كم يفرح الإنسان حين يجد العناصر الشابة تواصل المسيرة متسلمين الشعلة الوطنية من يد من سبقهم ما يشعر الجيل المؤسس أن هذا الوطن حقيقة وطن معطاء لا تجف أنهاره المغذية للحركة الوطنية.
أقامت جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي بمقرها في العدلية ندوة بمناسبة مرور الذكرى الثانية والثلاثين لاستقلال البحرين الذي تصر القوى الوطنية على جعلها في يومها الحقيقي وهو 41 أغسطس/آب 1791م.
تحدث في هذه الندوة واحد من الجيل الجديد هو عضو مجلس إدارة الجمعية خالد هجرس عن الموضوع المذكور كما شاركه في الندوة واحد من المخضرمين هو عباس عواجي الذي تناول جانبا آخر من الحركة الوطنية البحرينية وهي الحركة العمالية والمحطات التي مرت على حياة الشعب البحريني وسنحاول نشر جوانب من هذه الفعالية على أكثر من حلقة لأهميتها، ونبدأ بمحاضرة هجرس وفضلت ألا أتدخل في أسلوب طرحه الذي بذل جهودا كبيرة في جمع المعلومات التي استقاها من مجموعة من المصادر إذ اعتمد خلال رحلته في هذه المناسبة على أكثر الكتب أهمية من بينها كتاب محمد الرميحي "البحرين ومشكلات التغيير السياسي والاجتماعي"، وكتاب عبدالرحمن الباكر "من البحرين إلى المنفى"، و"عقد اللآلئ" لمحمد علي التاجر والتحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية إضافة إلى مجموعة أخرى من الكتب.
ومر بعدة محطات نحاول أن نكتفي في هذه الحلقة ببضع منها، وسنستكملها في الحلقة الثانية.
لقد حاولت تجاوز العلاقة مع البريطانيين والنفوذ البريطاني في الخليج لأن معظم القراء مطلع عليها فتجاوزت ذلك إلى المحطات المهمة التي ذكرها عن مجابهة المواطن البحريني للاحتلال، فقد بدأ بالحديث عن بدايات العشرينات عن انتفاضة الغواصين فقال: لقد كانت أوضاع مهنة الغوص والغواصين سيئة جدا من ناحية الحقوق إذ كان النظام المطبق ما يشبه السخرة، فقد كان الدين ينتقل إلى الأبناء في حال وفاة الغواص وفي بعض الحالات يتزوج النوخذة أرملة الغواص إن لم يستوف دين زوجها، وفي حالات أخرى كان يستولي على البيت الذي تعيش فيه أسرة الغواص، وكان من أشكال تسديد الدين أن يقوم أحد أبناء الغواص بالعمل لدى هذا الممول أو النوخذة حتى يتم السداد، لقد دفعت هذه الظروف المأسوية بالغواصين للثورة ضد النواخذة وظلمهم القاسي في بداية العشرينات من القرن الماضي وعرفت بانتفاضة الغواصين.
لقد تم قمع هذه الانتفاضة إلا أنها أجبرت الانجليز على إعادة النظر في الأوضاع السائدة والتدخل بعد تغير الإدارة في البحرين، إذ قام الوكيل السياسي البريطاني في البحرين الميجر ديلي سنة 4291م بوضع عدة نقاط نالت تأييد القضاة الشرعيين من السنة والشيعة وعلى رأسهم القاضي قاسم المهزع لتعديل حال الغواصين اللاإنسانية، وتم وضع إصلاحات لتنظيم صناعة الغوص كالآتي: الدين لا يورث، بحيث إذا مات المدين يموت دينه معه، المبلغ الذي يعطى للغواص وكذلك نسبة الربح تحدده الحكومة، ولا يمكن أن تحسب أية مبالغ خارج هذا التحديد، على الممولين وكذلك أصحاب السفن أن يحتفظوا بدفاتر تبين مبالغ الدين للغواصين، يمنع صاحب السفينة من بيع اللؤلؤ بشكل سري، وفي حال البيع عليه أن يحضر معه ثلاثة من الغواصين ليشهدوا البيع، يمنح الغواص الحرية في أن يلتحق بعمل آخر، أو مع صاحب سفينة آخر، على شرط أن يسدد دينه في وقت لاحق، وأصلحت "محكمة السلفة" وكذلك أعطي الحق للغواص في أن يطالب بحقه في محكمة أخرى إذا أراد.
