أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ضياء عيسى العقابي - الإستعداد لمرحلة ما بعد العفو والمصالحة1-2 و 2-2















المزيد.....


الإستعداد لمرحلة ما بعد العفو والمصالحة1-2 و 2-2


محمد ضياء عيسى العقابي

الحوار المتمدن-العدد: 1942 - 2007 / 6 / 10 - 10:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



إنه لمن السذاجة بمكان أن يظن المرء بأن الصراع بين الديمقراطيين وأعداء الديمقراطية الطغمويين سينتهي بعد نجاح جهود "المصالحة"؛ حتى لو كانت مصالحة حقيقية وليست "مصالحة الإبتزاز الأمريكي المستغل للتعقل الحكومي العراقي". كل الذي سيحصل هو تغير أسلوب الصراع من نمط "التفجيرات الكثيرة والعمل السياسي القليل" إلى نمط "العمل السياسي الكثير والتفجيرات القليلة". هذا هو منطق اللعبة الديمقراطية. فعلى الديمقراطيين الإستعداد لها.

هناك جانبان للإستعدادات: أولا الرسمية المتمثلة ببناء دولة المؤسسات الديمقراطية وتحقيق منجزات في جميع المجالات كما سنأتي على ذلك لاحقا، وبتأسيس أجهزة أمنية وعسكرية وشرطة مهنية بحتة بعيدة كل البعد عن السياسة والأحزاب، وقبلها جميعا جهازان كفوءان للإستخبارات الخارجية والمخابرات الداخلية كي نسير وفق قاعدة "الوقاية خير من العلاج" أي أن يحبط العمل السيء قبل أن يقع وتضطر االحكومة لضربه. الثاني وهو الأهم ويتمثل بزج الجماهير في العملية الديمقراطية عن طريق خلق الوعي لدى الناخب بأنه سيد الموقف عبر تحكمه بصناديق الإقتراع. وهذا بدوره يقتضي تعديل قانون الإنتخاب بما يضمن التمثيل النسبي من جهة، وخضوع النائب لرقابة ومحاسبة جماهير دائرته الإنتخابية مباشرة.

أول عمل ينبغي القيام به من جانب الأحزاب الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني، دينية وعلمانية، أن يبادروا جميعا إلى شرح الأسباب الموجبة لإحتمال صدور عفو عام وعقد مصالحة وطنية. لاحظت أن جميع رسائل المواطنين، التي يعقبون فيها على بعض الأنباء الخاصة بهذين الموضوعين في صحيفة "صوت العراق"، تحمل سمة التشاؤم من قبيل "هل هذا العفو مكافئة للمجرمين؟" و "أليس العفو والمصالحة إنتصارا للمجرمين؟" ، ولا ألومهم على ذلك. ففي العراق لا يمكنك فهم أية قضية، سياسية أو غير سياسية كمشكلة الكهرباء والماء وتوفير الأمن وغيرها وغيرها، إلا إذا فهمت الوضع السياسي. والوضع السياسي شائك بشكل لا يصدق. زد على هذا أن بعض المثقفين لم يجيدوا ممارسة دور المعارضة التي تعني نقد الحكومة نقدا موضوعيا بناء، دون اللجوء إلى الديماغوجية والمصلحة الحزبية أو الشخصية الضيقة. لقد تشوشت الصورة السياسية على المواطن، إذ نهج البعض، جهلا أو تخريبا، سبيل رمي الصغيرة والكبيرة على الحكومة دون الوعي بأن هناك أمورا وطنية عامة ينبغي التكاتف لحلها لا تحميلها على الحكومة للإنتقاص منها فقط لكون مكونها الرئيسي (الإئتلاف) مشكلا من أحزاب إسلامية. إن في هذا النهج كثيرا من الغفران للدور الأمريكي، صاحب اليد العليا في البلد بفعل قدرته التخريبية والتدميرية متعددة الجوانب، الذي يسعى إلى الهيمنة وليس إلى إقامة علاقات نزيهة وشفافة. وهذا يمثل إنتقاصا للموقف الوطني لذلك البعض.

