أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نوال السعداوي - نحو فلسفة إنسانية لإحياء الضمير ج2















المزيد.....

نحو فلسفة إنسانية لإحياء الضمير ج2


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 45 - 2002 / 1 / 25 - 19:54
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


(العنوان: نحو فلسفة إنسانية لإحياء الضمير . الديموقراطية الليبرالية قد تعلن مظاهر سقوطها... من الولايات المتحدة الأميركية (2 من 2) )
(الكاتب: نوال السعداوي )
(ت.م: 25-01-2002 )
(ت.هـ: 11-11-1422 )
(جهة المصدر: )
(العدد: 14191 )
(الصفحة: 10 )

الدراسات المقارنة تؤكد التشابه الكبير بين الأديان، خصوصاً الأديان السماوية الثلاثة، وهناك الكثير من المبادئ الإنسانية في هذه الأديان كالعدل والرحمة والمحبة والسلام تكاد تشبه ما ورد في فلسفة إيزيس ونوت، وهناك نصوص في كتاب التوراة تشبه أناشيد أخناتون ونفرتيتي، وصورة العذراء مريم تحمل المسيح تكاد تكون نسخة مكررة من صورة إيزيس تحمل طفلها حورس، وقد تحول الثالوث المقدس بعد نشوء النظام الطبقي الأبوي الي الأب والإبن والروح القدس (الأم المختفية وراء حجاب) بعد أن كان في الأصل: الأم والإبنة والروح القدس (الأب المجهول).
(...) النبي موسي (...) أمه هي التي أنقذته من الموت علي يد فرعون وهي التي أرضعته وعلمته وجعلته نبي اليهود، والمسيح (...) كانت أمه السيدة مريم هي التي انقذته من الموت وهربت به الي مصر (...)، ونبي المسلمين محمد (ص) ماتت أمه وهو طفل، لكنها توقعت نبوته وهو في رحمها، وتزوج في العشرين من عمره من السيدة خديجة التي كانت تكبره بعشرين عاماً، فأصبحت له بديل الأم ربته وعلمته وأنفقت عليه من مالها وعلمها، حتي نزل عليه الوحي في غار حراء فأسرع إليها ينتفض قائلاً: دثروني دثروني ، فأخذته في حضنها كالأم وطمأنته، وكانت أول من ناداه يا رسول الله. إلا أن مساهمة الأم ودورها في حياة الأنبياء اندثرا في التاريخ الأبوي الطبقي، وأصبح الأب هو الأصل وهو الأساس. (...).
لقد استطاع (...) تقدم تكنولوجي كبير في وسائل الإتصال والإعلام أن يجعل هذا العالم بمثابة القرية الواحدة، وأصبحت الأحداث في أي مكان في العالم مقروءة ومرئية في اللحظة نفسها فوق الشاشة الصغيرة في قرية مصرية علي ضفاف النيل مثل قرية أخري علي ضفاف نهر المسيسيبي وغيرهما من الأنهار والقري والمدن في العالم شرقاً وغرباً. إلا أن هذا التقدم العلمي التكنولوجي لم يحقق السلام ولا العدل ولا الحرية ولا الحب، بل أصبح في خدمة الآلة العسكرية التي تخدم مصالح النظام الرأسمالي والأبوي الذي لا يهدف إلا إلي الربح علي حساب أرواح الآلاف والملايين من البشر.
