أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود حسن عباس - تنفيذ تقرير بيكر بخطة بوش معالجة الفشل بخطة فاشلة















المزيد.....



تنفيذ تقرير بيكر بخطة بوش معالجة الفشل بخطة فاشلة


محمود حسن عباس

الحوار المتمدن-العدد: 1806 - 2007 / 1 / 25 - 06:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يمكن القول مجازا بأن صدام حسين (رحمه الله) سوف يتشمت في قبره من الرئيسين بوش و نوري المالكي و يسألهما إن كانا يستطيعان أدارة (الملف العراقي) أفضل منه أو أسوأ منه،و ما هو الفرق بين الرؤساء الثلاثة الرئيس بوش في البيت الأبيض و(الرئيس) صدام حسين في (حياته) و الرئيس نوري المالكي في منطقة الخضراء،ليس بينهم فرق يذكر،بل هناك بينهم أتفاق تام غير مبرم ولو على نقطة واحدة وهي إن العراق سائر نحو الخراب بفضلهم وبفضل رؤساء مجاورين للعراق شرقا و شمالا و غربا،ولكن كل منهم بطريقته الخاصة ،و سوف لن يقال لهدفهم الخاص،لأن ذلك موضع جدل لا يمكن الجزم به حاليا.
العراق وصل أو أوصل إلى نقطة إلا عودة ،ناقوس الخطر دق منذ وقت طويل ،غير إن تقرير بيكر –هاملتون وبعده بقليل إعدام صدام و رفاقه أجمعا الناس للتفرج على حجم الكارثة التي حدثت وتحدث يوميا في العراق،فيدعو التقرير في فقرته الأولى الولايات المتحدة الأمريكية لبدء (هجوم دبلوماسي شامل) ،و هذا الهجوم بدأ بالفعل مع بداية العام الحالي، وكأن المنطقة وقواها الإقليمية والعالم وقواه الرئيسية لا يعرفون عدد الجثث التي يعثر عليها في مكبات النفايات في بغداد و مدن العراق و لا يعرفون عدد البيوت التي دمرت على سكانها بالطائرات الأمريكية ولا عدد المليارات العراقية و غير العراقية التي انتهت إلى جيوب اللصوص، و لا يعرفون عدد أجهزة المخابرات التي تصول و تجول في العراق و لا عدد الميلشيات الطائفية التي تقتل الناس على الهوية ولا يعرفون من هي الدول التي في منهجها تدمير العراق و إلحاق كانتونات الطائفية التي تنتج عن تدمير العراق إلى إمبراطوريتها التي تريد تسليحها بالأسلحة النووية، ولا الدول المجاورة التي تريد تصدير أزماتها الداخلية و الإقليمية ومع الولايات المتحدة و إسرائيل إلى العراق، و لا يعرفون عدد الشواذ الأفاق الذين تسللوا إلى العراق في ظل احتلال الأمريكي و غياب حكومة وطنية حقيقية فعالة ليقتلوا أكبر عدد من العراقيين بمختلف الطرق الوحشية و لأسباب تغلف بالدين والمذهب أو القومية.
هناك في الحروب عبارة تصف الحالة النفسية للجنود ،فعندما تشتد المعارك وتحتدم الجيوش وتحدث الهياج و فقدان السيطرة على الذات من هلع المعارك وفداحة الخسائر، يفقد بعض الجنود صوابهم فبدل الهروب من العدو يهربون إلى الأمام باتجاه العدو ومنه جاءت العبارة (الهروب إلى الأمام) وهذه العبارة هي بالضبط يجب أن توصف بها ليس مضمون تقرير بيكر –هاملتون ولكن بالأساس حالة الرئيس بوش ليس الآن في تشابك فخ العراقي حول عنقه و أطرافه، ولكن منذ البداية بل ليس الرئيس بوش شخصيا ولكن كل السياسات الأمريكية تجاه العراق وكل المنطقة العربية –الإسلامية،وهذه ما تحاول التقرير الإشارة إليها في دعوتها إلى حل القضية الفلسطينية في فقرات عديدة في التقرير ،وعلى كل حال مثل هذه الدعوات الأمريكية و توقيتاتها ليست جديدة فمثل هذه الدعوات تنشط عندما تواجه السياسة الأمريكية (صعوبات) في المنطقة فكيف بها أذا واجهت هزائم بل وهزائم ستحدد مصير الولايات المتحدة الأمريكية في القرن الواحد و العشرين و الذي للأمس القريب كان يصفه منظورا المحافظين الجدد مرجع الفكري و السياسي للرئيس بوش بأنه سيكون (القرن الأمريكي) بحق،لذا فأن هذه الدعوات الأمريكية في تقرير بيكر لم تلفت إليها كثيرا في المنطقة العربية –الإسلامية لأن التصرفات الإسرائيلية العدوانية لن تحدها مثل هذه الأبواق الأمريكية وسرعان ما صرح أولمرت بأن إسرائيل تملك أسلحة نووية لإرهاب العرب والقول بأن الوجود الإسرائيلي ستستمر حتى لو رفعت الولايات المتحدة دعمها لإسرائيل.
ليس الأهمية كامنة في فحوى تقرير بيكر-هاملتون ولكن بكل تأكيد في موضوع الذي يتناوله التقرير أي موضوع و حتى يحير المرء أن يسميه وخاصة في المرحلة الراهنة هل نسميه الاحتلال الأمريكي للعراق أو التحرير الأمريكي للعراق أو التدخل الأمريكي في العراق أم الانسحاب الأمريكي من العراق أم الهزيمة الأمريكية في العراق أم الهروب الأمريكي من العراق أم المأزق الأمريكي في العراق أم الغرق الأمريكي في العراق أم الغباء الأمريكي في العراق أم العجرفة الأمريكية في العراق و معها عشرات التسميات سميت بها و يمكن أن تسمى بها و سمتها جهات أمريكية نفسها بمعظم أو أكثر هذه التسميات بما فيها واضعو التقرير أنفسهم،فالموضوع هو موضوع الساعة أمريكيا و عراقيا و إقليميا وعالميا،ومنذ صدور التقرير في 6-12-2006 تواصل ردود الأفعال عليه من جهات شتى أمريكية و عراقية و إقليمية وعالمية كلا يبكي على ليلاه،ومن حيث الجوهر أن التقرير و تنفيذه بالخطة الجديدة لبوش في العاق و المنطقة، أقل ما يجب أن يقال عنهما أنه زاد الطين بله في العراق، ولكن قد لا تكون المشكلة الرئيسية في التقرير لأن التقرير في النهاية وثيقة نظرية تتناول مشكلة محددة وقد تكون تناولها صحيحا أو خطأ ولكن الواقع الفعلي وما قد يستتبع التقرير من تنفيذ مضمونه أو عدم تنفيذه هو المهم و بكل تأكيد أن التقرير و مضمونه و بالأصح الواقع الفعلي في العراق سوف لن يخضع لأرادة شخص واحد أو جهة واحدة لأن في الساحة العراقية الآن عشرات القوى و الدول و المصالح تتفاعل بل تتصارع و تتقاتل وكل يريد تقريب النار إلى طبخته.
ملف التعريف لتقرير بيكر –هاملتون يقول بأن التقرير أعد من قبل لجنة شكلها الكونغرس الأمريكي من خمسة عشر عضوا من الحزبين الجمهوري و الديمقراطي المسيطرين معا على هيئتي التشريع في أمريكا، اللجنة رأسها وزير خارجية أمريكا الأسبق جيمس بيكر و كان لغاية الانتخابات التشريعية الجزئية الأخيرة في شهر تشرين الثاني الماضي تتسمى رئاسة اللجنة باسم جيمس بيكر ولكن بعد الانتخابات المذكورة و فوز الديمقراطيين بالأغلبية في مجلسي الكونغرس الأمريكي بدأت تسمية ثنائية لأسم اللجنة تلك، فسميت باسم لجنة بيكر هاملتون فالصراعات الحزبية الأمريكية واضحة البصمات في تشكيل اللجنة و أعمالها كما كانت هي واضحة طوال الوقت في ما جرى في العراق منذ ما قبل احتلاله لغاية هذه الساعة ،حيث احتدم في هذه الأيام صراع عنيف ذات طابع حزبي بين الجمهوريين حزب الرئيس بوش و الديمقراطيين المعارضين ذات الأغلبية في مجلسي الكونغرس لخطة بوش الجديدة في إرسال أكثر من عشرين ألف جندي أمريكي جديد إلى العراق بغية السيطرة على العنف الطائفي المنتشر في العراق و خاصة في بغداد و المناطق القريبة منها ،و استرسلا في ملف المعلومات عن (لجنة دراسة الحالة في العراق ) فهذه اللجة تكونت من خمسة عشر عضوا موزعة بالتساوي بين سبعة أعضاء لكل من الحزبين الجمهوري و الديمقراطي ،و هؤلاء الأعضاء الأربع عشر من الصفوة التشريعية و السياسية و الدبلوماسية و الفكرية و الإدارية و العسكرية و المخابراتية الخ ،و قد خول بالاستعانة بكل المصادر المتاحة من السياسية و التشريعية و العسكرية و المخابراتية و الأكاديمية و الدبلوماسية الخ، و استغرقت أعمالها ستة أشهر و قد قيل إنها في العراق وحده استمعت لأراء ثلاث مئة شخص ، وخلاصة القول بأن هذه اللجنة لو مهما كانت الآراء حول نتائج عملها و هي التقرير الذي صدر عنها تمثل خلاصة العبقرية الفكرية و السياسية و التشريعية و الدبلوماسية و العسكرية و المخابراتية و التنظيمية الأمريكية في معالجة ستسمى مجازا (حالة) أن لم تكن الآن هزيمة فهي مشروع مشرع لاحتمالات الهزيمة في المستقبل القريب .