ينبغي التوضيح للجماهير الديمقراطية، دينية وعلمانية، بأن "العفو" و"المصالحة" يمثلان "مساومة" لا مع الإرهابيين، الذين كان بالإمكان سحقهم منذ البداية لولا المانع الأمريكي الذي وظفهم أيام الإرهاب وسيوظفهم في "المرحلة التصالحية" القادمة لمصلحته، بل مع الأمريكيين الماسكين بأوراق قوية بأيديهم (تسليط الإرهاب الطغموي والتكفيري على الجماهير، تسليط أجهزة غامضة تأتمر بأمرة الأمريكيين ولو أنها رسميا أجهزة عراقية كجهاز المخابرات بقيادة اللواء عبد الله الشهواني المتهم جهازه بكثير من أعمال الإرهاب والتفجيرات والإغتيالات، إحكام أو إرخاء مراقبة الحدود الإيرانية والسورية والسعودية والأردنية، تهديدات العسكر الترك، تدفق المياه في نهري دجلة والفرات، الديون الخارجية، التهديد بدفع الأمور بإتجاه إثارة صراع عالمي بين السنة والشيعة وإقحام الدولتين الإسلاميتين النوويتين أي الباكستان وإيران في حلبة الصراع، وغيرها وغيرها).
على أن هذا لا يعني إنعدام أسباب القوة لدى العراقيين. للعراقيين أوراق قوية جدا وهي {وجود حكومة منتخبة ديمقراطيا باعتراف العالم، وجود نظام ديمقراطي فرضه العراقيون الذين فوضوا السيد علي السيستاني على توصيفه وتفعيله وإنتزاع إعتراف الأطراف الدولية والمحلية به، إمكانية شن عصيان مدني مليوني سلمي شامل يغلق الطرق والشوارع والدرابين على الأمريكيين وحلفائهم وعملائهم فيتهدد مشروع أمريكا الستراتيجي في العراق وهو أمر مخيف جدا لأمريكا. (وهنا أختلف مع الدكتور زهير المح، في مقاله المعنون "وهم إسمه السيادة" حول جدوى التعويل على مبدأ السيادة. إنه أمر خطير جدا دعاني إلى الإسهاب النسبي في مناقشته وبيان أن النظام الفيدرالي في العراق هو قرار سيادي لن تنجح أية قوة في شطبه من الدستور العراقي. لقد ناقشته منفصلا في الحلقة 2 ـ 2 )}.


سيطرح السؤال التالي: إذا كانت لدى العراقيين الوسائل لإخضاع الأمريكيين لمشيئتهم، فلماذا لا تعلن الحكومة العراقية، مدعومة بمهندس وراعي الديمقراطية العراقية السيد علي السيستاني، العصيان المدني السلمي على الأمريكيين؟

أعتقد أن ما يحول دون ذلك أمران. الأول: الشعور بالمسئولية حيال العرب والمسلمين من فتنة تسعى السعودية لإذكاء أوارها وتلجأ إليها أمريكا إذا ما حاصرها العراقيون. وقد حذرت من هذه الفتنة السيدة مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والرئيس المصري محمد حسني مبارك. وقد سبق أن شرحت ذلك في مقال سابق بعنوان: "لأنظار الإئتلاف والتحالف: موقف للرئيس مبارك يستحق الثناء والبناء عليه" المنشور في "صوت العراق" بتاريخ 17/4/2007. الثاني: المساومات والواقعية والبراغماتية أمور حياتية تعارف عليها البشر منذ الأيام الأولى للتاريخ. الحياة ليست بيضاء وسوداء فقط. ألم يعقد النبي محمد صلح الحديبية مع خصومه علما أنهم رفضوا تضمين الإتفاق عبارة "رسول الله" لأنهم لم يعترفوا بمحمد كمرسل ونبي؟ فلماذا لا تعقد الحكومة العراقية إتفاقات مع الأمريكيين وعملائها خاصة وأن الحكومة لم تغفل أوتنسى، كما سنرى لاحقا، دماء الشهداء التي سالت أثناء حكم الطغمويين وأثناء إرهابهم بعد سقوط نظامهم وهو الإرهاب الذي سمح بنشوءه ورعاه وسخره الأمريكيون لتفتيت جبهة الإئتلاف والتحالف ومن ثم تشتيت جماهيرهما ليخلو الجو لأمريكا لفرض ما تريد من قوانين نفطية وغيرها بعد تنصيب متلهفين للسلطة بأي ثمن كالدكتور أياد علاوي؟ ولم لا تعقد الحكومة تلك الإتفاقات مازالت مؤمنة بحصانة الجماهير القادرة على محاصرة الطغمويين الفالتين من العقاب الجنائي ومعاقبتهم إجتماعيا، تماما كما حصل لإتفاقية تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل؛ فرغم إبرامها كجزء من إتفاقات كامب ديفيد إلا أن الشعب المصري لم يطبقها وبقي التطبيع حبرا على ورق لحين حصول إتفاق رسمي بين إسرائيل والحكومة الفلسطينية ؟

