أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسام مطلق - قصة الشيطان : سطور في الأيزدية















المزيد.....

قصة الشيطان : سطور في الأيزدية


حسام مطلق

الحوار المتمدن-العدد: 1798 - 2007 / 1 / 17 - 12:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة :

ليس الغرض من هذه السطور الترويج للعقيدة الايزدية, او لدعوة طائفية او عرقية, ولكنها جملة ايضاحات عن جماعة من مكونات المجتمع السوري, هناك الكثير من اللبس عنها لدى جمهور الشارع. البس الذي يستهين به الكثيرون قد يكون ذا اثر سلبي على التعايش السلمي والاخلاص الوطني, فبغض النظر عن صحة او خطأ المعتقد الأيزدي يبقى الايزديون من مكونات المجتمع السوري ويجب القبول بهم كما هم واحترام شعائرهم كما هي. وهنا لابد وأن اسجل كمتحدر من اصول ايزدية انني لا أشعر لا بالراحة ولا القبول من الدعوات التي اطلقت مؤخرا والتي مورست عمليا بجعل الأيزدية طائفة من الإسلام, او ما يروج له على السواء المتطرفين العرب والاكراد, فكل يجعل الأيزديين , وبحتمة لاتقبل التشكيك, منتميا الى قوميته من اجل مكاسب سياسية آنية. والابشع أثرا في تلك الدعوات ان كلا الطرفين لا يقدم للأيزديين ما يعينهم على تمدن وتطور خليتهم الاجتماعية. فما تزال الاحوال الخدمية في مناطقهم دون مستو التمدن الانساني. ولكن وفود المبشرين من المتطرفين القوميين, ومن القوميتين, لاتكاد تنقطع عن زيارت مشايخهم غير جالبة معها الا الكلمات التي لاتسمن ولاتغني عن جوع, وتلك الزيارات تشتد في ايام الانتخابات خصوصا في العراق. فيما فقر الحال وضعف الخدمات والتاهيل هو حال الايزديين سواء أكانوا في سوريا ام العراق. فكل مراد تلك الوفود تسجيل نقطة على حساب الطرف الآخر, اما أحوال الإنسان الأيزدي فهي اخر اهتمامات المنافقين القوميين. متناسين ان الاصل في تحضر المجتمعات هو تنوعها وليس نقائها, والا دعونا نعيد الاعتبار لهتر, ضاربين عرض الحائط بالحق الطبيعي للخلية الاجتماعية اليزيدية في التطور المتردج والخاص, مادام اتباعها اساسا من اكثر العناصر احتراما للقانون وابتعادا عن مشاكسة المحيط بما يعرف عنهم من دعت وطيبة وجنوح الى السلام.
من هذا المنطلق فإن السطور سوف تؤسس وجودها على اعتبار الأيزدين جماعة عرقية ودينية مستقلة عن اي انتماء اخر ولكنها في المحصلة جزء من النسيج الوطني, فهي جزء من الدولة وليست ملحقا لا بقومية ولا بدين, شاء من شاء وابى من ابى. فالأيزدي المقيم في روسيا هو ايزدي عرقيا ودينيا ولكنه مواطن روسي من واجباته ان يكون مخلصا للوطن الذي ينتمي اليه, وما يصح على الأيزدي الروسي يصح بالضرورة على الأيزدي السوري. أما التعريب والتكريد فتبقى خيارات فردية للايزدي تندرج ضمن سلسلة الخيارات التي تضمنها الشرعة العالمية لحقوق الانسان. فكما يحق للأيزدي ان يصبح فرنسيا وان ينتمي بكل ما يملك من الولاء لفرنسا, ان هو كفرد ذهبت ارادته
لذلك, فإن انتمائه للعرب او الأكراد لا يتعدى ممارسته لحقه الفردي في الاختيار.

