أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد الجبار خضير عباس - هرم ذو أجنحة مهولة ...زحزحة لقناعات راسخة















المزيد.....

هرم ذو أجنحة مهولة ...زحزحة لقناعات راسخة


عبد الجبار خضير عباس

الحوار المتمدن-العدد: 1741 - 2006 / 11 / 21 - 07:43
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قراءة لقصة ماركيز:
هرم ذو أجنحة مهولة ...زحزحة لقناعات راسخة


هرم ذو أجنحة مهولة، فنطا زيا كتبها ماركيز، على وفق الواقعية السحرية.
تبدأ القصة بجملة افتتاحية،(في اليوم الثالث لهطول المطر)،لتحدد ملامح الثيمة الرئيسة في القصة ، المرتبطة بشبكة من الدلالات الميثولوجية واللاهوتية ذات العلاقة بالنسق اللاهوتي-الميثولوجي،فهذه الجملة تحمل دلالة سيميائية تحيلنا لبعث المسيح بعد موته،وبما إن الكاتب بث شفراته ضمن هذا المناخ،فسهل بذلك مهمة فك مغاليق الشفرات عبر اقناعنا بمتن معرفي مشترك.
حاولنا التركيز على هذا النسق في القصة دون سواه، إذ أن ما تيسر لي من قراءات نقدية أجنبية عن النص أكدت التركيز على الموازنة،بين البناء السحري والواقعي في القصة والاشارة الى جمالية الواقعية السحرية.
في البدء رسم لنا ماركيز صورة عن المكان فيه مقاربة مع بداية الخليقة ، البحر والسماء كانا قطعة واحدة من الرماد ورمال الشاطيء التي تلمع في ليالي آذار، مثل ضوء مطحون،قد أمست مزيجا من طين ومحار، بعدها يبدأ التسفيه بالكائن الاعجازي(الملاك) ، كان رجلا عجوزا ،عجوزا جدا،منكبا على وجهه في الطين،وعلى الرغم من كل الجهود المضنية التي يبذلها لا يستطيع النهوض، إذ أن جناحين هائلين كانا يعيقانه......،وكان يرتدي أسمال جامعي الخرق،لم تكن هناك سوى بضعة شعيرات على صلعته، وبضعة أسنان في فمه، وحالته مثيرة للشفقة،....أزالت أي شعور بالمهابة،...جناحاه الصقريان الضخمان الوسخان والنصف منتوفان عالقان أبدا في الطين،...المسكين كان هرما جدا مما جعل المطر يطيح به،...الجميع قد عرف أن ملاكا بدمه ولحمه قد وقع أسيرا في المنزل، ....، لم تطاوعهم قلوبهم على ضربه بالهراوات حتى الموت،... أخرجه من الطين وحشره في القن مع الدجاجات، ... يرمونه بمختلف الأشياء،...كأنه لم يكن كائنا سماويا مجرد حيوان سيرك،...أشبه بدجاجة ضخمة عاجزة بين الدجاجات وقشور الفواكه وبقايا الطعام ،...لم يستطع رفع عينيه الأثريتين،...نقرته الدجاجات بحثا عن الطفيليات المفضلة لديها ,والتي تتكاثر في جناحيه،...أكثرهم عطفا كانوا يرجمونه بالأحجار،...حرقوا جنبه بسيخ لوسم الثيران...تتساقط الدموع من عينيه،...نفض جناحيه عدة مرات مما أثار زوبعة من غبار ذروق الدجاج .
وبعد هذه السلسلة من التسفيهات للملاك-اللاهوت،المبثوثة في النص، لم يكتف الكاتب بذلك بل لجأ إلى السخرية من معجزاته،((ثمة بضع معجزات أوعزت إلى الملاك توضح اختلاله العقلي،مثل الرجل الأعمى الذي لم يشفه،بل زرع له ثلاثة أسنان جديدة،والمشلول الذي لم يتمكن من السير،بل كاد أن يربح اليانصيب،المجذوم الذي نبتت في تقرحاته زهور عباد الشمس،...عزاء المعجزات هذا الذي أشبه بالسخرية،كان قد حطم سمعة الملاك التي سحقت تماما.))حتى الآن يشعرك بانحيازه للدنيوية على حساب الآخروية وانه منخرط في هذه اللعبة، ومن المؤمنين بعصر لا وجود فيه للحقيقة المطلقة،إذ انهارت فيه السرديات الجليلة، ويلاحظ ذلك عبر التسفيه المتلاحق للملاك- اللاهوت، يشعرك انه واقع في إشكالية متعلقة بعدم ايمانه بأية حقيقة شأنه شأن الذين زحزح كوبرنيكوس قناعاتهم الراسخة ، في أن الكرة الأرضية هي مركز الكون،فأوجد معادلة جديدة، بات من غير الممكن فيها التمركز بالرؤية اللاهوتية ذاتها،