إن ديمومة عزل ونبذ حزب البعث والسيئين من كوادره يمكن تحقيقها بعدة طرق وليس بطريق القوانين وحسب. بتقديري، القوانين بمفردها هي الأسلوب الأضعف على المدى البعيد.

عليه فيمكن النظر إلى الإتفاقات مع الأمريكيين من زاوية الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية والتفاعل مع الإبتزاز ونتائجه من منطلق كونه:
"شر لابد منه"
ومن منطلق ما قاله المتنبي:

" ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى عدوا له ما من صداقته بد "

واقعيا، فقد صرح الدكتور حسن السنيد عضو مجلس النواب عن كتلة الإئتلاف العراقي الموحد، نقلا عن "أصوات العراق" بتأريخ 4/6/2007 بما يلي: "إن الحكومة العراقية بصدد وضع أسس لمشروع عفو عام يسبق عملية المصالحة الوطنية التي تتبناها الحكومة".

المفرح، أن الحكومة لم تستجب لكل متطلبات الأمريكيين وحلفائهم وعملائهم القاضية بإصدار عفو عام مطلق؛ مثلما أراده السيد زهير الدجيلي عندما إنتقد وزارة الدفاع لتدقيقها في ملفات الضباط المرشحين للعودة إلى الجيش معتبرا ذلك التدقيق إجهاضا لجهود المصالحة.

لقد أوضح الدكتور السنيد لوكالة الأنباء المذكورة آنفا أن العفوالعام سيتم "بالطريقة التي تضمن عدم عودة المجرمين، لإرتكابهم الجرم مرة أخرى، ولا يشمل من في نيتهم العودة لإرتكاب جرائم ضد المدنيين".
سنكون ساذجين إذا إعتقدنا بأن عددا من الضباط والأمنيين والقياديين الذين سيشملهم العفو، وقد يعودون إلى الخدمة العامة، سوف يكفون عن نبذ نهجهم السابق المرتكز على المغامرات والإنقلابات العسكرية؛ أو أن الصراع مع أعداء الديمقراطية ومع الأمريكيين وحلفائهم وعملائهم سينتهي. هنا يأتي دور الجماهير المباشر عبر إلتزامها بالممارسات الديمقراطية وحقوق الإنسان وإستعدادها للدفاع عن الديمقراطية بالإشتراك في حملة عصيان مدني شامل إذا ما لجأت إليها الحكومة المنتخبة عند الضرورة والظرف المناسب؛ والدور غير المباشر عبر يقظة الأحزاب الديمقراطية ، دينية وعلمانية، ومنظمات المجتمع المدني.

الطريق الأمثل لديمومة عزل ونبذ حزب البعث الفاشي والسيئين من كوادره المدنية والأمنية والعسكرية التي قد تفلت من العقاب الجنائي الرسمي، بفعل الإبتزاز الأمريكي، ولكنها لا يجب أن تفلت من العقاب الإجتماعي، هو شد الجماهير وتعزيز ثقتها بالديمقراطية وبالأحزاب الديمقراطية، دينية وعلمانية، والحكومة المنتخبة وذلك بإلتزام كافة الأطراف بحقوق الإنسان وبالممارسة الديمقراطية النزيهة البعيدة عن المزايدة والديماغوجية والإستئثار، وبتقديم الخدمات الجيدة للمجتمع والمواطن في جميع مجالات الحياة المادية والمعنوية (معيشة، صحة، تعليم، ضمان اجتماعي وعدالة إجتماعية، خدمات عامة جيدة من ماء وكهرباء، تفعيل مبدأ "تكافؤ الفرص" ومبدأ "وضع الشخص المناسب في المكان المناسب" مع إعطاء فرصة لتأهيل ضحايا العهد البعثي الطغموي والعهود التي سبقته، السعي الحثيث لبناء دولة المؤسسات، مسارح، مكتبات عامة، حدائق عامة، طرق جيدة، بيئة صحية ...إلخ إلخ).

