخ هاشم المجذوب، من أبرز الإخوان الذين أطلق سراحهم، بالإضافة إلى مشهل محمد ديب حوى الذي اعتقل على خلفية قرابته بالقيادي الإخواني الراحل سعيد حوى. . وكان بين المعتقلين المفرج عنهم أيضاً 6 فلسطينيين و5 أردنيين.

 

وهناك أيضاً ثمانية معتقلين من حزب العمل الشيوعي أُفرج عنهم، وهم: أكرم البني وعباس عباس وبهجت شعبو ونزار مرادني وراشد سطوف وعدنان محفوظ ومحمد معمار ووجيه غانم، ومعتقل تاسع محسوب على حزب البعث الديمقراطي هو الصحفي عادل إسماعيل.

 

ولم يبق في السجن من معتقلي حزب العمل الشيوعي غير الدكتور عبد العزيز الخير المعتقل منذ عام 1992 ويقضي عقوبة بالسجن مدتها 22 عاماً أصدرتها محكمة أمن الدولة.

 

وما زال في السجون السورية، حسب سجلات اللجنة السورية لحقوق الإنسان نحو أربعة آلاف معتقل سياسي لم تقدم السلطات أي تقرير أو معلومات عن أوضاعهم. ويوجد فيها أيضاً معتقلون أردنيون وفلسطينيون ولبنانيون وعراقيون ومن جنسيات عربية أخرى، وهناك بشكل خاص عائلة عراقية معتقلة حديثاً مكونة من عائشة وأسماء طالب وأبيهما وأخيهما وباقي العائلة.

 

المفقودون

إضافة إلى المعتقلين السياسيين، هناك حوالي 15000 مواطن سوري فُقدت آثارهم داخل السجون، بعد اعتقالهم على خلفية الرأي أو الانتماء السياسي. وهؤلاء اعتُقلوا منذ أواخر السبعينيات والثمانينات وحتى التسعينيات، وانقطعت أخبارهم عن أهاليهم الذين لم يُسمح لهم بزيارتهم، ولم يُعرف شيء عن كثير منهم، ومعظمهم اعتقلوا بتهمة انتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين.

 

ويصعب التأكد مما إذا كان هؤلاء على قيد الحياة أم لا، خاصة وأن بعض المعتقلين المفرج عنهم حديثاً كان يُظن لسنوات طويلة أنهم في عداد الأموات. ولكن السجون السورية ليس فيها بالتأكيد 15000 معتقل سياسي اليوم، الأمر الذي يؤكد صحة المخاوف حول مصير الغالبية العظمى من المفقودين. ويُعتقد أن المفقودين إما قضوا في مجازر جماعية (منها مجزرة تدمر 27/6/1980) أو في الإعدامات المكثفة التي استمرت حتى أواخر الثمانينيات حسب روايات شهود العيان من المعتقلين في تلك الفترة، أو تحت التعذيب، أو بسبب الأمراض والأوبئة التي اجتاحت بعض السجون وساهم فيها سوء التغذية والمعاملة اللاإنسانية.

 

وما زال المفقودون أحياء في السجلات المدنية، وهذا ما يخلق مشاكل كثيرة، أقلها أن قضاياهم المدنية (من زواج وميراث وغيرهما) معلقة بسبب جهل مصيرهم.

 

وكانت اللجنة السورية لحقوق الإنسان قد أعلنت في 16 تموز/ يوليو 2001 أنها تلقت معلومات من مصادر موثوقة عن تحرك جرافات لنقل كمية كبيرة من التربة من موقع شرق مدينة تدمر الصحراوية. وتعتقد اللجنة أن العملية تمت لإزالة آثار المقابر الجماعية لضحايا مجزرة تدمر التي ارتكبتها سرايا الدفاع التابعة لرفعت الأسد في 27 حزيران/ يونيو 1981، وراح ضحيتها بين 600 و1200 ضحية، معظمهم من الإخوان المسلمين أو المتعاطفين معهم.

 

وقد نظمت السلطات السورية زيارة لثلاثة من الصحفيين العرب إلى موقع قرب تدمر، لتأكيد عدم نقل تربة من المنطقة، لكنها لم تنفِ وجود المقبرة الجماعية أو تثبته. ويُعتقد أن الموقع الذي زاره الصحفيون تحت إشراف رسمي ليس هو موقع المقبرة الجماعية المقصودة، ولكن اللجنة السورية لحقوق الإنسان رحبت مع ذلك بالزيارة، واعتبرتها بادرة إيجابية غير مسبوقة من جانب السلطات السورية.