يمكن القول بداية عن تقرير بيكر بأنه يلخص حكمة مفادها بأن لا شغل شاغل للإدارة الأمريكية في الوقت الحاضر إلا العراق ، وان العراق أرض بلا شعب،فالتقرير يقلب كل حجر في العراق كما يرد في فقرة منه ،إلا إن الغائب الوحيد في التقرير هو الشعب العراقي وهنا القصد الشعب نفسه و ليس هذا الطرف أو ذاك بما فيها الحكومة العراقية الحالية بتشكيلتها المعروفة،و كان المفروض على التقرير وبما انه مبحثه مستقبل العراق كما يفهم منه إن يحدد الخيار الأفضل التالي الممكن للشعب العراقي و بما أنه لم يفعل ذلك، وسوف نرى ما يلي مجموعة من الخيارات ليرى القاصي و الداني أيا منها أفضل للشعب العراقي في المنظور من الوقت ،وكلا من هذه الخيارات ممكنة كسيناريو قادم في وضع العراق الخطير الحالي كما يصفه التقرير نفسه :
1-بقاء القوات الأمريكية في العراق بصيغتها الحالية أو زيادتها (وهذا حصل وفق خطة بوش الجديدة) أو أعادة الاحتلال الأمريكي للعراق بصيغة غير مباشرة كما يفهم من نص التقرير.
2- بدء الانسحاب الأمريكي الكلي الفوري من العراق و ليحدث ما يحدث بعد ذلك.
3-هزيمة الولايات المتحدة في العراق هزيمة نكراء و انسحاب قواتها من العراق و سيطرة الجهات(المعادية) على العراق.
4-عودة النظام السابق بكامل مواصفاته أو بمواصفات معدلة .
5- الانسحاب الأمريكي من العراق مع سيطرة أحد الجهتين على الحكم في العراق أما القاعدة أو الموالون لها أو الميلشيات الطائفية أو تصارع الجهتين على حكم العراق في شوارع بغداد.
6-بقاء التأييد الأمريكي للحكومة الحالية بتشكيلتها المعروفة و ممارساتها السياسية و العسكرية المعهودة و استمرار التدهور بوتيرة أسرع فأسرع .
7-احتمال حدوث أي عارض عفوي أو متعمد من هذه الجهة أو تلك قد يشعل برميل البارود الذي أعد من وقت طويل و يعقب ذلك فوضى لا قبل لأحد أو قوة في السيطرة عليه.
8- بقاء الأمور كما هي حاليا و زيادة التمحور الإقليمي حول العراق حتى يتحول العراق إلى بؤرة ثابتة للصراعات الإقليمية بعناوين مختلفة دينية و قومية وسياسية و اقتصادية و عسكرية و أمنية الخ.
ويمكن استنتاج بضع سيناريوهات أخرى لتوقع القادم في المنظور من الوقت ،و كل ذلك ليس تشاءما أو النظر إلى النصف الفارغ من القدح بل هو واقع حقيقي معاش يوميا،لأن تقرير بيكر تحدث جزئيا أو مر مرور الكرام على أزمة الولايات المتحدة في العراق في الوقت الحالي ، ولكن لم يتحدث مطلقا عن (أزمات) العراقيين وقد قال عنها عفويا الرئيس الأمريكي بوش نفسه( بأنه لا يعرف و لا يفهم لماذا يقتل العراقيين بعضهم البعض).
و يود المرء أن يسأل السيد بيكر أيا من السيناريوهات السابقة تفضل للعراقيين أو بالأصح أيها تعتقد بأنه صائب وقد يقود إلى نتيجة مرضية ، وهذه السيناريوهات و أيا منها متوقعة بدرجة أكبر من أختها هي الممكنات الوحيدة في الساحة العراقية في الوقت الحاضر كما تدل سير الأحداث على ذلك، فأيها يجب على العراقي (الشعب) أن يختار!
منذ خروج تقرير بيكر –هاملتون إلى العلن في 6-كانون الأول 2006 أقل ما يمكن أن يقال عن المواقف الرسمية للإدارة الأمريكية على التقرير و موضوع التقرير أي الحالة في العراق بأنها مواقف متخبطة و التقرير نفسه متخبط من حيث الموضوع و المدخل إليه و المنهج الذي عالج مشكلة البحث و الاستقراء الذي يتوصل إليه التقرير والتوصيات العملية التي يمكن أن تنفذ في أرض الواقع القائم في العراق أو المقتربات الإقليمية للعراق كما يرد في التقرير،وفي الحقيقة قد ترك التقرير العراق وراءه ليبحث بالتفصيل الخطوات التالية اللازمة لمعالجة الصراع العربي-الإسرائيلي ولكن هذا مجرد من باب حملة علاقات عامة لبضعة أسابيع أو شهور لكسب العرب و المسلمين إلى جانب التوجه الأمريكي الجديد في العراق والمنطقة في صفحاته التالية كما يصورها التقرير،و السبب في تخبط المواقف الأمريكية بعد التقرير وهذا التخبط موجود أصلا قبل التقرير هذا بزمن بعيد جدا و هذا الزمن يعود إلى عقود وليس أيام أو شهور أو سنوات،و لمعرفة الحقيقة يجب على المرء أن يعود إلى تسلسل الأحداث ليرى لماذا الآن الولايات المتحدة غارق في المستنقع العراقي ،و باستقراء الأحداث الماضية وهو الواقع الفعلي الآن في العراق :هل إن هناك حقا فرصة باقية للولايات المتحدة لتعكس سير الأحداث و تحول هزيمة شبه محققة إلى نصر عظيم كما وعد و يعد الرئيس بوش وقلة قليلة من أركان أدارته في هذه الأيام،ويمكن الإجابة على مضمون التقرير بعبارة أمريكية صرفة(كان عليكم إلا تتواجدوا في المكان أصلا) من جاء بكم إلى العراق؟ ولماذا جئتم؟و ماذا حقق مجيئكم ؟
7-2
بعد أيام من صدور تقرير بيكر-هاملتون صدر تقرير بريطاني رصين يفيد من بين أشياء أخرى إن توني بلير رئيس الوزراء البريطاني حاول غداة هجوم 11-سبتمبر أن يقنع الرئيس بوش بألا يشن الهجوم على العراق ولكن فشل في مسعاه ، وعكست عليه الآية فمارس الرئيس بوش (غسيل المخ) على توني بلير لإقناعه بالأسباب التي تدفعه للهجوم على العراق، وان دلت هذه المعلومات على شيء فإنها تدل بان احتلال العراق كان في الأجندة الأمريكية وسيق الأسباب المختلفة و المتناقضة لمجرد استكمال السيناريو و لإقناع الآخرين بها ،ورغم ذلك قد تكون معلومات هذا التقرير البريطاني (عتيقة) بعض الشيء ما كان يدفع بوش أو على الأصح أمريكا لاحتلال العراق أسبابه و عوامله و عناصره أقدم بكثير من أحداث 11-سبتمبر ،بل إن هذه الأحداث كانت مجرد مشهد و ليس فصلا كاملا من مسرحية أمريكية صرفة تأليفا و أخراجا و تمثيلا.
يقال دائما العبارة المشهورة(التأريخ يعيد نفسه)و قد تصح هذه العبارة لدخول في المناقشة الراهنة لما آل إليه مصير التدخل الأمريكي في العراق ،ففي منتصف سبعينات القرن الماضي وبعد الهزيمة الأمريكية في فيتنام تلك الهزيمة التي كثيرا ما ذكرت في السنوات القليلة الماضية بعد التدخل الأمريكي في العراق ،في ذلك الوقت و بعد أن بدا في أوربا بأن الحدود ما بعد الحرب العالمية الثانية قد اتخذت شكلا ثابتا و خاصة بعد مؤتمر التعاون و الأمن الأوربي الأول في هلسنكي ،وقبل هذين الحدثين كان حدثين آخرين في أوائل السبعينات وهما حرب تشرين و أزمة الطاقة التي أعقبت الحرب وما أعقب هذين الحدثين من تغير العلاقات بين منتجي النفط و معظمهم عرب أو مسلمين و مستهلكي النفط و أغلبهم دول غربية أو موالية للغرب،فبدا إن الاستراتيجيات القادمة قد انتقلت إلى الشرق الأوسط و أسيا الوسطى حيث (منابع البترول)، ولهذه الاستراتجيات مركز اهتمام واحد هو النفط فقط مع ملاحظة وجود عدة محاور ومشاكل متعصية في هذه المنطقة، بالطبع في مقدمتها الصراع العربي –الإسرائيلي غير إن محورين لمركز القوة الإقليمية في المنطقة كانتا تقضان مضجع الولايات المتحدة ، العراق و إيران ، وكلتا القوتين كانتا في تنامي مستمر في ذلك الحين مع ملاحظة بأن كلتا القوتين كانتا تبنيان ترسانات عسكرية واسعة مع طموحات واضحة للحصول على حلقات متقدمة من السلاح مثل الصواريخ و الأسلحة الفتاكة و ربما حتى الأسلحة النووية،و كانت القوة الإيرانية بقيادة الشاه محمد بلهوي أكثر جموحا نحو التفرد و نشدان دور إقليمي خاص بها حتى بمعزل أو ضد أرادة الدول الكبرى و خاصة الولايات المتحدة الأمريكية،فدخلت الولايات المتحدة في ذلك الوقت على خط استغلال ما نسميه (لعبة الإسلام السياسي) فأسقط نظام الشاه بطريقة كانت(خرابيش) أصابع الأمريكية واضحة فيها ،و قد أورد الشاه في مذكراته كيف أسقط من قبل أمريكا، و أيضا آخرون من المراقبين و الصحفيين و الدبلوماسيين و كبار سياسيين أشاروا إلى هذه الوقائع ، وبذلك خرجت إيران في ذلك الوقت من الساحة كقوة إقليمية نامية و دخلت الحرب مع العراق فأخرج العراق أيضا من هذه الخارطة وقضى البلدان وقتا (ممتعا) في حرب دام ثمان سنوات ،كان خلاله يجري التداول في الغرب على مدار الساعة بأن أيا من القوتين العراقية أو الإيرانية يجب إلا تتفوق على الأخرى لتنتصر في الحرب أو تضعفان بشكل يفتر عزمهما فيوقفان الحرب تلقائيا أو أجبارا ، لذا استمرت الحرب العراقية –الإيرانية لمدة ثمان سنوات بكل ضراوة وهذه حالة نادرة في التاريخ،ولكن في النهاية أرتئ بأن يكون العراق المنتصر في الحرب لأسباب سيأتي ذكرها.
