أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - تفعيل الكراهية















المزيد.....

تفعيل الكراهية


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1738 - 2006 / 11 / 18 - 11:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تفعيل الكراهية

يتحدث البعض في عالمنا العربي كثيرا عن لغة السلام والتعايش والمحبة، وكلما زادت ضربات الآخرين للعرب، وزادت أعداد ضحايانا، زاد حديث هؤلاء وانتشرت كتاباتهم الخانعة الذليلة. ففي قمة قتل الفلسطينيين وذبحهم على مرأى ومسمع من العالم، نجد أقلام هؤلاء تقطر محبة وسلاما ورومانسية، وكأن هؤلاء الذي يُذبحون لا يمتون بصلة للمنطقة العربية، وكأنهم من بقايا سلالات يجب التخلص منها وإبادتها.

اللافت للنظر هنا أن أعداد هؤلاء الكتاب في ازدياد، فكلما ضعف العالم العربي استشروا في كافة أرجائه، وازدادت جرأتهم عليه، وعلى عاداته وثقافاته وتقاليده وتاريخه. كما أنهم كلما ازدادوا تطاولا على العالم العربي وأمعنوا في تحقيره، ازدادوا خنوعا وتزلفا للآخر الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة. بل إن بعضهم يصل به الأمر إلى حد الندب والولولة على القتلى الإسرائيليين والأمريكيين في المنطقة، مستعرضا نزعاته الإنسانية المبتذلة التي لا تظهر لنا إلا في معرض الدفاع عن إسرائيل وأمريكا.

إن هؤلاء المتحدثين عن خطابات الحب والسلام وسط شلالات الدم التي يدفع ثمنها العربي المعاصر، وبشكل خاص في فلسطين، هم دعاة تخدير وتغريب للواقع العربي المعيش، ومتواطئون مع الآخر الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة. فالمرء يستغرب من تلك المساحات الضخمة التي تُفردها العديد من الصحف العربية، وبشكل خاص المدعومة ماليا بدرجة كبيرة من بعض العواصم العربية، لهذه النوعية من الكتاب الذين ليس لهم هم سوى الحديث عن السلام والعقلانية والحب وما شابه ذلك من تلك الكتابات المدفوعة بالرغبة الخبيثة في تمويه واخفاء حقيقة ما يحدث في الواقع العربي المعاصر، والرغبة في التطبيل والتهليل لأنظمة عربية بعينها.

لماذا يُطالب العربي بالسلام وبالحب وبالتعايش السلمي مع الآخرين؟ ولماذا يُطالب بأن يغض الطرف عما تقوم به إسرائيل وأمريكا في المنطقة العربية؟ ولماذا يُطالب بأن يندد ويشجب ويشعر بالذنب حينما تُصاب إسرائيل أو أمريكا بسوء، بينما يمر مرور الكرام أمام الضحايا من أبناء عروبته، ويقبل ما يحدث لهم خانعا صاغرا؟ لماذا لا يحق للعربي أن يعلن فرحته بما يصيب إسرائيل، وبما يحل بأمريكا من كوارث ومصائب وقتل؟ لماذا يريد البعض حتى أن يقمع تلك المشاعر الطبيعية الناجمة عن عدوانية الآخر الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة؟

منطق غريب أن يصادر البعض هذه المشاعر الطبيعية المرتبطة بالصراع الحضاري الوجودي مع الآخر المتعالي المتغطرس في المنطقة. ولعل هذا المنطق يتسق مع تلك المساحات الكبيرة الممنوحة لهذه النوعية من الكتاب الذين ليس لهم هم سوى الترويج لخطاب السلام المترهل الباهت المستنفذة معالمة، والمشوهة ملامحة. هذا الخطاب الذي صال وجال طوال الأشهر الماضية ضد حماس متهما إياها تارة باللاعقلانية، وتارة بالعنف، وتارة بالرغبة في تدمير إسرائيل. وهو الخطاب نفسه الذي صال وجال ضد حزب الله، متهما إياه بأنه سبب كل كوارث المنطقة، متجاهلا مئات الأطفال اللبنانيين الذي ماتوا ومازالوا يموتون بالأسلحة الإسرائيلية الأمريكية المحرمة دوليا. وهو الخطاب نفسه الذي يصمت الآن صمت الأموات تجاه الفيتو الأمريكي ضد قرار إدانة إسرائيل على مذبحة بيت حانون.

