أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الله الحريف - من منظمة - إلى الأمام - إلى -النهج الديموقراطي- ثلاثون سنة من النضال من أجل الديموقراطية والاشتراكية















المزيد.....


من منظمة - إلى الأمام - إلى -النهج الديموقراطي- ثلاثون سنة من النضال من أجل الديموقراطية والاشتراكية


عبد الله الحريف

الحوار المتمدن-العدد: 550 - 2003 / 8 / 1 - 05:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


 

                                                                                                       

         بحلول 30 غشت 2000 , تكون ثلاثون سنة قد مرت على تأسيس المنظمة الماركسية اللينينية المغربية " إلى الأمام" ثلاثون سنة من النضال والتضحيات والعطاء والاجتهاد والعمل الصادق على الارتباط بهموم الشعب المغربي, وفي مقدمته الطبقة العاملة, ثلاثون سنة تغير خلالها العالم بشكل كبير: انهار البناء البيروقراطي للاشتراكية وهيمنت على العالم الرأسمالية المعولمة المتعفنة أكثر فأكثر كرأسمالية مضارباتية وفقدت حركات التحرر الوطني إندفاعها بل دخلت في مرحلة من التراجع والانكماش في مختلف بقاع العالم تقريبا.

         وإذا كان الوفاء للمبادئ الاستراتيجية التي تشكلت على أساسها منظمة " إلى الأمام" يعتبره – من تراجع عن الرصيد الثوري- "دغمائية" أو " أصولية", فإننا نعتبر, على عكس ذلك, أن ذلك الوفاء هو الذي يوفر الطاقة للتقدم نحو المستقبل وللإجتهاد في فهم المتغيرات والمستجدات.

إننا لا نقدس الماضي, لكننا لا نتفق بتاتا مع من يريد أن يعدم ما قدمه نضال الطبقات العاملة في أوربا والثورات البروليتارية في روسيا والصين وغيرهما من خدمات جليلة للطبقات الكادحة للبشرية جمعاء وللشعوب المضطهدة والمقهورة في مواجهة الرأسمالية في مختلف تمظهراتها, ومنها الأكثر بشاعة من فاشية ونازية واستعمارية وعنصرية.

         إن التقييم الموضوعي لتجربة الحركة الماركسية اللينينية المغربية وبالخصوص منظمة " إلى الأمام" , بارتباط بالواقع العام الوطني والدولي الذي اندرجت في إطاره, قد يسمح لنا بالإجابة عن الأسئلة الكثيرة المثارة.

-I فمما لاشك  فيه أن " إلى الأمام" قد استطاعت الاستمرار والتطور والتجدد على امتداد ثلاثين سنة مكذبة بذلك أطروحات من كانوا يعتبرونها غير شرعية ومجرد تمرد شباب متأثر بالثورات التي كان العالم يعيشها في نهاية الستينات وبداية السبعينات (الثورة الثقافية الصينية ونقد التحريفية السوفياتية, النضال البطولي للشعب الفيتنامي ضد أعتى امبريالية : الولايات المتحدة الأمريكية, النضالات الكبرى للطبقات العاملة وللشباب في أوربا الغربية والتي عرفت أوجها فيما سمي بأحداث ماي 1968 بفرنسا, عجز الأنظمة العربية على مواجهة العدو الصهيوني واندحارها في حرب يونيو 1967 وبروز المقاومة واليسار الفلسطيني... ) فما هو سر استمرار وصمود " إلى الأمام" في الساحة النضالية وقدرتها على التجديد مع الحفاظ على جوهرها الثوري؟

         إننا نعتبر أن السر في صمود " إلى الأمام" واستمرارها في حمل مشعل النضال الثوري لخدمة الطبقة العاملة والكادحين عموما يتمثل في العناصر التالية:

إن القمع الوحشي الذي ووجهت به على امتداد تجربتها لم يثنها, في أي وقت من الأوقات, عن الاستمرار في تحمل مسؤوليتها  في التواجد وسط النضالات الشعبية وإذكاء شعلة الكفاح. وقد واجهت "إلى الأمام" بشدة كل المحاولات للانكماش على الذات والتراجع في أوقات فترات الإرهاب وإن كانت لم تسلم في بعض الأحيان, من بعض المنزلقات المتهورة في هذا المجال.

