أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أبواللوز عبد الحكيم - التجديد في باب الإلهيات الاسلامية الوهابية نمودجا















المزيد.....


التجديد في باب الإلهيات الاسلامية الوهابية نمودجا


أبواللوز عبد الحكيم

الحوار المتمدن-العدد: 1839 - 2007 / 2 / 27 - 12:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تعتبر الإلهيات الاسلامية مجموعة طرق بحثية متعددة ومختلفة في تصوراتها عن الطريقة التي يجب بها الوقوف في حضرة المقدس والتأمل فيه، أنه مبحث يهتم بالذات الألهية وصفاتها. أما الذات فعي ما يميز هذه الذات في حد ذاتها: المخالفة للحوادث، القدم/ الوجود، البقاء...، واما الصفاة فهي ما ينظاف على الذات لتعزيز خصوصياتها، وتمييزها بدقة عن صفاة الإنسان كالعلم والحياة والقدرة..، وتعتبر أسماء االه الحسنى التسعة والتسعون مسحا عاما لكل من الذات والصفات الإلهية في الديانات الموحى بها، حيث يقر بها المسلم اليهودي والمسيحي...
انطلاقا من اتصالها بالمقدس، كانت الإلهيات الاسلامية بابا من أبواب البحث التي اعتنى بها الفكر الاسلامي، ويمكن القول بّأنها كانت القضية الأولى التي استغرقت الكثير من النقاشات بين مختلف اتجاهات هذا الفكر، ويبين تاريخ الافكارالدينية داخل المجتمع الا سلامي أهمية هذا المبحث وجاذيبته إلى حد أنه سلكت بالمشتغلين عليه دروبا متعددة ومتبانية، قادتهم إلى تصورات مختلفة للوجود الانساني الفردي والجماعي لشتكله بصورة او بأخرى . فلم يكن علم الكلام، الذي أسس لهذا البحث ووضع لبناته هو الوحيد الذي كان يتدخل في هذه القضايا بالقول والاجتهاد، وإنما ساهمت فيه حتى الاتجاهات الاخرى أيضا، بما فيها الاتجاهات الاكثر محافضة ( ملتزمة بالنص وواقفة عن حدوده) التي تتدخلت فيه من باب الرد على ماعتبرته "مساسا بالعقيدة وجرأة على النصوص من طرف علماء الكلام والفلاسفة".
قد يتسائل البعض جدوى فتح المجال النظر في الالهيات من جديد، وهي القضية التي قتلها الفكر الإسلامي بحثا، بحيث لا نكاد نفتح كتابا كلاسيكيا إلا ونجد القضية مبسوطة فيه، سواء من باب التنظير والإضافة والتأصيل، أو من باب المحاججة والرد والتصحيح. هنا نبادر بالقول أن المساهمة في الموضوع لن يكون استعراضا لتاريخ الافكار الاسلامية في باب الإلهيات، بل إن مرد الاهتمام بالقضية يكمن في أنها كانت مثار اجتهاد وتجديد من لدن بعض التيارات الحديثة للفكر الإسلامي، والتي ساهم نجاحها الميداني في أعطاء إضافاتها حول القضية الألهيات هوية مستقلة وأشعاع قاعديا، وأصبحت أفكارها هذه تحظى بقسط من بالمساندة والدعم الشعبي، وتشكل في الوقت نفسه قسما من الخلفية التي يمكن من خلالها فهم بعض الآراء الديني السائدة في حاضر العالم الاسلامي بشكل افضل.
كما تسعى هذه الدراسة إلى إغناء الدراسات التعلقة بالإسلام، فقد ظلت هذه الاخيرة ، منذ الثورة الإيرانية إلى اليوم مهتمة بالحركات الاسلامية تلك التنظيمات السياسية التي يجمعها مشروع بناء السلطة على اساس المشروعية الإسلامية، والمطالبة بتطبيق الاسلام في الحاة السياسية، فالدراسة التي نقترحها في هذا البحث تعطي بديلا يركز على وجهات نظر اخرى. ذلك أن الحركة الإسلامية لا تمثل كل الحساسيات الإسلامية في المجتمع الإسلامي، مإنما تزامن طفور نخبها مع نشأت وجهات نظر أخرى مخالفة ، لكنها ساهمت بنسب متفاوتة في صياغة بعض إلى الطروحات التي ضلت على هامش أفكار الحركات الاسلامية التي حظيت بالقسط الأوفر من الاهتمام الاكاديمي.