وبالتوازي مع هذا، لابد من حملة فكرية مستديمة لتثقيف الجماهير بحقيقة شعارات البعث من وحدة عربية وتحرير فلسطين وحرية واشتراكية بكونها شعارات نبيلة لكن البعث شوهها ووظفها لأهداف الطغمويين المصلحية الذاتية الضيقة التي أدت إلى إقصاء قطاعات واسعة جدا من المجتمع وإقتصار الحكم على طغمة صغيرة لا تمثل أية قومية أو دين أو مذهب، وهي التي شكلت "الحكم الطغموي" بمراحله الثلاث: الملكي السعيدي والقومي العارفي والبعثي الصدامي. وهذا يقتضي توفير الأدلة العلمية من إحصاءات ووقائع على ذلك. يجب توفير المعلومات عن جرائم البعث وفي مقدمها سياسة التطهير العرقي والطائفي وما ترتب عليها من إبادة واسعة النطاق تمثلت بالمقابر الجماعية التي بلغت المئات. يجب عدم الإكتفاء أبدا بطروحات مبسطة من قبيل "إن البعثيين مجرمون ونحن أتباع آل البيت مظلومون" أو التعويل على آلية الفتاوى، فالتعويل عليها إساءة لها ولمصدرها، وقد تتآكل مع مرور الزمن إذا لن يلمس المواطن تحقيق منافع مشروعة تخص حياته، خاصة بعد زوال أو تقلص الأخطار الأمنية عليه.

إذا تم كل هذا وتحصنت الجماهير عندئذ سوف لا يجرؤ أي طغموي معاد للديمقراطية، أو مسئول بعثي سابق سيء، على المطالبة بالعودة إلى وظيفته أو وظيفة عالية الدرجة لأن نظرات الموظفين الشزرة ستلاحقه وتبين له أن حكم الشعب قد لا يتخذ الأسلوب القضائي الجنائي ولكنه سيتخذ أسلوب النبذ والعقاب الإجتماعيين.


أختلف مع الدكتور زهير المح الذي إقترب، في مقالته المعنونة "وهم إسمه السيادة" المنشورة في "صوت العراق" بتاريخ 8/1/2007، من نقد الرئيس جلال الطالباني على إنتقاده، هو الآخر، تقرير بيكر – هاملتون لإحتوائه "على بعض الفقرات الخطيرة التي تنتقص من السيادة العراقية". إوضح الدكتور المح في ملاحظته النقدية للسيد الطالباني أنه، أي الطالباني، كان في نقده للتقرير المذكور "معتمدا في قوله هذا على إعتبار مبدأ السيادة الوطنية معيارا أساسيا لمسلك الدول السياسي" على حد قول الدكتور المح.

إنك تشعر بعد قراءة المقال بأنه ما عادت للشعوب الضعيفة من قدرة على ترتيب أوضاعها السيادية لأنه ما عادت هناك سيادة معترف بها عالميا. في الحقيقة، ثلمت السيادة الوطنية في مساحات معينة عبر إقرار مواثيق دولية كمنظمة التجارة العالمية في إطار سياسة العولمة. فأصبحت الدول أمام خيارين : إما التنازل الجزئي عن السيادة الوطنية وكسب الإنضمام للركب الدولي. وإما التمسك بالسيادة الوطنية مع مواجهة العزلة عن الركب العالمي. ولكن السيادة بمفهومها العام مازالت قائمة ويمكن للحكومة العراقية التعويل عليها، ضمن مساحات واسعة، في سلوكها السياسي.

