أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طه الزرباطي - النافذة















المزيد.....

النافذة


طه الزرباطي

الحوار المتمدن-العدد: 1799 - 2007 / 1 / 18 - 10:25
المحور: الادب والفن
    


الوقت يقترب من المساء ، سُكينة في حركة دائبة ، تمسح الدرابزين الخشبي،
كذلك فعلت مع بلاطات السلم ، أعني سلم الطابق الأول ، مسحت بعناية أخاديد
النوافذ الخشبية التي تطل على شارع محلة القـُشـَلَ الفرعي الضيِّق.
وقـَفـَت ساهِـمـة هنــاك خلــف الشبـاك الجانبي الذي قـُطعَ بالخشب ، مربعات صغيرة ، تترقب مرور (صالح) إذ قد يتسنى له ــ إن لم يصادفه أحد بالتحية ــ
أن يرفـَع بنظـره إلـى الأعلى حيـث النافـذة التي يقف خلفها ظل إنسان ، ينبض القلب بصخب ، تعتلي الوجهين إبتسامة تثكلها اللحظة ، بعدها تعود إلى دهاليز البيت المظلم ، تستسلم للحلم ، يأخذها الحلم بعيدا ، سنوات طويلة كانت ضحية الحلم..إذ قد يأتي....(سوف يأتي .....لايمكن أن يكذب قلبي......لا...لا..لا..ربما
حصل شيء ما......) ويلـف الظـَلام كل شيء ، حتى شعلة عيني سُكينة بعد أن إنطفأت في يأس ، ومنذ أعوام طويلة ، وهي ترتب كل أعمالها ،لتكون شاخصا
خلـف النـافـذة ، تصـنع أثنـاءها مـلامـح ( صالح ) صـورة قد لاتمت بصلة إلى شخصيتـه أو سُحنتـه الحقيقية ، تحلم ، تتصور ، ترسم ، تكركر كالأطفال .
(صالح)....آه ..(صالح) ...كيف يتكئ على الحائط ، وكيف تتساقط بين أنامله الخشنـة حبـات مسبحتـه ، وفي زاوية عينيه حلم خجلان ، وكيف يستسلم للحلم تاركـا رأسـه في متاهتـه ، حتـى ينسـى الشاي ، فيشربه باردا ، يلعنها في سره فلولاها لم .....تبتسم سكينة عندما تصـل إلى هـذا الجزء من الحلم يوميا ،تبتسم في غــَنـَج،ثم تسبح في عالمها ...ترضـع طفـلا في عناية الأم الحنون....تهدهده بين يديها...تمد البنصر لِتمسـح على وجهــه النـاصع الجميـل ، تتشبــع بعطـره المرتبـط بعطـر أخيهـا الصغيـر( مقداد ) قبـل سنـوات قبل أن تلتهمه الحصبة ، يختـلط لديـه الحـلم فتعمـل (سور سُـليمان) لتبعـد عنـه العيـن ، تقبل اللآخــــر، وتصنع(ذيل إحصان) للآخرى ، سابحة في عالمها ، غيبوبـة لذيـذة تستسـلم لها
وتتمتع ، حتى تعود إلى الرتابة ذاتها فتعود إلى ملامحها قسوة الوحدة ،وتباشير الإنتظار ، الإنتظار المتكررالذي تعطيه طابعها الأنثوي ، طابع الصبر الجميل وهل لها غير هذا.
في ذلك العام بدأ الصبر ينفذ منها تدريجيا ، ولم يعد بمقدورها إضافة المـزيد من المقبلات إلى حلمها ، غزاها اليأس ، (صــالح) لم يعـد يظهـر ، الحلـم بـدأ يهوي بخطاه نحو الكابوس ، بمعـزل عــن معرفــة سكينـة توفـى عمــه (كاظم الكرخي) والذي لم يربطهما رابط طـوال السنـوات الماضية سوى رابطة الدم،
وبعـض الكـره لبخـله ، وتناسيــه للآخرين ، بل لأية رابط دم ، إذ إختار عزلته ولـم يعـْرِ إنتبـاها لتلميحـات الآخريـن ، حتـى صــار واقعا ، قدرت لهذه الثروة الطائلة التي جمعت في ضنك البخل أن تكـون مـِن نصيـب (صالح) الذي ذهب فـي البدايـة ليـؤدي واجبه تجاه عمه ، أعني واجب الدفن ومراسيم الفاتحة ، إلا
أن الأوراق بدأت تظهر .
