أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - محمد أحمد الهاشمي - الصحافة المستقلة :هل هي شكل جديد للمعارضة السياسية؟















المزيد.....


الصحافة المستقلة :هل هي شكل جديد للمعارضة السياسية؟


محمد أحمد الهاشمي

الحوار المتمدن-العدد: 1918 - 2007 / 5 / 17 - 11:45
المحور: الصحافة والاعلام
    



تضع التحولات الاجتماعية والسياسية الراهنة في المغرب الباحث في العلوم الاجتماعية أمام خيارين : إما التشبث الأرثوذكسي بالمقولات النظرية التي طورتها مختلف هذه العلوم والارتهان لقوالبها الجاهزة في فهم هذه التحولات، وإما الاطمئنان لفكرة الخصوصية في قراءة هذه التحولات مع ما ينطوي عليه ذلك من خطورة التواطؤ مع رؤية الفاعلين والسقوط في فخ النزعة التبريرية لاختيارات معينة. بين هذين الخيارين المتعارضين، ينتصب خيار ثالث وهو خيار التجريب الذي يتميز عن الخيارين الأولين على الأقل بقدرته على تجاوز منزلقاتهما المنهجية.
ونقصد بالتجريب، توظيف الباحث بعض المقولات النظرية العلمية في محاولة توصيف وفهم بعض مناطق الظل (أفعال، سلوكيات، أحداث، سيرورات...) التي تضعها المقولات العلمية خارج العلم، من وجهة نظر إجرائية، وذلك إما بغرض تعديل هذه المقولات وتوسيع قدرتها الإجرائية في فهم التحولات كما تجري في الواقع وإما بهدف بناء وتطوير مقولات جديدة تستمد شرعيتها من قراءة مختلفة للعلاقة بين مختلف العناصر التي تتداخل فيما بينها لتشكل تلك السيرورة المسماة بالتحول.
بناء على هذه المقدمات المنهجية تحاول هذه الورقة تجميع بعض العناصر لإعادة بناء مفهوم المعارضة السياسية بالمغرب الذي عرف نوعا من التشظي بلغ أوجه مع دخول المعارضة الكلاسيكية للحكومة في إطار ما عُرف بالتناوب التوافقي سنة 1998، حيث تنطلق من فرضية أساسية مفادها أن تحولات وتفاعلات الحياة السياسية لما بعد التناوب تجعل المعيار الشكلي لتعريف المعارضة السياسية قاصراً عن استيعاب هذه التحولات التي أسفرت عن ظهور فاعلين جدد يلعبون دور المعارضة السياسية خارج التنظيمات الحزبية الكلاسيكية. غير أن فحص هذه الفرضية يمر أولا عبر تبيان أسباب ومظاهر تراجع المعارضة السياسية الحزبية.

I- تراجع أداء المعارضة السياسية الحزبية :
هناك سببان رئيسيان أديا إلى حالة الفراغ الملحوظ في أدوار المعارضة السياسية الحزبية بالمغرب.

