أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عصام لعروسي - أخر القيادة الفاشلة، شرطي العالم الوحيد لا يملك مقومات الهيمنة















المزيد.....



أخر القيادة الفاشلة، شرطي العالم الوحيد لا يملك مقومات الهيمنة


محمد عصام لعروسي

الحوار المتمدن-العدد: 1932 - 2007 / 5 / 31 - 07:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تمهيد
إن إمكانية فهم الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، يستلزم أساسا إدراك المنطلقات الحقيقية لهذه السياسة، البناءات النظرية التي ترتكز عليها، الانحرافات الواقعية على القواعد المعيارية للقانون الدولي المعتمدة من طرف الجماعة الدولية، و أخيرا قياس و فحص درجة التحول أو الاستمرارية في اعتماد إستراتيجية معينة ، مع إمكانية تغييرها كلما اقتضت الراهنية الدولية ذلك.
تشربت السياسة الأمريكية من منطلقات تعنى في مجملها بالهيمنة و سيادة الزمن الأمريكي على كل الأزمان و فرض تصور صارم للقرية الكونية، لا تحيد أطرافها عن الوصايا و التعليمات الأمريكية، من منظور أحادي يجسد التفرد و الإستئتار الأمريكي باتخاذ القرارات الحاسمة في مناطق التوتر في العالم، مع أنه ليس الإمكان الجزم على الإطلاق باستمرارية نفس الإستراتيجية في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، هذه المنطقة التي تعتبر المختبر الحقيقي للسياسات الأمريكية، الكاشفة لنوايا البيت الأبيض، كما يقول "باسكال بونيفاس" أن حل الأزمة العراقية يمر عبر بوابة القدس، بما يعني ضرورة إسهام الراعي الأمريكي في استئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين و الإسرائيليين، بتجرد و بدون انحياز للطرف الإسرائيلي(1)، مما يعطي لهذه المنطقة بعدا استراتيجيا و حمولة رمزية غير مسبوقة.و امتدادا للدافعة النشطة للجيوسياسية الأمريكية، فاغلب خيوط اللعبة الدولية و تفاصيل الصراع المعلن و الخفي بين القوى الدولية و المحلية يتم عبر إدراك الميكانيزمات الناظمة لحلول السلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل و الدول العربية، فالانحياز الأمريكي لتل أبيب يقوض عملية السلام من جذورها و يتناقض مع مبادئ التحول في العقيدة الأمريكية المتبجحة بمطالب الحرية و أسس الديمقراطية الغربية.


أولا : دوافع الهيمنة الأمريكية

بعد إحداث الحادي عشر من سبتمبر تدافعت التحليلات الدولية في اتجاه توصيف و مأسسة النظام الدولي، باعتباره يشهد تحولا جذريا بعد خفوت صدى النبرة المثالية التي صاحبت انهيار جدار برلين، و نهاية أسطورة نظام دولي جديد يبشر بانبعاث شعاع الحرية و الانفتاح الديمقراطي، حيث استفاق الفينق الأمريكي المهلل بقدوم فجر جديد ليستنشق من رئة العولمة الناسفة المستندة إلى هوية ليبرالية مأمركة لا مجال فيها للاختلاف الإيديولوجي.

هذا النداء الديماغوجي المبشر بنظام دولي جديد، كان يدعو إلى هيمنة أمريكية مدروسة و مهيكلة على العالم، تستوعب كل أدوات الدبلوماسية المعاصرة، مع الحفاظ على فعالية الدبلوماسية التقليدية القائمة على المبادئ الدولية الكبرى كاحترام القانون، الحرص على الجانب التفاوضي و دعم إرادة التضامن بين أطراف النظام الدولي، فالتغيير يلزم أن يطال الوسائل و أدوات الفعل الدبلوماسي بما فيها التركيز على ميزات التواصل و فن إدارة التخاطب الدولي و تدبير الأزمات2.