 

الحقوق المدنية

لا يتمتع معظم المعتقلين السياسيين السابقين بحقوقهم المدنية، وأصبحوا يشكلون ظاهرة، ويُسمون "المجرّدين" من هذه الحقوق. ويترتب على الحرمان من الحقوق المدنية، الحرمان من الوظيفة (العودة إلى الوظيفة السابقة أو الحصول على وظيفة جديدة) والحرمان من حق السفر إلى الخارج حتى لمن يحتاجون إلى العلاج، إضافة إلى الحرمان من كل حقوق المواطنة السياسية كالتصويت في الانتخابات والترشح لشغل المناصب العامة.

 

ولا تقتصر مشكلة الحرمان من الحقوق المدنية على هذه الفئة من المواطنين السوريين، بل هناك أيضاً المهجرون القسريون والمنفيون والأكراد الذين يعانون من شكل خاص من أشكال الحرمان من كل ما يمت إلى مواطنتهم بصلة.

 

المهجرون قسرياً والمنفيون

ليست هناك إحصائية دقيقة لأعداد المهجرين القسريين والمنفيين إلى خارج البلاد، ولكن اللجنة السورية لحقوق الإنسان - بالاستناد إلى المتوفر من المعلومات - منذ مطلع الثمانينيات تقدرهم بحوالي 150000 (مائة وخمسون ألف) مواطن سوري يعانون الحرمان من حق العودة إلى الوطن، ومن كل الوثائق المدنية، وخاصة وثائق السفر، رغم عيشهم في المنفى.

 

ويخالف هذا الإجراء التعسفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يؤكد أن "لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية"، وأن "لكل فرد حق التمتع بجنسية ما" و"لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً ..". كما ينص الإعلان العالمي على أن "لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة"، و"يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه".

 

وفي غياب الضوابط القانونية، فإن عدداً كبيراً من المهجرين القسريين والمنفيين فقدوا أملاكهم في البلاد، التي آلت إلى مسئولين وضباط في بعض الأجهزة الأمنية، رغم مخالفة ذلك الصريحة للدستور السوري الذي يقول "المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة في القانون"، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يقول "لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً".

 

وتمتد مشكلة هذا الحرمان من الحقوق المدنية بشكل غير قانوني إلى الجيل الثاني من الأولاد والثالث من الأحفاد لأولئك الذين اضطروا للهجرة القسرية، حيث يُعامَل الجميع معاملة قاسية. ولا تسمح السلطات لهؤلاء بالعودة إلى البلاد إلا بعد الخضوع لشروط أمنية قاسية تشمل إفشاء معلومات عن مواطنين آخرين وربما التعاون مع الأجهزة الأمنية. وحتى الذين يقبلون بهذه الشروط يبقون عرضة للاعتقال التعسفي والاحتجاز وربما التعذيب في حال العودة إلى البلاد، وقد رصدت اللجنة السورية لحقوق الإنسان بعض هذه الحالات.

 

الأكراد

يوجد في سورية عشرات الآلاف من المواطنين السوريين الأكراد المحرومين من كل الحقوق المدنية، وعلى الرغم من عيشهم داخل البلاد فهم في وضع أشبه بوضع المهجرين القسريين، من حيث الحرمان من كل الوثائق الرسمية، بدءاً من شهادة الميلاد، وانتهاء إلى وثائق السفر.

 

وتستند السلطات في معاملة هؤلاء إلى تعداد سكاني أُجري في عام 1962 وخضع لمعايير سياسية قومية أدت إلى استبعاد نسبة من سكان المناطق الشمالية الشرقية لسورية من الأكراد من التعداد. وتذهب مصادر كردية إلى تقدير هؤلاء اليوم بحوالي 200 ألف مواطن. ويؤدي الحرمان من الاعتراف بالمواطَنة ومن الوثائق الرسمية إلى الحرمان من فرص التعليم والعمل.