1- إدماج أحزاب المعارضة التاريخية :
لاشك أن نجاح الملك الراحل في إقناع أقطاب أحزاب الكتلة في دخول الحكومة في إطار ما سمي بحكومة التناوب التوافقي شكل منعطفا حاسماً في تاريخ النظام السياسي المغربي الحديث وهو ما أبان عن قدرة المؤسسة الملكية على إعادة إنتاج نفسها بشكل ينم عن حس استباقي كبير في قراءة تحولات المرحلة والتعاطي مع تناقضاتها بما يتيح استيعابها وتوظيفها لإبقاء تنازلاتها في حدودها الدنيا التي لا تسمح بأي منافسة لها في مكانتها المركزية في النظام السياسي، حيث أظهرت مرحلة ما بعد التناوب أن لا شيء تغير بالرغم من أن كل شيء قد تغير. فقد سمحت تجربة التناوب بإعادة إنتاج وتكريس الإجماع حول المؤسسة الملكية مما سمع بانتقال عهدي سلس في نفس الوقت الذي سمحت فيه بالتخفيف من حدة التوتر الاجتماعي بعد ما فقدت أحزاب الكتلة الكثير من قدرتها على تحريك الشارع حيث أصبح خطابها أكثر واقعية ومثقلا بإكراهات العمل الحكومي.
ومن جهة أخرى كان لإدماج أحزاب المعارضة في الحكومة آثر الدومينو على الحياة الحزبية بالمغرب حيث أعيد تشكيل نظام الأحزاب بالمغرب على أسس مختلفة عن مرحلة ما قبل التناوب فظهرت تحالفات حزبية خالية من أية قواسم مشتركة إيديولوجية أو حتى برامجية على مستوى العمل الحكومي إذ وضعت كل الأحزاب برامجها الانتخابية جانبا لتتفرغ لتنفيذ برنامج الدولة الذي ضخ فيه الملك الشاب دماءً جديدة وأكسبه مزيدا من المشروعية لدى الطبقات المسحوقة.
2- فشل التناوب على المعارضة :
إذا كان التناوب على الحكومة قد أفرز النتائج التي يعرفها الجميع فإن هناك تناوبا موازياً لم ينل الاهتمام الكافي بالنظر إلى انعكاساته على النسق السياسي والتي قد تتجاوز أهميتها نتائج التناوب الحكومي ويتعلق الأمر بالتناوب على المعارضة، فقد خلف دخول أحزاب الكتلة إلى الحكومة فراغا ملحوظا في كرسي المعارضة على اعتبار أن أحزاب الأغلبية السابقة مرتبطة جوهريا وشكليا بالحكم ولم يكن ظهور أي منها مرتبطا بحاجة مجتمعية أو بنقاش فكري أو إيديولوجي.
هذه الحالة من الضعف البنيوي تنظيميا وسياسيا جعلت أحزاب المعارضة الجديدة غير قادرة على استيعاب دينامية المجتمع المغربي التي تغذيها آمال وإحباطات مرحلة الانتقال وهو ما أفسخ المجال لظهور فاعلين جُدد على الساحة، أحدهما يستجيب للتعريف الكلاسيكي لمفهوم المعارضة السياسية على الأقل من الناحية الشكلية، ويتعلق الأمر بالإسلاميين الذين سيصبحون الرقم الصعب في المعادلة السياسية بالمغرب. أما الفاعل الثاني فيتجلى في الإعلام المكتوب المستقل الذي يمكن، من وجهة نظر سوسيولوجية اعتبار دوره شكلا من أشكال المعارضة السياسية رغم أنه من الناحية الشكلية لا يستجيب لتعريف المعارضة ما دام الأمر لا يتعلق بأحزاب أو تنظيمات سياسية.