وتميزت " إلى الأمام" والنهج الديمقراطي فيما بعد بمواقفها الشجاعة والتي دافعت عنها وقدمت التضحيات الجسيمة من أجلها. وفي عجالة, نذكر المواقف النضالية المتقدمة التي اتخذتها, خاصة في مواجهة شلل وانتظارية الأحزاب الوطنية في بداية السبعينات, والتي واجهت من خلالها طغيان واستبداد النظام القائم وساهمت بشكل كبير في فضحه,كما نذكر بالموقف الأممي الشجاع من قضية الصحراء والذي دعا بدون مراوغة إلى حق تقرير المصير وواجه الشوفينية المتفشية. ولم تنبهر " إلى الأمام" بالشعارات الديماغوجية التي أطلقها النظام في أواسط السبعينات: "المغرب الجديد". المسلسل الديمقراطي. "السلم الاجتماعي" بل عمت على مواجهتها وفضح مضمونها الطبقي المناهض لمصالح عموم الطبقات والفئات الشعبية, وعلى إثر التغيرات التي طرأت على العالم في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات وبفعل نضالات الشعب المغربي ومناضليه الجذريين في الساحة والسجون واحتلال المسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان مركز الصدارة, لم تنخدع "إلى الأمام" بالمبادرات التي اتخذها النظام في الميدان واعتبرت دائما وعن حق التغييرات الجزئية, رغم إيجابيتها, لا تغير من جوهر النظام المخزني وأدواته القمعية والإيديولوجية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. كما أبانت عن خطأ الشعارات التي دعت إليها الكتلة من توافق وتراضي وتناوب... والتي غطت في الحقيقة الاستسلام لإملاءات النظام وساهمت في إجهاض الحركة النضالية الجماهيرية التي عرفت أوجها في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات وأكد النهج الديمقراطي على عجز الكتلة البنيوي على قيادة النضال من أجل مغرب ديمقراطي حقيقي.

كما أن ثقافة النضال والصمود والاستقامة والوفاء, بدون دغمائية, للمبادئ, وذلك في كل الواجهات (في السجون, في معاقل النضال الشعبي, في المنظمات الجماهيرية وجمعيات المجتمع المدني) قد ساهمت في استمرارية وتطور حركة "إلى الأمام" وفيما بعد "النهج الديمقراطي".

إن القناعة العميقة والراسخة لدى مناضلي "إلى الأمام" والنهج الديمقراطي بأن التغيير لا يمكن أن يكون منحة من نخبة متنورة بل هو نتيجة وثمرة لكفاح الشعوب وحركتها الثورية والمناضلة وأن المناضل يجب أن يضع نفسه, بكل تواضع, في خدمة تلك الحركة النضالية من أجل الارتقاء بها إلى مستويات أعلى ومواجهة كل محاولات إجهاضها أو الركوب عليها وتوظيفها لتحقيق مآرب فئوية, إن تلك القناعة توفر أحد أهم مكونات الصمود والاستمرار وأحد شروط الانغراس وسط الطبقات الكادحة.

كما تميزت تجربة "إلى الأمام". وخلافا لكل الدعايات المغرضة حول الدغمائية و"التكلس" بالبحث المستمر والمضني من أجل معرفة أحسن بواقع بلادنا (الطبقات الاجتماعية, التاريخ, الخصوصيات الجهوية والثقافية اللغوية والهوية العميقة والمتجددة لشعبنا) وبتطورات الرأسمالية العالمية وتجارب بناء الاشتراكية في مختلف بقاع العالم وتجارب حركات التحرر والحركات الاجتماعية المختلفة (الحركة النسائية والحقوقية...) ومن أجل استخلاص الدروس من تلك المعرفة خدمة لتطور نضال شعبنا, وفي مقدمته الطبقة العاملة ومجموع الكادحين.

