أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - صائب خليل - تحليل المجتمع من أجل تمزيق مقاومته– تجارب يفصلها نصف قرن















المزيد.....

تحليل المجتمع من أجل تمزيق مقاومته– تجارب يفصلها نصف قرن


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 2413 - 2008 / 9 / 23 - 09:33
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


في نيسان الماضي نشرت " مؤسسة العراق للأعلام والعلاقات الدولية" مقالة مترجمة عن النيوزويك (1) تتحدث عن فرق من علماء الإنثروبولوجيا (علم الشعوب) تقوم لحساب الجيش الأمريكي، بدراسة معتقدات الشعب العراقي وعاداته ومفاهيمه الإجتماعية وظروف معيشته، في مشروع وصف بأنه "يهدف إلى مساعدة القوات الأمريكية على تفهم الفروق الاجتماعية الدقيقة للمجتمع العراقي". ويتوصل هؤلاء إلى استنتاجاتهم بطرق مختلفة، فإضافةً إلى دراسة ما هو متوفر من دراسات عن المجتمع العراقي، يلجأون إلى المراقبة والمقابلات الشخصية وحتى البحث في القمامة لمعرفة "أنماط سلوك" المواطنين وأسلوب معيشتهم وتفضيلاتهم وما يؤثر بهم.

البرنامج الذي اعتبرته نيوزويك "مثير للجدل" يعرف باسم "نظام المنطقة البشرية"، وتقوم فكرته على "تجنيد الأكاديميين الذين يساعد مجال خبرتهم ومهاراتهم اللغوية القوات العسكرية الأمريكية على شن "حرب أكثر ذكاءً" لمكافحة التمرد في العراق وأفغانستان. ويهدف هؤلاء المختصون، من بين أشياء أخرى، إلى إعداد خرائط للسكان في مدن وقرى هذين البلدين، وتحديد القبائل المهمة وخطوط الضعف الموجودة فيها، ثم يقومون بتقديم المشورة والنصح للقادة العسكريين الأمريكيين بشأن الرؤية الأفضل لاستغلال التأييد المحلي لمهمتهم."

وكانت مخصصات المشروع حسب الصحيفة 40 مليون دولار، تمت إضافة 120 مليون دولار إليها لاحقاً في الوقت الذي تعاني بقية القطاعات العسكرية من الضغط المالي والتقشف، مما يظهر مدى حماس مخططي البنتاغون للفكرة وتوقعهم أن تلعب دوراً هاماً في مساعدة أمريكا على الانتصار في الحرب في العراق. وتسبب هذا الحماس الشديد للمشروع في انخفاض مستوى العاملين فيه لشدة الإستعجال في إنجازه. ويدفع للعاملين في المشروع مرتبات مجزية نظراً لأهمية وخطورة عملهم، ولكن أيضاً لتعويضهم عن الخسارة المعنوية والمادية التي قد تلحق بهم نتيجة عملهم حيث أعلنت جمعية الأنثروبولوجيين الأمريكية أن المشاركين في البرنامج سينتهكون على الأرجح المبادىء الأخلاقية للمهنة إذا أقدموا على تسجيل أنفسهم في البرنامج لأنهم سيوفرون المعلومات التي ستستعمل في عمليات عسكرية.

المقال ذكرني بقصة حدثت قبل نصف قرن في الفلبين(2) بين نفس النوع من الفرق الأمريكية وسكان البلاد، ولأن علاقة تلك البلاد مع محتليها الأمريكان فيه أكثر من نقطة شبه بحال العراق اليوم، والمقارنة معها أكثر مصداقية بكثير من مقارنة العراق باليابان والمانيا كما يحلو للبعض أن يفعل، اسمحوا لي أن اضيف بضعة أسطر عن خلفية الموضوع قبل الدخول فيه.