العرض :

الايزدية, أو اليزيديون, هم جماعة دينية وعرقية تنتشر بين العراق وسوريا وايران وتركيا وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابق. يصنفون في التقسيمات العرقية ضمن المجموعة الآرية, وان كانت هناك دعوات كثيرة تنادي بانهم عرب من اتباع يزيد بن معاوية, ولكنها رواية يتلمس فيها البعد سياسي, وهي شديدة الضعف, وتقابلها رواية اخرى كردية تحتم كرديتهم ليست بأصلب من الرواية الأولى. عددهم بضعة ملايين, اميرهم يسمى المير, دينهم فيه مقاربات لعدة اديان, فمن تعاليمهم مايشبه المسيحية ومنها ما يشبه الزردشتية ومنها ما هو قريب لليهودية وبعضها لا يختلف عن الاسلام, ولهم ايضا مظاهر متماثلة لما هو معروف لدى الموحدين الدروز.
اليزيدية كما تعرف اليوم اسسها عدي بن مسفر, وهو متصوف عربي قادم من البحرين. يعتقد انه من المصلحين المسلمين الذي فروا من ملاحقة الخلافة لهم فلجأ الى الايزدين.
عدي بن مسفر هذا حرقت جيوش الخلافة كل كتبه, وشردت اهله وجماعته, ونكل بهم. كما فُعِلَ بالقرامطة وغيرهم من الإصلاحيين الذين تمردوا على الخلافة وفسادها في نهاية عهدها العباسي, بل ان البعض يضعه في خانة القرامطة. بيد انها في مجملها في النهاية روايات فما من اثر له سوى سيرته التي بدأت مع الأيزدين فارا من الجزيرة العربية.
الايزديون وهم سكان جبال سنجار ومناطق شيخان في العراق أساسا, لجأوا اليها محتمين بجبالها من دعوات التقتيل التي كانت تظهر بين فينة واخرى ضدهم. وهناك من يقول انهم التقلص الاخير للجماعة التي كانت تعيش شمال وغرب العراق قبل وصول الاسلام بحكم التقتيل الذي لحق بهم على مر العصور. تلك الدعوات لقتلهم منها ما كان لاسباب دينية بحتة, كدعوات ابن تيمية. ومنها ما كان لاسباب سياسية حيث كان يُشغَلُ الناسُ بحروبٍ جانبية عن فساد سلطة الخلافة في بغداد. فكلما اراد الخليفة ان يدعي انه حامي حمى المسلمين, و وقد ضعفت دولته عن القيام بفتوحات جديدة او اخضاع الولايات البعيدة لسلطانه, هاجم الايزديين, او احدى الاقليات العرقية او الدينية, بجويشه مناديا بين العوام انه يقوم بنشر الاسلام. هذا كان حال كل الاقليات الدينية والطائفية في البلاد الاسلامية, فهي جميعا احتمت بالجبال, العلويون في الساحل السوري, والموحدون في جبل الدروز والذي صار يعرف بعد الاستقلال بجبل العرب, والموارنة في جبل لبنان او ما يعرف تاريخيا بلبنان الصغير.
كما اسلفت فإن بعض الرويات تقول ان سكان العراق قبل الاسلام, وخصوصا شماله وغربه, بالاضافة الى جنوب تركيا وغرب ايران كانوا في الاساس ايزديين, ليست ايزدية عدي بن مسفر بل الايزدية الزردشتية, ولكنهم دخلوا الاسلام آسوة بباقي شعوب بلاد الرافدين والشام مرة بحد السيف ومرة بالحب والموعظة الحسنة. الا انه الثابت انهم منعوا ومنذ قرون طويلة من ممارسة طقوسهم وكانوا يتعرضون للتنكيل كلما مارسوها. مما دفع شيوخهم في النهاية الى تحريم العمل بها علانية حرصا على بقاء الجماعة, وهو امر اتبعته كل الاقليات الدينية وصار يعرف فقهيا بالتقية.
اما ما هو دينهم فلا بد لنا بداية ان نلقي نظرة على تطور الوعي الانساني للفكر الديني, فهم في النهاية مرحلة من تلك المراحل, والتي انتهت بالاسلام الموحد توحيدا مطلقا غير ملتبس.