ولعل من أهم عناصر الاستمرار والصمود القدرة والاستعداد الدائمين لتقييم تجربتنا إعمال سلاح النقد وتقديم النقد الذاتي على الأخطاء, دون السقوط في استعمال تلك الأدوات للتراجع عن الجوهر الثوري لمشروعنا النضالي. هكذا وبعد حملات الإجتثاث التي تعرضت لها الحركة الماركسية اللينينية المغربية, خاصة ما بين 1974 و 1977 , عمدت إلى تقييم تجربتها وقدمت نقدا ذاتيا على أخطائها التي تمثلت فيما يلي:

-         التركيز على الشبيبة المدرسية إلى حدود اعتبارها "مقدمة تكتيكية" أو " قنطرة عبور" نحو الطبقة العاملة في مرحلة كان النظام والاقتصاد لازال بحاجة إلى أطر وغياب خطة للتجذر وسط الطبقة العاملة والكادحين وإدماج المناضلين المتقدمين  في النضال السياسي الثوري.

-         الإرادوية والتهور في بعض الأحيان.

-         غياب علاقة واضحة بين العمل الجماهيري والعمل السياسي مما يؤدي إلى تغليب طرف على آخر أو إخضاع طرف لآخر. الشيء الذي ينعكس سلبا عليهما معا.

-         تقديس العمل السري (الضروري في سنوات القمع الأسود) إلى حد إهمال العديد من إمكانيات العمل العلني والشرعي بل إعتباره مشبوها قد يؤدي إلى الإنحراف عن الخط الثوري, وقد لعب ذلك دورا سلبيا في عدم استفادتنا من كل مجالات العمل العلني مما عقد مهمة الارتباط بالطبقة العاملة والكادحين, ولعل ذلك ما يفسر التحفظات التي كانت لدى مناضلينا على المطالبة بالقانونية للنهج الديموقراطي مما أدى  إلى أن يأخذ النقاش في الموضوع وقتا طويلا.

-         عدم التدقيق الكافي للخطط والتكتيك. الشيء الذي كان يؤدي في بعض الأحيان, إلى عزلتنا وفي أحيان أخرى إلى التخبط في تصريف المواقف.

-         الانجرار في عدد من المناسبات إلى اتخاذ مواقف عدائية من الإصلاحية كتوجه ومن الأحزاب الاصلاحية كقوى إلى حد محو الفوارق ما بين العدو الأساسي (الرجعية والطبقات السائدة والنظام المخزني) وبين هذه القوى.

-II بعد أن تطرقنا بسرعة للعوامل الأساسية التي تفسر استمرار منظمة "إلى الأمام" وتطورها, لابد الآن أن نحاول الإجابة على القضايا العامة المطروحة حول عجز هذه المنظمة على التقدم بشكل لا رجعة فيه في الانغراس وسط الطبقة العاملة وبناء أداتها السياسية المستقلة.

