أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إبراهيم طير - دِفَاعاً عَنْ حُرِّيَةِ التَّفْكِير















المزيد.....

دِفَاعاً عَنْ حُرِّيَةِ التَّفْكِير


إبراهيم طير

الحوار المتمدن-العدد: 1853 - 2007 / 3 / 13 - 13:05
المحور: حقوق الانسان
    


1- سؤال الحرية
بدايةً, نعتقد ألاّ حاجة إلى التدليل على أن "الحريةَ" – بوصفها مثلاً أعلى أو قيمةً أسمى في التاريخ البشري – حقٌ طبيعي مشاع لكل البشر, لأن «الحياة تستلزمها وتحتمها»( 1). ومن المحقق أن ما يجعل من الإنسان إنساناً هو شعوره الشاملُ بحرياته, وإحساسه الكاملُ بحقوقه؛ ومن هنا قيل: إن حرية الإنسان هي إنسانيته, وإنسانية الإنسان هي حريته, «فإذا كان يملك كل الحقوق والحريات كانت إنسانيته كاملةً, وإذا افتأت[استبدَّ] أحد على حق من حقوقه أو حرية من حرياته الأساسية أو انتقص منها, كان في ذلك الافتئات أو في هذا الانتقاصِ انتقاصٌ واعتداءٌ على إنسانيته, وكلما تعددت الحقوق والحريات التي تسلب من الإنسان يكون الانتقاصُ من إنسانيته بنفس ذلك القدر»( 2). غير أنه «من المستحيل أن يشعر الإنسان بحريته... قبل أن يشعر أولا بفرديته»(3 ). هكذا يمكن القول إن الشعورَ بالحرية هو حتما الشعور بالإنسانية, أيْ الإحساسُ بتحقق الحياة والوجود والاستقلالية, والتمييزُ عن جميع الكائنات اللإَّنسانية...
عندما نشعر باتساع مجال الحدودِ الموضوعةِ على سلوكاتنا وأفكارنا وأحلامنا... يتسع بالمقابل مجال وعينا بضرورة الحرية إذ «يرمز شعار الحرية إلى نقيض تلك الحدود, وتجربة الحرية هي أساسا تجربة الحد من الحرية, تجربةُ شيءٍ غائبٍ منفيٍّ»( 4). من هنا يكون السؤالُ: "ما الحريةُ"؟ أو "لماذا الحريةُ"؟ صعبَ الطرح على مستوى التنظير, في هذه الظروف بالذات, لأن ّ«التفكيرَ في الحرية عبارةٌ عن الإحساس بضرورة الحرية»( 5)؛ هذا الإحساس الناتج قبل كل شيء عن حاجة متولدة في المجتمع شعر بها عددٌ من الناس, «فعندما يتضاءل واقعُ الحرية في الحياة اليومية, تتضخم فكرةُ الحرية في الذهن»(6 ), كمطلب وشعار أولاً, وكمفهوم ثانياً وأخيراً.

2- "حرية التفكير" :
إذا كانت "الحريةُ" وعيا بنبع الوجود, وبمنبع الاستقلال... أو فضاءً يتولد فيه الحلم الإنساني الجميل, فإن "الفكرَ" «أثمنُ مواهب الإنسان, وأعظمُها أثرا في مدنيته, وانطلاقُه دليلُ الحضارةِ, وسبيلُ العلم, وهو من نتاج العقل, ومن أدوات حرية الإرادة»(7
غير أن الحرية بلا فكر لا معنى لها؛ فهي اغتراب وضياع وجنون, أو هي ممارسة مجانية تبرهن على العبث على نحو لاإنساني. وبالمقابل, إن الفكر بلا حرية لا قيمة له؛ إذ يصير قيوداً تكبل الاجتهاد والإبداع, وسلطةً تقصي منطقَ السؤال والتجريب, وتلغي قيم المخالفة والمغايرة بتأسيس "قيم" أحادية الصوت والمعنى.
وبالتالي لامناص من ارتباط الحرية بالفكر, والفكر بالحرية ارتباطا جدليا, حتى يصير حديثنا –من ثمة- عن "حرية الفكر" حديثاً عن حقنا في التفكير من دون قيد وشرط, أو قمع وحجر, «ففي القمع والحجر ما يصادر على إنسانية الإنسان من حيث هو كائن يتميز على غيره بالعقل الذي من طبعه البحث عن المغاير والمختلف»(8 عن الشائع, تأسيسا لمعنى الإنسانية, أي معنى الحرية.
إن حرية التفكير والإبداع تعني, على هذا الصعيد, إمكانيةَ الدخول على الشيء انطلاقا من اللامفكر فيه, أي «من هوامشه ومنافيه, أو من مكبوتاته ومرذولاته, أو من عوالمه السفلية وقبلياته التاريخية»(9 ), أو إمكانية التعامل النقدي مع ذلك الشيء «لا بوصفه مرجعية مقدسة أو سلطة معرفية لا تُجَادل, أو هوية ثابتة ونهائية... بل بوصفه معطياتٍ ومواداً قابلةً للدرس والتحليل, أو مؤسساتٍ وأبنيةً قابلةً للتفكيك والتحويل أو نماذجَ و صيغاً يمكن إعادة إنتاجها وصوغها, أو خطاباتٍ ونصوصاً تخضع لقراءة خصبة فعالة نقرأ فيها ما لم يقرأ, أي ما تحجبه أو تستبعده, أو تسكت عنه»( 10).