إن إشراف الإدارة الأمريكية الديمقراطية على انجاز اتفاق "دايتون" كأرضية مناسبة أنهت عمليا الصراع الإثني في البوسنة، شكلت مؤشرا فارقا على جدوائية السياسة الأمريكية في استباق التصالحات على المستوى الدولي عن طريق تنشيط الآلة الدبلوماسية، و إن كان ذلك يعني لدى البعض استمرارية في إرساء بواعث الهيمنة و فرض الإستراتيجية الأمريكية بقوة التفاوض تارة و بالقوة العسكرية تارة أخرى، فالضمانة الوحيدة لإنجاح مثل هذه المبادرات السلمية، هي بصمة البيت الأبيض العالية الجودة و الفريدة في ميزتها، التي من دونها لا يمكن التقرير في تحديد مصير حل إحدى الأزمات الدولية ، وقد شهدت نهاية الفترة الرئاسية لبيل كلينتون استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين و الإسرائيليين، بما يفهم منه معرفة الإدارة الأمريكية الأكيدة لأهمية هذا الصراع و موقعه ضمن التحولات الدولية3.


من المؤكد أن انسجام السياسة الخارجية الأمريكية مع أهدافها العامة، مبادئها و خططها الإستراتيجية، أمر لا مناص منه لاستمرار مقومات الشحن المادي و المعنوي لهذه السياسة، ففتح المسارات و المسالك التفاوضية، والإنكباب على إرساء دعائم قوة سياسية و اقتصادية و ثقافية، شكل محور اهتمام الإدارة الديمقراطية الأمريكية على عهد بيل كلينتون، إعمالا لما يصطلح عليه مع "جوزيف ناي" بالقوة المرنة "، و تماشيا مع ما دهب إليه" توماس هاس" الداعي إلى فتح الحوار بين الحضارات و المحاور الدولية،والمطالبة بالتكاملية الإنتاجية بين الدول على الصعيد الاقتصادي، مع إبقاء دور حيوي للولايات المتحدة الأمريكية كدركي للعالم وقت الأزمات.
ثانيا: الإستراتيجية الأمريكية الجديدة

تعتمد الإستراتيجية الأمريكية الجديدة على أربع مبادئ محورية أولها، الرفض التام للوضع و ".pouvoir transformationnel" الجامد ، و اعتماد سياسة السلطة التحويلية للحرية و للعدالة ، بالنسبة للواقعيين الجدد فان كلفة عدم التحرك و المبادرة الهجومية كانت جد مكلفة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، مما سبب في زلزال 11 سبتمبر 2001.

المبدأ الثاني، يركز على أهمية الوضوح الأخلاقي في معالجة ظاهرة الإرهاب و التطرف الديني، ضمن هذا السياق طالبت الإدارة الأمريكية بدمقرطة الشرق الأوسط، و أكدت ذلك خطابات جورج بوش عن استنبات الديمقراطية في المنطقة و القطع مع ستين سنة من التساهل مع الأنظمة الأوتوقراطية، و هو أمر فيه كثير من التجاهل و المغالطة للتواثب التاريخية و الجغرافية الخاصة بالمنطقة، و تتجلى بالأساس في كون مجموعة من هذه البلدان هي حليفة تقليدية للولايات المتحدة الأمريكية، كما هو شأن مصر، الأردن، المملكة العربية السعودية، و معظم الدول الخليجية، فمطالبة هذه الأنظمة بتوقيع إصلاحات سياسية و اقتصادية، هو من قبيل اقتراح أسلوب جديد لتدبير الأزمات في المنطقة العربية المراد منه إطالة أمد الصراع و خلط الأوراق و إضعاف الطرف العربي و إنهاكه داخليا بافتعال مقصود لأزمات داخل بلدانه، و تصدير الديمقراطية كماركة مسجلة لا تستقيم إلا مع الاستجابة للوصفات الأمريكية، أما المغالطة الأخرى فتكمن في الفشل في تعريف الإرهاب، و وضع الراحل ياسر عرفات و أسامة بن لادن في كفة واحدة.3

المبدأ الثالث تفعيل مقاربة تغيير الأنظمة الغير ديمقراطية، فعندما يفترض الوضوح الأخلاقي و العقدي، لا يمكن التعامل مع هذه الأنظمة حسب المنطق الأمريكي، و إنما يستحسن تغييرها و العمل على تقويضها. هذا المبدأ تم إعماله من طرف المحافظين الجدد خلال سنوات التسعينات ، عبر افتراض إستراتيجية مختلفة عن سياسة الوفاق التي تم اعتمادها من طرف الرؤساء نيكسون، فورد وكارتر.