3- اختلالات النسق السياسي وظهور فاعلين جُدد :
إذا افترضنا أن وجود معارضة سياسية عنصر ضروري في حياة أي نظام سياسي بغض النظر عن طبيعة هذا النظام (ديمقراطي أو غير ديمقراطي) من جهة وعن طبيعة دور المعارضة (المشاركة الفعلية في الحكم أو مجرد تنشيط الحياة السياسية) من جهة أخرى، فإنه من الممكن القول أن فشل التناوب على المعارضة الذي يشكل الوجه الآخر للتناوب على الحكومة قد خلف اختلالين أساسيين :
الأول مس علاقة المجتمع بالأحزاب السياسية عامة والمعارضة منها خاصة حيث ظهر تفاوت واضح بين حركية المجتمع وإيقاع العمل الحزبي فبدأت الهوة تتسع بين وعي المجتمع بذاته وبين الصورة التي تقدمها له الأحزاب وهو ما يفسر تصاعد ظاهرة النفور من العمل الحزبي كمظهر لظاهرة اللاتسيس بشكل عام والتي تشكل أرقام الانتخابات الأخيرة في 2002 إحدى أبرز تجلياتها(1).
أما الاختلال الثاني فقد مس علاقة مكونات النسق السياسي Le système politique ببعضها البعض وخاصة علاقة النظام السياسي Le régime politique بالأحزاب السياسية المعـارضة التي لعبت دوراً أساسيا في حماية النظام الملكي من خلال وظيفتين:
1- الاضطلاع بدور محامي الشعب وتأطير عملية الاحتجاج الاجتماعي مما سمح بتخفيف حدة التوتر وحماية النظام من الانفلاتات اللامؤسساتية.
2- ترسيخ شرعية النظام الملكي من خلال الصراع السياسي الذي ينتهي دائما باحتواء المعارضة عبر استعادةRécupération مقترحاتها ومبادراتها(التعديلات الدستورية مثلا). وتدجين نخبها من طرف النظام وتوظيفها لتجديد موارد مشروعيته (التعيين في المناصب الحكومية أو المؤسسات الملكية الاستشارية).
هذين الاختلالين أوجدا حلقة مفرغة في علاقة النظام السياسي بالمجتمع مما دفعه (النظام السياسي) إلى إستراتيجية بديلة تقوم على تشجيع ظهور فاعلين جُدد.
ويمكن تصنيف الفاعلين الجدد إلى ثلاث فئات:
1- الإسلاميون : فبالإضافة إلى الصعود المتواصل للفكر المحافظ وخاصة الدين كمصدر للخلاص كظاهرة عالمية، استفاد الإسلاميون المغاربة من فشل الأحزاب ذات التوجه اليساري في الوفاء بوعودها بعد صعودها للحكومة في 1998 وقد اعتمد النظام الإستراتيجية الأمريكية(2) في التعاطي مع الإسلاميين والقائمة على الاحتواء المزدوج عن طريق التحالف مع المعتدلين (العدالة والتنمية) لشرعية وتسهيل محاصرة المتشددين (العدل والإحسان).
2- التنظيمات الجمعوية : وساعد على انتشارها مناخ الانفتاح السياسي في عقد التسعينات الذي نتج عنه تراجع ملحوظ في حضور جمعيات الأنهار والسهول. وقد نجحت الدولة في توظيف هده الدينامية الجمعوية للترويج لفكرة المجتمع المدني كجزء من مشروع المجتمع الديمقراطي الحداثي، غير أن الوجه الآخر للعملية هو أن تشجيع العمل الجمعوي ليس سوى تغطية على فشل الدولة اقتصاديا واجتماعيا ونوعا من التهيء السيكولوجي " للمواطن " للتعامل مع مؤسسات الدولة على هذا الأساس.
3- الصحافة المستقلة: بالرغم من الانزلاقات التي عرفها تعاطي الدولة مع الصحافة المستقلة فإن هناك شبه إجماع لدى المراقبين على اتساع هامش حرية الصحافة بعد سبع سنوات من العهد الجديد. وبالمقابل هناك اختلافا واضحاً في تفسير هذا التحول. بينما يرى المتفائلون أن هذا التحول هو أحد أبرز تمظهرات مخاض الانتقال نحو الديمقراطية، يعتقد المتشائمون أن إطلاق حرية الصحافة بالمغرب ليس في العمق، سوى الثمن الذي ينبغي أن يدفعه النظام السلطوي ليتمكن من إعادة إنتاج نفسه، أي أن هذه الحرية هي جزء من كلفة السلطوية Le coût de l’autoritarisme. (3)
وبغض النظر عن هذا الاختلاف، فالأكيد أن الصحافة المستقلة أصبحت فاعلا أساسيا في الحياة السياسية بالمغرب وأصبحت تلعب وظائف تتجاوز وظيفة الإخبار إلى خلخلة مجموعة من الأفكار والقيم والصور النمطية وفتح نقاش حول بعض الإختيارات الإستراتيجية للدولة بشكل يكاد يجعلها شكلا من اشكال المعارضة السياسية.
II- الصحافة المستقلة تتقمص دور المعارضة السياسية :
يمكن أن نزعم أن الاضطلاع بمهمة المراقب الناقد لأداء الفاعلين في الحقل السياسي المغربي هو ليس فقط معطى محايث لظروف ظهور ما يسمى بالصحافة المستقلة بل يكمن في صميم نعتها " بالمستقلة ". غير أن مفهوم الاستقلالية في سياق الراهن المغربي ليس بديهيا، فهو يعني بالأساس أخذ مسافة عن مركزي إنتاج وتسويق الحقيقة وهما الدولة والأحزاب مع العلم أن هـذه المسافة التي يشار إليها بعبارة حرية التعبير تم تحديدها قانونيا وسياسيا من طرف الدولة وحلفائها (تعديلات قانون الصحافة ، إنشاء هيئة عليا للاتصال السمعي البصري) بما يسمح بمراقبتها والتحكم فيها. غير أن خاصية عدم الاكتمال التي تظل السمة الأبرز للمسلسل الديمقراطي بمختلف أوراشه الإصلاحية إضافة إلى انكماش الصحافة الحزبية للمعارضة السابقة وتحولها من خطاب نقدي تعبوي نضالي إلى خطاب تبريري مطالب بالتطبيع مع التصور الدولتي للحقيقة تماشياً مع موقعها الجديد في النسق السياسي، هذين العاملين ساهما إلى حد بعيد في جعل الصحافة المستقلة تنهج أشكال تعبير ذات نفس نضالي وتشتغل على ملفات وقضايا ذات حساسية كبيرة محاولة إنتاج حقيقة " منافسة " لحقيقة الدولة، ويمكن رصد بعض تجليات هذه المنافسة في النقاط التالية :
1- الصحافة المستقلة كقاطرة للنقاش العمومي :
... وقد تجلت بوادر مساهمة الصحافة المستقلة في هذا النقاش مع ظهور أولى الأسبوعيات الناطقة بالعربية بفضل مناخ الانفتاح السياسي النسبي في العشرية المنصرمة. فبعد أن كان هامش الحرية والنقد يتحدد بمقدار القرب أو البعد عن مركز القرار، أصبح هذا الهامش يتحرر تدريجيا ويوسع المسافة عن مركز القرار. هذه المسافة ورغم استعصائها على القياس فقد شكلت المحدد الأساسي لهوية الصحافة المستقلة التي حاولت ترسيخها بتكريس أشكال جديدة من الكتابة الصحفية (التحقيق، الاشتغال على ملفات أسبوعية، تقنية الحوار المواجهة...) حاولت من خلالها تجسيد مهمتها كصحافة " تسهم في أجندة سياسة تعددية ديمقراطية تعتمد التحقيق وتوخي كشف الحقائق حول الحياة العامة " (4).