عشية انتهاء الحرب العراقية –الإيرانية في أب-1988 ولا زالت الاتفاقيات التي توصلت إليها مؤتمر الأمن و التعاون الأوربي الأول لم تجف حبرها، تلك الاتفاقيات التي ثبتت حدود ما بعد الحرب في أوربا بدأت عواصف التغير تهب على أوربا بعد أن كانت رياح خفيفة أعقبت حادث انفجار المفاعل النووي الأوكراني(السوفيتي) في تشرنوبيل، ذلك الحادث الذي بين بوضوح التركيب الهش للنظام (السوفيتي) و استمرت تلك العواصف تهب قوية إلى ما انتهت إليها في الأحداث المعروفة في انهيار الاتحاد السوفيتي و منظومتها من الدول الموالية لها في أوربا و خارج أوربا فخلال الفترة الممتدة من انتهاء الحرب العراقية- الإيرانية و دخول صدام الكويت في أب-1990 تغيرت خارطة العالم كليا في مناطق منها جغرافيا مثل أوربا وفي باقي المناطق على معظم الأصعدة، انتهت الحرب الباردة و أصبح نظام اقتصاد السوق هو النموذج السائد و اختفت دول من خارطة العالم لتظهر دول أخرى، كل هذه التطورات كانت للولايات المتحدة اليد الطول في أحداثها و قيادتها و كانت المستفيدة منها ،وبعد هذه التغيرات الجذرية هي نفسها الولايات المتحدة سمت العالم ما بعد هذه التغيرات ب(النظام العالمي الجديد) و عر ف باسمه الأخر (العولمة) ،وكان المبدأ الأساس ل(النظام العالمي الجديد) هو حق تقرير المصير للدول و الشعوب و القوميات و الأديان و ألأقليات الخ،فيما سنرى بعد هذا التاريخ ولأكثر من عقد من الزمن ترد الولايات المتحدة و بعمل معاكس لمبدأ حق تقرير المصير قانونيا و سياسيا و دبلوماسيا و عسكريا وبتناقض صارخ مع سياق التأريخ لتحتل دولتين مسلمتين مستقلتين منذ أكثر من خمسين عاما هما أفغانستان و العراق لتضاف مشكلتهما إلى أجندة مشكلات الولايات المتحدة (الإسلامية) و خاصة مشكلة فلسطين.
بعد أحداث التغير في تسعينات القرن الماضي في أوربا وخارج أوربا تأكد حقيقة الإستراتيجية التي توضح أولى ملامحها منذ أواسط السبعينات وهي حقيقة كون الطاقة ستكون العامل الاستراتيجي رقم واحد في تنظيم شؤون العالم و تحديد ملامح القرن المقبل(الواحد و العشرين) و الذي كان على أبواب الأطلال،ولكن ربما يصح القول بأن الولايات المتحدة التي هي نفسها إلى حد كبير كانت العامل المحرض و المحرك والقائد لأحداث التغير في مطلع تسعينات القرن العشرين فتغير العالم ونظامه،ولكن الولايات المتحدة هي نفسها لم تتغير مع هذا التغير بقدر قيد أنملة،بل و تراجعت إلى (عقلية) ليست تعود إلى ما قبل التغير فحسب بل تعود في جوهر منطقها إلى (عقلية) ما قبل الحرب العالمية الأولى1914- 1918 كما سنرى فيما بعد في غزوتي أفغانستان و العراق وما أعقبهما .
كون حقيقة بأن الحرب الباردة بين الكتلة الغربية أو الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و الكتلة الشرقية أو الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي(السابق) دامت لما يقارب نصف قرن و كان كل شيء تقريبا عبر العالم بأسره موقوت على تلك النغمة،و فجأة انقطعت تلك النغمة فلا بد إن أي حجر سوف لن يبقى في مكانه فهناك حدث( تسونا مي ) تغير،و أنقلب مسار الأحداث في العالم بأسره وما كان محرما قبل ذلك بات مألوفا في الظروف الجديدة التي ولدتها عاصفة التغير عبر العالم بأسره،وبالطبع فأن الاستراتيجيات الكبرى كان و لابد أن تصيبها التغير فحدث عدد من التطورات منها على سبيل المثال لا الحصر تبلور مشروع الاتحاد الأوربي وتغير أساسي حدث في الصين بأن اتجهت ضمنيا وتقريبا شبه كلي نحو تبني اقتصاد السوق بل والاقتصاد الرأسمالي ولم تعد حمى التسلح و التسلح النووي و الرغبة بالمغامرات العسكرية تشغل بال القوى أو الدول الكبرى و حلت بطريقة أو أخرى عدد من النزاعات المحلية و الإقليمية ومع هذه التطورات كان هناك التطور المهم الذي حدث لمفهوم حق تقرير المصير،وحدث توسع هائل في السوق الدولية على مختلف الأصعدة الصناعية و التجارية و المالية الخ،في الوقت التي كانت تطورات علمية و تكنولوجية مهمة حبيسة إستراتيجيات الحرب الباردة أطلقت فحدث تطور عظيم في المواصلات و الاتصالات و الأعلام و المعلوماتية ،وتقريبا كل القوى الكبرى زحزحت إستراتجيتها من حيث المضمون و الشكل بل أجبرت على ذلك بشكل واضح لأن العالم أثناء الحرب الباردة بات غير العالم بعد انتهاء الحرب الباردة ،إلا الولايات المتحدة بل احتفظت بكامل منظومتها النووية و العسكرية وحالة التعبئة و كانت في الماضي تواجه القوة (السوفيتية ومنظومتها سياسيا و عسكريا) فتردعها عن بعض المغامرات،فأن في الظروف الجديدة لم تعد أحد يقف في طريقها و حتى نصائح أقرب الحلفاء(فرنسا و ألمانيا) لم تعد مجدية كما شهد ذلك في النصائح و المعارضة الفرنسية –الألمانية قبل غزو العراق و نصائح بريطانيا(الخجولة) كما كشفت النقاب عنها في عدة مناسبات،و كل ذلك لسبب منطقي بسيط فأمريكا استمرت على نفس إستراتيجيتها التي وضعت لبناتها في أوائل السبعينات وهي تنص بضرورة أن تسيطر الولايات المتحدة على (منابع البترول) في الخليج و الشرق الأوسط و أسيا الوسطى لتبقى القوة العظمى الأولى في العالم و بسقوط الاتحاد السوفيتي (السابق) بات هذا الهدف أكثر إغراءا و سهولة حسب الإستراتيجية الأمريكية بل وحسب(عقلية) الأمريكية أذا جاز التعبير.
يمكن القول أنه بعد زوال الاتحاد السوفيتي (السابق) و انتهاء الحرب الباردة و استقرار الفكر الأمريكي عند إستراتيجية كون النفط وخاصة ما موجود منه في الشرق الأوسط و أسيا الوسطى حيث المخزون الرئيسي في العالم موجود في هذين المنطقتين، فتم التفتيش عن أيجاد الخصم أو الخصوم الجدد ،كمدخل لدخول المنطقة و التواجد الدائم فيها بغية التحكم في العالم كما كانت تشير أراء أغلب المفكرين الأمريكيين و خاصة من ذوي نزعة التي وصفت بالمحافظين الجدد وكان هؤلاء لهم أدوار من وراء الستار حتى قبل رجوع الحزب الجمهوري إلى قمة هرم السلطة في الولايات المتحدة ،و تم تطوير فكرة بأن الأداة ستكون (الدين الإسلامي) و الجانب (القومي العربي) وهما الأداتان المفضلتان في المنطقة لتحريك حتى ما لا يتحرك في المنطقة ،فطوال تسعينات القرن الماضي جرت مهزلة طويلة و هيأ أو ظن بأن المسرح قد هيأ لتجتاح الولايات المتحدة المنطقة عبر بوابتي أفغانستان و العراق ،فكل الأحداث اعتبارا من انتصار صدام على إيران في الحرب العراقية –الإيرانية و إصابة صدام بداء غرور القوة و اجتياحه الكويت و البقاء فيها و هزيمته في الحرب و إنقاذه من السقوط في الثورة الداخلية(الانتفاضة)و كل مسرحياته المضحكة –المبكية في جولات أخفاء ما وصف بأسلحة الدمار الشامل و رجعات الأمريكية في ضربه و الحصار الاقتصادي المحكم و إلى إسقاطه ،كل ذلك جرى على أمل إن يصل العراق و العراقيين إلى حالة سيستقبلون فيها القوات الأمريكية المحتلة بالهلاهيل و توزيع الحلوى ،و كانت هذه النظرية صحيحة مئة بالمائة و خاطئة ألف بالمائة كما سنرى.
7-3
ولو تتبعنا مسار الأحداث منذ الأحداث الثلاثة المتقاربة وهي انتهاء الحرب العراقية –الإيرانية و بعده مباشرة انتهاء الحرب الباردة و من ثم زوال القطب الثاني من التمحور الدولي الذي كان قائما لمدة نصف قرن تقريبا وبعدها احتلال صدام للكويت كانت الأهداف الأمريكية تتحرك و غير ثابتة ولو إعلاميا ولكن من ناحية الإستراتيجية كانت ثابتة كل الثبات ، و موضع السؤال الأول كان صدام على وشك السقوط في الثورة الداخلية التي أعقبت الهزيمة في الكويت ولكن أمريكا و أمريكا وحدها لم تسمح في ذلك الوقت بسقوطه ، ببساطة كانت الأجواء تهيأ لمخطط أوسع لم يكن صدام هو نفسه بل حتى سياسته بالشيء ذي وزن في المعايير الأمريكية و الآن يعترف من قبل عشرات مصادر البريطانية و الأمريكية بأن صدام لم يكن يمثل أبدا بالخطر الذي صور به لا تكتيكيا و لا استراتيجيا و لا ميدانيا، فصور كل شيء ألاف المرات أكبر من حجمه بل صور أشياء لم تكن في الواقع موجودة (أسلحة الدمار الشامل و العلاقة مع القاعدة) و كانت الإدارات الأمريكية (تعرف) ذلك ولكن سيقت كمبررات لغزو العراق بل وحتى كمبررات لغسل أدمغتهم هم أنفسهم قبل غيرهم فكذبوا ثم صدقوا كذبهم و الآن يحصدون ما زرعوا.
