أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - الممارسة الدينية بين التكليف و التجربة















المزيد.....

الممارسة الدينية بين التكليف و التجربة


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 1948 - 2007 / 6 / 16 - 11:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في الخطاب الديني ثمة تركيز على عنصر التكليف في التوجيه السلوكي و تحديد و حل المشكلات التي يتعرض لها الإنسان فردا و مجتمع، بمعزل عن الأسباب و الظروف و البيئة الاجتماعية و النتيجة المترتبة، و ذلك بطريقين أحدهما الرؤية الواقعية (تحصيل الحقيقة) التي تأتي في مجال تقديم منظومة عقائدية و صيغ قانونية تقيد و توجه سلوك الإنسان ، و الآخر المنهج النفعي الذي يسعى لتأمين النجاة و الفوز بالرضا و السعادة و الاطمئنان بالمستقبل في الآخرة و الدعوة للاستثمار المؤجل فيما بعد الموت.

يتسم الطريق الأول بهالة ميتافيزيقية كثيفة و مجردة عن الواقع اللحظي المعاش، و يعتمد على الاستدلال القياسي و الإثبات بمعزل عن الثبوت، حيث يقوم هذا العقل الاستدلالي بصياغة تعاليم نظرية و أحكام عملية انطلاقا من إثباتها نظريا بالمنهج القياسي، و منذ أن تطورت المعارف الدينية و أخذت طابع التنظيم بعد أن كانت عبارة عن حركة إيمانية اجتماعية تقوم على عنصر العرض و الصلاحية في الواقع أخذ هذا المنهج يترسخ في العقل الديني و يشكل المنطلق الأساس في الإرشاد الديني و تحديد عقائد المؤمنين و أعمال المكلفين، حيث كانت عملية تشكيل العقائد و الأحكام الدينية تتمحور حول عنصر المطابقة مع الواقع أي تمثل الحقيقة (الحقانية) في مناخ فكري يسود فيه الظن بإمكانية الوصول لليقين و الحقيقة و رسم صورة نهائية و (كاملة) عن العالم الخارجي في الذهن. كان تحصيل اليقين في هذا المناخ الفكري السائد ليس أمرا متيسرا فحسب بل هو الملاك الأساسي للتطابق مع الواقع و تمثله، لذا فالأسلوب المتبع في الدعوة الإيمانية و صياغة علم الكلام و تحديد الأصول العقائدية كوجود الله و صفاته و المعاد و النبوة و متعلقاتها يقوم على إثبات الحقيقة و توصيفها لا عرضها و تقديمها و النظر في صلاحيتها.. و بالتالي فإن إمكانية الإنقاذ و الحل لجميع القضايا الإنسانية و الاجتماعية و حتى الاقتصادية في ظل هذا الجو تنحصر في التصديق بهذه التحديدات العقائدية المشحونة بالغيبيات، و تجاهل الدور المناط بها أو أثرها في الحياة الإنسانية، الهدف النهائي كان و سيبقى هو الوصول للعقائد الحقة و من ثم الإيمان بها و تقبلها و تحديدها كأطر عامة للاندماج في بوتقة الجماعة و التماهي معها.

أما الطريق الثاني فإن سمته الأساسية ماثلة في تغييب الحاضر و الجنوح نحو المستقبل لتكون وظيفة الدين منحصرة في بناء مستقبل واعد للإنسان و ذلك المستقبل هو بالضرورة اليوم الآخر. هذا الاتجاه النفعي يرتكز على أهمية وجود الفعالية للدين و التسليم بضرورة تحصيل أثره و ليس فقط حقانيته و هو بذلك يختلف عن الطريق الأول اختلافا شكليا لكنه في الواقع و من حيث تلمس النتائج و آليات العمل و الممارسة لا يختلف كثيرا عن سابقه،إنه يتجاهل الحاضر بحيث يبدو و كأنه لا وجود له، فبالتالي يصبح الإنسان في غيبوبة لا يشعر بالمحيط و لحظيته و تأثيره على كيانه، مما يخلق حالة من العزلة و الزهد بمفهومه السلبي و التواكل و ازدراء الحياة الدنيا. هذه الاستقالة من الواقع و الحياة تنعكس على الإنسان سلبا لتكرس استلابا تاريخيا من خلال اختزال الوجود الإنساني ليغدو مجرد مشروع استثماري الهدف منه إعمار ما بعد الموت، و بذلك سيكون الموت البداية الفعلية لجني الأرباح و الهدف الذي يتمحور حوله النشاط الإنساني، و بالتالي فنحن أمام ثقافة موت تزدري الحياة و تقاومها و تحتقرها خاصة و إن كان هنالك مجال لحرق المراحل و الاستعجال في الموت عبر مفهوم الشهادة و البطولة و التضحية.. و بشكل عام يستوعب العقل التقليدي الموت، و يمتصه و يبرره و يفسره بقدر ما يجابهه بفكرة الخلود في الجنة و النعيم الأزلي، و هكذا ينتقل من الاعتراض على الموت لأجل الوجود إلى تبرير الوجود في الحياة الدنيا بالموت.. تصبح فلسفة الموت إذاً الموجه الرئيسي للسلوك و المرتكز الأساسي لتنظيم الأخلاق الاجتماعية.