بعد انهيار المعسكر الشرقي ، و تحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى قوة وحيدة، غدا التسامح مع الدول الموصوفة بالدكتاتورية و إتباع أساليب المفاوضات حسب تعبير كيسنجر "خطوة إلى الأمام و خطوتين إلى الوراء"، أمرا غير مقبول من طرف الإدارة الأمريكية من الناحية الإستراتيجية والمبدئية،و بالتالي فان آلية تحويل الأنظمة أصبحت العملة الرائجة و شعار المرحلة و خاصة على عهد الرئيس جورج بوش، طالما أتاحت ممكنات القوة العسكرية و اللوجيستيكية ذلك(غزو أفغانستان، العراق و التصعيد المتواصل ضد إيران و سوريا).
المبدأ الرابع يكمن في أولوية القوة العسكرية، بناء على مركزية المكون العسكري و قدرته على تطبيق إستراتيجية الهيمنة، باعتبارها وسيلة رادعة تجلب المصالح العليا الأمريكية، مع الحفاظ على الهيبة و السلطان على الصعيد الدولي .

فسياسة ما بعد الواقعية الجديدة لجورج بوش، ارتكزت على ثلاث عناصر أساسية، أولها: استغلال الرأي العام المأخوذ بوقع أحداث 11 سبتمبر، لإقناعه بإتباع سياسة أمريكية صارمة تضرب بقوة لاقتلاع جذور العنف الكامن في باقي الحضارات و مطاردة مسببي الإرهاب و التطرف في أية نقطة من المعمور. النقطة الثانية: تكمن في أهمية الموارد المالية التي تراكمت لدى الإدارة الأمريكية ، الناجمة عن سرعة النمو الاقتصادي خلال النصف الثاني من التسعينات على عهد الرئيس كلينتونـ و التي خلفت كفائض مالي قدر ب 200مليار من الدولارات، النقطة الثالثة: توفر البيت الأبيض على ترسانة عسكرية لا مقابل لها في التاريخ و استمرار سياسة السباق نحو التسلح.

خلال خطاب افتتاح المرحلة الرئاسية لجورج بوش في 20 يناير 2005، استعمل الرئيس الأمريكي ليس أقل من 49 تعبيرا عن كلمة الحرية، و هي اختيار مقصود من المسئول الأول في البيت الأبيض، يراد منه إطلاق يد أمريكا على العالم، فباسم حرية الشعوب و أحقيتها في الاحتكام إلى اللعبة الديمقراطية، و شرعنت الولايات المتحدة بذلك، اللجوء إلى القوة لتجفيف منابع الإرهاب و وضع هذا الهدف في مركز اهتمامات الأجندة الرئاسية مع سيادة الاقتناع بتفعيل دبلوماسية مغيرة من خلال رؤية العالم كما هو، مع العمل على تغييره و إعادة ترتيب المنطقة العربية برمتها، بداية بالعراق الذي يتخبط في دائرة العنف الطائفي، واستهداف كل من سوريا و لبنان ، ووصولا إلى الصراع العربي الإسرائيلي، حيث يجتهد الطرف الأمريكي في عرقلة مساعي السلام، فزيارات "كوندوليزا رايس" للشرق الأوسط لا تحمل الشيء الجديد، بخلاف الدعم الأمريكي الغير المشروط لإسرائيل، مع رفض حركة حماس و اعتبارها حركة إرهابية، و كذلك الشأن بالنسبة لحزب الله في لبنان، و هذا ما يفسر إستراتيجية البلقنة و إعادة رسم و تشكيل ملامح المنطقة، و إعادة اختيار القيادات و الأنظمة المناسبة، و وصولا إلى حالة الفوضى العارمة، التي تضمن الاستغلال الأمريكي الممنهج للمنطقة. و يبقى السؤال الرئيسي على حد تعبير المؤرخ الأمريكي "أريك هوبسوم" هو هل تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لقيادة العالم أم للسيطرة عليه ؟
يرى "زبيجنيو بريجنسكي" الذي يعد اليوم في طليعة النخبة الأمريكية المتصدية لأوهام الغزو الأمريكي للعراق، أنه يجب عدم الخلط بين القوة و القوة الغير المحدودة، فرفاهية أمريكا مرتبطة و متشابكة مع رفاهية العالم، و الاشتغال الناجم عن الخوف بالأمن الأمريكي، لا يتوافق مع حاجة العالم الحقيقية للقيادة الأمريكية، ما لم توفق أمريكا بين قوتها الطاغية و رسالتها و جاذبيتها الاجتماعية، فقد تجد هيبتها عرضة للهجوم فيما تشتد الفوضى العالمية.