ليس (القاعدة) أول حركة في الإسلام و حتى خارج النطاق الإسلامي تتخذ طابع العالمي أو الإقليمي بمعنى إن أهدافه يشمل أكثر من قطر (الدولة) فهناك في الماضي و الحاضر عشرات الأحزاب و الحركات تملك هذه الصفات منها على سبيل المثال لا الحصر الأحزاب الشيوعية و أخوان المسلمين و حزب البعث و بعض الأحزاب لقوميات مثل الكرد و أديان مثل المسيحية و مذاهب مثل الشيعة تتخذ طابع الانتشار في أكثر من قطر عربي أو أسلامي أو عالمي ، و هذا شيء معهود لا اعتراض يذكر عليه، بمعنى لا يمكن لمسلم أينما كان و من أية قومية أو بلد أن يندد بحركة تدعو إلى أحياء الإسلام و الخلافة وحتى الجهاد بمعنى معقول ،أي إن تكون هذه الحركة وصلت إلى السلطة في مكان ما و بنت نموذج لدولة أسلامية يمكن إن تحتذي كما فعل الرسول محمد(ص) في مدينة المنورة بعد هجرته إليها،ولكن إن تخرج حركة من غياهب (مشبوهة) و تكفر معظم المسلمين و تريد ببساطة أن تسلم العالم ما لم يفعله الرسول محمد(ص) و الخلفاء الراشدين من بعده في الوقت الذي يتبع أشد الطرق و الوسائل قسوة ضد المسلمين قبل ما تسميهم الكفار و الصليبيين،فمثل هذه الحركة لا يمكن توقع النجاح لها مطلقا ،الآن ليس العربي أو المسلم في كثير الحاجة إلى نبش ملف معلومات القاعدة ،فخلال السنوات القليلة الماضية كشفت أوراق كثيرة بل معظم أوراق هذه الحركة من قبل المصادر الغربية نفسها ، ولكن ما يهم العراقي من هذه الحركة هو ليس حقها في أن تقاتل القوات الأمريكية المحتلة للعراق ، فقد سبقت هذه الحركة قتال مئات ألاف من مقاتلي عشرات الحركات و ألأحزاب و مستقلين من(المجاهدين) في أقطار أخرى غير بلدهم على سبيل المثال لا الحصر قتال البعثيين و الشيوعيين و الناصريين في فلسطين و انتقال مقاتلي الأحزاب الكردية بين الدول التي تقطنها الأكراد و قتال عشرات الآلاف المسلمين من جنسيات مختلفة القوات السوفيتية في أفغانستان بما فيها زعماء القاعدة أنفسهم ،لأن في كل هذه الحالات التي ذكرت و الحالات المشابهة لم تذكر كان ما يجمع بين المقاتلين هو الهدف المشترك ،ولكن هذا الهدف كان دائما و أبدا لصالح البلد أو القطر أو المنطقة التي استضافت المقاتلين و المعني مباشرة (سياسيا و عسكريا و فكريا و تنظيميا) بالقتال القائم و ليس مثل ما تتبناها القاعدة الآن في العراق بأن هدفها ليس أخراج القوات الأمريكية من العراق فحسب بل أقامة دولة أسلامية كمقدمة للانتشار في المنطقة و العالم لإقامة الخلافة الجديدة كما تتدعي القاعدة، ولكن المسألة القائمة في العراق قد لا تحتاج كل هذه الأدلة و البراهين العقلية ،فالأجهزة الأمريكية و قبل ما يقارب عشر سنوات من أحداث سبتمبر-2001 عرفت العالم بجهة تدعى القاعدة ،وهي نفسها أقرت على نفسها بأنها كانت تستطيع اعتقال أو قتل زعماء القاعدة في وقت مبكر ولكن لم تفعل وهي نفسها أقرت بأنها كانت تعرف خطر القاعدة داخل الولايات المتحدة ولكن تجاهلت التحذير و هي نفسها أقرت بأنها كانت تعرف بأن ألأدلة التي تربط صدام أو العراق بالقاعدة كانت واهية أولم تكن موجودة أصلا، و رغم ذلك قيل في عشية أحداث سبتمبر و قبل أجراء التحقيقات بأنه يجب غزو العراق و بعد سنتين من الأحداث و انتهاء التحقيقات و بدون وجود أدلة تربط العراق بالقاعدة ومن ثم بأحداث سبتمبر غزي العراق وكرر بأن (يشتبه) لصدام علاقة بالقاعدة،و بعد الغزو هي نفسها الأجهزة الأمريكية التي عرفت العراقيين على (الزرقاوي) و هي نفسها تابعت الزرقاوي و قيل عشرات المرات بأنها حصرت كذا و قتل مساعده كذا و عثر بحوزته مخطط طائفي و بوشر بهذا المخطط منذ ما يزيد عامين و القوات الأمريكية في العراق تتفرج متى يبدأ الانشقاق و التقتيل بين العراقيين حتى يصل البيت الواحد، و الآن حان الوقت للسيد بيكر و لجنته و سيده بوش بأن يعلنوا بأن العراق يحترق هل من منقذ لأن في هذه الحالة الولايات المتحدة حوصرت وسط النيران ليس عسكريا فقط بل سياسيا و دبلوماسيا و أهم من كل هذا أخلاقيا و تاريخيا لأنها بالفعل دمرت بلدا و شقت و شردت شعبا كان أمنا لا ينقصها شيء لديه خيراته ولكن أحد ألعوبات ألأمريكية (صدام) أوصلته إلى مأزق فجاءت الإنقاذ الأمريكي لتنزله هذه المرة إلى الجحيم.
جدير بالمرء أن يسأل نفسه و إذا جاز أن يسأل لجنة السيد بيكر و إذا جاز أكثر أن يسأل الولايات المتحدة و رئيسها بوش: لماذا حضرتم إلى العراق وماذا حققتم و هنا الأسئلة:
1-أسلحة الدمار الشامل لم تعثروا عليها باعترافكم، و باعترافكم كنتم تعرفون بأنها غير موجودة.
2-علاقة صدام أو العراق بالقاعدة لم تكن موجودة باعترافكم قبل غزو العراق و بعده .
3-و ألأهم من هذين العاملين الظاهرين فأنكم في تقرير بيكر تطلبون من قمة الإدارة الأمريكية المتمثلة بالرئيس جورج بوش إن يعلن بوضوح إن الولايات المتحدة لا تطمع مطلقا بالنفط العراقي و لا تريد أقامة قواعد عسكرية في العراق.
4-وفي تقرير بيكر ما يشير بوضوح بأن الولايات المتحدة ليس من هدفها تفكيك العراق و تشريد شعبه و حدوث الحرب الأهلية بين مكوناته .
5- إذا الهدف كان أحلال (الديمقراطية الأمريكية) في العراق كما يتندر العراقيين هذه الأيام كلما تعثروا بجثة أو رأوا جثث مكبلة الأيدي و مشوهة الأجسام في شوارع أو مكب النفايات في العراق.
فلماذا حضرتم إلى العراق بحق الجحيم؟

7-4
من الممكن نسيان كل ذلك و لنبدأ من الصفر، ليس للولايات المتحدة دخل فيما يجري في العراق ، فالولايات المتحدة حديثة العهد بالعراق و لا يمكن تحمليها وزر تاريخ يمتد لسبعة الآلاف عام ،فالعراق أقدم دولة وجدت في العالم على الإطلاق،و قبل صعود الأمريكي على خط (العراق)، كانت في العراق صراعات داخلية قبل الحضور الأمريكي المكثف إلى العراق ابتدءا من الحرب العراقية –الإيرانية وصعودا بالدخول العراقي في الكويت و ما تلي ذلك من الأحداث المعروفة و كانت عدد من الصراعات العراقية الداخلية موجودة أصلا قبل نظام البعث و حكم صدام بل موجودة في قسم منها قبل تشكيل الدولة العراقية الحديثة بعد السقوط العثماني و احتلال البريطاني و تأسيس الدولة الملكية العراقية في عام 1921،و في مقدمة هذه الصراعات المشكل الكردي و الدور الشيعي ،وليس بالمرء حاجة ليعيد استعراض كل ما سبق فتاريخ العراق الحديث معروف ،ولكن يمكن استخلاص خلاصة موجزة وهي أن الحركة الوطنية و القومية و الديمقراطية و الإسلامية في العراق موجودة ولم تجدها أو تستحدثها التوجه الأمريكي نحو العراق ،وكانت المطالب الرئيسية لهذه الحركة لم تكن سياسية صرفة بمعنى صراع أحزاب المختلفة للوصول إلى السلطة ،بل كانت مطالب قومية في منظومتها الكردية و مذهبية في منظومتها الشيعية و المنظومتين المشار إليهما كانتا تتدخلان مع منظومات أخرى منها مثلا منظومات السنية بل هذه المنظومات جميعا تتفاعل و تتعاون و تتضامن في معظم الأوقات والثورات والانتفاضات و الوثبات العراقية معروفة بدءا من ثورة العشرين، و كثيرا ما كانت تتبنى المنظومات العراقية السنية و الشيعية و الكردية مطالب بعضها البعض ،فالمنظومة الكردية كانت تتبنى مطالب الشيعة في عدم تهميشهم و المنظومات السنية المعارضة كانت تتبنى المطالب القومية المشروعة للكرد و هكذا في كل هذا لم تكن هناك صبغة (طائفية) تصطبغ الأحداث ، فالكرد لم ينظروا إلى صراعهم مع الحكومات العراقية المتعاقبة على أنها صراع مع (العرب) و كذلك (الشيعة) على إن صراعهم مع (السنة) لأن قسم كبير من (السنة) كانوا منغمسين في صراع مع هذه الحكومات لأنها ببساطة كانت حكومات ديكتاتورية و تحرم الجميع من الفرص المتساوية و كانت قسم الأعظم من هذا الحرمان يقع على الكرد و الشيعة،ولكن رغم ذلك فأن استمرار الحكومات العراقية المتعاقبة في حكمها الديكتاتوري و بطشها كان ليس بسبب دهاء هذه الحكومات وقوة ألتها القمعية أو المساندة الخارجية لها فحسب، بل أيضا بسبب ضعف الحركة الوطنية و القومية و الديمقراطية و الإسلامية في العراق ،و الصراعات بين أطراف الحركة الوطنية و القومية و الديمقراطية و الإسلامية في العراق معروفة ،و قد وصلت هذه الحركة في أواخر الثمانيات القرن الماضي إلى درجة اليأس في قدرتها على تغير الوضع في العراق في أي اتجاه كان، غير إن (حماقة) دخول صدام في الكويت فتحت لها أفاق لم تكن تحلم بها ،وليست هناك حاجة لاستعراض ما حدث بالضبط في انتفاضة 1991 ،و لكن الخلاصة تقول بأن فشل الانتفاضة و استمرار صدام في الحكم يتحمل مسؤوليتها في جزء كبير منه أطراف الحركة الوطنية و القومية و الديمقراطية و الإسلامية في العراق ،و ساد شعار يائس في العراق بعد الانتفاضة يقول (قمع صدام و لا فوضى الانتفاضة).