إن الصراع الفكري الدائر في العالم العربي الآن، لم يعد موجها فقط ضد الأعداء البارزين الواضحين مثل إسرائيل وأمريكا، ولكنه صار يستلزم حربا فكرية أخرى ضد هذه النوعية من الكتاب، وكلاء إسرائيل وأمريكا في المنطقة. وتستلزم هذه الحرب قواعد جديدة، وآفاق حديثة؛ فقواعد الصراع الفكري القديمة لم تعد صالحة لما تستوجبه المستجدات الجديدة، وتعدد أطراف الصراع القديم منها والجديد.

وربما يبدو الثابت وسط هذا الصراع الوجودي بيننا وبين إسرائيل، وبالتبعية أو بالأساس أمريكا، هو تلك الكراهية المتأصلة في وجدان الشعب العربي ضد كل ما يمت بصلة لإسرائيل في المنطقة. فعبر ما يزيد على الخمسة عقود من الزمان لم تستطع محاولات العديد من وكلاء إسرائيل والغرب في المنطقة تخفيف حدة الكراهية لهما في العالم العربي، رغم بعض النجاحات التي حققوها في هذا السياق.

واللافت للنظر هنا أن هذه الكراهية قد استمرت بدرجة كبيرة بسبب ما تقوم به إسرائيل من قمع وقتل ومجازر، لن يكون آخرها هنا مجزرة بيت حانون. فإسرائيل قدمت مادة ثرية لتدعيم الكراهية لها من قبل المواطن العربي العادي، رغم أحاديث السلام التي يمطرنا بها وكلاؤها في المنطقة. ورغم جهود المثقفين العرب، المصريين منهم على وجه الخصوص، في رفض دعوات التطبيع وفتح قنوات الاتصال مع إسرائيل، فإن عدوانية إسرائيل كانت هى السبب الرئيس في استمرارية كراهيتها في المنطقة.

فالظروف القاسية التي يعايشها المواطن العربي اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا قد أضعفت من درجة الوعي السياسي والثوري له، وهو الأمر الذي يمكن أن يجعله في كثير من مناحي حياته اليومية ينسي القضية الفلسطينية، لولا تلك المجازر الإسرائيلية المتلاحقة التي تمده بأحاسيس ومشاعر جديدة نحو الفلسطينين، ونحو الممارسات الإسرائيلية الدموية. فالمواطن العادي في النهاية رهن بالظروف المجتمعية التي يعايشها، والتي تلعب دورا كبيرا في إعادة صياغة توجهاته السياسية والأيديولوجية المختلفة، بما فيها الموقف من إسرائيل ووجودها الاستعماري في العالم العربي.

ويلقي ما سبق مسئوليات كبيرة على عاتق المثقفين الحقيقيين الرافضين للتطبيع والكارهين لإسرائيل والوجود الأمريكي في المنطقة، من حيث ضرورة تفعيل هذه الكراهية والعمل على عدم اضعاف جذوتها. فالملاحظ أن الجماهير العربية تزداد حماسة مع كل مجزرة إسرائيلية ضد الفلسطينيين، ثم ما تلبث أن تهدأ في انتظار مجزرة جديدة. وهنا يأتي دور المثقف الذي يجب أن ينضوي ضمن الجماهير، يستشعر حسها، ويراهن عليه. كما يعمل على تنوير الجماهير بالممارسات الإسرائيلية ضد العرب والفلسطينيين عبر العقود الخمسة الماضية بما يؤدى إلى توسيع مداركها من ناحية، والعمل على ترسيخ حدة الكراهية ضد اسرائيل في المنطقة من ناحية أخرى.