وشهدتُ في حياتي منذ ولدت في بداية الثلاثينات من القرن الماضي عدداً من الحروب الاستعمارية، حرب 1948 لإنشاء دولة اسرائيل وقتل وتشريد الشعب الفلسطيني، حرب 1951 ضد الاحتلال البريطاني في قناة السويس، وحرب 1956 حين غزت مصرَ الجيوشُ البريطانية والفرنسية والإسرائيلية ومن خلفها الولايات المتحدة، ثم حرب 1973 حيث كاد الجيش المصري أن يسترد الأرض المسلوبة في سيناء لولا التدخل الأميركي لتدعيم اسرائيل، ثم حرب الخليج 1991 (...)، وكم قتل من الشباب المصري والعربي في هذه الحروب. ونحن نشهد اليوم مـاذا يفعـله النظام العالمي الأميركي لإبادة الشعب الفلسطيني، وماذا فعل في أفغانستان منذ الحرب المقدسة ضد الإلحاد في الثمانينات من القرن الماضي، كيف لجأ إلي زراعة الأفيون والإتجار به لتمويل العمليات العسكرية وزيادة الأرباح الرأسمالية، إلي حد أن أصبح إنتاج الأفيون في أفغانستان يمثل ما يزيد علي 57 في المئة من أفيون العالم، ويشجع هذا النظام علي نشر البغاء والمخدرات بين الشباب والشابات وتحطيم حياتهم وعقولهم، ليس في أفغانستان وحدها بل في العالم كله.
ونقل الاستعمار الأميركي الجديد من الاستعمار البريطاني القديم هذه الوسائل البربرية غير الإنسانية للإبادة الجماعية لأجساد البشر وعقولهم وأرواحهم. ألم يلجأ الاستعمار البريطاني إلي حرب الأفيون في الصين؟ ألم يلعب بورقة الدين لخلق الصراعات وتمزيق وحدة الشعوب من أجل السيطرة والاستغلال؟ أليس مبدأ فرّق تسد هو السائد في الماضي والحاضر عالمياً ومحلياً؟ ألم تلجأ الحكومات المحلية بما فيها الحكومات العربية لفرض التفرقة والانقسامات بين الشعب الواحد من أجل السيطرة والاستغلال؟ وهل تختلف الحكومات المحلية أو العربية عن غيرها من الحكومات؟ أليست هي حضارة واحدة غير متحضرة هي التي تحكم العالم شرقاً وغرباً؟
آن الأوان لإدراك أن الغرب ليس كله صليبياً مسيحياً يهودياً، وأن الشرق ليس كله إسلامياً إرهابياً عاجزاً عن التحضر، هذه التقسيمة غرب/شرق أصبحت مضللة مثل غيرها من التقسيمات.
تتصاعد التظاهرات الشعبية في عواصم العالم غرباً وشرقاً منذ التظاهرات في مدينة سياتل في تشرين الثاني (نوفمبر) 1999، وتتميز هذه التظاهرات بقدرتها علي تجاوز التقسيمات التي فرضت علي البشر لتمزيق وحدتهم الإنسانية تحت اسم الدين أو الجنس أو الجنسية أو العرق أو اللون أو الطبقة أو المهنة أو الشهادة العلمية أو غيرها. لقد ذابت هذه الفروق المصنوعة بين الناس من أجل مقاومة الظلم الرأسمالي الأبوي الذي تجسّد في قوانين منظمة التجارة الدولية والبنك الدولي وغيرهما من المؤسسات المسيطرة علي شعوب العالم غرباً وشرقاً.
هذه الحركات الشعبية الجديدة في طريقها إلي النمو واكتساب مزيد من القوة والوعي والتنظيم كلما تكشفت مخاطر هذه الحضارة الرأسمالية الأبوية، واكتسبت هذه الحركات الشعبية اسماً جديداً هو العولمة من أسفل أو العولمة من قاعدة الهرم، لمقاومة العولمة الرأسمالية الاستعمارية القابعة فوق قمة الهرم، والتي تملك الأسلحة النووية والشركات التجارية الكبري تملكها قلة قليلة من الأفراد يمثلون الطبقات الحاكمة غرباً وشرقاً (...). ولحماية هذه القلة الثرية ينفق العالم سنوياً 700 بليون دولار علي الحرب والتسليح. وهي تساوي أربعين ضعف ما ينفق علي الصحة أو التعليم أو توفير الماء النقي.