2- طرح قضايا الإصلاح السياسي :
ما يميز الصحافة المستقلة بالمغرب (خاصة الأسبوعيات) هو توظيفها لتقنيات العمل الصحفي بهدف توسيع هامش الحرية، وقد تجلى ذلك بالأساس في لعبها دور المرافقة l’accompagnement لمختلف أوراش الإصلاح التي فتحتها الدولة وبالخصوص خطابهاحول الانتقال الديمقراطي ومشروع المجتمع الديمقراطي الحداثي. غير أن سؤال العلاقة بين الإعلام عموما والصحافة المستقلة خصوصا وبين الانتقال نحو الديمقراطية لم يلقى بعد الاهتمام الكافي في أدبيات الانتقالوجيا التي لم تهتم كثيرا بدور الإعلام رغم أهمية هذا الأخير في البناء الديمقراطي (5) حيث يلعب دورا حاسما في مسلسل الانتقال من جهة كونه يعكس العلاقات بين الدولة والمجتمع،بين النخب والجماهير(6) ويمكن القول أن الصحافة المستقلة بالمغرب تلعب دوراً هاماً كحلقة وصل بين المجتمع والدولة من خلال رصدها لبعض ملامح الإصلاح التي تقدم كلحظات أساسية في مسلسل الانتقال ورصدها لتحركات الفاعلين العموميين بما في ذلك رئيس الدولة، وتناول مبادراتهم بنفس نقدي قد يكون له، لا محالة، دور في إعادة تشكيل ذهنية المغاربة وتصوراتهم للسياسة والسياسيين بما يساعد على إحلال ثقافة المساءلة محل القداسة وإزالة الطابع السحري عن عالم السياسة والسياسيين ويساهم بالتالي في إحلال المواطن المشارك الفعلي محل المتفرج التابع والسلبي. إلا أن إكراهات مشاركتها في الحكومة خلقت فراغا كان لابد أن تملأه الصحافة المكتوبة المستقلة.

