أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بن سعيد الفطيسي - المتسللون من خلف الخطوط الحمراء















المزيد.....

المتسللون من خلف الخطوط الحمراء


محمد بن سعيد الفطيسي

الحوار المتمدن-العدد: 1842 - 2007 / 3 / 2 - 06:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ سقوط العملاق السوفيتي مع بداية تسعينات القرن الماضي, وبروز الولايات المتحدة الاميركية كامبراطورية وحيدة ودون منافس, وسيطرتها على كل شيء , بداية من الجو الذي غزته هذه الامبراطورية فلم تترك فيه أي مساحة تستطيع الوصول إليها, إلا ووضعت فيها عين من عيونها الاصطناعية , إلى البر والبحر الذي تسيدته الأيقونات العسكرية والاقتصادية والسياسية الاميركية بكل معنى الكلمة, فلم يعد هناك من مكان على كرتنا الأرضية يخلو من بصمتها ونكهتها المميزة, لتتجاوز بذلك المكانة الطبيعية لأي امبراطورية وجدت في يوم من الأيام , وليس هذا بكل تأكيد نوعا من التهويل او التعملق لقزم من الأقزام, وإنما حالة استثنائية لمارد التهم كل ما يمكن الوصول إليه في العالم بأسره, وحسبما قالت الايكونوميست ( فإن الولايات المتحدة الاميركية تتخطى العالم كتمثال هائل, فهي تسيطر على الأعمال والتجارة والاتصالات, واقتصادها هو الانجح في العالم, وجبروتها العسكري لا يطاوله احد).
ومنذ ذلك الوقت والعالم يسير وفق سيناريو معدود سلف, جعل من هذا العملاق الضخم الجديد نقطة الجاذبية لكل ما يمكن أن ينجذب إلى فلك الهيمنة الاميركية , وليس ذلك فقط في نطاق القوة الصلبة, وإنما تعداه إلى طراز الحياة واللغة والمنتجات الثقافية والشعبية الكبرى والعلوم والتكنولوجيا التي أغرقت العالم, وبمعنى آخر فإن (الموقع الراجح الذي شغلته الولايات المتحدة الاميركية في العقد الأخير من القرن العشرين جعلها المكون الذي لا غنى عنه للاستقرار الدولي) في مختلف جوانب الحياة, كما يرى ذلك احد ابرز المخططين الاستراتيجيين الأميركيين وهو هنري كيسنغر, بحيث لا يمكن للعالم أن يستغني عن هذه الامبراطورية في يوم من الأيام, وهذا ما دفع العديد من الدارسين والمحللين السياسيين والعسكريين في مختلف دول العالم, كي يطرحوا سؤال مشروع نرى أن إجابته قد بدأت بالظهور على السطح, أكان ذلك من خلال مؤشرات التراجع التي بدأت تظهر على تلك القوة والهيمنة الاميركية في بعض النقاط الساخنة في العالم , أم من خلال بروز بعض المنافسين الدوليين الساخطين على ذلك التفرد الاميركي.
وهذا السؤال هو إلى متى ستستمر قدرة الولايات المتحدة الاميركية على الجذب الطري, واحتواء القوى العالمية النامية الأخرى من جهة, والسيطرة على محاولات الدول الكبرى اختراق ذلك النفوذ الاميركي المتزايد من جهة أخرى؟ , وذلك من خلال العديد من الخطط والاستراتيجيات السياسية التي وضعتها ولازالت , من اجل فرض وجودها الدولي على بقية أرجاء العالم, وإطالة أمد بقائها وتفردها فيه؟ وهل سيكون هناك خروج عن النص الاميركي المألوف, خلال الأيام او السنوات القادمة لعالم تتسيده نظريات الإرهاب والقوانين الأميركية وحروب الأزرار والريموت كنترول , والتي لا تحتاج إلى شجاعة او فروسية ؟ وهي اللعبة التي يجيدها ويتقنها بكل براعة المارد الأميركي, وتسيطر عليه العولمة الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تؤكد الولايات المتحدة الاميركية كل يوم مركزيتها عليها ؟
وحيث إننا نعلم بأن الجواب سيكون صعبا للغاية , وذلك بدرجة صعوبة التنبؤ بصعود الأمم وسقوطها, فأولا يلزم ذلك معرفة درجة الانهيار الذي وصلت إليه الامبراطورية الاميركية في مختلف الجوانب المؤثرة في درجة الجذب, والتأكد من عدم وجود البدائل التي يمكن أن تغطى ذلك الفشل, وخصوصا في ظل مصادر اميركية لا متناهية لقوة توالدت مع تراجع عوامل التوازن الاستراتيجي مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين , وباختصار ( فان عالمية ثقافة بلد ما, وقدرته على إرساء مجموعة من القيم والمؤسسات المفضلة التي تحكم مجالات من النشاط الدولي, هي كلها من المصادر الهامة للقوة , - وفي هذا السياق يرى الصحافي الألماني جوزيف جوف - إن قوة أميركا الناعمة الطرية تلوح اكبر حتى من أرصدتها العسكرية والاقتصادية, فالثقافة الاميركية سواء الضحل منها أم الرفيع المستوى, تشع إلى الخارج بشدة لم يشاهد مثلها من قبل, إلا في أيام الامبراطورية الرومانية, ولكن مع انعطاف جديد , فقد كانت ثقافة روما, وثقافة روسيا السوفيتية تتوقف سطوتها بالضبط عند الحدود العسكرية لكل منها , غير أن قوة أميركا الطرية الناعمة تحكم امبراطورية لا تغيب عنها الشمس). ومع تلك الرؤية السابقة للبعض, والذين يراهنون على استمرار القوة والنفوذ الاميركي لسنوات طويلة قادمة أخرى, من خلال تلك العوامل سابقة الذكر , فإن آخرين يراهنون على تراجع ذلك النفوذ والسطوة الأميركية على العالم خلال الأعوام القادمة, وذلك وفق نفس معايير الجذب والقوة والتمدد الاستعماري الزائد عن اللازم, والذي يفضى إلى ظهور عدد من الحانقين والساخطين على تلك الهيمنة, وخصوصا في حالة إحساس تلك القوى العظمى بالتهميش, وهو قانون طبيعي في السياسة الدولية يقضيبأنه عندما تصبح إحدى الأمم أقوى من اللازم , فإن الآخرين سوف يتكتلون لموازنة قوتها, فالقرن الحادي والعشرين يجب أن يكون متعدد الأقطاب كما يرى ذلك الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز, وهي نفس الرؤية التي أظهرتها عدد من استطلاعات الرأي لعدد من الجمهور الاميركي, الذي أكد أن بلدهم آخذة بالتقلص في قوتها ونفوذها العالمي, وعليه فإن ذلك الاتجاه يؤكد على أن (عالم القوة العظمى الوحيدة لن يستمر, ففي غضون العقدين المقبلين يكاد يكون من المؤكد أن الصين, بسكانها الذين يصل عددهم إلى مليار ونصف المليار نسمة, واقتصادها المتنامي بقوة, وعاجلا أم آجلا سيقوم رجال أقوياء وشرفاء بلملمة روسيا وتعزيزها, فتعود إلى الظهور كمنافس على النفوذ العالمي).
