أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - نحو فلسفة إنسانية لإحياء الضمير















المزيد.....



نحو فلسفة إنسانية لإحياء الضمير


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 824 - 2004 / 5 / 4 - 08:59
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


هذه الوصية من نوت لابنتها ايزيس: لا أوصي ابنتي التي ستلي العرش من بعدي أن تكون إلهة لشعبها تستمد سلطتها من قداسة الألوهية بل أوصيها أن تكون حاكمة رحيمة عادلة -مصر القديمة- 4988ق.م.، والوصية تعبّر عن الفلسفة السابقة لنشوء النظام العبودي في مصر القديمة منذُ خمسة آلاف عام قبل ظهور الديانتين اليهودية والمسيحية. كان الحكم يقوم على العدل والرحمة وليس على القوة أو السلطة السياسية والاقتصادية والعسكرية التي استمدت قوتها من السلطة الدينية أو قداسة الألوهية. إلا أنّ هذه الفلسفة الإنسانية اندثرت -إلا قليلاً- في مصر القديمة والحديثة تحت ضربات القوى الطبقية الأبوية الصاعدة وقد تخفى الحاكم الفرعوني تحت زي الإله، وأصبح مقدسًا لا يجوز نقده أو محاسبته، مما أدى إلى صعود القوة الحاكمة فوق الحق والمنطق، حتى يومنا. إن الديكتاتورية أو السلطة المطلقة ليست سمة الحكومات في بلادنا العربية أو ما يسمونه اليوم الشرق الأوسط -الأوسط بين مَن ومن- بل هي سمة الحكومات جميعًا غربًا وشرقًا. تختلف درجة الديكتاتورية من بلد إلى بلد، بحسب ظروف كل بلد، وقد يحظى بعض الشعوب في اوروبا وأميركا بحريات شخصية أو فردية تحت اسم الديموقراطية، لكنها ديموقراطية هشة سطحية لا تشمل الحياة السياسية والاقتصادية العامة أو الخاصة، وقد تقتصر أحيانًا على الممارسات الجنسية، مما يؤدي إلى هذه الديموقراطيات المشوهة أو التناقضات الصارخة التي تعيشها النساء والرجال في بعض البلاد. منذُ طفولتي في الثلاثينات من القرن الماضي، وحتى اليوم في بداية القرن الحادي والعشرين وأنا أشهد عمليات القتل الفردية والجماعية تحت -أسماء كثيرة وكلمات- تصف بها الحكومات نفسها في الغرب والشرق على السواء. وتلعب اللغة دورها في إخفاء الحقيقة التي نعيشها، فإذا بالديكتاتورية تتخفى تحت اسم الديموقراطية، والاستعمار القديم والجديد يتخفيان تحت اسم الحماية أو المعونة أو التنمية أو التحديث، والازدواجية أو الفساد أو الكذب يتخفى تحت الشرف والأخلاق والصدق. حين نطق الإنسان -المرأة والرجل- في بداية التاريخ غير المكتوب كانت اللغة تهدف إلى الإيضاح والتعبير عن الرغبات الطبيعية، وعلى رأسها الحب والتعاون وحل المشكلات التي تعترض الحياة في الواقع المعاش. كيف تحوّلت اللغة من أداة للوضوح والفهم والمعرفة إلى أداة للإخفاء والتمويه والتعمية؟ اللغة هي رموز تهدف إلى التعبير عن الواقع، واختزال الأشياء الضخمة الحجم إلى رسومات أو أرقام أو حروف يمكن قراءتها على الحجر أو الورق أو الشاشة أو ديسك الكومبيوتر. وهنا تكمن خطورة اللغة أو غيرها من الرموز التي تشكّل الفكر والدين والفلسفة والتأريخ والأدب والطب والهندسة وغيرها من الفنون أو العلوم الإنسانية والطبيعية. لقد فصل الواقع المعاش أو الحقيقة الحيّة التي يعيشها النساء والرجال عن اللغة والدين والفلسفة والتاريخ والأدب والطب وغيرها، واستطاعت الأنظمة الحاكمة في الشرق والغرب منذُ نشوء العبودية -حتى يومنا هذا- أن تستغل هذا الانفصال بين الرمز والحقيقة من أجل طمس الحقيقة وتعمية عقول النساء والرجال عن الواقع المعاش، مما يمكن أن نسميه -حجاب العقل- وهو أخطر من حجاب الوجه لأنه غير مرئي بالعين وغير ملموس باليد وبالتالي يبدو وكأنه غير موجود. حين تختفي أداة القمع أو القتل يصبح من الصعب التصدي لها ومقاومتها، ومن هنا خطورة حجاب العقل الذي فرض على النساء والرجال تحت اسم الفكر أو الفلسفة أو الأخلاق أو السياسة أو الثقافة أو غيرها. منذُ بداية التاريخ المكتوب دخلت قيم العبودية أو الطبقية الأبوية داخل علم الفلسفة والأخلاق والقانون العام في الدولة والقانون الخاص في الأسرة، وأصبحت الازدواجية والثنائيات العبودية هي أساس التفكير الفلسفي أو ما سمي بالعقل. هكذا تخفت تحت اسم العقل فلسفة غير عقلانية، وبالتالي غير إنسانية فرضتها الأنظمة الحاكمة وأتباعها من الفلاسفة والمفكرين منذُ حكومة أمون في مصر القديمة حتى حكومتي جورج بوش الأب والابن في الحكومة الأميركية الحديثة. وفي اليونان القديم سيطرت الفلسفة العبودية على عقول الفلاسفة، كأفلاطون وأرسطو، والذين عاشوا في حماية السلطة الحاكمة، أما الفلاسفة الآخرون الذين قاوموا هذه الفلسفة غير الإنسانية فقد انتحروا في السجون أو قتلوا تحت تهمة المساس بالذات العليا المقدسة، الملك أو الامبراطور، الذي تخفى تحت زي الإله. وهنا كانت الخطورة ولا تزال حتى اليوم، تحت اسم المقدس دثرت الفلسفات الأكثر إنسانية والأكثر عقلانية التي قاومت الفكر العبودي بأشكاله المختلفة التي تطورت عبر القرون لتصوغ الفلسفة الرأسمالية الطبقية الأبوية الحديثة وما بعد الحديثة، هذه الفلسفة التي تعتبر فيلسوف العبودية في اليونان القديم مثالها الأعلى، وهو أرسطو -384-322ق.م- الذي تصور أن العبودية أمر عادل تتطلبه طبيعة العبد وطبيعة المرأة. أصبحت العبودية هي العدل، وهي الطبيعة، وهي العقل أو الفلسفة أو المنطق، ودخل الظلم في التاريخ تحت اسم العدل، ودخل اللامنطق تحت اسم المنطق أو العقل، وكان لا بدّ من تشويه الطبيعة وتطويعها لتواكب هذه الفلسفة غير الإنسانية غير المنطقية. لقد أدى حجاب العقل إلى تشويه العقل والجسد والروح في تلاحمها الطبيعي داخل الإنسان )المرأة والرجل(، وانتشر في التاريخ الفلاسفة )من النساء والرجال( الذين قاوموا العبودية منذُ نشوئها حتى اليوم، منذُ -نوت- و-إيزيس- و-أخناتون-و-تي- و-نفرتيتي- و»هيباثيا« الذين قضي عليهم وحطمت فلسفاتهم الأكثر إنسانية في مصر، إلى ديموقريطس في اليونان، وإبن رشد في شمال افريقيا، حتى المفكرين في يومنا هذا من النساء والرجال الذين يقاومون الفكر الرأسمالي الطبقي الأبوي الذي يتخفى تحت اسم براق جديد هو الفلسفة ما بعد الحديثة، تلمع