يتعلق الامر بالحركة الوهابية، بحيث يمكن اعتبار "كتاب التوحيد" لمحمد بن عبد الوهاب أول نص حديث في الإلهيات الاسلامية ، فقد صدر بعدما انتظمت العقائد في قوالب كلامية وفقهية متحجرة تبنتها مناهج التعليم كمدونات جاهزة طيلة عصورعديدة من تاريخ الاسلام. والقول بأن كتاب التوحيد أول نص حديث لا يعني أنه النص الوحيد، فهناك نصوص اخرى من أهمها التعليقات التي أملاها رائد مدرسة التجديد الافغاني على تلامذته والتي قدمها في كتاب "شرح الدواني للعقائد العضدية، "ثم "رسالة التوحيد" لمحمد عبده ، لكن نص محمد عبد الوهاب هو الذي حضي بالشهرة والانتشار وبالقدرة على التعبئة والاستقطاب لأسباب سنشرحها بعد تذكير سريع بظروف نشأة الحركة والوهابية وتطورها.
فكما هو معلوم، كانت الوهابية حركة ثورية متسلحة بالحماس الديني وبالشعور الوطني، انطلقت من نجد، واستطاعت أن تصل إلى دمشق شمالا وعمان جنوبا، ولكنه في عام 1818 تمكنت القوات المصرية بقيادة محمد عبده من سحق هذه الثورة، لكنها انبعتث من جديد في اوائل القرن العشرين تحت قيادة عند العزيز بن سعود (1902-1953) الذي اعتنقها وتحالف مع قبائل نجد مؤسسا بذلك المملكة العربية السعودية، بحيث لم يتمكن المذهب الحنبلي، الذي تبنه الحركة الوهابية ودافعت عنه، من اكتساب سيادة اقليمية حقيقية إلا عندما تحالف محمد بن عبد الوهاب مع آل سعود ، ليقع تبنيه من طرف المملكة العربية السعودية كتشريع رسمي .
بعد ذلك نطرح التساؤل التالي فكيف بنى الاتجاه الوهابي تصوره في ما يتعلق بالالهيات؟
التوحيد عصب الإصلاح:
تمكن اضافة بن عبد الوهاب في هذا الباب الالهيات في أنه ساهم في تجديد علم التوحيد وذلك في ظروف تاريخية دقيقة، اتخدت هذه المهمة وجهتين: وجهة عملية تتمثل تخليص التوحيد من التصورات الحسية والمشخصة الذي طبعت مضامين الفكرة في المجتمع الجزيرة العربية في القرن 18 ،و مواجهة فاعلية الدينات المحلية غير الخاضعة لمركزة وتوسع الدولة السعودية. ثم وجهة العلمي، من خلال الانشغال بالرد على قضايا علم الكلام الاسلامي التقليدي، خصوصا استئناف الرد على التوحيد الاعتزالي الذي اتخد صورة عقلية خالصة في تناوله للذات الالهية وصفاتها.
لم ينشغل بن عبد الوهاب كثيرا، بما كان يشغل بال المسلمين في ذلك الظرف التاريخي من مجابهة التحدي المسيحي الاوروبي، بل كان فكرة نتيجة مباشرة للمؤثرات البيئة التي نشئ فيها، فقد ترعرع ابن عبد الوهاب في البادية، حيث البنيات الأجتماعية والانتاجية بسيطة، والمؤثرات الاجنبية الوافدة ضعيفة إن لم تكن معدومة ، وهي الظروف مناسبة لنشئة فكر لا تتطلب حلولا تركيبية ولا إظافات جديدة، لذلك كانت السمات العامة للفكر الوهابي هي: أحادية الطرح، القطع والحسم، والالتزام بمعيار ثابت وقيم متجانسة ، بعكس القكر التوفيقي التركيبي الذي ينشا في مناطق العمران حيث يشتد التفاعل مع الثقافات الاخرى .