3- تكسير الطابوهات :
تشير كلمة " طابو " في هذه الورقة إلى كل فكرة أو قضية عامة أي تخص المجتمع بأكمله أو فئة من فئاته ويمنع فتح نقاش عمومي بشأنها ليس منعاً قانونيا فقط بل " منعا ثقافيا " بالأساس، وبهذا المعنى فإن موضوعات الجنس، الدين، الملكية، الجيش، الصحراء... تدخل في دائرة الطابوهات في المخيال الجماعي المغربي، وقد حاولت العديد من الصحف التي رفعت شعار الاستقلالية تأسيس قيمتها المضافة في ساحة الإعلام المكتوب على اقتحام هذه القضايا.
ويمكن للملاحظ للخطوط التحريرية لبعض هذه الصحف أن يقف على وجود شكلين من أشكال التعاطي مع هذه الطابوهات :
أ) التعاطي العمودي، ونقصد به التركيز على قضية معينة وطرحها للنقاش بشكل مستمر في الزمن وذلك بغض النظر عن طبيعة هذا النقاش : علمي / عامي، نخبوي / جماهيري. ويمكن الوقوف بسهولة على بعض تمظهرات هذا النوع من التعاطي مع الطابوهات من خلال تبويب بعض الصحف كالأحداث المغربية فيما يتعلق بالجنس والدين وصحيفة النهار المغربية فيما يخص الجنس.
ب) التعاطي الأفقي، وهو المظهر الأكثر انتشارا للتعاطي مع الطابوهات حيث لا تتخصص الجريدة في أحدها بل تعمل على إثارتها بشكل ظرفي مناسباتي. –
- إثارة قضايا الشذوذ والجنس بشكل عام بمناسبة فضائح السياحة الجنسية ببعض المدن.
- إثارة علاقة الديني بالسياسي ودور الدين في المجتمع بمناسبة تصريح أو محاكمة بعض رموز الحركات الإسلامية أو على هامش تفكيك بعض الجماعات التي توصف بالإرهابية.
- إثارة ملف الصحراء بمناسبة صدور تقارير الأمين العام للأمم المتحدة أو صدور تصريحات عن أحد أطراف النزاع.
- إثارة قضايا الجيش ودوره في النظام السياسي في مناسبات متنوعة : تعيينات جديدة، إقالات...
ويمكن أن يندرج في إطار الطابوهات التي اخترقتها الصحافة المستقلة الأمور المتعلقة بالحياة الخاصة للملك (سواء الراحل الحسن الثاني أو الملك محمد السادس) أو لأفراد العائلة الملكية كالأمراء والأميرات(7).
وعموما فإن تناول هذه الطابوهات جعل الصحافة المستقلة تدخل في نوعين من المواجهة مع أطراف مختلفة، النوع الأول هو مواجهتها مع الدولة حيث اصطدم تصورها لحرية التعبير مع التصور الدولتي لدور الصحافة وحدود حريتها. وقد ظلت هذه المواجهة من خلال مظهرين أساسيين :
أ- المنع الإداري من طرف الوزير الأول بناءً على الفصل 77 الذي لم يتأثر بالتعديلات حيث احتفظت به الدولة كسلاح احتياطي للحالات الطارئة.
ب- المحاكمة. والتي اعتمدت أحيانا كثيرة كأداة الإسكات بعض المنابر المزعجة