فيها أسماء من أمثال صمويل هنتنغتون، وتلعب تكنولوجيا الاتصالات والأقمار الاصطناعية في نشر أفكارهم شرقًا وغربًا هكذا يصبح حجاب العقل مشكلة عالمية، وليسَ فقط مشكلة عربية أو افريقية أو إسلامية كما يتصور بعض الناس، أو كما يحاولون تصوير التخلف الحضاري كأنما هو مرتبط بالإسلام، أو كأنما الإسلام هو وراء الفكر الفلسفي العاجز عن مواكبة الحداثة أو ما بعد الحداثة واعتبار عصرنا هو عصر الإرهاب الإسلامي أو الصراع بين الإسلام والغرب. وتكمن خطورة هذا الفكر المفروض علينا بالآلة الإعلامية الرأسمالية الأبوية أنه يحجب عن عقولنا الأسباب الحقيقية للصراع الدموي الذي يسود العالم، ويسوق أسبابًا سطحيةومزيفة تزيد من كثافة حجاب العقل، إلى الحد الذي أصبحت فيه اللغة المكتوبة في الصحف السائدة غير مفهومة حتى لمن يكتبونها. سألت أحد الكتاب المصريين المعروفين جدًا -ينشر مقالاً أسبوعيًا طويلاً، في جريدة كبرى مع صورة كبيرة- عن معنى ما يكتبه عن العولمة فإذا به لا يفهم ما يكتبه، واحمر وجهه بالغضب لأني أوجه إليه الأسئلة، وهو فوق التساؤل أو المحاسبة مثل الآلهة والملوك ورؤساء الدول. المشكلة الأساسية التي تواجهنا هي كيف نرفع هذا الحجاب الكثيف عن عقول المفكرين الكبار قبل غيرهم من عامة الشعب؟ أو كيف نصوغ فلسفة إنسانية لإحياء الضمير الذي أصابه الضمور أو الموت؟ لا أحد يمكن أن ينكر أن العدل غائب في عالمنا الراهن دوليًا ومحليًا، وأن الحرية أو الديموقراطية الحقيقية غائبة، وأنّ المذابح البشرية لا تكف، والعنف أو الإرهاب يتسع ليشمل البلاد شرقًا وغربًا، ومع ذلك فإنّ غالب المفكرين لا يزالون يلوكون مبادئ الفلسفة الطبقية الأبوية الرأسمالية في الغرب والشرق، وقد عشت في نيويورك ونيوجيرسي خلال الشهور الأربعة الماضية وشهدت أحداث 11 أيلول )سبتمبر( 2001 عن قرب شديد، وعشت مخاوف الشعب الأميركي مما أطلق عليه اسم »الإرهاب الإسلامي« وعدت إلى الوطن منذ أسابيع قليلة وعشت مخاوف الشعب المصري والشعوب العربية مما أطلق عليه »الإرهاب الأميركي والإسرائيلي«، وهناك ما يسمونه »الحرب الصليبية المسيحية واليهودية-
يغذي هذا الصراع الذي يتخذ شكل الصراع الحضاري بين الغرب والشرق، أو الصراع الديني بين الإسلام والمسيحية واليهودية معظم المفكرين في بلادنا العربية الذين يعيشون داخل الغرف المغلقة غارقين في المجردات، أو ناقلين عن مفكري الغرب من دون فهم أو من دون تحليل عميق للأحداث الجارية في الواقع المعاش وسألت المفكر المصري الشهير -الذي ينشر صورته ومقاله الطويل أسبوعيًا- عن رأيه في قضيةطفل نزف حتى الموت بعد عملية ختان، ورأيه في قضية طفلة قتلها أهلها لأنها خلعت الحجاب، ورأيه في قضية حبس أو محاكمة كاتب لأنه مسّ الذات العليا، ورأيه في قضية استيلاء أحد رجال السلطة في قريتي على قطعة أرض صغيرة تملكها إحدى الفلاحات، ورمقني المفكر الكبير وهو يمط شفتيه إلى الأمام معلنًا أنه لا ينشغل بهذه القضايا الصغيرة لأنه مشغول بالقضايا الكبرى وعلى رأسها العولمة. وتذكرت »أرسطو« حين ذهب إليه أحد الفلاحين يشكو أحد رجال السلطة في اليونان لأنه استولى من دون حق على قطعة أرض لإطعام أطفاله، صرفه أرسطو قائلاً إنه مشغول بالكرة الأرضية كلها وليس بقطعة أرض صغيرة. استطاع أرسطو منذُ القرن الرابع قبل ميلاد المسيح أن يُدخل قهر المرأة ووضعها الأدنى في الفلسفة والقانون، حين أعلن أن المرأة لا تسهم في صنع الجنين الا بمادة خام غير حيّة -وعاء الرحم- أما الرجل فهو وحده الذي يمنح الحياة للطفل، هكذا أصبحَ الحق القانوني للأب فقط، أصبح اسم الأب هو الذي يعطي للأطفال الحياة والشرف والشرعية والجنسية والدين، وضاعَ حق الأم تمامًا واندثر اسمها وفكرها وجهودها في التاريخ القديم والحديث حتى يومنا هذا. لقد ضربت الحركات النسائية شرقًا وغربًا حين حاولت التصدي للعبودية والقيم الطبقية الأبوية المدعمة لها، وحطمت فلسفة »نوت« المصرية التي سبقت الفلسفة العبودية، ومنحت الإنسان، امرأة ورجلاً، واجبات حقوقًا متساوية في الأسرة والمجتمع وانهارت هذه الفلسفة الإنسانية مع نشوء النظام الأبوي الطبقي، وفقدت مصر استقلالها الفكري والاقتصادي تحت غزوات الاستعمار القديم والجديد، ولم تكف النساء المصريات عن المقاومة حتى اليوم، ولم يكف الفلاحون الاجراء عن المقاومة حتى اليوم، وقد عبر بعض الأغاني الشعبية المصرية القديمة عن قهر الفلاحات والفلاحين تحت نير السلطة المحلية والأجنبية، كهذه الأغنية:
أهو قدرنا المفروض علينا
أن نحمل فوق ظهورنا طوال اليوم
الشعير والقمح الأبيض
لا تزال المخازن مكدسة بتلال الغلة
ولسوف نحمل الزكائب إلى الأبد
في طفولتي في القرية كنت أسير بجوار عمتي الفلاحة وهي تمشي إلى الحقل حاملة زكيبة القطن فوق رأسها أو الزلعة الكبيرة المملوءة بماء النيل، واسمعها تغني مثل هذه الأغنية، إلا أن عبارة »فوق ظهورنا« تغيرت إلى عبارة أخرى هي »فوق رؤوسنا«. ويلعب حجاب العقل دورًا كبيرًا في ترويج الثنائيات والقيم المزدوجة وما يصاحبها من أفكار مضللة كفكرة الصراع بين الحضارات أو بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، ما يحجب عنا الحقيقة، وهي أننا نعيش في عالم واحد وليسَ ثلاثة، وحضارة واحدة هي حضارة رأسمالية أبوية نبعت وتطورت من العبودية القديمة القائمة على الثنائيات الباطلة )على رأسها ثنائية السيد والعبد، المالك والمملوك، الملاك والشيطان، الحاكم والمحكوم، الروح والجسد، السماء والأرض، المؤمن والكافر، الخير والشر، الخطيئة والفضيلة، الذكر والأنثى(. لو تأملنا لغة جورج بوش الابن بعد أحداث 11 أيلول 2001، لاكتشفنا أنها لغة دينية مسيحية تستخدم اسم الله لتعلن الحرب في أفغانستان ضد الشيطان اسامة بن لادن وأعوانه في تنظيم القاعدة، ولا يكف جورج بوش عن الغناء في الكنائس مع أعوانه هذه الأناشيد الدينية السياسية في آنٍ واحد: نحن أمة واحدة تحت الله
(One Nation Under God)
فليبارك الله اميركا (God Bless America) )