إذن ما هي المعاني الظاهروة والرمزية لفكرة التوحيد عن ابن عبد الوهاب؟ و إلى أي حد ساهمت هذه الفكرة في بناء باقي الافكار السائدة داخل هذا الوهابية؟
انطلق عبد الوهاب في صياغته لمفهوم التوحيد من اعتبار فقهي هو ان التوحيد اساس الديانة الإسلامية ، ويعني به افراد الله بالعبادة دون سواه، فالمجتمع انعكاس، أو ينبغي ان يكون انعكاسا، لهذا للتوحيد الالهي، فإذا كان التوحديد صفة أساسية للذات الالهية، فإنه في المجتمع يحتاج على تحقق وبناء، وترجمه التحويد على المستوى المجتمع لا يتم إلا عن طريق تحقيق مجموعة من مشاريع الوحدة: وحدة العقيدة، وحدة الفقه،وحدة الامة، وحدة السياسات، وحة الشعائر.....
ويزيد ابن عبد الوهاب في تفصيل ما يعنيه بمبدأ التوحيد وأثره على المعتقدات المتصلة بالإلهيات ككل، من خلال فكرتي "توحيد الاولوهية" و"توحيد الربوبية"، فعند تطبيق المبدأ في فهم الاعتقاد بالله فإن التوحيد يعني " توحيد الربوبية"، وعند تطبيقه على المؤمن يعبر عن الالتزام " بتوحبد الالوهية" نحو الله وحده، كما يقرر الوهابية ترابط هذين المعنيين للتوحيد، فتوحيد الربوبية تيرتب عليه توحيد الألوهية، والتسليم بتعدد الآلهة هو إدخال التعدد والشرك في الحياة الدبنية. وبالعكس، لا يمكن التسليم بتوحيد الربوبية وفي نفس الوقت الإيمان بغير الله, مما يعني أن توجيه جزء من العقيدة التي يدان بها لله وحده نحو نبي أو ولي او حاكم سياسي..هو بمثابة وقوع بغير وعي في الشرك لأنه تسليم بألوهية الله إلها آخر وبربوبية الله ربا آخر، إذن فلا يمكن بدون تحقق المبدأين: " توحيد الربوبية و " توحيد الالوهية"، تجسيد الإيمان الحقيقي بالله، فعبرهما فقط يجد الانسان في فكرة الله نشاطه ومضمون مثله الأعلى .
بشكل اقل تجريدا، نقول أن الحقل الدلالي الذي يفتح عليه مفهوم التوحيد لا يقف عند هذا الموقف الأصولي في الاعتقاد والذي مضمونه " الاعتقاد بالله كما وصف به نفسه من غير تعطيل او تـأويل"، وإنما يمتد ليشمل ضوابط للممارسة الدينية، فإذا كان الإسلام يقيم العقيدة على مقولة التوحيد ، فإن السلوك والممارسة ينضبطان بهذا المبدأ انضباطا مطلقا لا مجال في لإشراك غير الله في العبادة بأي طريقة سواء كانت صلاة أو تقربا أو دعاء.
يؤدي نباء فكرة التوحيد على هذا المنوال، إلى إعادة صياغة الإشكاليات التي تطرحها مسألة التوحيد بشكل اكثر حدة ، بحيث تكاد تكون المقولات المركزية الأخرى في الفكر الوهابي متمحورة حول هذا التوحيد باعتباره أهم مكونات التدين، والعنصر ذو الدلالة بالنسبة إلى الإشكاليات المتفرعة عنه كمسائل الانتماء والهوية والولاء والاختيار. وعبر هذه المركزية تم القفز بالمقولات الوهابية، سواء التي صدرت عن عن عبد الوهاب نفسه أو كما عبر عنها أتباعه، من مجرد خطاب ديني لاهوتي إلى أديولوجيا ترصد الوضع القائم ،وتقم بدائل بصدده.
