مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2128 - 2007 / 12 / 13 - 12:06
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
( آذار مارس 1924 )
إن الحكومات الديكتاتورية المنتشرة في إيطاليا و إسبانيا و روسيا , التي ولدت هكذا حسد و توقا شديدا بين الأحزاب الأكثر رجعية و الجبانة عبر العالم , تمنح الديمقراطية المنتهية عمليا بنوع من العذرية الجديدة . هكذا نرى مخلوقات الأنظمة القديمة , المعتادين جيدا على الفن الشرير للسياسة و المسؤولين عن قمع و ذبح جماهير العمال , يعودون إلى الظهور – حيث لا تنقصهم الشجاعة – و يقدمون أنفسهم كرجال تقدم يسعون إلى الفوز بالمستقبل القريب باسم التحرير . و وفقا لهذا الوضع يمكنهم حتى أن ينجحوا .
هناك شيء يمكن قوله عن النقد الذي توجهه الأنظمة الديكتاتورية للديمقراطية و الطريقة التي تكشف بها عن عيوب و أكاذيب هذه الديمقراطية . و تذكر أن الأناركي هيرمان ساندروميريسكي , رفيق طريق البلاشفة و الذي كان لنا معه اتصال حلو و مر في نفس الوقت في غضون مؤتمر جنيف و الذي يحاول اليوم فقط أن يقرن لينين بباكونين , أقول أنني أذكر أن ساندروميريسكي الذي قام ليدافع عن النظام السوفييتي استنبط من كروبوتكينه ليبين أن الديمقراطية ليست أفضل صيغة متصورة للبنية الاجتماعية . إن طريقته في الاستنتاج كروسي ذكرتني , و أعتقد أنني قد قلت له هذا – بالاستنتاجات التي قام بها بعض مواطنيه عندما , و استجابة لسخط العالم المتحضر على تجريد القيصر و جلد و شنق النساء , فقد اعترضوا قائلين أنه إذا كان على الرجال و النساء أن يملكوا حقوقا متساوية فعليهم أيضا أن يملكوا مسؤوليات متساوية . هؤلاء المؤيدين للسجن و المشنقة تذكروا حقوق النساء فقط عندما خدمتهم في أن تكون ذريعة للفظاعات الجديدة ! هذه الديكتاتوريات تعارض الحكومات الديمقراطية فقط عندما تكتشف أنه هناك صيغة للحكومة تترك حتى مساحة أكبر للطغيان و الاستبداد لأولئك الذين يدبرون للاستيلاء على هذه السلطة .
بالنسبة لي لا يوجد أي شك في أن أسوأ الديمقراطيات مفضلة دوما , و لو فقط من وجهة النظر التعليمية , من أفضل الديكتاتوريات . إن الديمقراطية بالطبع , أو ما يسمى بحكم الشعب , هي كذبة , لكن الكذبة تلزم الكذاب و لو على نحو تافه و تحد من مدى سلطته الاستبدادية . من المؤكد أن "الشعب السيد" ما هو إلا السيد المهرج , عبد ذا تاج و صولجان من ورق .
لكن لنصدق أن شخصا ما هو حر , حتى عندما لا يكون كذلك , هو أفضل من أن يعرف الإنسان أنه مجرد عبد و أن يقبل بالعبودية كشيء عادل و حتمي .
إن الديمقراطية كذبة , إنها طغيان و في الواقع أوليغاركية ( أي حكم الأقلية ) , التي هي حكم الأقلية لصالح الطبقة الموسرة . لكن ما يزال بإمكاننا أن نحاربها باسم الحرية و المساواة , على خلاف أولئك الذين استبدلوها أو يريدون استبدالها بشيء أسوأ .
إننا لسنا ديمقراطيين لأن هذه الديمقراطية , من بين أسباب أخرى , ستقود بعد فترة تطول أو تقصر إلى الديكتاتورية و الحروب . و نحن أيضا لسنا من أنصار الديكتاتوريات , لأنها من بين أسباب أخرى أيضا , تخلق الرغبة بالديمقراطية , تحرض على العودة إلى الديمقراطية و بذلك تميل إلى تخليد حلقة مفرغة يتأرجح فيها المجتمع البشري بين طغيان وحشي صريح و بين حرية زائفة .
لذلك فإننا نعلن الحرب على الديكتاتورية و على الديمقراطية . لكن ما الذي نضعه في مكان الاثنين ؟
ليس كل الديمقراطيين يماثلون أولئك المذكورين أعلاه – منافقين يدركون تقريبا أنهم باسم الشعب يريدون السيطرة على هذا الشعب و استغلاله و قمعه .