وهل تختلف لغة جورج بوش الدينية عن لغة أسامة بن لادن وأعوانه في تنظيم القاعدة؟! ألا يصور كل منهم الآخر على أنه الشيطان الشرير أو الإرهابي غير المتحضر؟! ألا يدّعي كل منهم أن الله معه في حربه المقدسة من أجل الخير والعدل والسلام والتحضر. وأي حضارة هذه التي تؤدي إلى هذه المذابح البشرية في أفغانستان أو العراق أو الصومال أو غيرها؟ كيف تخفت المذابح لإبادة الشعب الفلسطيني تحت اسم معاهدات السلام؟ منذُ نشوء النظام الطبقي الأبوي وحتى اليوم تراق الدماء البريئة من الشعوب نساءً ورجالاً وأطفالاً تحت شعارات دينية ووطنية. لا يوجد فاصل بين الدين والوطن في الشرق أو الغرب، في الإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو غيرها. ينظر جورج بوش إلى الجنود الأميركيين الذين يقتلون في أفغانستان على أنهم أبطال الوطن وشهداء المسيحية، وينظر أسامة بن لادن إلى القتلى من أعوانه على أنهم شهداء الإسلام، وماذا يدهشنا في ذلك التشابه في اللغة والسلوك والهدف بين القادة السياسيين الذين يستخدمون الدين وسيلة لتحقيق أهدافهم العسكرية والإقتصادية، إنّ الدين يخدم السياسة منذُ نشوء الدين والسياسة، وتشمل الكتب الدينية نصوصًا سياسية وثقافية واقتصادية وعسكرية إضافة إلى النصوص الأخلاقية والإجتماعية والشخصية. ربما أوضح مثال على ذلك هو ما جاءَ في التوراة عن التفرقة الصارخة على أساس الجنس، واعتبار حواء هي المسؤولة عن إثم المعرفة وتستحق عقاب الله بأن يسود عليها زوجها، من هنا ارتدت السلطة الأبوية الذكورية رداءً مقدسًا توارثته الأديان الأخرى، وفي التوراة أيضًا جاءت الآية التي شرعت العنصرية بأن رفعت الشعب اليهودي إلى درجة أعلى من شعوب العالم، فأصبح يحمل لقب شعب الله المختار. واستطاعت الآلة الإعلامية الأميركية-الإسرائيلية أن تحجب هذه الحقائق التاريخية عن عقول الناس لتصوّر أن الإسلام وحده مصدر حجاب المرأة، على رغم أنه لا يوجد نص واحد في القرآن الكريم يدعو إلى ختان المرأة أو تغطية رأسها أو شعرها، ولا يوجد نص واحد يقول إن حواء هي سبب الإثم والخطيئة لأنها أكلت من شجرة المعرفة كما ورد في التوراة. إنّ القوة العسكرية المدعمة بقوة إعلامية قادرة دائمًا على قلب الحقائق أو إخفائها، وما دامت القوة هي التي تحكم فلا يمكن لعالمنا البشري أن يعيش في سلامٍ حقيقي قائم على العدل والحرية، ولا بدّ من كشف هذا التزييف الفكري، أو رفع الحجاب عن عقول الملايين شرقًا وغربًا
الدراسات المقارنة تؤكد التشابه الكبير بين الأديان، خصوصاً الأديان السماوية الثلاثة، وهناك الكثير من المبادىء الإنسانية في هذه الأديان كالعدل والرحمة والمحبة والسلام تكاد تشبه ما ورد في فلسفة إيزيس ونوت، وهناك نصوص في كتاب التوراة تشبه أناشيد أخناتون ونفرتيتي، وصورة العذراء مريم تحمل المسيح تكاد تكون نسخة مكررة من صورة إيزيس تحمل طفلها حورس، وقد تحول الثالوث المقدس بعد نشوء النظام الطبقي الأبوي الى الأب والإبن والروح القدس )الأم المختفية وراء حجاب( بعد أن كان في الأصل : الام والإبنة والروح القدس )الأب المجهول(. )..