إن أوهام القوة العسكرية تصطدم بمفارقة غريبة، فالإدارة الأمريكية على سطوتها، أضحت منشغلة بالتهديدات الناجمة عن مصادر معادية أضعف من قوة بلدها، و قد تتمثل في أشخاص أو جماعات متفرقة تنعت بالمتطرفة و الإرهابية، فمتابعة كيان دولي لجماعات محدودة العدد و غير متوازنة من الناحية اللوجستيكية، يدرك منه الغموض الكبير الذي يلف الرؤية الأمريكية و خطاب رئيسها الذي يتوعد أعداء الحرية فرادى و جماعات، مما جعل سياسة الولايات المتحدة الأمريكية محل كراهية شديدة من قبل مجموعة كبيرة من أعضاء المجتمع الدولي.

حسب الدكتور "أناتولي ايفانوفيتش أوتكين" العالم الروسي و المؤرخ البارز في مجال الدراسات الأمريكية و أحد المنشغلين بمصير العالم في ضل الإستراتيجيات الأمريكية، فإن مصير الهيمنة الأمريكية محكوم عليه بالفشل، انطلاقا من أن انجازات البيت الأبيض بمنطق القوة و الإحصاءات لا يمكنها الثبات طويلا في عالم سريع النمو، ولا يمكن لأمريكا اعتمادا على قدرتها الخاصة فقط أن تضمن استمرار هيبتها.

من المؤكد أن الإستراتيجية الأمريكية أضحت محكومة بسيناريوهين أساسيين، إما الاستمرار في نهج أسلوب الهيمنة مع ما يتطلب ذلك من استنزاف المزيد من القوة، سواء ما تعلق منها بالعناصر المادية و الاقتصادية، و الاختصام من نموذجها الديمقراطي الليبرالي، أما الخيار الثاني، فهو سيناريو النكوص و التراجع إلى الحدود الجيوسياسية الأمريكية و الابتعاد عن تضخم النزعة العسكرية، و هذا أمر صعب نسبيا على اعتبار صعوبة عزل أمريكا عن الفوضى العالمية دون أن تتدخل فيها.
ثالثا: الشرق الأوسط: معطيات جديدة

إن فشل الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة الحرب في العراق، الذي يضم اكبر احتياطي للنفط في العالم، بعد إزاحة النظام الديكتاتوري و استبداله بنظام ديمقراطي يتعايش بأمن و سلام مع محيطه الجيوسياسي، يوضح ضياع الحلقة الرئيسية من الأجندة الأمريكية في إعادة بناء الخريطة السياسية للشرق الأوسط الكبير.

إذا كان الطرف الأمريكي قد نجح في تحقيق الشق الأول من المهمة من التزاماته و وعوده لأقطاب النخب السياسية المعارضة العراقية بإسقاط نظام صدام حسين، وتسلم المعارضة مسؤولية قيادة الدولة العراقية، فقد فشل في الشق الثاني من المهمة، المتمثل في إرساء دعائم دولة مؤسسات قوية و الحفاظ على النظام و الأمن، حيث اختفت السلطة و حلت محلها مليشيات محلية و إقليمية، و أصبح العراق مسرحا للصراعات الإقليمية و الدولية، و تفاقمت لدرجة أصبحت تهدد الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، ناهيك عن المأساة الدموية التي حلت بالشعب العراقي، لهذا فإن إدارة بوش تتحمل مسؤولية التدهور المستمر للوضع الأمني في هدا البلد، الذي يصفه البعض بالحرب الأهلية، ويخشون أن تهدد باندلاع حرب إقليمية بالمنطقة تعجز أمريكا عن السيطرة عليها