وبالقناعات السابقة نفسها،فضلا عن دور فرويد ودارون، مما دفع الإنسان بنسف الكثير من القناعات،وفي إشارة واضحة لانتصار العلم على معطيات الميثولوجيا واللاهوت ،هو ان الطبيب في القصة والذي يمثل العلم يعالج الملاك- اللاهوت، أي بمعنى آخر، أن العلم يمتلك الحلول للتساؤلات الدنيوية المطروحة،وعن تقاطع العلم (الطبيب)مع الملاك-(الميثولوجية)،هو قول الطبيب:(من الاستحالة ان يكون حيا)،ويستطيع العلم معالجة الطفل-المستقبل، بعد أن أصابه التلوث من الملاك- اللاهوت، ليشير إلى موت الملاك- وانه زائل لا محالة،لاسيما بعد أن هدمت الشمس والأمطار قن الدجاج،هنا القن رمز للملاك على الرغم من التساوق المتناغم في القراءة التتابعية، التي تتصاعد ضمن النسق الميثيولوجي،فنلاحظ تتابع الخط البياني المتتالي و المتعاظم،الذي يشبه كرة الثلج،كاد أن يشير إلى موت الملاك-القديم،نتيجة لمعطيات الأحداث والوقائع، فضلا عن ان كل الدلائل تشير إلى الموت غير المعلن له، بعد أن هدمت الشمس والأمطار قن الدجاج،فالدلالة السيميائية للشمس تؤشر لتحرر الإنسان من ما هو خرافي وميثولوجي،و وضع المطر رمزا للنماء الجديد،وللحياة الحديثة،إذ لا توجد علاقة فيزيائية لهدم القن بتأثير الشمس ، بل الإشارة إلى زوال الرؤية الماضوية وبعد أن أوشكنا للتسليم بذلك، إلا انه سرعان ما فجر صدمة مهولة بالاتجاه المعاكس،حين أوشك الملاك-الوهم،أن يلفظ أنفاسه الأخيرة(إذ كانوا يطردونه من غرفة النوم بالمكنسة...حتى ظهر لهم انه موجود في عدة أماكن ، في اللحظة نفسها،حتى ظنوا انه صار أكثر من واحد،فكان يولد من نفسه آخرين ينتشرون داخل البيت)!!.
ثمة تناص واع عبر التأكيد على قداسة الرقم ثلاثة،جاء ذلك بقصدية التكرار في حيثيات النسق الميثولوجي،للإحالة إلى النموذج الأول،(في اليوم الثالث لهطول المطر)...(كان العالم حزينا منذ الثلاثاء)إذ يبدأ الأسبوع من يوم الأحد،(عندما أمطرت السماء لثلاثة أيام) ثم يعزز الإحالة (أفاق فزعا وهو يدمدم بلغته الآرامية والدموع في عينيه)....(لم تطاوعهم قلوبهم على ضربه بالهراوات حتى الموت) أي المقاربة بالتشابه في العذابات التي تلقاها،...وفي النهاية(ومع بواكير كانون الثاني- بداية السنة الميلادية –نبتت له بعض الريش الكبيرة الصلبة).
وهكذا يتلاعب ويتقافز بين ما هو ميتافيزيقي ومادي، الشك واليقين ،وفي النهاية،
(ظلت تراقبه وهي لا تزال- تقطع البصل-واستمرت تراقبه حتى حين لم يعد بامكانها رؤيته ،لأنه عند ذاك لم يعد يمثل أي قلق لحياتها بل مجرد نقطة خيالية في أفق البحر(.
هكذا هو الإنسان في النص يلهث نحو الحقبقة ألا انه في دوامة من الغموض والشك والريبة بالمحيط الغامض والمضبب.
كذلك يسخر من المخيال الشعبي حين يوجد مسوغات أو تبريرات تبدو أحبانا ساذجة للظواهر الاجتماعية والطبيعية،فيعزو ذلك إلى خلل إنساني ما، يستوجب العقوبة، (امرأة تحولت إلى عنكبوت ) إذ أنها عندما كانت صغيرة- وعمليا هي ما زالت – رقصت الليل بطوله بدون اذنهما فحولتها السماء إلى عنكبوت لأنها عصت والديها وكل جريرتها إنها رقصت لتعبر عن حالة من الرقي والسمو الإنساني إذ تحركت بمساحات واسعة من الحرية والانطلاق البريء ،إلا إن العقوبة جاءت قاسية واعتباطية علامة الانزياح هذه رؤية استفزازية صارخة، كوميديا سوداء،كان لاختياره المكان والشخوص كيما يؤكد أنهم ينتمون إلى قاع المجتمع، إذ أن الأثرياء هم غير معنيين بالبحث عن مخلص، وضعنا حيال مجتمع ما يزال أسير فكر بطياريكي يقدس العائلة ولا يحترم الإرادة الفردية.
الا ان الكاتب يضعك في حرك دائب ومستمر،يكشف لك عن مستجدات تعتقد انك أمسكت بها ألا أنها سرعان ما تتبدد، فيها مساحات واسعة،تحتاج لمليء الفراغ.
يقول ستانلي روبن هوبر:إن الأفكار التي تحفزنا في الوقت الراهن هي الأيديولوجيات التي تفتقر إلى المغزى الروحي وليس الأساطير وباعتقادي ،أن فقدان الوعي الأسطوري هذا هو الفقدان الأكثر تدميرا والذي يمكن أن تقاسيه البشرية،فالوعي الأسطوري هو الرابط الذي يربط الناس مع بعضهم البعض ومع الغيب المجهول الذي انبثق منه الجنس البشري والذي يصير المعنى العميق للأشياء خرابا دون ربطها به والعالم المفتقد لمعنى عميق يصعب تحمله طويلا،إذ أنهم يتمسكون بأية أسطورة أو شبه أسطورة.



#عبد_الجبار_خضير_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد الجبار خضير عباس - هرم ذو أجنحة مهولة ...زحزحة لقناعات راسخة