لم يكن هذا الانتقال اعتباطيا، بل تم بشكل تدريجي وفي تساوق مع المعتقد الذي يحمله الخطاب، فانتقال الكلام من مجال القيم المعتقدات إلى مجال الممارسة، جعلت الوهابيين ليسوا فقط أصحاب رؤية عقدية بالمعنى الحصري للكلمة، وإنما أصحاب مواقف وردود على واقع الممارسة العبادية التي شهدتها عصورهم. فإذا أخذنا بعين الاعتبار المعنى الاجتماعي للممارسة العبادية ( La religiosité ) ، الذي لا يحصرها في مجرد وسيلة التي تعبر بها الأفراد والجماعات عن علاقتهم بما يعتبرونه مقدسا، ولكن في الأساس إظهارا للمشاعر وتعبيرا جماعيا عن الموقف من الكون والحياة والعلاقات الاجتماعية، لأدركنا أن الوهابية تتعدى كونها مجرد منهج في الاعتقاد، لتنطوي على مذهب اجتماعي يحاول من خلال عقيدته رسم صورة مجتمع آخر أساسه التضامن العقدي الذي يجعل من الأمة جسدا واحد يتضامن كل جزء فيه مع الكل، ويدين فيه الكل للجيل المؤسس ( الصحابة والتابعين)، ويرتبط به برابط معنوي وسلوكي ساعيا إلى تحقيق مجتمع "أهل السنة والجماعة". و انطلاقا من هذه الخلفية، تفهم لماذا تحارب الوهابية كل أشكال التدين المحلية وكل التقاليد دينية كانت أم دنيوية، والنظريات المبررة لها، بمعنى أنها تهاجم الممارسات من منظور ديني كل مظاهر الاجتماعية حتى لو كانت ليست دينية بالضرورة.
فعالية الوهابية وقدرتها على التعبئة:
تتميز الوهابية بكونها بناء إيديولوجي مضبوط المصطلحات والمفاهيم، وبسهولة التعبير عن مقولات هذا البناء وتيسر استعمال مصطلحاته. الشيء الذي يناسب جمهورا متلقيا متواضعا من حيث المؤهلات العقلية والإدراكية، بحيث يصعب على من المتمرس على الخطاب الديني، أو المشبع بتصورات ميتافيزيفية اخرى الوقوف عن الحدود التي رسمتها الإيديولوجيا والمحاذير التي تضعها وتوصي بالتزامها كلما تعلق الامر بما يشكل منطلقها الاساسي، وهو تصورها لفكرة الله وطرق الاعتقاد به.
يفسر هذا الأمر افتقار النزعة الوهابية إلى سند فكري محرر على شروط المناهج العلمية المستجدة، فلا نكاد نظفر عند أهلها لا بتأطير منهجي محكم، ولا بتنظير علمي منتج، ولا ببناء فلسفي مؤسس .
لكن ليس عرضنا هنا محاكمة الوهابية من خلال عرضها على التحليل الفكري الذي يقيس المقولات من خلال ما تتسم به من تماسك منهجي وأصالة مفهومية، لأن فالامر يتعلق كما ذكرنا بإيديولوجيا، والمرجع في تحليل الايولوجيات هو قدرتها على التعبئة ومد انصارها بالمستلزمات النظالية الضرورية لمجابهة الايديوجيات الأخرى دينية كانت أم دنيوية.
على هذا الاساس، نعتقد ان نجاح الوهابية في الانتشار في فضاءات متعددة وعدم انحصارها في عند حدود رقعة جغرافية معينة يرجع إلى انها تحمل عقيدة موجهة على أناس في حاجة إلى فهم ما يعتقدون، إلى عقيدة بسيطة بإمكانهم إدراكها حسب إمكنياتهم الذاتية والتحدث عنها مع الآخرين من أمثالهم، بدون أن يؤدي بهم ذلك إلى التيهان في الكثير من المتاهات الإيديولوجية، إنها تعمل على إعادة صياغة تعاليم الاسلام الأساسية في أشكال بسيطة، ولذلك فهي مركز جاذبية كبيرة. على عكس الثرات الكلامي والفلسفي الكلاسيكي منه والحديث الذي يطاب من من الإنسان الاعتقاد بالله بعد ان أفرغ الفكرة من كل تحديد إيجابي.