بعـد أشهــر مـن مراسـيم الحـزن ، ومتطلبـات التـركـة ، والهموم الجديدة التي جربها (صالح) بعد أن أصبح مهما ! كان لابد أن يشبـع غرائـزه المختلفـة التي
تمناها لسنين ، وكان لابد أن يتذوق لذة الإحترام ، والمبالغة في التقدير.
عـاد إلى حبـه المنسـي في دهاليز الحياة ومفارقاتها ...قرر فجأة...وفي عجالة مـن أمـره توجـه إلى بيـت الحـاج جـابر ، طـرق الباب بثقة ورضا ، وهو يفكر بزهو عليه أن يفي بعهوده ، تحدث صالح بمودة وثقـة غيـر معهودتيـن ، كيـف أنه بلغ من العمر ما بلـغ ، وأن الـزواج نصـف الديـن ، وأن الله قـد إلتفـت إليـه أخيــرا.....وأنــه قــد إختــار سـُكينـة شريـكـة عـمـره ، كان الحاج جابر يستمع بهدوئه وطيبته لكنه إستهجن هذا الأسم قائلا :
ــ أية سكينة ؟! ليست عندي بنات .
قاطعه صالح في نفاذ صبر:ــ سكينة إبنة قاسم العطار.!
أجاب جابـر:ـــ قاسـم العطـارليس له أبنة أسمها سكينة ،بل كانت زوجته إسمها سكينة ، وقد توفت منـذ عشريـن عامـا وهـي تـلــد إبنتها الوحيدة (شهلاء) ولها ثلاثة صبية قبلها ، وهي فتاة رائعة قامت بواجبها تجاه أبيها وإخوتها.
ــ هل أنت متأكد ياعمي ...عموما لايضر ...لايضر..شهلاء..شهلاء؟!
بعـد أسابيـع قليـلـة كـان قـد أكمـل مراسيـم الـزواج بعـد أن أتحفـه الناصحون بمجموعة من ( خير البر عاجله) وأن( الميت يفرح في قبره) ، مع أنه لايشــك بشيء مقدار شكه بفرح عمه بزواجه ، وتمتعه بالمال الـذي جمـعـه في شضف العيش ، لكن الحكمة تقتضي أشياء لايدركها العقــل على رأي جابر.
وأخيـرا وفي غفلة من عيني القدر، جمع الحبيبين مكان واحد ، ضاع إرتباكه في ثنايا خوفها ، كانت أصابعها ترتجف باردة ويختض جسدها ، لم يكن يدرك صعـوبة الموقـف ، فلـم يسعفـه أحـد بنصيحة أو إرشاد عندما كان يجب ، بينما أكرمـوه بنصائحهم في غير حاجته إليهـا، أدرك أنـه وحيـد في الساحة فليس له إلا أن يجـد مخـرجا وإلا لإفتـُضح أمره وصار حكاية تتندر بها المحلة لسنوات ،كما فعلوا مع الحـاج سعيد ، الذي مازال مـادة للتندر رغم مرورعشرات النين على زواجه ، وقد ذهب أولاده إلى المدارس ، يجب أن يجد حلا ، بدأ يقترب ،
محاولا أن يكسر هذا الحاجب ، مبررا أن وفاة أمها المبكر سبب آخر ،لو كانت المرحومة على قيد الحياة كانت قد وجهت إبنتها ، وهذا يجعل الأمر أكثر صعوبة ، مد يده ليمسح الدمع اليابس الذي يبس منذ المساء على وجنتي شهلاء
دموع الوداع ، كانت قد أدارت وجهها الصوب الآخر من الغرفة التي أعجبتها ،لأنه نقيَّت بكرم ، ثم تاهت في حلم قد يجمعها بحبيبها (صالح) حبيب السنوات
الخمس ...إذ أن هــذا الغريب الذي لايمـت بصـِلة بحبيبـها ...هل هذ هو صالح الذي كانت تنتظره ، تحلم به ؟
كيفـمـا يـكـون كانـت قد إستسلـَمَـت لـه هـذه اللـيـلـة ، وبقـيـَّة ليــالـي العـمـر، وأطـاعتـْه لسنـوات عمرها ، أنجبت منه ثلاثة ذكور.. ولعشرات السنين كانت تذهـب إلـى بيت أبيها ، كل يوم خميس ، للتنظيف وإعداد البيت وكانت تختلس اللـحظـات ، لتـَقِـف خلـْف النافــذة الخشبيَّـة العتيقـة فـي الطـابق العلوي ، تقف فتستسلم للحلم... حلم لذيذ عسى أن يمر صالح ...فينعـم عليهــا بنظرة ....فقط بنظرة...




#طه_الزرباطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طه الزرباطي - النافذة