قال الرئيس الأمريكي وليام ماكنلي عام 1899: "لقد مشيت ارض البيت الأبيض ليلة بعد أخرى حتى بعد منتصف الليل؛ ولست خجلاً من أن أقول لكم ايها السادة بأني ركعت على ركبتيّ وصليت لله العظيم ليرشدني في اكثر من مرة. وفي إحدى الليالي جاءني الأمر هكذا، لا أدري كيف جاء، لكنه جاء: (1) أننا لا نستطيع إعادتها (جزر الفلبين) الى إسبانيا، فسيكون ذلك جبناً وخسة؛ (2) لايمكننا تسليمها إلى فرنسا أو المانيا، منافسينا التجاريين في الشرق، فذلك سيكون فشلاً تجارياً؛ (3) لانستطيع أن نتركهم (الفلبينيين) لوحدهم – فليسوا قادرين على حكم نفسهم بنفسهم، وستعمهم الفوضى بأكثر مما كانوا تحت حكم الإسبان. لذلك فلم يبق لنا سوى أن نأخذها (الجزر) جميعاً، وأن نعلم الفلبينيين ونرفعهم ونحضرهم ونمسحهم، وأن نفعل بهم خير ما نستطيع بإرادة الله، كأخوان لنا اعطى المسيح حياته من أجلهم هم أيضاً"

هكذا بدأت قصة أطول وأكبر مستعمرة أمريكية، بعد سنة واحدة فقط من تعاون الفلبينيين مع الأمريكان بطرد الإستعمار الإسباني للجزر، وهكذا حرم الرئيس الأمريكي وليام ماكنلي الفلبينيين من الإستقلال الذي كانوا يحلمون به. وحين لم يعجب هؤلاء الأمر، قامت قوة من 50 الف عسكري أمريكي بإفهامهم حقيقة الموقف، فقد استبدل الإستعمار القديم بعقودٍ جديدةٍ من الظلام والتعذيب والإرهاب وإحراق القرى والإستغلال الإقتصادي الشرس من خلال حكومات من اللصوص والقتلة تساندها الولايات المتحدة التي صرفت المبالغ الطائلة لمساندة الجيش والشرطة للقضاء على متمردي الشعب مثل "الهاك" (رغم أنهم ساعدوا الأمريكان في حربهم ضد اليابان)، والذين كان هدفهم السياسي الأساسي هو إعادة توزيع الأراضي لدعم الفلاحين المعدمين.

في عام 1946 قرر المتمردون الهاك تجربة قبول الديمقراطية وشاركوا في الإنتخابات، لكن تم حرمان ممثليهم من المقاعد التي فازوا بها في البرلمان بحجة أنهم حصلوا على الأصوات بالتهديد، دون إجراء أي تحقيق في الأمر، فعاد "الهاك" الى حمل السلاح..لكن هذا الإجراء كان ضروري للأمريكان، فقد كفل بالضبط العدد اللازم لتوقيع البرلمان إتفاقية "ستراتيجية طويلة الأمد"، عسكرية - تجارية مع الولايات المتحدة.
إضافة إلى عقد التعاون التجاري، تم توقيع عقد عام 1947 ينص على إيواء الفلبين لـ 23 قاعدة عسكرية أمريكية ولمدة 99 عاماً. وجاء ضمن الإتفاق أن العسكريين الأمريكان الذين يرتكبون جرائم خارج تلك القواعد أثناء أداء الواجب، سيحاسبون فقط من قبل محاكم عسكرية أمريكية في داخل القواعد! وكان على الفلبين أن تحصل على موافقة أميركا عند شراء أية أسلحة من مصدر آخر. وقد لعب هذا الإتفاق، إضافة إلى عقود التدريب دوراً حاسماً في إبقاء الجيش الفلبيني معتمداً تماماً على الولايات المتحدة بعد ذلك.

وبينما كانت نذر الحرب الأهلية تتصاعد في عام 1950، وصل الى البلاد الكولونيل الأمريكي إدوارد لانسديل، والذي كان قد عمل سابقاً كرجل دعاية يقوم بدراسة بحوث السوق بما تتضمنه من دراسة دوافع الناس وعاداتهم. وبعيداً عن منصبه كضابط ارتباط، استلم لانسديل سراً رئاسة قسم العلميات السرية والميليشيات في الـ سي آي أي (CIA) في الفلبين.