إن أسلوب ثلم السيادة عبر قنونة شئون الحياة الإقتصادية والمالية والصحية والتعليمية وغيرها يكتسي بعض التحضر ، غير أن ثلم السيادة عبر إستخدام القوة وفرض الأمر الواقع فهو أسلوب همجي يتوجب على المجتمع الدولي نبذه وإدانته.

بدأ التشكك بجدوى السيادة الوطنية، على ما أعتقد، منذ خطاب رئيس الوزراء البريطاني هارولد ماكملان في أوائل ستينيات القرن الماضي عندما تحدث عن موضوع تصفية النظام الإستعماري التقليدي (تحت ضربات حركات التحرر الوطني، وبدفع من أمريكا للحد من تحول حركات التحرر نحو الشيوعية) في خطابه الشهير الذي ألقاه في أفريقيا وتكلم فيه عن "رياح التغيير في العالم" وعن مبدأ "الإعتماد التداخلي" (INTERDEPENDENCE). ربما أراد السيد ماكميلان الإطاحة بمبدأ السيادة، أيام الحرب الباردة، بالقوة المسلحة، رغم فشل سلفه السير أنتوني إيدن عندما هاجم عسكريا، بمعية فرنسا وإسرائيل، مصر بعد تأميمها قناة السويس عام 1956 بحجة أن القنال ممر مائي حيوي للتجارة العالمية ويقع خارج حدود السيادة الوطنية. مع هذا عاد السيد ماكميلان وإقترح على الرئيس دوايت آيزنهاور إحتلال منطقة الشرق الأوسط إحتلالا عسكريا، حسب ما قرأءه الكاتب المصري المرحوم أحمد بهاء الدين في الوثائق التي رفع غطاء السرية عنها بعد مرور 25 سنة عليها.

أريد أن أقول إن مبدأ السيادة مازال ساري المفعول لحدود كبيرة، وإلا فلماذا طرح موضوع غزو العراق، بحجة تدمير أسلحة الدمار الشامل، على مجلس الأمن وتهربت أمريكا وبريطانيا من مواجهة التصويت؟ وهل هناك من أيّد أمريكا على مؤاخذتها نيكاراغوا، في السنين الأولى من نجاح الثورة الساندنستية، على طول مدرج المطار الجديد في مناغوا بكونه أطول من المعياري ببضعة أمتار ما يدل، حسب إتهام أمريكا لحكومة الرئيس دانيال أورتيغا، على أن نيكاراغوا تمهد لهبوط طائرات عملاقة تحمل الأعتدة والذخائر، من شأنها أن تهدد سلام المنطقة؟ لم يؤيد أمريكا في كلتا الحالتين مجلس الأمن لذا مارست الغزو اللاشرعي (تقنيا من وجهة نظري) في حالة العراق؛ ومارست العفترة المدانة في حالة نيكاراغوا، فنظمت عصابات الكونترا التي تطوعت السعودية لتمويلها وتخطي قرارات الكونغرس الأمريكي الذي عارض الرئيس ريغن على سياسته حيال نيكاراغوا وحجب عنه التمويل.

وبعد توقف الحرب الباردة لم تتوقف محاولات أمريكا لثلم سيادة الآخرين بالقوة. لقد مارست أمريكا هذا الأسلوب حتى مع الكبار الذين يوازونها من حيث القدرة النووية والصاروخية التدميرية كروسيا الإتحادية المسالمة. فقد حاولت أمريكا التسلل والتحكم في مفاصل المجتمع الروسي عبر دعم شركات أصبحت عملاقة بشكل يقترب من الإفتعال. وبنفس الوقت بدأت أمريكا بمحاولة تطويق روسيا عسكريا فبدأت بضم دول أوربا الشرقية في حلف الناتو؛ ثم إنتقلت إلى مرحلة محاولة نصب شبكة صاروخية في كل من بولونيا وجمهورية التشيك. أي قامت أمريكا بفعل مقارب لما رفضته عام 1961 عندما نصب الإتحاد السوفييتي الشهيد صواريخ متوسطة المدى في كوبا حماية لها من التهديد الصريح الذي أطلقه الرئيس جون كندي لكوبا، إذ أقسم أمام الكونغرس الأمريكي بإزالة النظام الشيوعي من كوبا. أما جمهورية بولونيا والتشيك فلم يهددهما أحد وليست لهما أية مشكلة قائمة مع روسيا الإتحادية. كل هذا أثار حفيظة القادة الروس فأسمع الرئيس بوتن أمريكا والعالم كلمات قاسية حول كون أمريكا تتصرف كدولة إمبريالية ، وأصدر وزير الدفاع الروسي أعنف تهديد بضرب الشبكات إذا ما جرى نصبها في بولونيا وجمهورية التشيك. وهنا دافعت السيدة كونداليزا رايس عن حق الدولتين بنصب الشبكات من منطلق السيادة الوطنية.