         إن الهدف الأساسي من تشكيل الحركة الماركسية اللينينية المغربية كان هو السعي إلى بناء الحزب الثوري المستقل للطبقة العاملة المغربية, على اعتبار أن الحزب الشيوعي المغربي قد فشل في إنجاز تلك المهمة, ولم يعد قادرا بفعل عدة عوامل ذاتية وموضوعية, داخلية وخارجية, على إنجازها, ولابد أيضا من الإقرار أن الحركة الماركسية اللينينية المغربية, وخاصة منظمة "إلى الأمام" عجزت لحد الآن على التقدم بشكل حاسم في بناء الأداة السياسية المستقلة للطبقة العاملة, فهل يتعلق الأمر بخلل في المشروع في حد ذاته, أي هل أن طبيعة التشكيلة الاجتماعية المغربية  والتطورات التي طرأت عليها بفعل تطور الرأسمالية عالميا, تطرح تساؤلا على طبيعة الطبقة العاملة المغربية على مدى قدرتها الموضوعية على قيادة التغيير في اتجاه بناء الاشتراكية في حد ذاته ليس سوى يوطبيا, وأن الإنسانية مفروض عليها أن تعيش إلى الأبد في ظل الاستغلال الرأسمالي أو أي نظام استغلالي آخر أم أن الخلل يتمثل في مفهوم الأداة المستقلة, أي هل أن مفهوم بناء الحزب في شكله اللينيني كما طرحته وعملت على تجسيده الحركة الماركسية اللينينية المغربية هو المسؤول عن هذا الفشل أم أن الخطأ مرتبط بمسألة بناء التحالفات وقضايا التكتيك السياسي في كل مرحلة أم أن كل هذه العوامل, أو بعضها قد لعبت دورا في عدم التقدم الحاسم في الارتباط بالطبقة العاملة والطبقات الكادحة عموما والمساهمة في بناء أدواتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية المستقلة؟

·        إننا نعتقد أن التطورات التي عرفتها الرأسمالية لم تغير أبدا من جوهرها كنظام ينتزع فائض القيمة من المنتجين لفائدة مالكي وسائل الإنتاج وبالتالي نظام يضع طبقة المنتجين في تناقض تناحري مع طبقة مالكي وسائل الإنتاج.

 فمن الطبيعي أن تتغير الطبقة العاملة لأن الرأسمالية تدمج أكثر فأكثر مجالات كانت من اختصاص فئات برجوازية صغرى في دورة الرأسمال, بينما يشكل جزء كبير من شغيلة قطاع الخدمات, الذي ينمو بسرعة, طبقة عاملة جديدة بمواصفات مختلفة عن الطبقة العاملة الصناعية أو الفلاحية, لكنها طبقة عاملة لأنها تشكل شرطا أساسيا لتطوير الإنتاجية والإنتاج, ولأن جزءا متزايدا من الإنتاج ووسائل الإنتاج أصبح "لا ماديا"   " Immatériel " لابد من الاجتهاد لتحديد الملامح الأساسية الجديدة للطبقة العاملة, الطبقة التي تنتزع منها الرأسمالية فائض القيمة, أخذا بعين الاعتبار التغيرات التي تدخلها الثورة العلمية والتقنية المتسارعة والتي من الصعب التنبؤ بكل أبعادها وانعكاساتها على وسائل الإنتاج والإنتاج والذي قد يصبح جزءا متزايدا منها "غير مادي" " Immatériel " .

وإذا كانت هذه التطورات ستؤدي حتما إلى تغيير شكل ومضمون الطبقة العاملة فإنها لن تغير في شيء من التناقض التناحري بين من يملك وسائل الإنتاج ومن ينتج وينتزع منه فائض القيمة, إن الموقع الموضوعي للطبقة العاملة في علاقات الإنتاج يجعلها الطبقة التي في مصلحتها أكثر من غيرها القضاء على النظام الرأسمالي. فهي إذن المؤهلة موضوعيا لقيادة النضال من أجل الاشتراكية.