قام فريق لانسديل بدراسة تفصيلية للمعتقدات والخرافات التي يؤمن بها الفلاحين الفلبينيين الذين يسكنون المناطق التي يتواجد فيها ثوار "ألهاك"، وعرضت اساطيرهم ومحرماتهم وتراكمات ثقافاتهم للفحص الدقيق بحثاً عن أي طريق ممكن لإبعاد الفلاحين عن الثوار وشق صفوفهم. وكان من محاولاتهم الناجحة، القاء منشورات باللغات المحلية من طائرة صغيرة في يوم غائم يحجبها عن الرؤية، بدت كأنها جاءت من السماء، تهدد بنزول اللعنات الإلهية على كل من يقدم الطعام للثوار. وبالفعل نجحت الفكرة حتى دفع الجوع ببعض وحدات هؤلاء إلى الإستسلام.

وفي مرة ثانية تم التركيز على شخصية خرافية يؤمن بها الريفيون الفلبينيون ويرهبونها، لمصاص دماء يسمى "اسوانج". بدأت العملية بدخول فريق خاص بالحرب النفسية إلى مدينة قريبة من تلال يتحصن بها الثوار وأشاعوا فيها أن "الأسوانج" يسكنون تلك التلال. بعد يومين، أي بعد أن اتيح للإشاعة أن تدور في المدينة وتصل إلى الثوار، قامت دورية من قوات خاصة بنصب كمين لمجموعة من الثوار عند خروجهم من مخابئهم، وعند مرور هؤلاء تم القبض على آخر رجل في المجموعة دون أن يحس الباقون به. بعد ذلك تم تعليق الرجل من قدميه واحداث ثقبين رقبته، وترك معلقاً حتى نزف كل دمه، ثم تركت جثته على طريق عودة رفاقه.
حينما عاد الثوار وجدوا جثة صاحبهم صفراء وقد امتصت كل دمائها وآثار "أسنان" مصاص الدماء على رقبتها، فاصيبوا بالهلع وسرعان ما تركوا المنطقة المحصنة!

عودة إلى عمل فرق "المناطق البشرية" في العراق، نلاحظ أن االفارق الزمني بين الموضوعين يزيد عن نصف قرن لذا فأن ما يحدث في العراق مازال حديثاً ولم تكشف أسراره وقصصه بعد، لكننا لن نبتعد عن الموضوعية إن توقعنا مفاجآة وقصص مدهشة مثل قصة "مصاص الدماء" الفلبيني وأكثر، باعتبار التطور الهائل الذي حصل للأجهزة الأمريكية سواء في قدرة الـ ( CIA) للوصول إلى المعلومات أو قدرة فريق البحث على تحليلها وتطبيق الخبرة المتجمعة لديه في التعامل مع شعوب كثيرة رزحت تحت نير حكومات شرسة دعمتها أميركا خلال الحرب الباردة. لكننا لن نتمكن من معرفة ما جرى ويجري في العراق فعلاً، إلا قبل مرور وقت طويل، إن عرفنا فعلاً.

لكن مع ذلك يمكننا لمس بعض مظاهر هذا النجاح، فيشير مقال نيوزويك إلى أن "تومبكنز، كابتن سابق في الجيش يترأس "فريق منطقة بشرية"، قال إن زملاءه في الفريق ساعدوا القوات الأمريكية في المنطقة على وضع استراتيجية لجعل قائد شيعي للشرطة يشن حملة ضد رجال شرطة تابعين له، ويتعاملون مع متمردين شيعة. فقد اقترح أعضاء فريق تومبكنز أن يقوم الجنود الأمريكيون باستثارة شعور الكرامة والكبرياء لدى الرجل بالإشارة إلى أن أفراد الشرطة الفاسدين العاملين تحت إمرته يتندرون على سلطته. وبعد أسابيع أبلغ تومبكنز أنه لاحظ أن قائد الشرطة استشاط غضبا فعلا حين ذكرت له بعض الأمثلة." ونفذ المخطط.