إن البلبلة التي أعقبت التدخل الأمريكي في العراق وإسقاط نظام صدام لم يكن من الفراغ، و ستستمر لفترة طويلة و ربما قد تكون معضلة للمؤرخين، فرغم كل المداخل و الأسباب أو بالأحرى السبب الوحيد الذي سيق وهو في الواقع مرجع السياسة و الإستراتيجية الأمريكية في العراق وفي المنطقة أي النفط وكان هاجس (احتلال أبار النفط في الشرق الأوسط و أسيا الوسطى) هو الكابوس المسيطر على (العقلية ) الأمريكية و شاءت الصدفة التاريخية أو حتميتها أن تحدث مجموعة تطورات في العقود الماضية تغذي هذا الهاجس و بعضا من هذه التطورات كانت للإدارات الأمريكية دور رئيسي في استحدثها لاكتمال السيناريو الذي كان يجول في العقلية الأمريكية ، و لو تتبع المرء صناعة الأعلام الأمريكي و هي مؤسسة غير منفصلة أبدا كما تبدو للوهلة الأولى عن المؤسسة الصناعية-العسكرية-السياسية الأمريكية، يجد بأن هناك عشرات الأفلام التمثيلية و المسرحية و الوثائقية و الإخبارية و الكارتونية و الكومبيوترية في العقود الثلاثة الماضية تتحدث بصورة مباشرة و غي مباشرة عن مثل هذا السيناريو ،و عادة في أمريكا المواضيع (الخيالية) تروج للتمهيد للمواضيع الحقيقية في الواقع ، و ليس صحيحا بالمرة بأن أمريكا تريد التواجد في الشرق الأوسط و أسيا الوسطى أو تحتل أو تحاول أن تحتل بعض دولها لمساندة إسرائيل، فإسرائيل أوجدت لتخدم المصالح الغربية و حسب النظرة الأمريكية فهذه المصالح هي (أبار النفط) الآن ،و نفس الفكرة ينطبق للرد على من يقولون بأن أمريكا تريد التواجد في المنطقة لمحاربة (الإسلام) وهذا صحيح في مدخل واحد فقط ،وهو إن أمريكا أو حتى الغرب لا تريدان محاربة الإسلام لذاتها و خاصة في هذه المرحلة من التاريخ ،ولكن محاربتهما للإسلام من منطلق أنه أحد الأسلحة القوية في يد العرب و المسلمين فضرب العرب و المسلمين في مصدر قوتهم لتحقيق الهدف الاستراتيجي(النفط) في المنطقة ليس إلا ،و قد سبق القول (بنسيان كل ذلك) و هذه مقولة ثبت خطأها ،أي بنسيان إن أمريكا جاءت إلى أفغانستان و العراق من أجل التمهيد للسيطرة على (أبار البترول في الشرق الأوسط و أسيا الوسطى) طوال القرن الواحد و العشرين أو على الأقل في نصفه الأول لأن أكثر التوقعات تفاؤلا تتوقع نضوب بترول العالم مع نصف الأول من القرن الواحد و العشرين،و ترك الموضوع جانبا و التعامل مع جانب التكتيكي أو النتائج التكتيكية للغزو الأمريكي للعراق، أي عملية إسقاط صدام من الحكم و حدوث تغير جذري في العراق كانت القوى الوطنية و القومية و الديمقراطية و الإسلامية العراقية تتطلع إليه بشغف منذ عقود ،فجاء التغير على طبق من الذهب،فكيف تصرفت أمريكا و القوى العراقية و قوى الداخلية و الخارجية في الشرق الأوسط مع هذا التغير، لأن نتائج الرد الفعل هذه هي الحصاد المر التي يتجرعها الآن العراقيين و معهم أمريكا نفسها و ربما قد تنتقل في بعض فصولها في القريب إلى الجوار الذين توسعت أشداقهم من الضحك على حال العراق.
7-5
ليس للمرء حاجة في استعراض كل الأقوال الأمريكية حول معضلتهم في العراق وقد ورد بعض الأوصاف (الأمريكية) في بداية هذه السطور،أما عن السلوك الأمريكي في العراق فورد أوصاف عنها من الأمريكيين أنفسهم مثل (ارتكاب ألاف الأخطاء) و (العجرفة) و(الغطرسة) و (الغباء) و (الجهل) و(الأجرام) و(الافتقار إلى المعايير الأخلاقية)وهذه العبارة في المعايير الأمريكية تعني (الوحشية و القسوة المفرطة) و (الافتقار إلى المصداقية) وعشرات الأوصاف الأخرى و هي لمسئولين أمريكيين في أعلى المستويات السياسية و العسكرية و الدبلوماسية و المخابراتية السابقة و الحالية .
إن الأخطاء الأمريكية في العراق معروفة كميا أو عدديا أذا صح التعبير ،ولكن ربما نوعيا لم يجذب إليها الانتباه كثيرا من بين هذه الأخطاء:
1-محاولة تطبيق معايير (الديمقراطية الأمريكية) بحرفيتها في العراق و هذه تعتبر من أفدح أخطاء السياسة الأمريكية في العراق و ربما هي السبب في أغلب الكوارث الذي حدثت للعراق و للقوات الأمريكية خلال السنوات الثلاث الماضية .
2- كان الهدف الأمريكي و ربما لا زال أزلة العراق كدولة وقوة إقليمية رئيسية مع أبقاء العراق كدولة (قزمة)،والنظرة الأمريكية استندت إلى الهدف من مجيء القوات الأمريكية إلى العراق و تغافلت حقيقة إن العراق هي قوة إقليمية منذ زمن بعيد وشرط للتوازن و تقزيم العراق إلى حد الضعف و الشلل ستطمع قوى أخرى في لعب دور إقليمي أكبر بل ربما أخطر على التوازنات في المنطقة و ربما تهدد السلام و الأمن في العالم بجمعه،وهذا ما حصل مع تنامي و تطرف القوة الإيرانية بل و تشجع تركيا في اتخاذ دور إقليمي متشدد إن لم نقل متطرف ، و نفس الشيء ربما ينطبق على داخل العراق فبناء الأمريكي لدولة (عراقية)مهلهلة بعد الاحتلال عظمت من شأن القوى غير الشرعية بمختلف تسمياتها ،بل وحتى القوى الشرعية نفسها لا تحترم وجود الدولة وكلا يعمل ما يحلو له كما يشاهد ذلك بشكل يومي .
3-وربما بالأساس بسبب أولا، تعاملت القوات الأمريكية و قياداتها السياسية و الإدارية مع القوى العراقية بدون التميز بين الصالح و الطالح ،و شجعت و رحبت بقوى أو أشخاص ( طفيليين) و(فاسدين) و (متطرفين) و (صبيانيين) و (شوفيينيين) و (عميلة) و(حاقدة) و (انفصالية ) الخ ،فأعطيت فرص متساوية إلى الجميع دون النظر إلى ما يحدث بعد ذلك لأن المطلوب كان بناء دولة (ضعيفة)،و أستمع إلى مشورة هؤلاء و أولئك من قبل القوات الأمريكية دون إن تعرف دوافعهم أو مدى مصداقيتهم و دون أن تميز أمريكا الصالح و الطالح من تلك الاستشارات فكانت النتيجة هي (الخبطة العجيبة) الحالية التي تقول أمريكا بأنها (العراق الجديد).
4-و لضعف الخبرة الأمريكية بالعراق و سوء المشورة التي قدمت إليها،تم التعامل مع الوضع العراقي و كأن العراق من أشد البلاد فقرا و تخلفا من جميع النواحي ،و زعم بأن كل شيء بدأ ببنائه في العراق بعد الاحتلال الأمريكي و ما كان موجودا محي عن عمد لإثبات هذه الدعوة الباطلة.
5-وكجزء من سياسة تقزيم العراق شد مكوناته بعضهم ضد البعض في حالات كثيرة عن عمد وفي حالات أخرى عن جهل و خطأ ،ولم يرعى مطلقا حقيقة كون العراق سفينة خرقت قاعها و تخوض بحر عباب و غرقها ستغرق كل مكوناته لا نجاة لطرف دون أخر.