·        إن الشركات المتعددة الاستيطان تتعامل مع الطبقة العاملة والشغيلة بشكل عام على مستوى عالمي, وتستغل التفاوتات الموجودة بين الطبقات العاملة من دولة إلى أخرى وتسعى إلى جعلها –أي الطبقات  العاملة- تتنافس فيما بينها في اتجاه تخفيض كلفة اليد العاملة, وتوظف المؤسسات المالية والإيديولوجية والسياسية, الخاضعة لها, لفرض تطبيق برامجها الليبرالية المتوحشة التي تعني إضعاف الطبقات العاملة عبر زرع عدم استقرار الشغل وتخفيض مستواها المعاشي عبر ما يسمى ب"مرونة الأجور" ونشر البطالة في صفوفها, وإذا كان الرأسمال المعولم موحدا في هجومه على الطبقات العاملة, فإن هذه الأخيرة مشتتة وغير متضامنة فيما بينها بما فيه الكفاية. إن تطورات الرأسمالية راهنا تطرح على الطبقات العاملة, أكثر من أي وقت مضى, بلورة أمميتها مع الإستفادة من أخطاء الماضي, وخاصة نبذ أي فكر هيمني من طرف هذه الطبقة العاملة أو تلك, وبناء  الأممية على أسس الديمقراطية والتضامن وتوحيد خطة المواجهة للرأسمالية المعولمة. وهذا ما يتطلب أولا وقبل كل شيء أن تتحرر الطبقات العاملة من هيمنة الفكر البرجوازي عليها.

·        قد يقال أن الطبقة العامة, بمفهومها الواسع الذي يتضمن جزءا من قطاع الخدمات إضافة لقطاع الإنتاج الصناعي والفلاحي, تشكل أقلية في المجتمع المغربي وأن الأغلبية مشكلة من فلاحين وحرفيين ومهمشين وعاطلين وان التغيير لا يمكن أن يتم بمعزل عن هذه الجماهير الغفيرة. عن هذه المسألة الصحيحة لا يجب أن تدفعنا إلى إعادة النظر في الدور الموضوعي القيادي للطبقة العاملة في عملية التغيير بقدر ما أنها تحلينا على مسألة التحالفات بين الطبقات والفئات الكادحة والمقهورة والمضطهدة.

·        إن العولمة الرأسمالية تطرح تساؤلا كبيرا حول مفهوم البرجوازية الوطنية. فالشركات المتعددة الإستيطان تخضع لسيطرتها باقي الشرائح البرجوازية التي لا تجد أمامها من حل سوى تصعيد استغلال الطبقة المحلية مما يؤدي إلى العجز عن تطوير السوق الداخلية (هزالة الأجور و"مرونتها", "مرونة" التشغيل وما يؤدي إليه من بطالة...) هكذا إذن فإن مسألة التحالفات الطبقية مطروحة للمزيد من البحث والاجتهاد, وخاصة دور الشرائح البرجوازية التي ليست مندمجة في الشركات المتعددة الاستيطان وتخضع لإملاءات هذه الأخيرة.

·        إن النظام الرأسمالي قد اكتسح جل مناطق العالم وأدى إلى نمو هائل وكوني لقوى الإنتاج تسارع بفعل استغلال نتائج الثورة العلمية التي نشهدها. غير أن هذا النمو, عوض ان يؤدي إلى تحكم المنتجين المبدعين في وسائل الإنتاج وبناء حضارة إنسانية توفر الحد الأدنى من الحياة الكريمة للبشرية جمعاء, يرتكز على إقصاء المنتجين/المبدعين من أي تحكم فعلي في وسائل إنتاجهم, واستيلابهم واستغلالهم وإلى تهميش شرائح متزايدة من سكان الدول الرأسمالية المتقدمة بينما يطال التهميش والتفقير بل التجويع أعدادا هائلة من ساكنة الدول التابعة. وفي حين تنعم فئة جد محدودة من سكان العالم قد لا تتجاوز واحد في المائة بمستوى خيالي من العيش, يتنامى الفقر وتنتشر الحروب والمجاعات والأمراض والجهل في العالم. هذا النظام الرأسمالي البربري غير قابل للاستمرار وإن تجاوزه الجدلي في اتجاه إقامة نمط من التنظيم الاجتماعي تكون فيه وسائل الإنتاج المتطورة باستمرار تحت المراقبة والتحكم المشتركين للمنتجين/المبدعين الأحرار وفي خدمة الإنسانية جمعاء ضرورة لا مفر منها. صحيح أن محاولات تجاوز النظام الرأسمالي في الاتحاد السوفيتي قد فشلت لأسباب متعددة لاشك أنها, في جزء  منها مرتبطة بأخطاء في مفهوم البناء الاشتراكي والدور المهيمن للدولة والحزب في ذلك البناء وما أدى إليه من إرادوية في علاقة الحزب والدولة بالمجتمع وتغليب النظرة الانتاجوية على تطوير الإنسان وتوعيته إلى غير ذلك من الأخطاء لكن لا يمكن غض النظر أيضا عن الظروف الموضوعية, وخاصة التطويق الإمبريالي وحرب الاستنزاف التي تعرضت لها الثورة البولشيفية وأيضا المستوى الجد متدني لقوى الإنتاج في الاتحاد السوفيتي عند انتصار  الثورة.