فعلى سبيل المثال، كثيرا ما استعمل علماء الكلام والفلاسفة المسلمون التوظيف الإشاري لظواهر الطبيعة، أي النظر إليها كإمارات دالة على وجود خالق او صانع، وهو منهج في النظر يتطلب من قدرات التأويل وسعة النظر ما يكمن الناضر من ربط الدال ( الطبيعة) والمدلول (الله)، في حين ان هذه معرفة الله لاتتطلب عند الوهابية سوى الوقوف عند أخبر به الله نفسه في القرآن الكريم وما ّاخبر به رسوله، معارضة كل التصورات الكلامية التي يمكن ان تتوه بالانسان وتدفعه على الشرك. (كما هو الشأن بالنسبة لمقولة الوجود الله في كل مكان الموجودة عند الاشعرية، أو الوجود في الضمير والوجدان كما تقول بذلك المتصوفة. لصالح الانتصار لمقولة الوجود السماء كما يعبر عن ذلك صريح القرآن).
بفضل الوهابية إذن، يصبح مفهوم الله ذي مضمون إيجلبي محدد ويساعد الانسان على فهم ما يعتقده، هكذا تكمن قوة الوهابية في أنها تختصر الطريق للوصول إلى نفس النتيجة التي تود أن تصل إليها جميع المدارس الاسلامية، خصوصا التي تتبع مناهج المتكلمين، وهي تقرير التوحيد، في حين لا يصل إليها المدارس الأخرى إلى ذات النتيجة إلا بعد عمليات معقدة وممتالية من البرهان المنطقي والعقلي .
ويمكن رد انتشار الافكار الوهابية على عامل سوسيو- انتروبولوجي، يمثل في كون أن العلاقة الرسمية بين الإله والبشر أصبحت ثاتوية بالنسبة لطريقة التفكير والاحساس العام بالواقع، مما أدى الى توسيع أنماط السلوك الاجتماعي غير المرتبطة بالضرورة بتصور اعتقادي ديني ، ومن ثم تعتبر الوهابية مشروعا ايديولوجيا يهدف إلى اعادة صياغة العالم الاجتماعي بالارتكاز على المعتقد الديني الرسمي المنظم للعلاقة بين الله والبشر. فهي إذن محاولة إعادة تعريف العلاقة بين الله والعالم بشكل يجعل هذه العلاقة حاضرة وفاعلة في الوجود الاجتماعي للأفراد. والتتيجة أن النزعة المبشرة والرسالية التي تطبع الايديولوجيا الوهابية، تلعب لصالحها على الرغم من كل ما يمكن قوله من افتقادها لثرات نظري مفصل في النواحي الاجتماعية والثقافية والسياسية.
ليس صدفة إذن، أن نلاحظ أن كل الافكار الدينية التي تشبه الوهابية من حيث اتصفها بالعفوية والجذرية شكلت على الدوام جانبا كبيرا من الردود الاولية العفوية على الإشكاليات الكبرى التي شهدتها الثقافات العالمية قبل أن يفرز التطور التاريخي مساهمات اخرى اكثر تركيبا وانبناءا، لقد شكل فكر ابن تيمية، وهوالأب الروحي للوهابية، ردا أوليا على الإشكالية الأولى في الثقافة العربية والاسلامية والتي نتجت بعد ظهور منهجين مختلفين من حيث الطبيعة والمضمون : البرهان القائم على الاستقراء والتحليل المنطقي، والبيان القائم منهج التلسيم بالحقائق الإيمانية التي أوردها ظاهر النصوص، بحيث اقترح ابن تيمية الانغلاق امام المنظومات المعرفية البرهانية والعودة على الاصول الدينية واستلهامها قياسا على طريقة المتقدمين من سلف المسلمين.
يمكن أيضا رد انتشار الوهابية إلى الضعف الأنطولوجي للممارسات الدنية التقليدية، أي عدم اندراجها في رؤية متجددة يبررها في أعين اتباعها، فقد فقدت الممارسة الدينية التقليدية الكثير من قوتها النظرية. ونتيجة لذلك، ما فتئ أتباعها المعاصرون يدافعون عنها باعتبارها سلوكيات مع تجريدها من أي تأسيس عقدي .