 

وأما الأكراد الذين يتمتعون بحقوق المواطنين الكاملة، فهم عرضة للاعتقال وسوء المعاملة إذا أظهروا تمسكهم بلغتهم وهويتهم القومية والثقافية، حيث أن اللغة الكردية غير معترف بها، ويحظر تداول الكتب أو الصحافة المكتوبة باللغة الكردية، بناء على تصنيف حكومي قديم للناشطين الأكراد بأنهم ينتمون إلى أحزاب سياسية انفصالية. علماً بأن أبناء الأقليات القومية والإثنية الأخرى في سورية يتمتعون بحقوق ثقافية وتعليمية خاصة بهم.

 

الشعور بالأمن: بين القانون واللاقانون

تتحمل الدولة مسئولة حماية مواطنيها والسهر على أمنهم، وهو الأمر الذي لا يتمتع به المواطن السوري، الذي هو عرضة للقمع بسبب آرائه. ويتخذ هذا القمع أشكالاً عدة، منها الاعتقال المباشر والعرض على المحاكم الاستثنائية ، ومنها ما يأخذ أشكالاً أخرى مستترة.

 

محاولات الاغتيال والاختطاف والتهديد والاعتداء

حدثت  محاولات اغتيال أو اختطاف أو تهديد أو اعتداء استهدفت ناشطين سياسيين إما معارضين أو ممن جهروا بآراء انتقادية للسلطات، ومع أنه لم يكشف النقاب عمن يقف وراءها ، لكن هذه الأحداث تطرح بقوة أسئلة عن المسئولين عنها. وأبرز ما سُجل في هذا العام: محاولة اغتيال المحامي خليل معتوق الذي تعرض لحادث سير متعمد كاد يودي بحياته في 9/7/2001، وتهديدات من جهات مجهولة للنائب رياض سيف قبل اعتقاله، و اختطاف الصحافي المعارض نزار نيوف في حزيران/ يونيو 2001 قبل أيام من سفره إلى الخارج للعلاج. 

 

تغييب القانون

تعيش سورية حالة من غياب القانون، في ظل استمرار العمل بقوانين استثنائية تمنح السلطة التنفيذية سلطات واسعة في اعتقال المواطنين ومحاكمتهم وسجنهم لفترات طويلة دون رقيب.

ثمة تصادم واضح  بين مواد الدستور ، وبين المادة 153 التي تقول: "تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تُعدل بما يوافق أحكامه". واستناداً إلى هذه المادة  التي تشرع للقوانين الاستثنائية والقمعية ، فما زال العمل مستمراً بما يلي:

1- حالة الطوارئ المفروضة بقرار من "مجلس قيادة الثورة" يوم 8 آذار/ مارس 1963.

2- القوانين الاستثنائية المفروضة منذ عام 1963.

3- محكمة أمن الدولة العليا التي تم إحداثها عام 1968.

4- قانون مناهضة الثورة لعام 1968.

5- قوانين حماية رجال الأمن من عواقب ممارساتهم.

6- القانون 49 لعام 1980 الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء الفكري للإخوان المسلمين.

 

كما أن الدستور السوري ينص على المساواة بين المواطنين جميعاً في الحقوق والواجبات، ولكن في الوقت نفسه فإن المادة 8 من الدستور تقول "حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية". ويؤدي التطبيق العملي لهذه المادة إلى تقسيم المواطنين إلى فئتين: فئة أ (البعثيون) وفئة ب (غير البعثيين)، وهذا واضح في انتخابات مجلس الشعب الذي تُقسم مقاعده على الفئتين، وتُعطى الفئة أ حصة كبيرة نسبياً، الأمر الذي يجعل حزباً واحداً متحكماً بالحياة السياسية.

 

السجون في سورية

أغلقت السلطات السورية خلال هذا العام القسم السياسي في سجن تدمر، الذي ارتبط بحقبة سيئة الذكر من الاعتقال السياسي والتعذيب في تاريخ سورية.

 

وتحدثت التقارير في أواخر شهر آب/ أغسطس 2001 عن عملية نقل كبيرة للسجناء السياسيين من سجن تدمر تمهيداً لإغلاقه رسمياً، حصلت على دفعتين: الأولى في شهر تموز/ يوليو 2001 وشملت 284 سجيناً سياسياً نُقلوا إلى سجن صيدنايا في دمشق، والثانية في شهر آب/ أغسطس وبها اكتمل نقل 500 معتقل سياسي من تدمر إلى صيدنايا. وكانت السلطات السورية أغلقت سجن المزة العسكري في دمشق في تشرين الثاني/ نوفمبر  2000 تمهيداً لتحويله إلى متحف.