3- "حرية التفكير" وما يستتبعها:

إن "حريةَ التفكير" تستتبعها "حريةُ الاعتقاد" على اختلاف ضروبها, من دينية وفلسفية وفنية... ومن أهمها حريةُ الإنسان في اختيار عقيدته الدينية, وفي اتباع المذهب الذي يؤمن به منها, وفي إقامة ما تفرضه هذه العقيدة أو هذا المذهب من سلوكات أو شعائر أوطقوس اجتماعية؛ إن ذلك من حق كل إنسان, و«لا يجوز التعرض لها بأي شكل من الأشكال, أو لأي سبب من الأسباب, لأنها ترجع إلى ضمير الإنسان ووجدانه, ولا يمكن أن يتحكم فيه أحد»(11 ).ولا شك أن الصرخةَ القديمةَ-الجديدةَ-المتجددِّةَ لِ"سقراط" تختزل كل هذا القول: "ليس لأحد على وجه الأرض الحق في أن يملي على الآخرين ما يجب عليهم أن يعتقدوه, أو أن يسلبهم الحق في أن يفكروا كما يريدون".
والظاهر أن "حرية التعبير" متممةٌ لحرية التفكير والاعتقاد؛ فهذه تبقى ناقصةً إذا لم يتمكن المرء من التعبير عن أفكاره وآرائه؛ لأن الفكرَ معطىً ذهنيٌ باطنيٌ, إذا انطلق من الباطن إلى الظاهر, وعبِّر عنه للناس بشتى أنواع الدلالة, سيكون أثره أبلغَ؛ ثم لأن «حرية التعبير أداةٌ أساسيةٌ لضمان أي حق من الحقوق الأساسية الأخرى»(12 ), وعلى رأسها "حرية التفكير".
وبهذا المعنى, أصبحت "حرية التفكير" –وما يستتبعها من حرية الاعتقاد والتعبير والإبداع والبحث العلمي...- مقدَّسةً, ومكرَّسةً في جميع القوانين والدساتير الحديثة والحداثية, وإعلانات الحريات الأساسية... فالمادة 18 من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" تقول: «لكل شخص الحقُّ في حرية التفكير والتعبير والدين, ويشمل هذا الحق حريةَ تغيير ديانته أو عقيدته, وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها, سواء أكان ذلك سرا أو مع الجماعة». وتقول المادة 19 من الإعلان نفسه: «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير, ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل, واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية».

وقد أيد ذلك أيضا "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية", حيث جرى التوكيد على كل ما ذكر.



الهوامش

(1 ) مفهوم الحرية: عبد الله العروي, دار التنوير-بيروت, المركز الثقافي العربي-الدار البيضاء, ط.3, 1984, ص.35
(2 ) أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي: صالح حسن سميح, دار الزهراء للإعلام العربي, القاهرة, ط.1, 1988,ص.7
( 3)حرية الفكر: محمد العزب موسى, المؤسسة العربية للدراسة والنشر, بيروت, ط.1, 1979, ص.16
( 4) مفهوم الحرية, ص.35
( 5) نفسه, ص.60
( 6) نفسه, ص.22
(7 ) أركان حقوق الإنسان: صبحي المحمصاني, دار العلم للملايين, بيروت, ط.1, 1979, ص.119
( 8) "النظرة العقلانية الرحبة": جابر عصفور, جريدة "الحياة" اللندنية, عدد: 12638, بتاريخ: 6 أكتوبر1997
(9 ) الاستلاب والارتداد: علي حرب, المركز الثقافي العربي, بيروت-الدار البيضاء, ط.1 ,1997,ص.108
(10 ) نفسه, ص. 109
( 11)الحريات والحقوق في الإسلام: محمد رجاء حنفي عبد المتجلي, سلسلة كتب دعوة الحق, عدد62, السنة 6, يناير 1987, ص. 49
( 12) حقوق الإنسان: أسئلة وأجوبة: ليا ليفين, (تمت ترجمته تحت إشراف اتحاد المحامين العرب), دار المستقبل العربي, القاهرة, ط. 1, 1986, ص. 87



#إبراهيم_طير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إبراهيم طير - دِفَاعاً عَنْ حُرِّيَةِ التَّفْكِير