تعتمد الفلسفة الطبقية الأبوية منذ العبودية علي ما يسمي المساعدة أو المعونة للفقراء والمعدمين واليتامي والمساكين، تحت اسم الرحمة أو الشفقة، وهي كلمات تضليلية توحي بالإنسانية وهي في حقيقتها كلمات تزيد من إذلال الفقراء فاليد العليا خير من اليد السفلي، وهي كلمات مضللة أيضاً لأنها توحي للفقراء أنهم يعيشون من فضل الأثرياء ومن كرمهم ومن خيرهم أو علي حسابهم، في حين أن العكس هو الصحيح، ذلك أن ثراء الأغنياء ليس له مصدر إلا العمل المنتج الذي يقوم به النساء والرجال الفقراء.
وتقوم النساء في العالم بالإنتاج الزراعي والصناعي والخدمات بما يزيد علي 56 في المئة من العمل المنتج، مع ذلك لا يحصلن إلا علي 5 في المئة فقط من دخل العالم، مما يفرض عليهن أن يعشن عالة علي الرجال داخل الأسرة، في حين أن الحقيقة غير ذلك، لأن إنتاج النساء داخل البيوت وخارجها أكثر من إنتاج الرجال، لكن غالب الأعمال النسائية غير مدفوع الأجر.
وبدأت الحركات النسائية في مختلف البلاد غرباً وشرقاً تكشف هذه الحقيقة، كما بدأ فقراء العالم في البلاد التي أطلق عليها البلاد الفقيرة (في ما سمي العالم الثالث)، تكشف عن زيف الحقائق التي تروجها الحكومات الرأسمالية الاستعمارية، علي رأسها أن فقراء العالم الثالث يعيشون علي معونات العالم الذي أطلق عليه العالم الأول، وكأنما العالم الثالث يعيش عالة علي العالم الأول كما تعيش المرأة عالة علي الرجل. لكن الحقيقة غير ذلك، وهي أن موارد العالم الثالث نهبت بواسطة الاستعمارين القديم والجديد، وأن هذه المعونة ليست إلا جزءاً يسيراً من الأموال المنهوبة، اضافة إلي أن جزءاً كبيراً من هذه المعونة أو القروض يعود بالفائدة علي القوي المسيطرة دولياً ومحلياً، ولا يصل للمعدمين المساكين إلا الفتات.
لهذا بدأت الشعوب في العالم الثالث أو ما سمي الجنوب ترفض هذه المعونات والقروض، فهي تستنزف الكرامة والموارد المادية تحت إسم تسديد فوائد الديون، وارتفع شعار عدالة التجارة وليس المعونة Fair trade and not aid، وتزايدت التظاهـرات الشعبية لإلغاء ديون العالم الثالث، وفي التظاهرات النسائية العالمية في 8 آذار (مارس) عام 2000 ارتفع شعار يقول: كيف نقارن ديون العالم الثالث بخمسة قرون من النهب الاستعماري وقتل الشعوب في الحروب؟
وأصبحت تظاهرات النساء المتكررة كل عام في اليوم العالمي للمرأة (8 اذار - مارس) من أهم التظاهرات الشعبية، يشارك فيها النساء من مختلف بلاد العالم، وهي جزء من الحركة الشعبية العالمية التي تضرب في جذور النظام الرأسمالي الأبوي في الغرب والشرق، وتكشف عن الترابط الوثيق بين القهر الطبقي والجنسي منذ التاريخ العبودي القديم وحتي اليوم.
ويلعب الإعلام الاستعماري العالمي دوراً في تضخيم حجم المعونات الي الشعوب الفقيرة تحت اسم المساعدات الإنسانية Humanitarian aid، من أجل التمويه علي ما يحدث من قتل وتدمير لهذه الشعوب ذاتها.