في الشارع العراقي مقولة قديمة و متداولة و شعبية تردد كلما وقع العراقيون في كوارث و محن وهي كثيرة بل مستمرة عبر تاريخ العراق بشكل تكاد تكون يومي و على مدى القرون ،و هذه المقولة تقول (إحنا السبب) ربما تلخص الداء و الدواء، لأن كلمة (أحنا)و ويعني (نحن) المقصود به مجموع الشعب في العراق ،و ربما هذه المقولة أصدق شيء تنطبق على حالات العراق و ليس تقرير بيكر و لو قيست عبارته بالذهب و الياقوت كما يقول العراقي أيضا،و كلمة نحن يشمل الجميع و لنبدأ من (المرحوم) الذي لم يصفر لون كفنه بعد ، لماذا أوصلنا و العراق إلى نقطة الاحتلال الأمريكي، ليس هناك سبب معقول كان يدفعه إلى كل الذي فعل ، أضاع عشرين عاما في الحروب و القلاقل و كان بيده السلطة و القوة و المال و كان يستطيع أن يصلح بدلا أن يدمر،و رغم ما سبق من القول في الأهداف الأمريكية في العراق فان نظام صدام سقط و زال ،ومن كان (معارضا) و(مقاوما) و (عدوا) و (خصما) الخ ،لصدام جاءوا إلى الحكم على طبق من الذهب ، و كان لهم الخبرة و الدروس المريرة لتاريخ الحركة الوطنية والقومية و الديمقراطية والإسلامية العراقية تمتد لنصف قرن ،و كانت كل الدلائل تبشر بأن هذه ستكفي وكلا يجلس إلى عقله بعد اليوم و يعرف واجبه و حقوقه ،و خاصة في هذه المرحلة من التاريخ بعد إن سبقنا شعوب عديدة في العشرين السنة الماضية في الوصول إلى(حلول) وطنية تستند إلى مبادئ القانون و حقوق الإنسان وحق تقرير المصير الخ، ولكن ما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية و ما قد سيحدث وهو حادث بالفعل خلال الأسابيع و الشهور القليلة القادمة تثبت بأن الحركة الوطنية و القومية و الديمقراطية و الإسلامية العراقية ليست بعدها في طورها (الصبياني) فحسب بل يمكن القول بأنها في الطور (الجنيني المشوه)، طبعا كلا يقول لست أنا ، ولكن ليس بينهم من بريء من دم (يوسف)،بما فيه (الشعب) نفسه،لماذا سكت؟ لمن يصفق ؟ من انتخب؟من مثله الأعلى ؟إلى متى يسكت؟
يكثر الجدل في هذه الأيام بعد أن غلبت الصفة (الطائفية )لما قد يسمى الباقي من الدولة العراقية بأنه كانت الدولة بصفتها الرسمية في العهد السابق أو العهود السابقة كانت كذلك (طائفية) ،ولكن حتى أشد (الطائفيين)في الوقت الحاضر لا يستطيعون نكران بأن الصفة الطائفية هذه وفي أمقت صورها لم يعرفها العراق في كل العهود السابقة بما فيها عهد النظام السابق ،و ليكن الجدل أكثر صراحة ،كانت هناك في العراق في كل العهود السابقة نوع من (الطائفية) المخفية ،بمعناها الواسع أي التميز على أساس القومية و الدين و المذهب والانتماء ألمناطقي و العشائري الخ،ولكن هذا التميز كان يطبق على أساس السياسي و الإداري ،أي على مستوى توزيع السلطة و المناصب و الموارد ومدى الولاء للنظام الحاكم الخ،ولم يكن يطبق مطلقا على أساس الديني و الانتماء الشخصي و لم يعرف العراق عبر أكثر من ألف عام من تأريخه القتل على الهوية أو فصل المناطق الجغرافية على أي مستوى على أساس الهوية (الطائفية)،و طوال عهود الدولة العراقية الحديثة ابتداء من تأسيسها في سنة 1921 كانت تزيد الفرص يوميا لمشاركة أكبر لمختلف الانتماءات العراقية في المشاركة في السلطة و المنافع،و رغم إن أي منصف لا ينكر بأن حكم صدام ربما كان أسوأ فترة للممارسة (طائفية) واضحة في العراق ،ولكن هذا الحكم نفسه لم يتبع مطلقا الممارسات مثل الممارسات الحالية ،فقد كان جري قمع (انتفاضة) الشيعة في جنوب العراق و الأكراد في الكردستان بأشد الأساليب وحشية ،ولكن في نفس الوقت الدولة توزع المواد الغذائية وتعطي رواتب الموظفين و لا شأن لها بما تعتبرهم أبرياء لا علاقة لهم بالانتفاضة ، بينما ما يجري في عراق اليوم يرتقي إلى صنف (الإبادة الجماعية)و القتل على (الهوية).ولكن هل جاء من جاء بعد النظام السابق لمكافحة هذه الصفات التي كانت تتهم بها النظام السابق أم ليبدأ من حيث انتهى النظام السابق ،و لولا تقرير بيكر –هاملتون و الإنذارات و المهل الأمريكية لها فأن الحكم الحالي في العراق ربما قد يعاني أما من (الغفلة) أو (غسيل المخ) أو لا يعرف بماذا يسمى حاله، بينما أنهار من الدماء العراقية تجري و كل يوم تنفصل مناطق جديدة من قلب الوطن على شكل تجمعات (طائفية) و محافظات و مدن وضواحي بأكملها ليس للدولة أية دالة أو سيطرة عليها من الناحية السياسية و العسكرية و الأمنية و الحياتية ،ولهجة الدولة و كأن كل شيء بخير ، بينما دولة أصبحت جزءا لا يتجزأ من (الميلشيات الطائفية)،و فاقت الأساليب القذرة لكل أنظمة العهود السابقة في العراق و غير العراق و نزلت هي(الدولة) و (الإرهابيين و التكفيريين) في منافسة أيا منهما سيكون أساليبها أقذر.
ليس الآن بل منذ زمن بعيد ربما حتى قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة في 1921 و كما نٌقرأ في التاريخ ، كانت هناك في العراق مشكلة قائمة و هي وجود مكونات عديدة فيها و خاصة المكونات الرئيسية الثلاث الكرد و العرب بشقيه السنة و الشيعة أو المكونات الأربعة أي التركمان أيضا أو المكونات الخمسة الرئيسية أي المسيحيين أيضا ،و بتغير الحكم في العراق بعد الغزو الأمريكي أجمعت هذه المكونات بطرق مختلفة وعبر منابر متعددة بأن طلاقا نهائيا قد حدث عن ماضي العراق و لن يعيد التاريخ نفسه ،فأستبشر الناس في العراق و خارج العراق بأن (القوم) لا بد أخيرا قد عقلوا و عرفوا طريقهم الصائب مثل شعوب عديدة وخاصة في العشرين السنة الماضية ،و كان واضحا منذ البداية و هذه ستكون البديهية التي ستحكم وجود أو عدم وجود العراق إلى الأبد ،وهي أن العراق لا بد إن لا يكون شيعيا و لا سنيا ولا وكرديا و لا إسلاميا صرفا لأن أيا من هذه الصفات ستنكر وجود المكونات الأخرى و منها تبدأ المشكلة و بحلها تنتهي ، و عند الحديث عن (نضج) أو (عدم نضج) الحركة الوطنية و القومية و الديمقراطية و الإسلامية العراقية ،هو الحديث عن هذه النقطة بالذات وليس عن غيرها ، ببساطة لأن من يجب أن يستلموا سلطة الحكم في العراق لا يشترط فيهم بأن يأتوا من المريخ لكي ينجحوا بل الشرط الوحيد أن يستوعبوا هذه النقطة و الأهم منه أن يمارسوها على أرض الوقع ،لأن مسألة الممارسة هي المهمة وليس الإدعاء النظري و التشدق الفكري بها كما ثبت الآن في أرض الواقع ،عندما أتيحت أول فرصة حقيقية للقوى (العراقية) للتعبير عن حقيقتها فعبرت عن ذلك بانتمائها (الطائفي) بأبغض صوره و أحقر صفاته ،و البعض منها عبرت عن هذا الانتماء بكل أفقه الضيق و نزعته الانفرادية بل كل ما تدخر في داخلها من الحقد و الوحشية و وعقدتي الشعور بالنقص و الانتقام الذي اعتملت لقرون في دواخل نفس مريضة ، منذ ما سميناه التغير في العراق و بما أن (الأمريكي) لم يميز في العراق بين الزوان و القمح سادت لغة رمزية بين الأطراف العراقية و انعكست على الأطراف الخارجية بأن لا تمسى الأشياء بمسمياتها الحقيقية، وبذلك ضاعت المسؤولية و اختلطت المواقف و تداخلت الخنادق فبات الضحية و الجلاد سواء بسواء.
7-6
ليس هناك اختلاف و كما سبق الإشارة إليه هو إن المطلوب دائما و أبدا في العراق إن يكون هناك( توازن عادل) بين مكوناته وهذا التوازن لا يمكن إن يمل إلى أيا من أطرافه ،فعندما كان في الماضي مائلا إلى جهة (السنة) رأينا ما حدث أو إذا مال إلى جهة الأكراد يحي نزعة الانفصال و احتمالات تفكك العراق و إذا مال إلى جهة (الشيعة) سوف يطرح الخلاف المذهبي بأبغض صوره وهكذا، و كان مفهوما بان كل المحاولات التي بذلت في السنتين الأولى من التغير هو الوصول إلى هذه نقطة التوازن المشتركة و التي تمثلت في النهاية بوثيقة الدستور ،و هذه الوثيقة رغم نواقصه كانت شيئا متقدما يمكن الانطلاق منها نحو الأمام،ولكن كما هو معهود في ممارسات الأنظمة (الديكتاتورية ) فأن المشكلة ليست الوثيقة المكتوبة بل في الممارسة الفعلية على أرض الواقع ،فعبرت (القوى العراقية) عن حقيقتها و باتت الوثيقة(الدستور) التي كتبتها هي مزق لا قيمة لها ،فجاء تقرير بيكر-هاملتون لتسكب (البترول) على بقاياها لأنها وجدت الأطراف العراقية غير مهتمة لا بالدستور ولا بالعراق نفسه لكل منها أهدافها الخاصة التي تعتقد أنها ماضية في تحقيقها.