يقال ان العبادة هي فطرة انسانية, هذه نظرية اجتماعية قال بها حتى كارل ماركس واسماها حاجة التأليه, وفي الاسلام : يولد الولد على الفطرة فأبواه .... ويقال ان العبادة بدأت مع اول كارثة تعرضت لها جماعة بشرية سواء من سيول او زلزال او حريق كبير, ففسر احدهم الامر بان هناك قوة خفية غاضبة وعليهم ان يتقوها. تلك القوة الغاضبة اخذت في نفوس الكثيرين مكان فطرة التاليه و صارت لها اوجه في الوعي الانساني, فعبدت الشمس وعبد القمر وعبد البرق ....الامر طبعا ليس بخاف على احد خصوصا في رواية ابراهيم ابو الانبياء في القرآن.
ومع المحاولات الاولى للفلسفة اليونانية بدء الوعي الجاد للاجابة على الاسئلة الوجودية, وخلاصة تلك الاسئلة تقع في سؤالين : مصدر الكون, وقوانينه. هناك قسم اليونان القدماء تلك القوة الى مجموعة من القوى, تتخصص كل منها بظاهرة من ظواهر الطبيعة . وشاركهم في ذلك شعوب الارض من مصر الى العراق. فكان رب للخصب, ومن اعماله تكاثر الناس والزرع والحيوان. ورب للحب ومن اعماله العلاقات الدافئة بين الناس, ورب ورب .....إلخ. وبدأت الاساطير التي تعلي ربا على اخر, وتزوج واحدا لاخر, وصارت حكايات الناس في البيوت والدكاكين تسقط على تلك الالهة, حتى الخيانة الزوجية جعلوها في الالهة. ولاشك بامرا كهذا كان يثير حفيظة بعض العقلاء ممن لايقنعهم ما وجدوا آبائهم عليه, فكانت تدور مناقشات عميقة يمكن تلمسها من آثار الشعراء اليونان والفرس القدماء حول هذه المواضيع. في خضم تلك المرحلة من تطور الوعي الانساني الباحث عن القوة الخفية التي اوجدت الكون وآليتها في ادراته ظهر مصلح يسمى زرادشت.
زرادشت هذا رفض كل أشكال التعدد التي كانت سائدة ونادى برب واحد, ولكنه واجه مشكلة فلسفية لم يملك اجابة عليها, كما لم يفعل بعده احد, الا وهي مصدر الشر. فالكمال المطلق لتلك الذات, كما نادى بها زرادشت في بداية عهده, لايمكن ان يصدر منها الشر. فكان مخرجه من ذلك القول بوجود ربين. رب للخير وآخر. ورب الخير هو ما صار يسمى في اليهودية يهوى, وفي الاسلام الله, وفي المسيحية الآب. أما الشر بذاته فقد اعتقد زرادشت انه ناتج عن صراع الربين وليس فعل رب واحد بعينه. بيد ان أحدهما ميال للعنف والتخريب والدمار في ادارته لصراعه مع الآخر. وهو لذلك دعا الى حب رب الخير, وفي الوقت نفسه امر بعد شتم رب الشر خوفا من غضبه وانتقامه.
اما تعاليمه التفصيلية فهي ما تزال محفوظة في بعض المراجع المتواترة في ايران. وما تزال الديانة الزردشتية سائدة هناك. ومعترف بها في الدولة. ولها معابد, ويبشر بها علانية, وبعض الناس يخلط خطأ بين الزردشتية والمجوسسية.
جل دعوت زردشت للناس ان يتحابوا, وان ينبذوا الحروب. وهو كغيره ممن نادت بهم البشر كأنبياء, ومنهم بوذا, امر باحترام حقوق الناس في المعاملات اليومية, ومنع السرقة والتخريب, وامر بالنظافة ومساعدة الفقراء, وما الى ذلك من وصايا الخير التي تقول بها كل الاديان والمصلحين من فجر التاريخ الى اليوم. وهو لاشك كان يصدر تلك التعليمات انطلاقا من العرف السائد, مصححا منه ما يراه معوجا, ويقر ما يراه مناسبا, وهو امر عرف بالاسلام بالسنة التقريرية.