وتقود القوي الرأسمالية الأبوية حملة عالمية ومحلية تدعو إلي جمع التبرعات أو المنح المالية أو الدراسية للشعب الأفغاني، وهي حملة تمويهية تغطي علي جرائم الحرب، وتعطي واجهة إنسانية رحيمة لنظام بالغ القسوة والظلم، وقد رفض بعض القطاعات الشعبية الواعية في أفغانستان هذه المعونات، وارتفعت أصوات بعض الرجال والنساء الأفغانيات يقولون: لا نريد المعونات التي لا تفعل شيئاً سوي تصويرنا علي أننا شعب من الشحاذين المتخلفين، وكل ما نريده هو أن يرحل عنا الاحتلال الأميركي العسكري الاقتصادي وأعوانه ممن يسمون التحالف الشمالي ، أليس التحالف الشمالي جزءاً من نظام الطالبان الذي يتاجر بالدين؟ وتقتل النساء تحت اسم الشرف والأخلاق؟
لقد سمعت بأذني عبر أسلاك الهاتف هذه الأصوات النسائية الواعية في أفغانستان، إلا أن الأصوات الأخري المسيطرة علي الإعلام العالمي والعربي تتجاهل هذه الأصوات أو تفرض عليها الصمت.
وأصبح الصوت مع الصورة فوق الشاشة الصغيرة أكثر انتشاراً في العالم من الكلمة المطبوعة، وأكثر تأثيراً، خصوصاً في بلادنا حيث ترتفع نسبة من لا يعرفون القراءة، وتتنافس الدول الكبري والصغري علي إنشاء القنوات التلفزيونية والفضائية، تتغلب في هذا المضمار الدولة الأكثر ثراء وقوة وهي الولايات المتحدة الأميركية، وأصبحت قوة الإعلام الأميركي الأوروبي تساند قوة السلاح، وأصبح تدمير العقل لا يقل خطورة عن تدمير الجسد. وتشتد المقاومة من أجل الحياة ضد آلة الحرب والقتل، كما تزداد الرغبة في المعرفة والفهم ضد محاولات التضليل والتمويه.
ونمت بوادر فلسفة إنسانية جديدة نابعة من الحركات التحريرية ضد الحضارة الرأسمالية الأبوية غرباً وشرقاً، وهي فلسفة بسيطة واضحة متسقة مع المنطق الطبيعي السليم، أساسها البديهيات التي طُمست منذ العبودية، علي رأسها أن الحق فوق القوة، والشعب فوق الحكومة، والبشر في الأصل والطبيعة متساوون في الحقوق الواجبات، لا فرق بين رجل وامرأة أو أبيض وأسود أو حاكم ومحكوم أو مالك ومملوك أو غيرها من الثنائيات وأشكال التفرقة علي أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الجنسية أو الطبقة أو الدين أو العقيدة أو اللغة أو المهنة أو غيرها.
سافرتُ إلي الولايات المتحدة قبل أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 بأسبوع واحد وعشت فيها ثلاثة شهور أقوم بالتدريس في جامعة مونت كلير، والتي لا يفصلها عن برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك إلا نهر هدسون، أو ساعة واحدة بالسيارة، وهكذا عايشت الأحداث عن قرب، وتجولت أيضاً في عدد من الجامعات لإلقاء المحاضرات أو المشاركة في التظاهرات الطالبية الجامعية علي الساحل الأطلسي في بوسطن ونيويورك. إلي الساحل الباسيفيكي في أوكلاند وسان فرانسيسكو، وفي جامعة مونت كلير تكونت لجنة ضد الحرب في أفغانستان تضم عدداً من الطلاب والطالبات والأساتذة والأستاذات، وكنت واحدة من هؤلاء، وقد منحني هذا النشاط السياسي داخل الجامعة كثيراً من الأمل في المستقبل علي رغم خطورة الأحداث وتزايد الصراع العسكري في أفغانستان علي المصالح النفطية في منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطي والبلاد العربية من العراق إلي الصومال. وقد أدت هذه الحركة السياسية التحريرية المعادية للحرب والتي يشارك فيها النساء والرجال والشباب من مختلف البلاد والجنسيات إلي بوادر هذه الفلسفة الإنسانية المناهضة للرأسمالية الأبوية، وهي فلسفة جديدة وقديمة قدم نشوء الضمير الإنساني (...)، وهو الصوت العميق داخلنا الذي يحاسبنا ويرشدنا إلي العدل والحرية والحب والرحمة والجمال.