وهي الحقيقة الغائبة التي ربما تغافل عنها العديد من واضعي الاستراتيجيات والخطط والقرارات السياسة الخارجية الاميركية, او أهملت بسبب الغطرسة والتمادي في تصور ديمومة القوة الأميركية, والتي نستشفها من خلال بعض المعطيات الدولية على ذلك الاتجاه , أكان ذلك على مستوى الظهور الفردي لبعض القوى العالمية النامية منها كالهند او الكبرى منها كالصين وروسيا , او الجماعي من خلال بروز بعض التكتلات الدولية , كالاتحاد الأوروبي ودول أميركا الجنوبية المناوئة للولايات المتحدة الاميركية, فعلى سبيل المثال أظهرت الصين ومن خلال إطلاقها نوعا من الصواريخ القادرة على إصابة الأقمار الصناعية نوعا من التحدي للجبروت الاميركي في هذا الاتجاه, ورغم المعارضة العالمية بشكل عام والاميركية بشكل خاص, إلا أن الصين لم تبال بذلك, وأظهرت براعة فائقة في لعب أوراق البوكر الدولية في هذا الوقت.
وها هي روسيا ومن خلال رئيسها فلاديمير بوتين تكشر عن أنياب حادة لدب غاب طويلا عن الساحة الدولية, وها هو الزعيم الروسي ينبش الرماد بهدف إذابة ذلك الجليد الذي جثم طويلا على صدر الامبراطورية الروسية, وذلك من خلال تصريحات نارية انتقد فيها سعي الامبراطورية الأميركية للهيمنة على العالم, كذلك من خلال عدد من التحركات المكوكية التي استشفت منها النخبة السياسية والعسكرية الاميركية خروج روسي عن الفلك الاميركي, ومحاولة لتقويض الهيمنة الاميركية على مصادر قوتها في العالم, وهو ما أعلنه صراحة وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس, حيث قال في هذا الإطار:( نتساءل حول بعض السياسات الروسية التي تعمل من خلالها, حيث تبدو أنها ضد الاستقرار الدولي مثل نقل الأسلحة والرغبة في استخدام مصادر الطاقة كوسيلة للإجبار السياسي , وتحريض إيران على المضي في تخصيب اليورانيوم , وعدم التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة , كما رفض غيتس حسب ما تناقلته وسائل الإعلام , مخاوف بوتين حول منظومة الدرع الصاروخي الدفاعي وقال : إنها ليست موجهة ضد روسيا .. إنها ليست موجهة لتقويض نظام الردع لديهم كما اتهم روسيا بالسعي لمزاحمة بلاده إلى جانب إيران في منطقة الخليج والشرق الأوسط ).
لذلك ومن خلال قراءة ختامية لفكرة التسلل من خلف خطوط الحمراء, كالقطط في عتمة الليل, فإنه بات من المؤكد وخلال هذا القرن ظهور عدد من التحالفات والتكتلات العالمية الجديدة والمتجددة , أكان ذلك على مستوى الدول النامية في أسيا او إفريقيا على وجه الخصوص وربط ذلك التحالف بمثيلاتها من دول العالم , ووفق عوامل مشتركة للتوحد والتقارب, كالتوحد وفق منظومات دولية تجمعها موارد الطاقة أو الإحساس بالظلم والتهميش والتقزم , أم من خلال تحالفات دولية تجمع بين الدول الكبرى كالصين وروسيا على سبيل المثال, وذلك لمواجهة العملاق الاميركي, وهاتان الأخيرتان تدركان بأنهما منفردتين لن تقدرا خلال السنوات العشر القادمة على اقل تقدير من منافسة الولايات المتحدة الاميركية بشكل يمكن أن نطلق عليه بروز توازن استراتيجي لسياسة القطب الواحد, فروسيا تعج بالمشاكل الاقتصادية والسياسية التي تجعلها ضعيفة أمام السيل الاميركي الجارف الذي تشكل من خلال أقوى اقتصادات العالم, ومن خلال منظومة عسكرية لا حدود لها, وعوامل أخرى كثيرة لا قدرة لروسيا من مواجهتها وحيدا ودون حلفاء.
ورغم أن الصين (وحتى العام 2020 لا يتوقع لها , في أفضل الأحوال, أن تصل مرحلة التنافس في الأبعاد الرئيسية للقوة العالمية, إلا أن الصين في طريقها إلى أن تصبح القوة الإقليمية البارزة في شرق آسيا, فهي حاليا, القوة المهيمنة جيوبوليتيكيا على المساحة البرية, ولها قوة عسكرية واقتصادية تجعل جاراتها المباشرات, باستثناء الهند, يظهران أمامها بمظهر الأقزام, ولهذا فإن من الطبيعي أن توالي الصين فرض وجودها إقليميا انسجاما مع ما يمليه تاريخها, وجغرافيتها , واقتادها) , وهكذا فإنه من المتوقع أن يفضي التقارب والتحالف الصيني الروسي وخلال السنوات القادمة وعلى أساس الرغبة في احتواء النفوذ الاميركي, والابتعاد عن المنافسة الفردية التي لن تؤتي ثمارها في القريب العاجل أمام الولايات المتحدة الاميركية, إلى بلورة قوة ايجابية فعالة على مختلف الأصعدة والجوانب, رغم أنها لن تكون بذلك التأثير الذي قد يؤدي سريعا إلى تقويض واحتواء النفوذ الاميركي, الذي يتوقع له أن يستمر لفترة زمنية ليست بالقصيرة وفق العوامل ومعايير القوة والأوراق الرابحة التي تملكها الامبراطورية الأميركية.