الايزديون هم تاريخيا الجماعة, او احدى الجماعات, الباقية في التاريخ الانساني من الزردشتية. اما قصة الشيطان معهم والتي فيها لبس كبير, فبعد ان جائهم الاسلام واطلعوا عليه واختلطوا بأهله لغويا اسقطوا, او اسقط المسلمون, لفظة الشيطان على ما كان يعرفه الايزديون تاريخيا برب الشر. وفي مرحلة التي لحق بهم عدي بن مسفر يقال ان تعاليهم تغيرت جذريا الى الاسلام ولكن ظلت بها اعراف قبلية وعشائرية اسوة بالكثير من الجماعات البشرية التي طواها الاسلام في العموم ولكنها ظلت محتفظة ببعض خصائصها الثقافية . وهو امر موجود في باكستان والهند وبنغلادش, بل ان الكثير يتهم الدعوة الوهابية بأنها اسقاط للعرف القبلي الذي كان سائدا في الجزيرة العربية, وتحديدا نجد, على الاسلام وتعاليمه " مقولة لمرشد الاخوان المسلمين في مصر ".
ومما يدل على ان تغيرا جوهريا قد حصل في المعتقد الأيزدي بعد إلتحاق عدي بن مسفر بهم هو اطلاقهم تسمية الطاووس الاكبر على رب الشر. فما من اثر لدى زرادشت عن هذه التسمية سوى انه كان يحمل عصا منحوت في اعلاها طير. قال البعض انها رمز للحرية التي يعبر الطيرعنها في اعماق سكان الجبال . فعلى خلاف اهل الصحراء الطير يعلوا ويحط في قمة الجبل حيث يعصى على الانسان البلوغ, او هو يطير ويختفي في الافق فيما الانسان مقيد في المكان. اما في الصحراء فإنه, وكما قالت العرب, ما طار طير وارتفع الا كما طار وقع, ان الطير يتشارك مع الانسان في المكان والمآل. ومعروف ان زرادشت كانت له مغارة كتلك التي كان يتعبد فيها نبي الاسلام, كان بدوره يأوي اليها ويختلي بنفسه فيها بين فينة واخرى. بل انه قضى بضعة سنين متواصلة من حياته معتكفا بها قبل ان يطلق دعوته للخير بين الناس. تلك المغارة كانت في جبال فارس وقيل انه من كثرة مراقبته للطيور الجارحة التي كانت تصل الى عنان السماء وتأبى الا ان تموت وحيدة في اعالي الجبال, احبها, ونحت رسما لها على عصاه, وقيل انه نحت رسما لها على مدخل مغارته.
يعتقد ان الايزديين ربطوا بين تلك العصا وبين ما حكى لهم عدي بن مسفر عن الشيطان وعصيانه لله في الجنة وباقي القصة المذكورة في القرآن.
فصار معتقد الايزدين ان رب الشر ليس اللها ولكنه مخلوق مغرور فاسد علم بعض اسرار السماء وتمرد عليها, وفي القرآن سورة كاملة عن الجن الذي يسترق السمع فيلقى شهابا رصدا. لذا اطلق الايزديون المتأخرون اسم الطاووس على اله الشر, وانزلوا مكانته من اله باطش, الى مخلوق متمرد, اسوة بما هو معتقد به في الاسلام. فالطاووس رمز للتكبر, والطير, كما ذكرت, منحوت في مخيلتهم الجمعية على انه مقدس لدى زرادشت , والشيطان هو رمز الكفر كما نقله لهم عدي بن مسفر. من ربط كل ذلك يرى العديدون ان الشيطان صار الطاووس الاكبر. فهو كبير الجن المتكبر الذي تمرد على الله. ويبقى هناك فرق جوهري بينهم وبين المسلمين فهم يرون الشيطان ذا قدرة مستقلة عن الله ولكن بضعف, فيما يرى المسلمون ان الشيطان ممهل من الله لا اكثر : قال امهلني الى يوم يبعثون, قال اذهب فإنك من الممهلين, هذه هي صيغة الحوار في الاعتقاد الاسلامي.
