|
فرانكفورت ـ من عبد العظيم حماد |
منذ أن أدرك المثقفون الذين بشروا بالفكر المناهض للعولمة أن مذهبهم أصبح حركة جماهيرية من خلال حملة الاحتجاج واسعة النطاق ضد قمة جنوة للدول الصناعية في شهر يوليو من العام الماضي, وهم يبحثون عن أفضل الطرق لتنظيم حركتهم علي النطاق العالمي, ولكن شرط أن يتفادي هذا التنظيم نقائص رخيانات التنظيمات الجماهيرية واليسارية السابقة وأبرزها حزب الخضر في ألمانيا التي يقول منظرو الحركة الجديدة أنه تحول إلي حزب منافق, وأن زعيمه يوشكا فيشر وزير الخارجية الألمانية الحالي هو من أكثر الشخصيات استحاقا لكراهيتهم, وصحيح أن المظاهرات ضد العولمة في أثناء انعقاد مؤتمر منظمة التجارة العالمية في سياتل بالولايات المتحدة قبل قمة جنوة بأكثر من عام كانت تنبيء بأن الفكر المعادي للعولمة قادر علي التحول إلي حركةجماهيرية, ولكن قادة هذا الفكر في أوروبا كانوا في حاجة إلي بروفة ثانية لكي يتأكدوا أنهم لايركضون وراء أمانيهم وكانت جنوة هي البروفة الثانية, ثم جاءت حملة الاحتجاج التي هاجمت زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأخيرة إلي برلين والتي فاقت كل التوقعات لتكون البروفة الثالثة والأخيرة. لذا أسفر مؤتمر الحركة المناهضة للعولمة في ألمانيا( أتاك) بمدينة فرانكفورت في الأسبوع الماضي عن نتائج ومؤشرات بالغة الدلالة علي المستقبل العريض الذي يتوقعه قادة هذه الحركة لحركتهم, فقد كان عدد الفرع الألماني للحركة لايزيد علي400 عضو في شهر انعقاد قمة جنوة, ولكن في المؤتمر الأخير تبين أن العدد تضاعف أكثر من16 مرة ليصل إلي6500 عضو, مع استمرار تزايد الاقبال علي العضوية بمعدلات كبيرة مابين100 إلي150 عضوا أسبوعيا, وبعد أن كانت ميزانية الحركة لاتتجاوز138 الف دولار, ارتفعت إلي حوالي نصف مليون دولار.
ومع ازدياد عدد الأعضاء أصبحت الحاجة ملحة لاقامة هيكل تنظيمي للحركة التي كانت تعتمد حتي تاريخه علي الحد الأدني من التنظيم( مكتب واحد, وعنوان الكتروني, واتصالات شخصية, ومؤتمر سنوي) فأقر مؤتمر فرانكفورت الأخير إقامة مجلس قومي للقيادة, وهيئة ادارية دائمة, ومتحدث صحفي دائم,, بالاضافة إلي لجنة تنسيق بين الفروع المحلية التي وصل عددها الآن إلي80 فرعا, وبين فروع الحركة في الدول الاوروبية والولايات المتحدة بالاضافة طبعا إلي المؤتمر العام, ولكن المشكلة التي لم يتوصل مؤتمر فرانكفورت لحل لها علي المستوي التنظيمي هي ضرورة الاختيار مابين عقد المؤتمر العام في شكل جمعية( أي بنظام الديمقراطية المباشرة حيث يحضر كل الأعضاء) ومابين عقده من مندوبين عن الجماعات والفروع( أي الديمقراطية التمثيلية) ومن الواضح أن فكر الحركة يميل نحو الديمقراطية المباشرة, ولكن مع اطراد اتساع نطاق العضوية فسوف يستحيل في لحظة ما ايجاد مكان يتسع لكل الأعضاء, فضلا عن الصعوبات المسلم بعلي أنها لادارة اجتماع يشارك فيه مثلا50 الف عضو علي أن مؤتمر فرانكفورت أقر قاعدة مشتقة من نظام الديمقراطية المباشرة, وهي استمرار اصدار القرارات بتوافق الآراء وليس بأغلبية الأصوات, ويفهم أعضاء الحركة توافق الآراء هذا هذا علي أنه يعني موافقة90% من الاعضاء علي القرار المطروح, ولكن دون أن يغلق باب المناقشة في أية لحظة حول هذا لقرار.
وأصدر المؤتمر في نهاية أعماله إعلان مباديء يجسد البرنامج السياسي لحركة أتاك الالمانية, وأهم هذه المباديء التي يري أعضاء الحركة أنها قادرة علي مكافحة العولمةبالطريقة الأمريكية الرأسمالية الفجة, هو فرض ضرائب علي التحويلات النقدية العابرة للحدود, واستخدام عائدها في مكافحة الفقر والتخلف في العالم الثالث علي وجه الخصوص, وإنهاء نظم الاعفاءات الضريبية للرأسماليين تحت أي مسمي من المسميات, والرفض المطلق لخصخصة قطاعات الخدمات العامة, ورفض اللجوء للحرب في السياسات الخارجية. ويلاحظ أن هذا الإعلان تفادي المطالبة بالغاء صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية, وهو ما أعتبره المراقبون اتجاها نحو الاعتدال لأن إلغاء هذه المنظمات التي أنشأتها الرأسمالية المستغلة كان دائما في مقدمة مطالب مناهضي العولمة.
ويعتقد أن هذا الاعتدال خطوة أولي نحو الحركة إلي حزب سياسي, وربما يتقدم بمرشحين للبرلمان الألماني أن لم يكن في انتخابات22 سبتمبر المقبل علي سبيل التجربة ففي الانتخابات التي تليها عام2006 وهنا تواجه الحركة أخطر مشكلاتها اذ أنها ليست مكونة من نسيج سياسي واحد, فهي تتسع لكل الوان الطيف السياسي اليساري من مؤسسي الحركة نفسها إلي مؤسسي حركة الخضر الاشتراكيين والشيوعيين وأنصار السلام ودعاة حقوق الإنسان والمدافعين عن العالم الثالث والحركات النسائية.. وسيكون من العسير اختيار مرشحين, والاتفاق علي برنامج انتخابي في ضوء هذا التشتت في المنابع, لكن يبقي الأمل في تحول الجميع إلي تيار واحد مع اطراد الوقت, والتفاعل, جنبا إلي جنب مع تبادل الخبرات مع فروع الحركة في بقية الدول الاوروبية. |
|
|
|
|
|