و لكي يحقق الإنسان السعادة و الرضا الذاتي و التماهي مع الجماعة و بالتالي كسب التقدير الاجتماعي يتعين عليه أن يصدق بالقضايا الغيبية تلك و يقوم بالتكاليف المفروضة المنبثقة عنها و المنسجمة معها، و هذه العقائد و تلك الأحكام التي تعني المكلف تمت صياغتها و إنتاجها ضمن مجال فكري لا يعبأ بالمنظور التجريبي، ذلك أن الاستنباط الفقهي و الكلامي يعتمد بالضرورة على مسبقات و مباني فكرية تؤثر على الفكر الديني و على طبيعته و مساره و مواقفه.

هذا الخطاب الديني بشقيه الواقعي و النفعي يفرض هيمنته و يضمن حضوره من خلال منطق التكليف، فمن خلاله تشيد الأخلاق و القوانين الفردية و الاجتماعية من دون رعاية الأوضاع الاجتماعية، و تشكل الحلول السطحية لإشكاليات أكثر تعقيدا تتداخل فيها عوامل اجتماعية و سياسية و حقوقية عديدة. و كأن تلك المشاكل ستحل فقط حين يقوم هذا الفرد أو ذاك بالعمل المكلف به، في الوقت الذي يتجاهل فيه هذا الخطاب ارتباط الظواهر الاجتماعية بعضها ببعض، و ارتباطها بأمور لا مجال لاجتنابها نتيجة أوضاع اجتماعية بالغة التعقيد..


العقل الديني لازال يستبعد من دائرة عمله و نشاطه قانون السببية و يعتمد بشكل كلي على قانون الإعجاز و تصور وجود ثغرات في قانون السببية على الصعيد الفردي و الاجتماعي في حين أن ذلك يمثل الاستثناء و ليس القاعدة. من هنا نفهم طبيعة الخطاب الديني "التقليدي" و آلية اشتغاله المرتكزة على الشعارات الفضفاضة المجردة، كـ"الإسلام هو الحل" و غيرها من شعارات تفتقد البرامج و المشاريع الواضحة و الناجعة و هي لا معنى لها في ظل التطورات المعرفية و الفكرية التي عاشتها البشرية و جعلت من الوثوق و اليقين غايات هامشية في مقابل السؤال و طبيعة التوتر المعرفي التي تعتبر الميزة الأساسية للمناخ المعرفي السائد.

ثمة دعوات حديثة ظهرت مؤخرا تسعى لتجاوز الدين التاريخي و فهمه التقليدي نحو قيام "معنوية" تراعي التطورات الفلسفية و الفتوحات الفكرية و المعرفية المعاصرة بحيث تستجيب للتحديات و تقدم أجوبة و مبادرات منبثقة من رحم الواقع و الحاجة الإنسانية، و لتحقيق ذلك ينبغي القيام بعدة مهام، من أهمها تشكيل خطاب ديني جديد يقوم على أساس التجربة و العرض و الفعالية العملية. التجربة التي تؤمن للإنسان معايشة الدين و إخضاعه للاختبار و إحراز صلاحيته و حضوره الفاعل في هذه الحياة الدنيا قبل الآخرة التي لن تكون في هذه الحالة سوى نتيجة استمرارية للتجربة الدينية (الدنيوية) فكل المفاهيم و القيم و الأحكام و التعاليم و المواعظ تستمد صلاحيتها و جدارتها من القدرة على خلق الأثر المرتقب منها على الصعيد الفردي و الاجتماعي، الروحي و المادي، و ليس فقط مدى تطابقها مع الواقع أو عدمه، إن القضية المهمة ليست حصول الإنسان على العقائد الحقة و لا تحصيل النجاة في الآخرة، إنها أكثر أهمية، فالإنسان يريد الآخرة و النجاة معنويا في هذا الزمان و المكان الراهنين. إن السؤال الذي يجب أن نفتش له عن جواب في الدين و الشريعة هو: ماذا يفعل الدين لنا الآن في هذه الحياة الملأى بالمشاكل المعقدة؟ ماذا سيقدم من حلول للعقبات و الشكوك التي تعترض الإنسان؟ و باختصار ما هو أثر هذا المفهوم الديني او ذاك في تنظيم الحياة و منحها المعنى.