ثم انتقل المحاضر إلى محطة أخرى حين تحدث عن المؤتمر الوطني البحريني سنة 3291م فقال: في السادس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول العام 3291م عقد اجتماع تحت اسم "المؤتمر الوطني البحريني" وكان الأساس يمثل الطائفة السنية وتم خلاله صوغ مطالب محدودة قدمت للميجر ديلي. وكانت المطالب كالآتي: استمرار حكم الشيخ عيسى بن علي في إدارة الشئون الداخلية للحكومة من دون تدخل القنصل البريطاني الذي يجب عليه أن يحافظ على العلاقات الودية التي تربط بيننا وبين بريطانيا العظمى، وتسيير الإدارة كلها على أساس الشريعة الإسلامية والعرف الذي هو جزء منه، ويجب إنشاء مجلس الشورى من بين أعضاء المؤتمر الوطني ليقوموا بالسهر على مصالح البلاد ومعالجة المسائل في المستقبل وذلك حسبما جرت عليه العادة في البلدان الأخرى، وإنشاء لجنة رباعية بمثابة محكمة لصيد اللؤلؤ، وعلى أن يكون أعضاؤها ملمين بشكل جيد بمسائل الصيد، ويجب على القنصل البريطاني الالتزام بالمعاهدات الموقعة بين البحرين وبين الحكومة العليا البريطانية وعليه ألا يتدخل في المسائل الداخلية، وأن يقوم هذا المؤتمر باختيار اثني عشر شخصا من أعضائه لمتابعة هذه المقررات ومحاولة تنفيذها بالطرق السلمية.
ثم يحلل المحاضر المغزى من إقامة هذا المؤتمر فيقول: بتقديري تم عقد هذا المؤتمر لأسباب تتعلق بقرار عزل الشيخ عيسى بن علي في 62 من مايو/آيار من العام نفسه من قبل معتمد بريطانيا في أبوشهر الإيرانية عندما أتى للبحرين ببارجتين حربيتين على ضوء البرقية التي تسلمها من الميجور ديلي عن الحوادث والاقتتال الطائفي بين النجديين بزعامة عبدالله حسن القصيبي والعجم في مطلع مايو بسبب اتهام أحد التجار النجديين لأحد الرجال من العجم بسرقة ساعته، إذ اعتبر الميجور ديلي الشيخ عيسى بن علي مسئولا عن تجييش العرب في سفن لنقلهم من جزيرة المحرق إلى المنامة لنصرة النجديين ووقف لهم الميجور ديلي آنذاك بالمرصاد برشاشه ومنعهم من النزول، وعلى ضوء هذه الحوادث طلب المعتمد من الشيخ عيسى أن يعتزل فأبى وأصر المعتمد فقام بإعلان عزل الشيخ عيسى وتولية ابنه الشيخ حمد في جمع من الناس.
كان كل الأشخاص في هذا المؤتمر من الطائفة السنية، وتم اختيار 21 شخصا للمتابعة تزعمهم عبدالوهاب الزياني وأحمد بن لاحج وأوصلوا المطالب للوكيل السياسي، وفي 7 نوفمبر/ تشرين الثاني العام 3291م تم القبض على عبدالوهاب الزياني وأحمد بن لاحج ونفيهم في الليلة نفسها إلى الهند، وكان ذلك من خلال توجيه الدعوة إليهما من قبل الوكيل السياسي البريطاني لمقابلة اللورد تريفور الذي كان يزور البلاد، وتوفي عبدالوهاب في "بومباي" في العام 5291م وانقطعت الأخبار عن بن لاحج.