إن إحتلال العراق من قبل أمريكا وحلفائها عام 2003 لم يكن ليحصل بتاتا لولا عدم ممانعة الشعب العراقي من ذلك لسببين: الأول، أن النظام البعثي الطغموي قد أقدم على سياسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية ضد الشعب العراقي وضد الشيعة والأكراد بالذات. الثاني: أن النظام قد حصّن نفسه ببلايين دولارات النفط المسروقة وما عاد قادرا على الإطاحة به سوى ألله أو أمريكا التي صممت، بدورها، ذلك النظام بذلك القوام الهمجي لتحصل على تلك النتيجة.

لقد بانت بعض الملامح في الأمم المتحدة لتجاوز السيادة في قضية كوسوفو. إذ صرح الأمين العام للأمم المتحدة في حينه السيد كوفي عنان بأنه "لا يجوز لحكام دكتاتوريين يضطهدون شعوبهم والتخفي وراء السيادة". غير أن ذلك المفهوم لم يتطور بل على العكس سرعان ما أطيح به عندما برزت قضية نزع سلاح الدمار الشامل العراقي. وتبين أخيرا أن الإجماع الغربي في مسألة كوسوفو لم يكن من منطلق أخلاقي بل كان بدافع سياسي لضرب العلاقات القوية التقليدية بين الشعبين الروسي والصربي. وإلا فإن "دكتاتورية" ميلوسوفيج و "مقابره الجماعية" في كوسوفو التي ضمت ، على حسب متابعتي للأنباء، مقبرة فيها 16 جثة وأخرى ضمت 40 جثة، في حين كانت هناك حرب عصابات قائمة، لم ترق بأي قدر إلى دكتاتورية النظام العراقي وسياسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية التي نفذها بوعي وتخطيط وإصرار. غير أن الأمم المتحدة لم تحرك ساكنا بل شاركت النظام العراقي في التستر على الجريمة بعد أن دفع الرشاوى لمسئولين كبار في المنظمة الدولية وفي 46 دولة حول العالم. حتى أمريكا وبريطانيا، لم يثيرا موضوع الإضطهاد الحكومي للشعب العراقي في الأمم المتحدة، بل أثارا موضوع أسلحة الدمار الشامل وهما تعلمان أن صدام قد تخلص منها وأخفى منها ما يعينه على ضرب الشعب العراقي عند الضرورة. في الموضوع العراقي، تهشمت آمال السيد كوفي عنان في منع الدكتاتوريين من التمترس وراء السيادة لإضطهاد شعوبهم. تهشمت الآمال بسبب تضارب المصالح الأنانية للدول المختلفة وخاصة دائمة العضوية في مجلس الأمن.

لذا فإن مبدأ السيادة مازال ساريا لحدود واسعة وبإمكان الحكومة العراقية التعويل عليه، وبالأخص في مسألة نوع الحكم في العراق إن كان فيدراليا أو غير ذلك. صحيح أن إنفصال كردستان العراق وكردستان إيران وكردستان تركيا الآن وتأسيس "دولة عموم كردستان الديمقراطية" (كما أقترح تسميتها أنا) هو قرار أممي يقع خارج السيادة العراقية، إذا ما تبنت الدولة العراقية رسميا، وإفتراضا، دعم تأسيس تلك الدولة. إن موضوع الإنفصال غير مطروح من قبل أكراد العراق، في الوقت الحاضر على الأقل. أما إختيار النظام الفيدرالي في العراق وفي أية بقعة منه، شمالا أو جنوبا، فهو قرار سيادي عراقي لا يستطيع أحد أن يتدخل فيه؛ بدلالة أن الدستور العراقي وقبله قانون الدولة المؤقت قد نصا على تبني النظام الفيدرالي وطرح الدستور الدائم على الشعب وأقره بأغلبية واسعة ولم يعترض "الحليف" الأمريكي.