وإذا كان الانتقال من الإقطاعية إلى الرأسمالية قد تطلب قرونا وعرف ثورات وثورات مضادة, فإن الانتقال من الرأسمالية وهي نظام استغلالي إلى الاشتراكية التي بدأ فيها الاستغلال بالإنمحاء لابد أن يعرف مدا وجزرا وثورات وثورات  مضادة, لكننا نعتقد أن التصارع  الذي يعرفه تطور العلوم وما يفتحه من آفاق رحبة أمام البشرية, شريطة أن لا تظل نتائج ذلك التطور حكرا على الرأسمالية التي توظفها للرفع  من أراحها, قد يساهم في أن لا تطول مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية كما طالت مرحلة الانتقال من الإقطاعية إلى الرأسمالية.

·        إن مسألة بناء الأداة السياسية, المستقلة للطبقة العاملة والكادحين هي, في نظرنا مسألة صحيحة وحاسمة في التغيير بأفق اشتراكي ولا يجب التراجع عنها تحت ذريعة أن الحزب البلشفي قد تحول من حزب ثوري بروليتاري طليعي إلى حزب ديمقراطي يتربع على السلطة ويدعي امتلاك الحقيقة ويرفض أية استقلالية للمنظمات الجماهيرية ولجمعيات المجتمع المدني. غير أن الإقرار بضرورة بناء هذه الأداة تطرح علينا عدة تساؤلات لابد من الجواب عليها نظريا وعمليا:

ما هي طبيعة الأداة وطبيعة العلاقات داخلها (هل الديمقراطية؟ أية ديمقراطية" إلخ)؟ ما هي علاقتها بالقوى الممثلة للطبقات الأخرى؟ ما هي علاقتها بالمنظمات الجماهيرية؟ ما هي علاقتها بالحركات الاجتماعية التي تعبر عن مصالح شعب بأكمله وليس طبقة في حد ذاتها (الحركة البيئية, النسائية...)؟ ما هي علاقة هذه الأداة بالدولة في حالة انتصار الثورة, خاصة أن الدولة كجهاز قمعي وإيديولوجي تنحو نحو الإنفصال عن المجتمع والسيطرة عليه؟