لم تعد لغة الترميز تفيد، وقد طالت (غفلة) القوى العراقية وخاصة تلك التي تمسك بالسلطة، لأن تلك خارج السلطة أما أنها أبيدت عن بكرة أبيها أو اضمحلت دورها كليا أو أنها تغني منفردا في وادي لا يمكن سماع صوتها،ربما أكبر البلاء في العراق بعد التغير هي إضفاء صفات دينية على الحكم و التداخل الكبير الذي حدث بين الدين و ممارسة السلطة،فإضفاء أية صفة دينية و بأية درجة كانت ستدخل الحكم في نزاعات لا نهاية لها،و منذ زمن بعيد شخص الداء و الدواء وهو إن الحكم في العراق يجب إن يكون مدنيا و عقلانيا ومؤمنا أيمانا عاما مثل معتقد سائر المسلمين دون إضفاء صفة مذهبية محددة عليها و ترك الشعائر الدينية للناس حسب انتماءاتهم وعدم إدخال هذه الشعائر في الممارسات المدنية و القانونية و السياسية و الإعلامية للدولة،ولكن ما جرى على أرض الواقع غير ذلك ،وهذا لا يشمل الحكم وحده بل المعارضة لها بكل صورها،بل حدث تنافس فيمن سيكون أشد تحمسا في التحدث باسم الدين بل المذهب، رغم إن التقارب السياسي من الدين في كثير من أوجهه من باب (الانتهازية السياسية) لغرض استغلال المشاعر الدينية للناس وهي أشد المشاعر قوة و عنفا و بالذات المشاعر المذهبية،فأضفي طابع مقدس على هذا و ذاك بما لا يستحقه من الألقاب و المكانة و النفوذ في الساحة السياسية ولو حتى بمعايير أصحاب المذهب هم أنفسهم،و خلال السنوات الثلاثة الماضية كان للحضور الديني والمذهبي على الساحة العراقية أبلغ الأثر في تأجيج الصراعات و كان مرادف للتأجيج التي تأتي من مصادر أخرى وخاصة الخارجية القريبة، وعلى صعيدين الشيعي والسني ، و انغمس في الممارسة السياسية باسم الدين و الممارسة الدينية باسم السياسية حتى بات نصوص الدستور خرقا بالية لا يعتد بها لأن الممارسة الفعلية للحكم في العراق أصبحت دينية و بالذات مذهبية ،و لكن لم يلاحظ أبدا بان الحكومات في العهود العراقية السابقة كانت حكومات (سنية) بالاسم وأغلب الأشخاص، ولكن كانت في نفس الوقت حكومات سياسية ومدنية أو عسكرية تحكم بقوانين و أعراف مدنية أو شبه مدنية أو سياسية و ليس قوانين و أعراف دينية، و لا تتغلب عليها طابع الدين من أية صورة أو مصدر و لا علاقة مباشرة لرجال الدين (السنة) بالحكم ،فلم يسبق مطلقا إن عين رجل دين بارز و شيخ سني مشار إليه في منصب وزاري وحتى وزراء الأوقاف كان يعين فيها رجال سياسة قريبين بطريقة ما من قبل الأوساط الدينية بل يختار أقرب سني قريب من أوساط الشيعية الدينية و العشائرية و الشعبية لإبقاء على حالة من التوازن ألهش،ولم يسبق أن سمع يوميا بأن الملك أو رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية أو أي مسئول في الدولة العراقية سيذهب لمشاورة رجل الديني(فلان) من السنة في شأن الدولة و السياسة و الحكم ، بينما في حكم عهدنا الحالي لرجال الدين و بعضهم (دجالين) ليسوا رجال دين حتى بالمعايير المذهبية التي هم عليها باتوا مقدسيين و لا أحد يستطيع إن يقول (على عينك حاجب)، ومن يتجرأ على قول ذلك إذا كانت عدد الجثث التي يعثر عليها في بغداد وحدها لمقتولين مكبلي الأرجل و الأيدي و مشوهين و معذبين قبل قتلهم يبلغ كمعدل يومي ستين جثة و أكثر لمختلف طبقات الشعب و انتماءاته لمجرد القتل على الهوية الدينية و من يريد إن يقف في وجه هذه الموجة الظلام التي تسود العراق، ليس هناك شيء للعراقيين كهاجس غير سؤال الجار لجاره هل أنت شيعي أم سني ، و لم يحدث ذلك عبر كل تاريخ العراق و كان للأمس القريب كثير من العراقيين الخيريين و حتى بعضا من الرموز السياسية المتورطة مباشرة في هذه الموجة الظلام يستبعد أن يحدث حرب طائفية بين المكونات العراقية ولكن المواربة و استخدام لغة الترميز و الخضوع للضغوط و المطالب و المخططات الأجنبية القادمة من خارج حدود العراق قاد هؤلاء إلى هذا المصير،و كما سبق الإشارة فأن الحكومات العراقية في العهود العراقية السابقة وان كانت ذا طابع(سني) فهي لم تكن حكومات دينية بأي معايير ناهيك عن تكون حكومات مذهبية ،و فضلا عن ذلك أن هذه الحكومات و لو فرضنا كانت ذات طابع (سني) فهي كانت حكومات لديها مؤسساتها السياسية و الأمنية و العسكرية و القانونية المستقرة تحافظ عبرها على حالة التوازن التي كانت قائمة و أن افترضنا أنها كانت تميل لصالح السنة، بينما في وضع ما بعد التغير فأن هذه المؤسسات انهارت وانتهت تماما وخاصة المؤسسة الأمنية بمختلف أوجهها(القوات المسلحة و الشرطة و الأمن الخ) في حين تشكلت مؤسسات مماثلة و مؤسسات جديدة بعد التغير كلها مقسمة أفقيا و عموديا حسب الانتماءات القومية و الدينية و المذهبية بل هي (مليشيات) وعصابات تتبع عشرات الجهات الحزبية وجماعات الجريمة وحتى مخابرات أجنبية باعتراف عشرات المسئولين العراقيين و الأمريكيين و غيرهما من القاصي و الداني من المطلعين على الوضع العراق المأساوي،و وهم ذلك الاعتقاد الذي أستقر لدى(البعض) بأن مؤسسة (الدولة العراقية) ألت إليهم بفوزهم بهذا العدد أو ذاك من مقاعد البرلمان ويمكن إن يصبغوا الدولة بالصفات التي يريدون ،وأين هي مؤسسة الدولة العراقية وخاصة من الناحية العسكرية و الأمنية ناهيك عن الناحية السياسية وهي الأصعب و الأعقد لأن أي نظام حكم في العالم لا يتبعه ولاء الناس خلال أسابيع أو شهور بل يحتاج ذلك إلى سنوات و تقديم انجازات ملموسة للشعب بكافة مكوناته ،و أين حالة الحكم في العراق و خاصة في السنة الأخيرة من تقديم انجازات للشعب ، أين الأمن و النفط و الغاز و الكهرباء و المواد الغذائية و الخدمات وحتى هدية العيدين قطعت (و استعيض عنها في عيد الأضحى بتقديم رأس صدام حسين بإعدامه في أول يوم عيد الأضحى كهدية للأطفال الأيتام و نساء الأرامل و عائلات المشردة بسبب الحرب الطائفية) ،بينما يعتقد (البعض) بأنه سيخوض (حرب طائفية) لتطهير العراق إلا من طائفة واحدة، و لا يحسب الحساب للويلات اليومية التي تجلبها هذه الحرب القذرة التي يخوضها هؤلاء نيابة عن قوى خارجية على هذه الطائفة نفسها بشكل آني الآن وما يقد سيجلبه من معاناة في المستقبل المنظور الذي لا يعلمه إلا الله ، أليس (السنة) هم أنفسهم في (العهد الجديد) تعرضوا للمعاناة لأن صدام كان (سنيا) إلا يمكن أن تنعكس الآية و يفقد الشيعة سلطة الحكم و خاصة أنهم لم يستطيعوا أدارتها ما يرضي أهل العراق جميعا بل و لم يرضى عنهم حتى قوة الاحتلال لا بل وفي كثير من الممارسات كانت منطق الذي يحرك(بعض) القوى الشيعية منافية للعقل ،فهم يشاركون في البرلمان و الحكم بينما ميلشياتهم تختطف موظفي وزارات و دوائر بأكملها،و لا يعرف كيف يرضى رجل دولة أو ما قد يفترض بهم أنهم رجال دولة و يعدون أنفسهم مناضلين وقد استلموا الحكم في مرحلة تاريخية حرجة من تأريخ العراق و الناس بارك لهم و تمنوا الخير من واجبهم، أن تأتي قوى و ميليشيات صبيانية و حاقدة وبأوامر و توجيهات خارجية لتضرب على أيديهم وتحل مكان الدولة و مؤسساتها وقوانينها وهم يتفرجون دون تحريك ساكن وفي أحيان كثيرة يبررون أجرام الميلشيات حتى اختلط الحابل بالنابل، لا يستطيع المرء أن يميز بين أجهزة الدولة وعناصر الإرهاب و الميليشيات الطائفية وعناصر الأجرام،وقد صرح أكثر من مسئول عراقي و أمريكي بأن الموطنين يلجئون إلى الميليشيات وعناصر (الإرهاب) لحمايتهم ولا يلجئون إلى أجهزة الدولة لعدم الثقة بها،و عند القول بأن كثير من قوى الحركة الوطنية و القومية و الديمقراطية والإسلامية العراقية ثبتت أنها لا زالت في (الطور الجنيني المشوه) ليس جزافا ، لأنها خلال شهور وسنوات قليلة تحولت هي و حركة الإرهاب سواء بسواء ،ولكن لو عدنا إلى أصل المشكلة و هي إن العراق لن يكون لا زال من يعتقد بأنه سيفرض (تطهير عرقي) على الباقي ، والحرب الطائفية القائمة في العراق حالها مثل باقي الحروب الطائفية و العرقية التي تورطت فيها شعوب سبقتنا تتميز بالاستفزاز، بمعنى إن البريء الذي يختطف من الشارع على الهوية و يعذب و يقتل أليس له أهل و أب و إخوة و أعمام و أخوال و عشيرة ،هؤلاء سينظمون إلى حرب الطائفية شاءوا أم أبوا و بذلك تدور الحرب القذرة ليطرح يوميا ألاف المسلحين الجدد في ساحة حرب وكل يوم يزداد الحقد و الكراهية و هناك مقولة متداولة هذه الأيام بين العراقيين تقول: بأن الحرب الأهلية في العراق ستدوم أربعين عاما وهذا توقع معقول لأن لا أحد يستطيع حسمها لأن مثل هذه الحرب ليس فيها شيء أسمها حسم ،حتى ولو طهرت هذا الحي بشكل أني من الشيعة أو طرد سنة هذه المدينة أو تلك، لأن الحرب العرقية و الطائفية تولد أحقاد جديدة و مطالب جديدة و تتورط فيها أطراف جديدة كل يوم ،طالما إن طائفة(س) تعرف بأن طائفة(ش) تريد أبادتها أو إن قومية (ك) تعرف بأن قومية(ع) تريد أبادتها وهكذا دوليك الحقد لا يولد إلا الحقد،و كان المفروض الاتعاظ من دروس ماضي العراق القريب ،وخاصة في المسألة الكردية فكل الحروب الإبادة لم يزيل الأكراد من الوجود ولم تمس حقوقهم بل زادتها عدالة ،وفوق ذلك فأن أكراد العراق أعطوا ولا زال يعطون فرص عديدة لنسيان الماضي و أحلال السلام و الوئام و التعايش و الاحترام المتبادل بين المكونات العراقية لأن في الحقيقة لا مجال لغير ذلك و إلا يحدث ما نراه ألان على ساحة الطرف الآخر في العراق.
7-7
منذ الهزيمة الأمريكية المنفردة لأنها كانت هزيمة خاصة بالسياسات و العسكرية الأمريكية في فيتنام عام 1975 و التحولات التي سبقتها في الشرق الأوسط(حرب تشرين والأزمة النفطية1973-1974) و التي تلتها وخاصة نوع من تبلور الحدود الثابتة لأوربا ما بعد الحرب و تحويل السياسية الأمريكية في كامل هيكلها الاستراتيجي تقريبا نحو الشرق الأوسط و أسيا الوسطى(منابع البترول) تحت مفاهيم وأسماء متعددة فمرة باسمها الصريح(احتلال أبار البترول في الشرق الأوسط و أسيا الوسطى) ومرة باسم تأمين إمدادات النفط للغرب و ثالثة باسم أمن الخليج و رابعة باسم (منع السوفيت في الوصول إلى المياه الدافئة في الخليج)و خامسة في وقت لاحق بعد ظهور الحكم (الإسلامي) بعد سقوط الشاه في إيران بالكيفية التي وصفته الشاه نفسه في مذكراته التهديد الإيراني لإمدادات النفط و سادسة بالتهديدات الناجمة عن الحرب العراقية –الإيرانية الخ، كان و لابد أن تكون لدول الخليج و منطقة الشرق الأوسط ردود أفعال لهذا التوجه الأمريكي المكثف نحو الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج العربية المعنية مباشرة بهذه الإستراتيجية،و لو استعرضنا سياسات دول المنطقة في الفترة الممتدة من عام 1975 لغاية هذه الساعة نرى بوضوح عدة مستويات لردود الأفعال في المنطقة، فالقوتان الإقليميتان العراق و أيرن بلعتا الطعم الأمريكي لأصطدهما حتى شبكت بعظام الحلق فواقعتا في الاختناق و التقيؤ طوال الوقت،أما على مستوى الحلقة الثانية في السلسلة الإقليمية في الشرق الأوسط و يقصد بها دول المواجهة العربية مع إسرائيل فأتبعت طريقة (أدارة الأزمة) وليس حلها، فجزء الحلول على عشرات المراحل ومئات المراحل الفرعية و بما يقوي إسرائيل وما يضعف العرب و قضيتهم أينما و متى كان ذلك ممكنا ، ولكن ما كان مهما حقا و تجدر الإشارة إليها هي ردود الأفعال الدول الخليجية العربية على التوجه الأمريكي نحوها بكثافة و بأساليب و أهداف لما تسبق إليها مثيل .