4- من الشفوي إلى الكتوب :
يتسم فعل المعارضة الحزبية بالمغرب بسمتين أساسيتين هما :
- الطابع المؤسساتي الشكلي: حيث يتأطر عملها ضمن الحدود التي ترسمها القوانين التي تستمد منها المعارضة شرعيتها، سواء كانت قواعد مكتوبة أو غير مكتوبة وهي التي يشار إليها بقواعد اللعبة السياسية.
- الطابع الانتقائي : بمعنى إخضاع حاجات ومطالب الفئات التي تعبر عنها المعارضة لنوع من الغربلة على المستوى القاعدي وذلك بهدف خلق نوع الانسجام في اتجاهين :
* انسجام داخلي ويعني تذويب وصهر مختلف المطالب المجتمعية في بوثقة الاختيارات السياسية أو المذهبية للحزب تمهيدا لتحويلها إلى موارد تعبوية صالحة للاضطلاع بالوظيفة الانتخابية كهدف أساسي لدى أي حزب معارض.
* انسجام خارجي : يعني تكييف المطالب والحاجات المجتمعية مع متطلبات العمل المؤسساتي من داخل النسق السياسي الذي يستمد منه مشروعية وجوده، إذ لا يمكن تصور حزب معارض من داخل النظام يطالب بتغيير طبيعة النظام مثلا (رغم إمكانية تواجد من يطالب بذلك في قواعد هذا الحزب).
يترتب عن هذين الطابعين قيود لا تحضر بنفس الحدة عند الصحافة المستقلة كمنتج للحقيقة، حقيقة مطالب وحاجات المجتمع، وأهمها القيود المرتبطة بإعادة صياغة مطالب المجتمع عبر أشكلتها problématisation بشكل يسمح باستيعاب ثنائية الشفوي والمكتوب الملازمة للثقافة السياسية بالمغرب. وهكذا تعمل سلطة اللغة المكتوبة (لغة الممنوع) في الحد من فضاضة وحدة معارضة اللغة الشفوية (لغة المباح) وبذلك تعمل المعارضة الحزبية كوسيط بين الشفوي والمكتوب لإبقاء المباح غير المقبول شفويا في دائرة الممنوع المقبول كتابيا، وعلى العكس من ذلك فإن الصحافة المستقلة، وإن كانت غير مستثناة من مثل هذه القيود، فهي تملك إمكانية الانفلات من قبضتها من خلال كتابة الشفوي مباشرة دون توسط بينهما مما يجعلها أكثر خطورة من أي معارضة حزبية لأنها بذلك إنما تساهم في تضييق دائرة الممنوع وتوسيع دائرة المباح مما يقوض البناء السيكولوجي الذي يشكل عمق شرعية أي نظام سياسي غير ديمقراطي أو انتقالي.
وعلى هذا الأساس يمكن أن نفهم الزوبعة التي يثيرها ما تنشره بعض الصحف المستقلة بالمغرب وطبيعة رد الدولة عليها. فسواء تعلق الأمر بكارتيكارات جريدة دومان أو بنكت جريدة نيشان، فإن الخطأ المرتكب هو نفسه في الحالتين : كتابة الشفوي أو الانتقال من الشفوي إلى المكتوب دون وساطة، ولذلك فإن الفعل المجرَّم هنا لا يدخل ضمن دائرة القيام بفعل بل ضمن دائرة عدم القيام بفعل (عدم التوسط) إذ لا يمكن تصور عدم معرفة الدولة بمضمون ما نشر، حيث أن العقاب لا ينصب على مضمون ما نشر أكثر مما ينصب على شكل نشره.
كانت هذه مجموعة من الأفكار التي حاولنا من خلالها مناقشة الفرضية المؤطرة لهذه الورقة. وبغض النظر عن كونها صالحة لإثبات هذه الفرضية أم لا، فالأكيد أن الصحافة المستقلة بالمغرب أصبحت فاعلا أساسيا في التحولات المجتمعية الراهنة بشكل يجعل منها مُعطى أساسيا لا يمكن تجاوزه في أي نقاش علمي حقيقي حول هذه التحولات نظرا لارتباطها بحجم ودلالة حرية التعبير التي تبقى موضوع سجال في المجتمع المغربي فالمجتمع الذي لا يحتضن نقاشا حول حرية التعبير هو بالتأيد مجتمع ميت أو في طريقه نحو الموت(8) ولعل النقاش الدائر حاليا حول مشروع تعديل قانون الصحافة، والذي سيكون له لامحالة تأثير في مسار التحولات المجتمعية بالمغرب، أبرز مؤشر على ذلك.

الهــوامـــش :
1- يمكن الرجوع بهذا الصد للنتائج المفصلة كما نشرتها وزارة الداخلية أو لبعض استطلاعات الرأي السابقة على انتخابات 2002 الاستطلاع الذي أنجزته جمعية " مغرب 2020 " حول انتظارات المغاربة ونوايا التصويت لديهم.
2- لمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى :
American strategy for combatting terrorism
3- Ferrié Jean Noel : les limites d’une democratisation par la societé civile en Afrique du Nord. Mai 2004.www.ceri-sciences-po.org
4- مقال لأبي بكر جريدة الأيام عدد 22يوليوز 2000.
5- O’Neil Patrick : Democratization and the media ,what is the link ? p:6
6- ibid p:7
7- نموذج الملف الذي أنجزته إحدى الأسبوعيات حول حريم القصر.
8- Keane John: Democracy and the media. International social science journal 43 n: 3 Aug 1991.



#محمد_أحمد_الهاشمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - محمد أحمد الهاشمي - الصحافة المستقلة :هل هي شكل جديد للمعارضة السياسية؟