في نهاية العشرينات تم تحديث الإدارة في البحرين وأصبح السير بلغريف الذي كان قد مضت عليه عدة سنوات في الخدمة، رئيسا لكل الإدارات في الإمارة، وشهدت مرحلة الثلاثينات من القرن الماضي تغيرات في الكثير من مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارة مثل وجود مجلس بلدي وقوة شرطة ونظام حديث للرسوم الجمركية خصوصا بعد اكتشاف النفط في العام 2391 إذ بدأ تدفق الأجانب للبحرين للعمل في شركة بابكو وتم الاختلاط ما بين البحرينيين والأجانب وتعرفوا على عاداتهم وتقاليدهم وبدأ تشكيل طبقة عاملة بحرينية ذات وعي طبقي يعيد صيغة الوعي المطلبي على أساس الوطن وليس الطائفة ويهتم بقضايا العمال والكادحين والدفاع عن مصالحهم.
ثم انتقل هجرس إلى محطة جديدة عن تاريخ الحركة الوطنية هي حركة 4391م إذ قال: في العام 4391م رفع أبناء الطائفة الشيعية الكثير من المطالب إلى بلغريف على ضوء ما جرى من إصلاح محدود في حقل القضاء إذ ظلت المحاكم وقضائها في يد الطائفة السنية وكانت المطالب كالآتي: الحكم في القضايا التي ترد إلى المحاكم بما يتناسب مع القوانين، وذلك بالإشارة إلى الجزء القانوني الذي تم الاستناد إليه إصدار الحكم، بما أن الشيعة تكون غالبية السكان، فمن العدل أن نكون ممثلين بما يتناسب مع نسبتنا السكانية في المجلس البلدي ومجلس العرف، استعادة حقوقنا في مجلس التعليم التي حرمنا منها سنوات عدة.
ويضيف المحاضر قائلا: على رغم أن المطالب كانت محددة في تنسيق القوانين والتمثيل النسبي في مجلس العرف والمجلس البلدي ومجلس التعليم، فإنه تمت المماطلة في تنفيذها في تلك الفترة.
وأفضل أن نتوقف عند محطة حركة 8391م لنستكمل هذا السرد التاريخي الجميل والمختصر والمهم في حياة الشعب البحريني إذ قال: تعد الاحتجاجات والمطالب السياسية المصحوبة بالتحركات والاضطرابات العمالية التي رفعت في العام 8391م مختلفة بصورة نوعية عن سابقاتها من المطالب كونها وحدت مواقف طائفتي الشيعة والسنة لأول مرة، وكانت المطالب على النحو الآتي: إنشاء هيئة تشريعية تتألف من ثلاثة أعضاء من الشيعة وثلاثة أعضاء من السنة، على أن يرأس الهيئة الشيخ سلمان، "وما اختيار الشيخ سلمان رئيسا للهيئة التشريعية إلا تأكيدا بأن الحركة الوطنية كانت موجهة ضد الإنجليز، وتنفيذ الإصلاحات في إدارة الشرطة، وتنسيق وتصنيف قوانين البحرين، وعزل مفتش التعليم، وعزل القاضيين الشيعيين الشرعيين واستبدالهما بشخصين آخرين ترضى عنهما طائفة الشيعة، وأن يكون لأبناء البحرين أفضلية التعيين على غيرهم من طالبي العمل في شركة بابكو.
في 5 نوفمبر 8391م تم إلقاء القبض على سعد الشملان وكان وكيلا محليا في المحاكم، وأحمد الشيراوي وكان موظفا لدى شركة بابكو بحجة وقوفهما وراء الاضطرابات في البلاد، وفي الثامن من نوفمبر 8391م وزعت منشورات موقعة باسم "رابطة الشباب الأحرار" تطالب بإطلاق سراحهم وإطلاق سراح بقية المعتقلين وإعلان العفو العام وإنشاء مجلس للتعليم وآخر للقضاء وإنشاء مجلس عمالي وتنظيم ساعات العمل، وفي مرحلة لاحقة تم نفي الشملان والشيراوي إلى الهند مثلما حدث للزياني وبن لاحج من قبل.
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