لعل هذه القصة الصغيرة تمثل رأس جبل الثلج الذي يمثل دور مثل هذه الفرق في تأجيج التوترات في العراق، والذي لا يحق لنا اليوم إلا أن نتوقع حجمه، لكننا أن نراه بكليته يوماً ما.

هوامش:

(1) ملايين الدولارات ينفقها الجيش الاميركي لتحليل مكونات المجتمع العراقي
http://iraqmc.com/modules.php?name=News&file=article&sid=1653

(2) William Blum: “Killing Hope”
لتفاصيل مراجع المعلومات يمكن مراجعة الفصل الرابع من الكتاب والمعنون: "الفلبين في الأربعينات والخمسينات": اقدم المستعمرات الأمريكية؛



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زيباري قال بوضوح -لن تروها- فماذا ينتظر المترددون من المعاهد ...
- مثال الآلوسي مقابل جنديين إسرائيليين: مقارنة إنسانية
- الشفافية كما يفهمها وزيرنا زيباري
- عندما لايتسع الوطن للقواعد والناس معاً
- أيهما الأقوى يا سعدون، النمر أم الإنسان؟ وهل ثمة أمل لأمثال ...
- كامل شياع لايريدكم أن تلعنوا -قوى الظلام-، هناك شيء آخر
- سيشيل – قصة صراع دولة صغيرة مع القواعد الأمريكية
- المعاهدة وليد سري غير شرعي يحمل الألغام لبلاده والعار لوالدي ...
- الأستاذ شاكر النابلسي ونظرية الحسد في تفسير التأريخ
- ايها الكرد نشكو لكم قادتكم
- أسبابي الأربعون لرفض المعاهدة
- مراجعة خفيفة لما جرى من أحداث ثقيلة حول كركوك
- لنتعلم الحكمة من الذين وقعوا معاهدات قبلنا
- بضعة أسئلة إلى الداعين الى عقد -معاهدة جيدة- مع أميركا
- الفريسة القاتلة
- مدرسة الأمريكتين – قصة معمل لتفريخ الدكتاتوريات والسفاحين
- أربعون سبباً لمعارضتي المعاهدة الأمريكية 1 – ألأسباب العامة
- التصويت السري وكركوك - أيهما الهدف وأيهما الوسيلة؟
- أحتفالية غير اعتيادية بيوبيل الثورة العراقية
- ليس باسمي - تصرفات علمانيي تركيا تشوه صورة العلمانيين


المزيد.....




- - هجوم ناري واستهداف مبان للجنود-..-حزب الله- ينشر ملخص عملي ...
- -بلومبرغ-: البيت الأبيض يدرس إمكانية حظر استيراد اليورانيوم ...
- انعقاد قمة المؤسسة الإنمائية الدولية في نيروبي بحضور القادة ...
- واشنطن: خمس وحدات إسرائيلية ارتكبت -انتهاكات- بالضفة الغربية ...
- السلطات الألمانية تدرس اتخاذ إجراءات عقب رفع شعار -الخلافة ه ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي ينتقد أردوغان بسبب موقفه من الحرب ع ...
- الأمير محمد بن سلمان يتحدث عن إنجاز حققته السعودية لأول مرة ...
- زاخاروفا تذكّر واشنطن بمنعها كييف من التفاوض مع روسيا
- الحوثيون: استهدفنا مدمرتين حربيتين أمريكيتين وسفينة بالبحر ا ...
- وفد من -حماس- يغادر القاهرة ليعود برد مكتوب على مقترح صفقة ا ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - صائب خليل - تحليل المجتمع من أجل تمزيق مقاومته– تجارب يفصلها نصف قرن