تعي الايدولوجيا الوهابية جيدا هذا الغموض، لذلك فهي تتبنى، في مواجهة ما تعتبره بدعا، إستراتيجية هجومية موزعة بين ثلاث مراحل: بيان هذا الغموض العقدي التركيز عليه في مرحلة أولى، وضع أتباعه أمام فراغ عقدي وحيرة انطلوجية مرحلة ثانية، ثم بث المعتقدات السلفية على شكل إجابات مناسبة للخروج من هذه الحيرة.
فمن خلال إدانتها للتعبد بالأولياء ورفضها للزيارات والمواسم والطرق الصوفية، تضيف السلفية عنصرا اجتماعيا على الطعن في الثقافة التقليدية، فعلاوة على الطعن في الانظمة الرمزية التي تكون المجتمع، تلغي أيضا للثمتلات التي تؤطر المعيش الاجتماعي للناس. لتعيد تشكيلها بما يتوافق مع معتقدها العام وما ينتج عنه من نظرة حول العالم .
أيضا، يعي زعماء التيارت الوهابية التي تعمل اليوم على الساحة الصعوبة التي تلاقيها مقررات ومناهج التعليم العتيقة من صعوبات في توصيل المعرفة الدينية التقليدية، فبداية ينتقد الوهابيون مرجعايت هذا التعليم الكلامية التي يرونها مليئة بالاخطاء والتجاوزات في حق الذات الالهية، وبما أن الخطأ في هذا الباب الإلهيات ليس كالخطأ في بقية أبواب العلم وإنما هو خطأ في الله وفي ذاته وأسمائه وصفاته، فإن هذا المرجعيات تواجه بكثير من التشنيع والتسفيه من لدن الوهابيين.
وعلاوة على انتقاهم لمرجعية هذا التعليم ، فإنهم يعيبون عليه منهجيته القائمة على حشو الذاكرة بمتون أشبه بالطلاسيم من حيث حيث مضمونها العصي على الفهم، وانعدام الشرح الصريح لما يحفظ من نصوص، إضافة إلى مايؤدي إليه مجرد الحفظ من تدجين للفكر وتبلد للذاكرة، وكثيرا ما يستعرض الوهابيون على هذه النقائص في كل بداية عملية الاستقطاب التي يتم جزء منها من داخل المعاهد الدينية التقليدية، بحيث ما ان يلج التابع معهدا وهابيا إلا ونبه إلى انه امام اسلوب تعليمي مختلف يعي المقروء أولا مع الترغيب حفظه بعد ذلك، وان ما يحمله الطالب الجديد الوافد على هدا المعاهد من معارف دينية تقليدية، لا يعتبر راسمالا ثقافيا يمكن ان يكون ذو اعتبار في وسطه الجديد، وإن كان يعطيه امتيازا .
علاوة على كونها متون ايديولوجية في هيئة مقررات مدرسية، فمجرد اندراج المقولات الوهابية على هيئة مقررات ومذكرات محددة يفيد تغيرا في طرق نقل المعرفة الدينية، فبخلاف نمط المعرفى التلقيدي الذي يوجب تلقي المعارف من شيخ كارزماتي ، فإن المعرفة الوهابية معرفة عصامية يمكن النفاذ إليها مباشرة ومن وغير ارتباط بمعلم أو شيخ، وحتى إذا أعطيت من قبل شيوخ، فإن علاقة هؤلاء بالتلاميد هي علاقة اصطناعية مبنية على الاخوة التي تقوم على مبدأ واحد: استقامة المعتقد، وليس على أي رابط اجتماعي، وقد تقوت عملية التعبئة هذه من تعميم التمدرس وتطوير وسائل التعليم العصرية حيث يبث المضمون الديني بشكل يناسب جميع مستويات الاتباع.



#أبواللوز_عبد_الحكيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدل الهوية والتنمية بصدد دخول الاسلاميين إلى البرلمان المغرب ...
- الدعاية السياسية بالمغرب
- الخطاب الاسلامي والحداثة


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أبواللوز عبد الحكيم - التجديد في باب الإلهيات الاسلامية الوهابية نمودجا