أما أن ينتقل ملف العراق من البنتاغون ويستقر بيد وزارة الخارجية ووكالة الإستخبارات المركزية وتعود حليمة إلى عادتها القديمة فيستمع السيدان بيكر وهاملتون إلى نظم شمولية متخلفة كالنظام السعودي ونظم شوفينية كنظام العسكر الأتراك فيوصيا في تقريرهما للرئيس بوش بإلغاء النظام الفيدرالي في العراق، فهذا أمر لا يمكن تبريره بإختفاء مبدأ السيادة. لذا أستطيع المراهنة على أن هذا، أي نقض النظام الفيدرالي في العراق، سوف لا يحصل؛ رغم تكهني بأن الحزب الديمقراطي الذي سيفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية سيتبنى تقرير بيكر-هاملتون وسيطالب بشطب الفيدرالية من الدستور العراقي وستؤيدهم أوربا تملقا للنظام الرسمي العربي، وسيؤيدهم النظام الرسمي العربي منذ أول لحظة. أتكهن بأنه سوف لا يحصل لأن إختيار النظام الفيدرالي أمر سيادي، وأن إلغاءه يعني الإستهانة بالديمقراطية، والديمقراطية خط أحمر لا يمكن لأحد أن يتجاوزه لأنها، أي الديمقراطية، ضمانة الجماهير الديمقراطية وخاصة الشيعية والكردية ضد عودة سياسة التطهير الطائفي والعرقي والإبادة الجماعية. ستصبح القضية، إذن، قضية "مقاواة" والغلبة للأقوى؛ وفي هذه الحالة ستكون الغلبة للعراقيين لأنهم سيضربون بعرض الحائط بجميع التحفظات التي تمليها عليهم روح المسئولية والتعقل وينزلون إلى الشوارع بعصيان مدني سلمي شامل سيضم الملايين لتسد على الأمريكيين وحلفائهم وعملائهم الطرق والشوارع والدرابين، فتتهدد مصالحهم ومكاسبهم التي حصلوا عليها لحد الآن. لقد جرب الأمريكيون وذيولهم حظهم في مواجهة الشعب العراقي عندما حاولوا فرض صيغة "مجلس الأمن الوطني" الجالس فوق البرلمان والحكومة والشرعية، حسب تصريح السيد عدنان الدليمي لمحطة إذاعة البي بي سي العربية في حينه، ففشلوا لأن الإئتلاف العراقي الموحد، كما تشير الدلائل والقرائن، قد هدد السيد زلماي خليل زاد بالنزول إلى الشوارع فإرتعب وحفظ حدوده وحدود حكومته، وسقطت صيغة "أهل الحل والعقد" التي إتخذت إسما عصريا مجملا بمشورة أمريكية.

ختاما أقول: يجري ثلم مبدأ السيادة عن طريقين: طريق القنونة عبر العولمة وطريق العفترة عبر إستخدام القوة. وكلا الطريقين لم يوصلا العالم، لحد الآن، لمرحلة قراءة الفاتحة على روح مبدأ السيادة. عليه، فيجب ألا نتطوع من أنفسنا ونعتبر أن سيادتنا العراقية أصبحت في خبر كان . لدينا أسباب القوة القادرة على فرض السيادة، فيما هو مشروع، وقد بينت مصادر قوة العراقيين في الحلقة 1-2 من هذا المقال.






#محمد_ضياء_عيسى_العقابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا رضخت أمريكا للخطة الأمنية الجديدة
- -العراق ... من أين وإلى أين؟- / الإحتلال وحل الجيش العراقي


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ضياء عيسى العقابي - الإستعداد لمرحلة ما بعد العفو والمصالحة1-2 و 2-2