وحتى لا تكون هذه الكراهية عبئا على نفسية المواطن العربي، وحتى لا يُساء فهمها، فإنها يجب أن تكون قائمة على أسس علمية وموضوعية في الوقت نفسه. فكما يطرح الوكلاء مشاريع السلام والتعايش والمحبة بعقلانية وببرود، علينا أيضا أن نطرح مشروعات الكراهية بعقلانية وببرود. من هنا فإن تقنين وتفعيل الكراهية لا يجب أن يكون مرتبطا فقط بما تمارسه إسرائيل من مجازر ضد العرب والفلسطينين، لكنه يجب أن يتجاوز ذلك إلى تناول التاريخ الدموي لإسرائيل في المنطقة. كما يجب أن يربط ربطا واضحا لا لبث فيه بين ممارسات إسرائيل وبين الدور الأمريكي في المنطقة، بحيث لا يجب أن يتم الفصل فيما بينهما في هذا السياق.

إن استخدام كافة وسائل الإعلام، الخاص منها والعام، إضافة إلى مواقع الإنترنت، في الصراع الفكري والسياسي ضد إسرائيل، مسألة على درجة كبيرة من الأهمية. فوكلاء إسرائيل وأمريكا في المنطقة يعتمدون على الإنترنت بشكل كبير من خلال نشر مقالاتهم وأفكارهم بشكل دائم ومتكرر ومستمر، وهو ما يجب أن يقوم به المثقفون العرب في معركتهم ضد إسرائيل وأمريكا ووكلائهما في المنطقة. كما يجب علينا في هذا السياق ألا ننسى توعية الأجيال الجديدة بممارسات إسرائيل، وتكريس وضعية الكراهية هذه في عقليتهم. وعلينا أن نُذكر من يفغر فاه الآن، أن هذا هو ما تقوم به إسرائيل نحو الأجيال اليهودية الجديدة.

إن معركة تقنين وتفعيل الكراهية ليست معركة نظرية فكرية بحتة، بل إنها يجب أن تكون معركة حضارية ترتبط بالدعوة للعلم والحرية والديمقراطية والتطور الاقتصادي والسياسي والثقافي. فاليابانيون لم يحبوا أمريكا وهم يتفوقون عليها اقتصاديا، لكنهم وجهوا كراهيتهم لها من أجل التفوق عليها. فتفعيل الكراهية المقصود هنا لا يجب أن يكون تفعيلا مجانيا، بقدر ما يجب أن يكون عامل تقدم وتطور ورغبة في هزيمة إسرائيل، إن لم يكن عسكريا، فعلى الأقل حضاريا وعلميا. ولعل هذا هو ما يؤكد على أهمية دور المثقفين الراغبين في الخروج من وهدة التخلف العربي المجتمعي الشاملة، والراغبين في وقف شلالات الدم العربي التي تريقها إسرائيل ليل نهار، ورد الصاع صاعين لها أن أمكن.

إن الحفاظ على زخم هذه الكراهية في كافة المؤسسات الاجتماعية التعليمية والمدنية والإعلامية المختلفة يمثل حائط الدفاع الرئيسي ضد وكلاء إسرائيل وأمريكا في المنطقة، كما أنه يمثل أيضا خط الدفاع الرئيسي ضد المشروعات التفتيتية القادمة والمرسومة للمنطقة. وربما تمثل هذه الدعوة نحو تفعيل الكراهية بداية الرغبة في التغيير والصراع الحضاري الوجودي مع إسرائيل في العالم العربي. وفي هذا السياق، تبدو المسئوليات الواقعة على عاتق المثقفين الشرفاء أكبر وأجل من أى وقت مضي في أمتنا العربية.

د. صالح سليمان عبدالعظيم
كاتب مصري



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- للمرأة الفلسطينية كل الإجلال
- قراءة في بيان الليبرالية الجديدة
- الشخصية العربية المعاصرة، قراءة أولية
- 11 سؤال عن 11 سبتمبر
- إدوارد سعيد ونقد -الاستشراق-


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح سليمان عبدالعظيم - تفعيل الكراهية