من جانب أخر، تشهد المرحلة الحالية ظهور تحول نسبي في الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط و تصوراتها بشكل عام، و خاصة بعد صدور تقرير بكير-هاملتون ، الذي أقر بصراحة و بواقعية كبيرة أن الإدارة الأمريكية ارتكبت عدة أخطاء في العراق ، و ضلت تغالط هذه الحقيقة، غير أن الاقتراحات التي استصدرتها لجنة الحكماء غير قابلة للتطبيق و معرضة حتما للفشل، لأنها تقدم حلولا عاجلة و نهائية و ترمي بالمسؤولية على أطراف الصراع الطائفي في العراق، و تدعو إلى بقاء القوات الأمريكية حالما يتحقق الاستقرار في هذا البلد، في حين كان يلزم على هذا التقرير تحديد أجندة خاصة موجهة لكل الكيانات السياسية العراقية، قصد الالتفاف و المصالحة في أمد محدد، و أيضا إقناع سوريا و إيران للعب دور مؤثر و ايجابي في الأحداث بدل اتهامهما و محاربتهما، كما أن اقتراح سحب وحدات القتال الأمريكية بداية سنة 2008، مع رفض وضع جدول زمني خاص بذلك، و مغادرة القوات الأمريكية للعراق، حالما تتحقق جاهزية القوات العراقية و مصالحة الحكومة بشتى ألوانها، يبدو أمرا صعب المنال، فالوحدات العسكرية و الأمنية العراقية و قدراتها و انتماءها الوطني هو موضع شبهة و متهمة بتورطها مع الميليشيات في القتال.

إن الفشل الأمريكي تحول إلى نقطة إجماع للرأي العام الدولي، و قد ألمح "دونالد رامسفيلد" بعد مغادرته لموقعه في وزارة الدفاع، أن الأشياء المرجوة من التدخل الأمريكي في العراق لم تتحقق، و إمكانية الإخطار بالهزيمة أمر غير محبذ للإدارة الأمريكية مهما كلف الأمر، مع الاحتفاظ بالوهم و المغالطة بالانتصار حتى و لو كان الثمن الآلاف من الأرواح البشرية.10
فشل السياسة الأمريكية في العراق، انعكس على الرؤية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط، بما يعني عدم الاستعجال في تغليب منطق القوة في معالجة قضاياه، و خصوصا في حالة الملف النووي الإيراني، و أيضا تراجع الرغبة في إصلاح الأنظمة العربية الأوتوقراطية، بعد ما كانت الإدارة الأمريكية تجبر هذه الأنظمة على اقتحام التجارب الديمقراطية و الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، فالمواجهة الحالية مع إيران مكنت بعض البلدان كمصر و الأردن و العربية السعودية من الخروج من عباءة السياق المثالي للدعوة الأمريكية بإحداث إصلاحات سياسية جذرية ، و الحفاظ نسبيا على الطبيعة الجوهرية لأنظمتها، مع استمرار تنزيل بعض الرتوش و التصويبات الجانبية التي تصب في خانة التهدئة و الاستجابة الشرطية للحراك و الاحتقان السياسي الذي تعرفه شعوبها، بما تشهده من اتساع فضاء الحريات للحركات الإسلامية المعارضة في البلدان العربية دون تغيير كبير في إدارة الشأن العام و إدخال تعديلات حقيقية على الأنظمة الحاكمة .
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تدرج هده الدول في دائرة الدول المعتدلة ذات المعاملة التفضيلية من وجهة نظر جيوسياسية ، لما قد تقدمه من خدمات تواكب نمط التغيير في السياسة الأمريكية عملا بمقولة روزفلت "عدو عدوي صديقي"، أي تشكيل جبهة من الدول الحليفة لمواجهة الخطر الشيعي بزعامة إيران و من يدور في فلكها كالحركات الشيعية في العراق، حزب الله في لبنان، سوريا و حركة حماس في فلسطين.