إلا أن العلاقة التاريخية الدامية التي عرف من خلالها الايزديون الاسلام وإفتراق اللغة بينهم وبين محيطهم الذي تعمق بسكاناهم الجبال هربا من القتل, وهم بالمناسبة يتكلمون الكورمانجية التي يتكلم بها خمسة وثمان بالمئة من الاكراد في العالم, جعلتهم يقفون دائما على مسافة من الاحتكاك بالمسليمن . فصارت العزلة هي طريقة حياتهم, والخوف من المجاهرة بالمعتقد او حتى السؤال عن الغيبيات مسلكهم. وهو امر لمسته شخصيا خلال مراحلي الدراسية واحتكاكي بالطلبة في سوريا من خارج مدينة الحسكة, فإن كانت الناس في الحسكة تالف الأيزدين لانها اعتادت, وإن بشكل محدود, الإحتكاك بهم الا انها في المحافظات الاخرى تتلبد خوفا وجمودا حين النطق بكلمة " يزيدي " . اعتقد جازماً ان التراكم التاريخي لمثل تلك الرود والانفعالات ابقت الهوة واسعة بين الاسلام وبين الايزدين, وردم تلك الهوة هي غاية هذه السطور لا أكثر.
اما من الامور الخاصة في الطقوس الايزدية فهي الحج الى لالش, وهي تشبه الكعبة لديهم, يقيمون حولها احتفالا كل سنة في شهر نيسان. حيث يعدون الموائد وتضاء الشموع, منها ما يكون في المنازل ومنها ما يضاء في الازقة ومنها في لالش وحولها ومنها يترك ليسبح على وجه الماء في النهر القريب. وعلى ايقاع الدفوف وبعض الاهازيج الدينية يغني الجمهور منهم طالبا كل ما يطلبه المؤمنون في الديانات المختلفة من خالقهم. انها طقوس تشبه الى حد بعيد طقوس الوقوف في عرفة ممزوجة بالكاثوليكية. اما مظهريا فهم كما الدروز يطيلون شواربهم ولا يرتدون الى الابيض على اجسامهم ولا يقصون شعورهم بأدوات غيرهم, كما انهم لا يأكلون الخس. والاسطورة في ذلك ان الطاووس" الشيطان" اختبأ في حقول الخس في يوم ونجا من الموت من يد عدي بن مسفر الذي كان يطارده لقتله, وهي رواية تشبه رواية هروب الشيطان من رجم ابراهيم أبو الانبياء له. الا انها في الاسلام وقعت في شعاب مكة, حيث مازالت تُحيا بشعيرة الجمرات, وفي الايزدية كان بطلها عدي بن مسفر ووقت في شعاب شيخان. هنا لابد من التوقف عند تحريهم للخس, وهو عندهم كالخنزير عند المسلمين, فالتحريمه تم استنادا الى الدنس الذي الم به من اختباء الشيطان فيه او احتقاراله لانه مكن الشيطان من الهرب والنجاة, وفي كلا الحالين, هذا يشكل دليلا قطعا على ان الشيطان بالنسبة لهم عدو, وهم يتخذونه عدوا. وهي رواية تشبه ما يعمد اليه بعض المسلمين من تقديس للعنكبوت لانه انقذ نبي الاسلام من يد مطارديه " قال لصاحبة لا تحزن إن الله معنا" . وإن كان بعض المتنورين من الأيزدين يردون قضية تحريم الخس الى انتشار المرض بسبب النظافة الخاصة التي يتطلبها غسل الخس قبل ان يؤكل. فلو اخذنا بالاعتبار شحة الماء على الساكنين في الجبال ومحاولة ربة البيت التقتير في استخدامه نفهم مثل هذا التحليل. فالأمر حينها لن يتطلب اكثر من شيخ وقصة يعتقد انه بها يصنع خيرا فيمنعهم من اكله حرصا على سلامتهم الصحية. على ان ذلك لايشكل نفيا نهائيا لاثر المعتقد الزردشتي الداعي الى الخوف من اله الشر" الطاووس ". ولكن من زاوية أخرى وإن اردنا الحقيقة فإن الكثير من المسلمين يخاف من الشيطان اكثر مما يفعل الايزديون, فيكفي ان تذكر الشيطان بين