إنهم كثيرون خاصة بين الجمهوريين الشباب الذين يحملون إيمانا جديا بالديمقراطية و يرونها كوسيلة للحصول على حرية كاملة و تامة في التطور للجميع . إنهم الشباب الذين نريد أن نحررهم من الوهم و نقنعهم ألا يخلطوا ذلك التجريد "الشعب" بواقع حي الذي هو رجال و نساء بكل حاجاتهم المختلفة و مشاعرهم و إلهاماتهم المتناقضة غالبا .
أنا لا أنوي هنا أن أكرر انتقادنا للنظام البرلماني و كل الوسائل التي اختلقت للوصول إلى نواب يمثلون حقيقة إرادة الشعب , فقد أصبح نقدنا هذا مقبولا أخيرا بعد خمسين سنة من الدعاية الأناركية و حتى يجري ترديده من قبل كتاب يزدرون أفكارنا ( مثل السناتور عالم السياسة غايتانو موسكا ) .
إننا سنقصر أنفسنا على دعوة أصدقائنا لاستخدام أكثر دقة للغة مقتنعين أنه ما أن تجزأ التعابير إلى أجزاء أكثر وضوحا فإنها نفسها ستجعلهم يرون كم هي فارغة .
" حكومة الشعب " , لا , لأن هذا يفترض ما لا يمكن أن يحدث أبدا – الإجماع التام لإرادة كل الأفراد الذين يشكلون الشعب .
سيكون أقرب إلى الحقيقة أن نقول "حكومة أغلبية الشعب " . هذا يعني وجود أقلية عليها إما أن تتمرد أو تخضع لإرادة البقية .
لكن القضية لم تكن أبدا أن ممثلي غالبية الشعب جميعهم لديهم نفس المواقف من كل القضايا , لذلك من الضروري أن يكون هناك مرة أخرى سبيل لنظام الأغلبية و هكذا سنقترب أكثر من الحقيقة بالقول أنها "حكومة الأغلبية المنتخبة من أغلب المقترعين" .
و إذا ما أخذنا بعين الحسبان الطريقة التي تجرى بها هذه الانتخابات , و كيف تتشكل الأحزاب السياسية و المجموعات البرلمانية و كيف توضع القوانين و يجري التصويت عليها و تطبيقها , يصبح من السهل فهم ما أثبتته بالفعل التجربة التاريخية العالمية : حتى في أكثر الديمقراطيات ديمقراطية توجد أقلية صغيرة تحكم و تفرض إرادتها و مصالحها بالقوة .
لذلك فأولئك الذين يرغبون فعلا ب"حكم الشعب" بمعنى أن أي فرد يمكنه أن يدافع عن إرادته الخاصة و أفكاره و حاجاته , عليهم أن يضمنوا أن لا أحد , لا أقلية و لا أغلبية , يمكنه أن يحكم البقية , بكلمات أخرى , عليهم أن يلغوا الحكومة , أو ما يعني أية منظمة قسرية و أن يستبدلوها بالتنظيم الحر لأصحاب الأهداف و المصالح المشتركة .
سيكون هذا سهل جدا إذا كان بإمكان كل فرد أو مجموعة أن تعيش منفردة و في عزلة , وفقا لطريقتها الخاصة , تدعم نفسها في استقلال عن البقية , موفرة حاجاتها المادية و الأخلاقية الخاصة .
لكن هذا مستحيل , و حتى إذا كان ممكنا فإنه غير مرغوب لأنه يعني انحطاط الإنسانية إلى البربرية و الوحشية .
إذا كانوا عازمين على الدفاع عن استقلالهم الذاتي و حريتهم فإنه على كل فرد و كل مجموعة أن يتفهموا روابط التضامن التي تربطهم ببقية الإنسانية و أن يملكوا حسا متطورا إلى حد معقول عن حب و التعاطف مع إخوتهم , لكي يتعلموا القيام طوعا بتلك التضحيات الضرورية للعيش في مجتمع , تلك التضحيات التي تجلب أعظم المنافع الممكنة عند كل فرصة معطاة .
لكن قبل أي شيء يجب أن يصبح من المستحيل بالنسبة للبعض أن يفرضوا أنفسهم , و أن يعيشوا عالة على الغالبية العظمى باستخدام القوة المادية .
دعونا نلغي الحراس , الرجال المسلحين في خدمة الطغاة , و بطريقة أو أخرى سوف نتوصل إلى اتفاق حر , لأنه بدون اتفاق كهذا , حر أو مفروض , لا تمكن الحياة .
لكن حتى الاتفاق الحر سوف يقدم أكبر الفائدة لأولئك المستعدين تقنيا و فكريا . لذلك نوصي أصدقائنا و أولئك الذين يرغبون فعلا بالخير للجميع أن يدرسوا أكثر المشاكل إلحاحا , تلك التي ستحتاج حلا عمليا في ذات اليوم الذي سيقوم فيه الناس بهز النير الذي يكبلهم .
آذار مارس 1924
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن http://www.marxists.org/archive/matalesta/1924/03/democracy.htm
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