#محمد_بن_سعيد_الفطيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة بين الأخلاق والقانون والإرهاب
- الظواهر السياسية الحديثة وأثرها على العلاقات الدولية
- العودة إلى جذور العهود الكلاسيكية للسياسة
- تأملات في البناء الإنساني للسياسة الدولية الحديثة
- حتى لا نسقط جميعا في عالم فوضوي
- السلام الإسرائيلي الدامي في الشرق الأوسط
- السياسة الدولية ومبدأ التدخل الإنساني
- فصول الخوف
- الفوضوية ... استثنائية جديدة في متناقضات السياسة الدولية
- الإرهاب من النظرية السياسية إلى العلاج الأمني


المزيد.....




- بيان من -حماس-عن -سبب- عدم التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النا ...
- واشنطن تصدر تقريرا حول انتهاك إسرائيل استخدام أسلحة أمريكية ...
- مصر تحذر: الجرائم في غزة ستخلق جيلا عربيا غاضبا وإسرائيل تري ...
- الخارجية الروسية: القوات الأوكرانية تستخدم الأسلحة البريطاني ...
- حديث إسرائيلي عن استمرار عملية رفح لشهرين وفرنسا تطالب بوقفه ...
- ردود الفعل على قرار بايدن وقف تسليح
- بعد اكتشاف مقابر جماعية.. مجلس الأمن يطالب بتحقيق -مستقل- و- ...
- الإمارات ترد على تصريح نتنياهو عن المشاركة في إدارة مدنية لغ ...
- حركة -لبيك باكستان- تقود مظاهرات حاشدة في كراتشي دعماً لغزة ...
- أنقرة: قيودنا على إسرائيل سارية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بن سعيد الفطيسي - المتسللون من خلف الخطوط الحمراء