مجموعة من المؤشرات تدعو إلى الاعتقاد بان لحظة الأحادية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية قد ولت إلى غير رجعة، و قد أجمعت الآراء في ملتقى دافوس 2007، على اعتماد مقاربة نقدية للهيمنة الأمريكية، حيث ألمح "شواب" ، رئيس المنتدى أن النظام الدولي يجتاز أزمة بنيوية في بنياته، طرقه و فلسفته الناجمة عن التنزيل الأهوج للسياسة الأحادية الأمريكية على أرض الواقع. فإشراف المملكة العربية السعودية على المصالحة بين الفلسطينيين "لقاء مكة"، و الدعوة إلى عقد قمة إسلامية في غياب أي دور إقليمي لجامعة الدول العربية في العراق و فلسطين، هو مؤشر واضح على استرجاع بعض الشركاء في المنطقة لدور مفقود مع الاكتساح الأمريكي للمنطقة، و تعويضا لإفلاس السياسة الأمريكية، كما أن الموقف الأوربي من أزمة الشرق الأوسط، من خلال عمل اللجنة الرباعية، بدا متباعدا و لأول مرة مع الموقف الأمريكي، كما أن إعلان "طوني بلير" سحب جزء كبير من قواته من العراق في غضون الأشهر المقبلة، يعطي الانطباع أن تحرك الأطراف المشكلة للنظام الإقليمي ضدا عن الرغبة الأمريكية، هو تعبير صريح عن استبدال مفهوم الأمن الأحادي الجانب بتصور جديد للأمن يقوم على الشراكة و التفاهم بين الأطراف حول مستقبل المنطقة.
و على صعيد الصراع العربي للإسرائيلي، يلزم استثمار فرص السلام الجديدة، بما يفرض على إسرائيل الانخراط الفعلي في عملية السلام، بناء على الربط القائم بين معضلة العراق و مشكلة فلسطين، و هذا ما استوعبته أمريكا جيدا، لكنها توجد في فترة التردد و العجز عن اتخاذ أي قرار، علما أن الانحياز لإسرائيل لن يجدي شيئا، فالحل العسكري مآله الفشل في فلسطين، و إضاعة فرصة السلام المتاحة اليوم هو أكبر خطأ ترتكبه إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية، و الاستمرار في اعتماد سياسة القوة، سيعيد الصراع إلى مربعه الأول.

خاتمة

إن إتباع الولايات المتحدة الأمريكية للدبلوماسية الإقليمية و العالمية المتسمة بالمرونة و الانفتاح، قد يحقق نتائج مجدية أكبر من السياسة الانعزالية و سياسة القوة العسكرية، و هذا ما تأكد من خلال مشاركة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إلى جانب العراق و دول الجوار خاصة إيران و سوريا مؤخرا في مؤتمر يضم كل الأطراف المعنية بالاستقرار و الأمن في المنطقة، لإيجاد السبل الكفيلة لوضع حد لحالة الفوضى السائدة في العراق.

لقد اقتنعت الدول المتدخلة في بلاد الرافدين و في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، أن من مصلحتها فتح قنوات الحوار و التعايش بين أطراف النظام الإقليمي، و لم لا التخلي عن الدور القتالي لوحداتها العسكرية، و المشاركة في المؤتمرات و اللقاءات لتقريب وجهات النظر المتباعدة، وتبني إستراتيجية للبناء المشترك خدمة لمصلحة الشعوب السياسية و الاقتصادية، فالأمن كمطلب مستعجل و غائي للإدارة الأمريكية، لا يمكن أن يتحقق من خلال الاستمرار في إثارة النعرات الطائفية، و مواجهة الدول الموصوفة بالإرهاب، فانعقاد مؤتمرات حول منطقة الشرف الأوسط، هو بمثابة مؤشر لوضع أسس مستويات معالجة إقليمية لكل قضايا المنطقة بدءا بالبرنامج النووي الإيراني، إلى عزلة سوريا الدولية، مرورا بالأزمة اللبنانية و القضية الفلسطينية، وذلك من خلال الإنقلاب من إستراتيجية القوة العسكرية إلى دبلوماسية مرنة و مهادنة تعتمد أسلوب الحوار و الإقناع.

المراجع المعتمدة


/ Pascal boniface : les changements économiques au moyen orient, conférence animée par ce professeur au Maroc au siège de la caisse de dépôt et de gestion le 08/02/2006.

2/ voir philipe douste blazy : quelle diplomatie pour la France ? entretien conduit par la rédaction de politique internationale n°110- hiver 2005-2006 page 32.

3/ justin vaisse : l’hiver du neoconservatisme, revue politique internationale, n°110 hiver 2005-2006, pages 62-63

4/ محمد عصام لعروسي: السياسة الخارجية المغربية إزاء العالم الإسلامي- مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة- أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية، الاقتصادية و الاجتماعية، الرباط، ص 212.
5/ حول موقع الواقعية الجديدة ضمن المقاربات النظرية، راجع مقالتنا «العلاقات الدولية، شيء في النظرية و أخر في التطبيق"، المنشور في جريدة العرب الأسبوعي بتاريخ 09/12/2006.
6/ voir notamment william benett: "why we fight" : moral clarity and the war or terrorism, regnery, Washington, 2003.