كما في هذه الأيام العالم كله تقريبا حبس أنفاسه عندما شاهد صور و أفلام إعدام صدام كان هناك أيام مماثلة في عام 1975 عندما سقط نظام الحكم في فيتنام الجنوبية و التي كانت موالية لأمريكا و فانتصرت فيتنام الشمالية بسقوط أخر معقل العاصمة الجنوبية (سايغون) بأيدي قوات الشمالية و انسحاب العاجل للقوات الأمريكية المهزومة في فيتنام، حتى أنها لم تخلي زعماء سياسيين و قادة عسكريين كبار من فينام الجنوبية من المواليين لها فسقطوا بأيدي الثوار،و كانت تلك الأحداث ناقوس خطر لكل الزعماء في العالم الثالث بأن التحالفات بل و العمالة لقوى كبرى أو إقليمية قد لا تكون ضمانة للبقاء في السلطة بل وحتى المحافظة على الحياة الشخصية كائنا من كان الزعيم أو القائد العسكري ، و بعد تلك الأحداث بقليل ما حدث في إيران عندما أسقط نظام الشاه بعد صار غير مرغوب فيه أمريكيا لأسباب وردت سابقا ، فكان هناك ردود فعل خليجية مباشرة بأن تحولت دول الخليج في نظرتها للعلاقة مع أمريكا ،ولكن ذلك التحول لم يكن إعلاميا و لا ثوريا ولا مبهرجا كما يحدث أو يفبرك كثير من الأحداث في دول العالم الثالث ،بل تحولا هادئا و رزينا و حتى الجانب الأمريكي لم يشعر به في كثير من الأحيان ،ولكن مع الوقت بدأ التحول يأتي ثمره فأصبح القرار الخليجي غير القرار الأمريكي ، و زادت توجس الخليجي من أمريكا بعد اجتياح صدام للكويت ،و لو نظر إلى الخارطة (السرية) للخليج يشاهد بوضوح في أوائل السبعينات كان قرار إنتاج النفط و كمياته و سعره و سوقه أمريكيا صرفا من خلال دول الخليج و عبرها عالميا بينما هذا القرار الآن خرج كليا تقريبا من يد الولايات المتحدة و بين هذين الفترتين كان كل السعي و الأعيب و الاستراتيجيات الأمريكية منصبة على (احتلال منابع البترول) أو (التواجد قرب أبار البترول) الخ، و تلك الأحداث و المدلولات تذكرنا دائما بأحداث حدثت في الماضي البعيد و القريب ، فعندما وضعت ألمانيا النازية بقيادة هتلر في الحرب العالمية الثانية 1939-1945 لنفسها هدفا مجنونا باحتلال العالم بدءا من أوربا و نجحت هذه الإستراتيجية الجنونية في صفحاتها الأولى لبعض الوقت ولكن من المستحيل أن تنجح كليا، فانهارت ألمانيا النازية ،ولكن هذه النقطة هي المهمة في النقاش الجاري لأن الناس كانوا يعتقدون للحظات الأخيرة بأن هتلر لديه (سلاح سري) لم يدخله المعركة بعد ،و حتى دول الحلفاء كاد البعض منهم أن يصدق هذه الأسطورة ،ولم ينتبه أحد إلا إن هتلر هزم ليس لأنه يملك أو لا يملك هذا السلاح أو ذاك أو استخدمه أو لم يستخدمه بل هزم لأن إستراتيجيته كانت فاشلة وهدفه هو المستحيل ،و نفس الحالة جرى مع صدام كان العراقيين و البعض من غير العراقيين(ليس أمريكا قطعا) يظن بأن صدام لديه أسلحة(سرية) لم يدخله في المعركة بعد ،ظل هذا الاعتقاد سائدا و رائجا حتى بعد سقوطه ولكن نادرا ما أشير إلى إن صدام سقط حكمه لأن إستراتيجيته كانت فاشلة وهدفه كان مستحيلا، أراد أن يقف في وجه الولايات المتحدة الأمريكية لأنها أصبحت كما أدعيا صدام و أمريكا نفسها بأنها القوة العالمية العظمى الوحيدة،ولكن هذا لا يدعو إنكار بأن أمريكا عشية انتهاء الحرب الباردة كانت لا زالت القوة العظمى الأكبر ،ولكن قد تغيرت مكانتها و دورها بعد تغير العالم ،ثم أن صداما كان غير معني مباشرة بهذه القضية ولن يجني منها فائدة ،ولوان أمريكا أغرقت في المحيط أو أزيلت من الوجود نهائيا فأن صدام أو العراق أو العرب أو المسلمين لن يكونوا بأي حال من ألأحوال القوة العظمى الأولى الوحيدة في العالم في هذه المرحلة قطعا فكان هدف صدام هو المستحيل بعينه لذا سقط ، و نفس المثل ينطبق على الولايات المتحدة نفسها ،كان الهدف من احتلال العراق كإستراتيجية هو الهدف المستحيل إن يتحقق في هذه المرحلة من التاريخ ، أمريكا هي نفسها تطالب و تعلم الشعوب كما رأينا في بقاع أخرى من العالم أن تطالب بحق تقرير المصير و التخلص من الهيمنة و الاحتلال و العنصرية الخ، لترد هي نفسها لتتحول ألي قوة احتلال غاشمة و لأسباب واهية هي نفسها اختلقتها في أفغانستان و العراق بهدف احتلال أو الهيمنة على (أبار البترول) في الشرق الأوسط و أسيا الوسطى، في وقت تغير العالم و تغيرت أدوار دول الكبرى و الصغرى و الشعوب والرأي العالم العالمي و حتى القوانين و الأعلام و المواصلات وطبيعة العلاقات الاقتصادية و دخل العالم بالفعل في نظام عالمي جديد كم سمتها الولايات المتحدة نفسها،و كان توقع فشل إستراتجية الأمريكية باحتلال (أبار البترول في الشرق الأوسط و أسيا الوسطى ) أو الهيمنة عليها لا يحتاج إلى ذكاء خاص، حتى ولو أستبعد تماما ما قد يحدث في أفغانستان و العراق،وقد وجد كيف إن الغزو الأمريكي للبلدين لم يحظى بالتأييد من قبل أقرب حلفاء الولايات المتحدة ،إضافة إلى ما تركه من ردود أفعال في المنطقتين أنصبت جميعا في إفشاله بصورة مباشرة كما حدث للرد الفعل السوري و الإيراني لأنهما كانتا المستهدف التالي في تلك الإستراتيجية ، fينما كانت ردود الفعل الأخرى تنصب في نفس خانة إفشال تلك الإستراتيجية ولكن بصورة مخفية و دون الضجة ،بينما نوع ثالث من ردود الأفعال كانت تنصب تلقائيا في خانة إفشال تلك الإستراتيجية لأنها كانت إستراتيجية(عتيقة ) جاءت في غير زمانها و مكانها، و أفشلت أخيرا تكتيكيا من قبل القوى العراقية(الوطنية و القومية و الديمقراطية و الإسلامية) لأنها فشلت في استغلال الفرصة التاريخية التي أتيحت لها بتغير النظام السابق و استلامها الحكم،فتحول العراق بفضل كل هذه القوى المتصارعة و المتقاتلة في ساحته إلى جحيم لا تطاق ، و إذا أرادت أمريكا الخروج أو البقاء زيادة قواتها أو إنقاصها تغير دورها و بقائه كما هو لن تغير شيئا، و القوى العراقية سادرة ما هي فيها و لا يبدو في الأفق أنها قد تتغير جذريا بينما فرصتها باتت تعد بالأيام و الساعات بل إنها تبدو غافلة ما هي فيها و تتحدث لغة تذكرنا بما قاله صدام عندما قيل له بأن القوات الأمريكية تحتشد في الخليج و الجوار لغزو العراق فقال(أنام الليل ملئ عيني)،ربما من الأعجوبة أن تتحول الهزيمة في العراق إلى نصر مؤزر أو على الأقل إلى خروج مشرف في المأزق الذي أوقع العراقيين(الشعب) فيه الدرجة الأولى ولكن من أرادوا لف الحبل حول عنق العراقيين لف الحبل حول عنقهم هم أيضا،و حقا تقرير بيكر–هاملتون يحاول تهديم المهدوم لنصرة المهزوم ولكن هيهات!
محمود حسن عباس
كاتب عراقي مستقل
24 -1-2007



#محمود_حسن_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقتراح علم العراق الجديد


المزيد.....




- اسلامي: نواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة وفق 3 أطر
- اسلامي: قمنا بتسوية بعض القضايا مع الوكالة وبقيت قضايا أخرى ...
- اسلامي: سيتم كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العلقة بين اير ...
- اسلامي: نعمل على كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العالقة بي ...
- اللواء سلامي: اذا تخلى المسلمون عن الجهاد فإنهم سيعيشون أذلا ...
- تقرير فلسطيني: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- اللواء سلامي: نحن المسلمون في سفينة واحدة ويرتبط بعضنا بالآخ ...
- اللواء سلامي: إذا سيطر العدو على بقعة إسلامية فإنه سيتمدد إل ...
- اللواء سلامي: اذا تخلى المسلمون عن الجهاد فإنهم سيعيشون إذلا ...
- اللواء سلامي: الأمة الإسلامية تتحرك بفخر نحو قمم الفتوحات


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود حسن عباس - تنفيذ تقرير بيكر بخطة بوش معالجة الفشل بخطة فاشلة