إن النهج الديمقراطي يعتبر أن للطبقة العاملة دورا قياديا في عملية التغيير بأفق اشتراكي بل أن دورها أساسي في التغيير الديمقراطي الجذري أيضا وأن بناء الأداة السياسية المستقلة للطبقة العاملة والكادحين مسألة حاسمة. كما انه يعتبر أن البديل للهمجية الرأسمالية التي نعيشها هو الاشتراكية التي ستبني بشكل مختلف عما سبق وبالاستفادة من التجارب السابقة ومن تطور العلوم والتقنيات. وإذا كان النهج الدمقراطي لا يمكن بل لا يجب أن يقدم نموذجا للمجتمع الإشتراكي المنشود, فإنه مع ذلك يعتقد أن هذا المجتمع سينبني خلال صيرورة طويلة, وعبر تجارب مختلفة, بفضل التحكم الجماعي للمنتحبين/ المبدعين الأحرار في وسائل الإنتاج وإشاعة الديمقراطية التي تعني ليس فقط حق بل قدرة المواطنين على الاختيار الحر للمسؤولين ومراقبتهم باستمرار وتغييرهم واحترام حقوق الإنسان في شموليتها وكونيتها وللحريات الديمقراطية وبناء مجتمع مدني مزدهر وقوي يرتكز إلى أدوات التنظيم الذاتي المستقل للجماهير. إن النهج الديمقراطي يتبنى الاشتراكية كفكر. فهو ينهل من الماركسية التي يعتبر أنها الفكر الأكثر قدرة على تحليل آليات وقوانين الرأسمالية وتوفير أدوات نقدها فكرا وممارسة وأنها منهج للتفكير والتحليل ونظرية للتغيير الثوري. لكنه لا يعتبر أن الماركسية قد قدمت الأجوبة على كل الإشكالات المطروحة على البشرية من أجل انعتاقها من الاستغلال والاضطهاد . لذلك فهو يعمل, بارتباط بالحركة الاشتراكية في العالم وانطلاقا من تجربته الخاصة, على تطوير وإغناء الماركسية ومستفيدا من كل إنجازات الفكر العالمي التقدمي في مختلف المجالات (حقوق الإنسان, حقوق النساء, الدفاع عن البيئة وتحسينها... ) ومن تجارب نضالات الشعوب وحركاتها الاشتراكية ومن تطور العلوم.

إن التعثر في بناء الأداة السياسية المستقلة للطبقة العاملة والكادحين لا يتعلق, كما طرحنا أعلاه, بخلل جوهري في طبيعة المشروع الاشتراكي- وإن كان هذا المشروع لن يتبلور دفعة واحدة كتطبيق لوصفة جاهزة وسيعرف مدا وجزرا وثورات مضادة- ولا في دور الطبقة العاملة والكادحين عموما في قيادة النضال من اجل تحقيقه- علما بأن واقع الطبقة العاملة قصد تحديد التكتيكات والخطط الملموسة لتطوير التنظيم والوعي الاشتراكيين داخل الطبقة العاملة والكادحين. وعلى عكس ذلك , نعتقد أن هذا التعثر قد يكون من أسبابه قصور في تحديد طبيعة الأداة السياسية المستقلة والعلاقات داخلها وعلاقاتها مع الطبقة العاملة والكادحين ومع المنظمات الجماهيرية والحركات الاجتماعية وجمعيات المجتمع المدني الجادة والمناضلة وكذا تحديد الوسائل والخطط التي تسمح بلإنغراس وسط هذه الطبقات وبتوحيد المناضلين الاشتراكيين في خضم صيرورة الإنغراس تلك. وبما أن النضال العام الذي يخوضه الشعب المغربي بمختلف طبقاته وفئاته وشرائحه والذي تشكل الديمقراطية الحقيقية عنوانه العريض في المرحلة الراهنة, فإن المزيد من النضال لبلورة التحالفات وبناء القطب الديمقراطي الجذري مهمة أساسية لتجاوز التعثر المشار إليه أعلاه.

البيضاء في 10 شتنبر 2000

 



#عبد_الله_الحريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية ماركسية لقضايا الدين والإسلام السياسي
- التقرير المقدم للمجلس الوطني من طرف الرفيق عبد الله الحريف ا ...
- في مسألة التعامل: اليسار مع الأصوليين
- اليسار ومهام المرحلة الراهنة - المغرب
- دفاعا عن الجوهر الحي للماركسية


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الله الحريف - من منظمة - إلى الأمام - إلى -النهج الديموقراطي- ثلاثون سنة من النضال من أجل الديموقراطية والاشتراكية