7/ ركزت المدرسة الواقعية الجديدة في مراحلها الأولى من ظهورها على قضايا داخلية تشغل اهتمام المواطن الأمريكي و خاصة أولوية السياسة الاجتماعية، و أعقبتها المرحلة الثانية بعد سنة 1972، حيث انصب الاهتمام لأول مرة على مجالات السياسة الخارجية، إذ لوحظ و لأول مرة ابتعاد الإدارة الديمقراطية عن تفاصيل الشأن الداخلي نسبيا، و تقاربهم بشكل كبير مع أفكار الحزب الجمهوري بخصوص أولويات السياسة الخارجية، مع التقارب الكبير مع توجهات إدارة الرئيس ريغان.

8/ voir justin vaisse: « le mouvement neoconservateur aux états unis. Le deuxième age du neoconsevatisme a travers l’histoire de la coalition « for a democtaric majority et du committe on the present danger", 1972-1992 », thèse de doctorat d’histoire soutenue le 18/11/2005 a l’institut d’études politiques de paris.

9 /pierre hassner : Europe et états unis : une amitié si fragile ; politique internationale n°110 hiver 2005-2006 ; pages 98-99

10/ أميل أمين: الهيمنة الأمريكية بين أوهام القوة و حقائق الواقع، جريدة الشرق الأوسط الدولية، العدد 10317 بتاريخ 26/02/2007.
11/ د مهران موشخ : تقرير بيكر هاملتون، طور متقدم في مسيرة العولمة، جريدة إيلاف الإلكترونية العدد 2041 بتاريخ 14 ديسمبر 2006.
12/ للمزيد من الإطلاع على تفاصيل هذا التقرير راجع مقال عدنان السيد حسين، "من يسقط تقرير بيكر- هاملتون"، مجلة المستقبل العدد 2475، بتاريخ 14 كانون الأول – رأي و فكر- ص 19
13 / Courrier international du 22 décembre 2006, page 1

14/ كما هو الشأن بالنسبة لمسألة التعديلات الدستورية في مصر، التي تؤشر ببداية مرحلة جديدة تتميز بالانفتاح السياسي و اعتماد التعددية السياسية بدل نظام سيطرة الحزب الواحد و المرشح الوحيد في الانتخابات الرئاسية المصرية، ظهور معارضة قوية مشكلة من مجموعة من الفعاليات السياسية و المدنية كحركة الإخوان المسلمين و حركة كفاية. هذه الأخيرة عملت على إطلاق العديد من الدعوات و المبادرات تدعو لوقف استشراء الفساد في النظام السياسي و الاقتصادي المصري، و إصلاح أساليبه التقليدية في إدارة البلاد، بما في ذلك وقف العمل بقانون الطوارئ.
15 / voir marina ottaway : who wins in Iraq : Arab dictators, foreign policy, march/ April 2007.

16 / voir l’entretien avec mokhtar lamani, ancien ambassadeur de la ligue arabe en Irak, publie par le journal hebdomadaire du 03 mars 2007, pages 39-41.

17/ Samir sobh : moyen orient, l’émergence de nouvelles données, la gazette du Maroc du 26/02/2007.



#محمد_عصام_لعروسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في بعض محددات السياسة الخارجية المغربية إزاء العالم ال ...
- أحداث الحادي عشر من شتنبر و أكذوبة الحرب على الإرهاب
- السياسة الخارجية المغربية إزاء العالم الإسلامي: مرحلة ما بعد ...


المزيد.....




- الرئيس الجزائري: البشرية فقدت أمام معاناة الفلسطينيين في غزة ...
- شاهد: الاحتفال بمراسم -النار المقدسة- في سبت النور بكنيسة ال ...
- مجهولون يعتدون على برلماني من حزب شولتس في شرق ألمانيا
- تصاعد الخلافات في جورجيا بعد طرح مشروع قانون مثير للجدل يرفض ...
- هاليفي يوجه رسالة للجيش الإسرائيلي من وسط غزة
- الجيش الإسرائيلي ينشر فيديو يوثق غارة جوية استهدفت بلدة طير ...
- مسؤول إسرائيلي: التقارير عن صفقة سيتم الكشف عنها يوم السبت س ...
- جنرال فرنسي: باريس ليست مستعدة الآن للمشاركة في النزاع الأوك ...
- تقرير عبري: البرغوثي قد يطلق سراحه إلى غزة ضمن المرحلة الأول ...
- نشطاء يرشقون بالبيض القيادي اليميني المتطرف الفرنسي إريك زمو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عصام لعروسي - أخر القيادة الفاشلة، شرطي العالم الوحيد لا يملك مقومات الهيمنة