مجموعة من النساء او الاطفال في الليل لكي يعلوا صراخهم بالفزع, ولن ابالغ لو قلت ان من الرجال من يخاف من ذكره ايضا. هذا الخوف هو احساس مركب من الطقوس الجمعية التي يحيا عليها الكثير من المجتمعات الاسلامية, غانيك عن قصص الجن وتلبسها الناس واستحضارها الارواح. بقي ان اذكر ان بعض المصادر تتحدث عن لقاء بين موسى وبين زرادشت, ومنها ما يقول ان اللقاء كان بين احد تلاميذ زرادشت وبين موسى, نظرا للانفصال الزمني بين حياة الرجلين . ويمكن الرجوع الى كتاب عشرة الاف سنة من عمر الله في الارض للباحثة الاميركية كاثرين ارمسترونغ لما فيه من معلومات غنية عن تطور الفكر الديني بين البشر وهي تسجل مقطعا عن اللقاء بين تلميذ زرادشت وبين موسى نبي اليهود. هذا القاء هو ما استندت اليه في تفسيرها للأحكام المتماثلة بين الزردشتية وبين اليهودية في بعض جوانب الحياة. اما التماثل بين الايزدية والمسيحية فمرده ولا شك الى فترة الاحتكاك المباشر بين اتباع الديانيتن قبل وصول الاسلام الى العراق والشام. في الختام لابد من التذكير بأن الايزدية احدى الدعوات التي تحرم القتل وسفك الدماء ويسجل للايزدين انهم من الجماعات القليلة, سواء العرقية او الدينية, التي لم تبادر الى حرب في تاريخها ومنذ قرون ليست بالقليلة. يجب الا ننسى انها كانت, وفقا لمعايير العصور, دعوة مبكرة للتوحيد وفتحا في طريق المعرفة الانسانية للوصول الى تلك الحقيقة. فقد ازالت الزردشتية عقبة تعدد الآلهة من وجه كل من نادى لاحقا برب واحد. بل ان الكثير من الدلائل تقول ان موسى بالاساس نقل الى قبائل بني اسرائيل الدعوة الزردشتية بعد ان حسم امره في قضية التوحيد فاختار لقومه ربا غير باقي الالهة التي تعبدها باقي الأقوام وحل إشكالية الشر التي عكرت صفو زرادشت بأن جعل هذا الاله " يهوى " إلها خاصا باليهود دون غيرهم, واسمى شعبه شعب الرب المختار. وبرأي الكثير من البحاث هو لم يفعل اكثر من الباس احكام الزردشتية لبوس القبائل الإسرائيلية واعرافها.



#حسام_مطلق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصوفية لماذا وكيف
- رؤيا ليبرالية في الاخلاق وتطور المجتمعات
- البابا إعتذر لكم فمن يعتذر لنا
- الصيرورة الليبرالية - قراءة للوقائع في ذكرى رحيل هيجل
- الاكراد والقيم الاثنية وطريق الشمولية


المزيد.....




- سلاف فواخرجي تدفع المشاهدين للترقب في -مال القبان- بـ -أداء ...
- الطيران الإسرائيلي يدمر منزلا في جنوب لبنان (فيديو + صور)
- رئيس الموساد غادر الدوحة ومعه أسماء الرهائن الـ50 الذين ينتظ ...
- مجلس الأمن السيبراني الإماراتي يحذّر من تقنيات -التزييف العم ...
- -متلازمة هافانا- تزداد غموضا بعد فحص أدمغة المصابين بها
- ناشط إفريقي يحرق جواز سفره الفرنسي (فيديو)
- -أجيد طهي البورش أيضا-... سيمونيان تسخر من تقرير لـ-انديبندت ...
- صورة جديدة لـ -مذنب الشيطان- قبل ظهوره في سماء الليل هذا الش ...
- السيسي يهنئ بوتين بفوزه في الانتخابات الرئاسية
- الفريق أول البحري ألكسندر مويسييف يتولى رسميا منصب قائد القو ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسام مطلق - قصة الشيطان : سطور في الأيزدية