أدت الفلسفة العبودية غير الانسانية علي مدي قرون إلي إضعاف الضمير الإنساني الفردي والجماعي، من طريق تحويل الصراع ضد الظلم الخارجي السياسي، والاقتصادي إلي الصراع داخل الإنسان بين العقل والجسد، أو بين الجسد والروح، وأصبحت الروح تعني الفضيلة ويرمز الي الإله الذكر، والجسد يعني الرذيلة ويرمز الي الأنثي الآثمة.
وسقطت الفلسفة السائدة المكتوبة في العصور العبودية صريعة هذا الصراع اللانهائي بين الروح والعقل والجسد، أصبحت الفلسفة غارقة في المجردات غامضة، أشبه بالسفسطة الفارغة داخل الغرف المغلقة بعيداً من الحياة في البيت والشارع والتظاهرات الشعبية.
بعبارة أخري انفصلت الفلسفة الرسمية السائدة منذ أرسطو وحتي اليوم عن رجل الشارع ، أو جماهير الشعب في حركتهم اليومية الحية ونشاطهم في نواحي الحياة خاصة النواحي السياسية والثقافية.
وتنطوي كلمة رجل الشارع علي القيم السائدة التي تجعل النشاط السياسي خارج البيت أو في الشارع السياسي هو من نصيب الرجال فقط، لأن كلمة امرأة الشارع تعني المومس أو البغي ، وليس المرأة النشطة سياسياً أو ثقافياً خارج بيتها، كأنما المرأة لا تخرج إلي الشارع إلا لممارسة الجنس، وهو مفهوم قاصر علي النساء الفقيرات أو الجواري أو الإماء اللائي كن يخرجن إلي العمل لتوفير الخبز والطعام لأطفالهن، ويفرض عليهن المجتمع الطبقي الأبوي المهن السفلي ومنها الخدمة في البيوت وتلبية حاجات الرجال الجنسية في بيوت البغاء.
كان العمل خارج البيت مهيناً للمرأة، فهو لا يعني أنها فقيرة وبلا رجل يوفر لها الحماية والمأوي، لكن حركة النساء التحريرية في الغرب والشرق غيّرت هذا المفهوم، وأصبح عمل المرأة خارج البيت قيمة إنسانية لا تقل كثيراً عن قيمة عمل الرجل، كما خرجت النساء إلي الشوارع في التظاهرات الشعبية والنسائية، ولم يعد الشارع مكان المومسات فحسب. نزلت المرأة إلي الشارع من دون أن تفقـد احترامها، وبدأت الفلسفة أيضاً تنزل إلي الشارع من دون أن تفقد احترامها.
لم يعد التفكير مهنة تمارسها قلة محظوظة من المفكرين أو الفلاسفة، وبدأت القيم الطبقية الأبوية تتساقط مع مشاركة الجماهير من النساء والرجال في الأنشطة السياسية والثقافية، وبدأت الفواصل بين الرجل والمرأة تتلاشي، ومعها تتلاشي الفواصـل بـين الجسـد والـروح وغيـرهـا من الثنائيات الموروثة منذ العبودية.
وهناك محاولات لقمع هذه الحركات السياسية والفكرية الجديدة، فالأجهزة القمعية البوليسية لا تقل شراسة وعنفاً عن الأجهزة العسكرية في العالم غرباً وشرقاً، ربما تختلف درجة القمع أو نوعه من بلد إلي بلد، أو يكون مستتراً مثل القمع النفسي الذي يمارس علي النساء الثائرات، ويقود المرأة منهن إلي الانتحار أو المستشفي النفسي وليس السجن.