 

ولكن كثيراً من السجون ما زالت مفتوحة، ويعاني المعتقلون فيها من مرافق سيئة بشكل متعمد. وتشتهر سورية بكثرة سجونها ففي العاصمة دمشق و حلب فقط يوجد أكثر من 14 سجناً و16 فرع اعتقال وتحقيق حسب معلومات اللجنة السورية لحقوق الإنسان.

 

الأجهزة الأمنية

ما تزال الأجهزة الأمنية حرة في اعتقال من تشاء من المواطنين، في غياب دولة القانون. ويوجد في سورية عدد كبير من هذه الأجهزة (13 جهازاً)، والشعب كله من اختصاص أي من هذه الأجهزة دون تمييز، ودون اعتبار لاسم الجهاز الأمني الذي قد لا يدل على اختصاصه، بقدر ما يدل على قسوة المعاملة فيه، فلا يُعرف أين تنتهي صلاحيات جهاز لتبدأ صلاحيات آخر.

 

ومنذ الثمانينيات شاع الفساد في الأجهزة الأمنية، التي راح بعض ضباطها يعتقلون المواطنين كمصدر للرزق، فيطلبون فدية كبيرة من أهاليهم للإفراج عنهم. وفي حال اعتقال أي مواطن سوري لدى أحد هذه الأجهزة، فلن يعدم الجهاز الأمني تهمة يلصقها به، نظراً لوجود قائمة طويلة من التهم الجاهزة، وكلها تذهب بصاحبها إلى السجن سنوات طويلة، ودون محاكمة حقيقية في الغالب. 



#اللجنة_السورية_لحقوق_الإنسان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان صحفي في الذكرى الثالثة والعشرين لمجزرة مدرسة المدفعية
- نداء عاجل للإفراج عن مسّلم شيخ حسن
- تصريح صحفي: السلطات السورية تعتقل الصحفيتين الشقيقتين عزيزة ...
- تصريح صحفي بمناسبة انعقاد المكتب الدائم لاتحاد المحامين العر ...
- تصريح صحفي بمناسبة تجميد عضوية هيثم المالح وأنور البني في نق ...
- نداء عاجل من اللجنة السورية لحقوق الإنسان : السلطات السورية ...
- نداء عاجل من اللجنة السورية لحقوق الإنسان للكشف عن مصير السي ...
- تصريح صحفي حول الحكم بخمس سنوات سجن على النائب محمد مأمون ال ...
- تصريح صحفي : اللجنة السورية لحقوق الإنسان تستنكر إحالة المحا ...
- تصريح صحفي : حول الحالة السيئة للنائب المعتقل محمد مأمون الح ...
- تصريح صحفي
- متابعات لقضايا عن حقوق الإنسان في سوريا
- تصريح صحفي
- تقرير سنوي للجنة السورية لحقوق الإنسان


المزيد.....




- المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تبرر عدم حسمها الدعاوى بخصوص ...
- أكسيوس: أعضاء بالكونغرس يبحثون مع الجنائية الدولية مذكرات اع ...
- في يومها العالمي.. السياسة والحروب تقلص حرية الصحافة حول الع ...
- جائزة حرية الصحافة للفلسطينيين وتراجع استقلال الإعلام عالميا ...
- الخارجية الروسية: الغرب الجماعي ينتهك حرية التعبير
- استشهاد دكتور فلسطيني و-الاحتلال- يرفض كشف معلومات عن بقية ا ...
- في اليوم العالمي لحرية الصحافة - مخاطر تحيط بصحفيي السودان
- كوريا الشمالية تسلط الضوء على سياساتها التعليمية لذوي الاحتي ...
- مستوطنون يهاجمون بلدة جنوب نابلس والقوات الإسرائيلية تشن حمل ...
- الأمم المتحدة: أكثر من 10 آلاف فلسطيني مفقود تحت أنقاض غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - اللجنة السورية لحقوق الإنسان - التقرير السنوي للجنة السورية لحقوق الإنسان لعام 2002