و لا يعني هذا إنكار الآخرة و ما بعد الموت، فبمقدور التجربة الدينية أن تؤمن بالآخرة لكن يجب إخضاعها باستمرار للاختبار في هذه الحياة التي هي المختبر العملي الوحيد . و في هذا يقدم المفكر الإيراني مصطفى ملكيان مثلا طريقا، يقول: انك لو ذهبت إلى الخباز لشراء الخبز، ولكنك أعرضت عن الشراء لعدم اختمار الخبز، سيقول لك الخباز: خذ الخبز الآن فإذا وصلت إلى المسجد سيختمر تلقائيا! والآن لو رفضت هذا العرض من الخباز، فهل يكون من حقه القول إنك لا تعتقد بوجود المسجد؟ نعم، من حقه أن يقول إن فلانا من الناس لا يعتقد بكون المسجد مكانا صالحا لاختبار الخبز من جهة الاختمار، وان المخبز هو المكان الوحيد المناسب للتحقق من هذا الأمر.

المطلوب إذاً هو نفخ حياة جديدة في البشرية من خلال عرض حقيقة جذابة، و وضع وجود الإنسان كله إزاءها..المطلوب هو إعطاء التعاليم و المفاهيم الدينية و الأحكام و الفرائض كالصلاة و الحج و الصوم و غيرها معنى جديد في إطار التجربة الدينية. و كل هذا لا نجده في قاموس القراءة التقليدية للدين، إنها تحتقر التجربة و الأثر الملموس، كما أنها مثالية و طوباوية في معالجة الواقع و بلورة الإجابات، بتكريسها البعد الغيبي و الحلول السحرية، و لذلك ليس من المستغرب أن يفشل الإسلاميون في ضبط السلوك تماما و في تقديم برامج متكاملة عملية سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا، رغم نجاح البعض منها في ميادين مختلفة، و ذلك بقدر انهماكها في الواقع الإنساني، لا من خلال المواعظ الدعائية التي تبشر بوعود مؤجلة، ضمن خطاب دعائي نفعي لا يختلف كثيرا عن دعايات السلع الأخرى!

كثيرا ما يرضخ المرء لمنطق التكليف، يغتصب نفسه اغتصابا للطاعة و الامتثال، يصلي و يصوم و يمتنع عن فعل المحرمات و المحظورات الأخلاقية دون أن يجد لذلك معنى و غاية دنيوية و إن كنا لا ننفى وجود ذلك التفسير للنصوص و الأحكام و المقاصد إلا أنها تبقى بعيدة عن تناول المكلف نفسه أو على أقل تقدير لا تتجاوز منطق التكليف أو منطق المنفعة المؤجلة.. و لذلك يحار المرء بين واقع مغيب و متعالي و بين ابتزاز النعيم أو العذاب المؤجلين، و بالتالي تضعف الإرادة و ينعدم الاختيار الإنساني الذي به وحده يقوم الإيمان.



#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- --تأملات حول التشيع السلفي-
- المرأة الاكثر تأثرا من الاستبداد في السعودية


المزيد.....




- متى موعد عيد الأضحى 2024/1445؟ وكم عدد أيام الإجازة في الدول ...
- تصريحات جديدة لقائد حرس الثورة الاسلامية حول عملية -الوعد ال ...
- أبرز سيناتور يهودي بالكونغرس يطالب بمعاقبة طلاب جامعة كولومب ...
- هجوم -حارق- على أقدم معبد يهودي في بولندا
- مع بدء الانتخابات.. المسلمون في المدينة المقدسة بالهند قلقون ...
- “سلى أطفالك واتخلص من زنهم” استقبل دلوقتي تردد قناة طيور الج ...
- جونسون يتعهد بـ-حماية الطلاب اليهود- ويتهم بايدن بالتهرب من ...
- كيف أصبحت شوارع الولايات المتحدة مليئة بكارهي اليهود؟
- عملية -الوعد الصادق- رسالة اقتدار وردع من الجمهورية الإسلامي ...
- تردد قنوات الأطفال علي جميع الاقمار “توم وجيري + وناسة + طيو ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - الممارسة الدينية بين التكليف و التجربة