وكشفت الحركات النسائية والشعبية الجديدة عن زيف القيم السياسية والأخلاقية للنظام الرأسمالي الأبوي، علي رأسها ما سمي بالديموقراطية الليبرالية، التي صورها المفكرون في الغرب من أمثال فرانسيس فوكوياما علي أنها أفضل الأساليب لتنظيم المجتمعات الإنسانية، وأنها مستقبل البشرية، لأنها تتسق مع الرأسمالية واقتصاديات السوق الحرة، وأنها تقود العالم إلي الحرية والعدالة والسلام والحب.
واتضح خلال القرن العشرين أن هذه الديموقراطية الليبرالية لا تقود العالم إلا إلي الحروب والعنف والأرهاب، وأنها لا تستند علي المشاركة الفعلية الشعبية للنساء والرجال الفقراء، بل علي التصويت في انتخابات شكلية خاضعة لأصحاب الأموال والقوي الطبقية الذكورية في المجتمع الرأسمالي.
وثبت لنا خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول وحرب النفط والأفيون الدائرة في أفغانستان أن الحضارة الغربية التي أعطت نفسها اسم الديموقراطية الليبرالية هي في جوهرها حضارة طبقية أبوية، ولن تؤدي إلي السلام القائم علي العدل ولا الي الحريات السياسية والاقتصادية لأغلب قطاعات الشعب، ولا إلي مشاركة الشعب الفعلية في الانتخابات.
وعشتُ الشهور الثلاثة التي تلت أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة وشهدت كيف تراجعت هذه الديموقراطية الليبرالية لتـفرض القيـود علي الشعب الأميركي تحت اسـم الأمن، كيف اجتمع جورج بوش بالمسؤولين الكبار في أجهزة الإعلام وطلب منهم فرض الرقابة علي ما ينشر ويذاع علي الشعب الأميركي، كيف تنكرت الحضارة الأميركية للمبادئ الديموقراطية الليبرالية التي تشدقت بها منذ القرن قبل الماضي، كيف شرعت الحكومة الأميركية الاعتقال من دون دليل لمجرد وجود شبهات، كيف زجت في السجون أبرياء من الرجـال والنسـاء من دون تحقيق، وتقديمهم للمحاكمة السرية أمام المحكمة العسكرية من دون أن يكون لهم حق الدفاع القانوني، كيف لجأت إلي تكنولوجيا التعذيـب الجسمـي والعقـلـي والنفسي للمسجونين والمسجونات للحصول علي المعلومات، وهذا يؤكد أن هذه الديموقراطية الليبرالية هشة ومزيفة ولا تختلف كثيراً عن الفاشية ونظم الحكم الشمولية والدكتاتورية العربية وغيرها، ولا غرابة في ذلك فهي قائمة علي الظلم والازدواجية، أساسها القيم الرأسمالية الطبقية الأبوية الموروثة عن العبودية.
كشفت الحركات النسائية والشعبية الجديدة في الغرب والشرق أن العالم في حاجة إلي فلسفة إنسانية تقضي علي القيم الطبقية الأبوية، وتبني قيماً إنسانية جديدة قائمة علي العدل والسلام والحب، وإلغاء جميع الثنائيات والتقسيمات بين البشر.


ہ كاتبة مصرية، والنص هو الورقة التي قدمتها في افتتاح المؤتمر الدولي السادس لجمعية تضامن المرأة العربية - القاهرة 3-5/1/2002



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو فلسفة إنسانية لإحياء الضمير
- نحو فلسفة إنسانية لإحياء الضمير ج1


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نوال السعداوي - نحو فلسفة إنسانية لإحياء الضمير ج2