( النبي موسى أمه هي التي انقذته من الموت على يد فرعون وهي التي أرضعته وعلمته وجعلته نبي اليهود، والمسيح)...( كانت أمه السيدة مريم هي التي أنقذته من الموت وهربت به الى مصر)...( ونبي المسلمين »محمد«)ص( ماتت أمه وهو طفل، لكنها توقعت نبوته وهو في رحمها، وتزوج في العشرين من عمره من السيدة خديجة التي تكبره بعشرين عاماً، فأصبحت له بديل الأم، ربته وعلمته وأنفقت عليه من مالها وعلمها، حتى نزل عليه الوحي في غار فأسرع إليها ينتفض قائلاً »دثروني دثروني« فأخذته في حضنها كالأم وطمأنته، وكانت أول من ناداه يا رسول الله. إلا أن مساهمة الأم ودورها في حياة الأنبياء اندثرا في التاريخ الأبوي الطبقي، وأصبح »الأب« هو الأصل وهو الأساس
لقد استطاع تقدم تكنولوجي كبير في وسائل الإتصال والإعلام أن يجعل هذا العالم بمثابة القرية الواحدة، وأصبحت الأحداث في أي مكان في العالم مقروءة ومرئية في اللحظة نفسها فوق الشاشة الصغيرة، في قرية مصرية على ضفاف النيل مثل قرية أخرى على ضفاف نهر المسيسسيبي وغيرهما من الأنهار والقرى والمدن في العالم شرقاً وغرباً. إلا أن هذا التقدم العلمي التكنولوجي لم يحقق السلام ولا العدل ولا الحرية ولا الحب، بل أصبح في خدمة الآلة العسكرية التي تخدم مصالح النظام الرأسمالي والأبوي الذي لا يهدف إلا الى الربح على حساب أرواح الآلاف والملايين من البشر. وشهدت في حياتي منذ ولدت في بداية الثلاثينات من القرن الماضي عدداً من الحروب الاستعمارية، حرب 1948 لإنشاء دولة اسرائيل وقتل وتشريد الشعب الفلسطيني، حرب 1951 ضد الاحتلال البريطاني في قناة السويس، وحرب 1956 حين غزت مصر الجيوش البريطانية والفرنسية والإسرائيلية ومن خلفها الولايات المتحدة، ثم حرب 1973 حيث كاد الجيش المصري أن يسترد الأرض المسلوبة في سيناء لولا التدخل الأميركي لتدعيم اسرائيل، ثم حرب الخليج 1991 )...( وكم قتل من الشباب المصري والعربي في هذه الحروب. ونحن نشهد اليوم ماذا يفعله النظام العالمي الاميركي لإبادة الشعب الفلسطيني، وماذا فعل في أفغانستان منذ الحرب المقدسة ضد الإلحاد في الثمانينات من القرن الماضي، كيف لجأ الى زراعة الأفيون والإتجار به لتمويل العمليات العسكرية وزيادة الأرباح الرأسمالية الى حد أن أصبح إنتاج الأفيون في أفغانستان يمثل ما يزيد على 75 في المئة من أفيون العالم، ويشجع هذا النظام على نشر البغاء والمخدرات بين الشباب والشابات وتحطيم حياتهم وعقولهم، ليس في أفغانستان وحدها بل في العالم كله. ونقل الاستعمار الأميركي الجديد من الاستعمار البريطاني القديم هذه الوسائل البربرية غير الإنسانية للإبادة الجماعية لأجساد البشر وعقولهم وأرواحهم. ألم يلجأ الاستعمار البريطاني الى حرب الأفيون في ا لصين؟ ألم يلعب بورقة الدين لخلق الصراعات وتمزيق وحدة الشعوب من أجل السيطرة والاستغلال؟ أليس مبدأ »فرق تسد« هو السائد في الماضي والحاضر عالمياً ومحلياً؟ ألم تلجأ الحكومات المحلية بما فيها الحكومات العربية لفرض التفرقةوالانقسامات بين الشعب الواحد من أجل السيطرة والاستغلال؟ وهل تختلف الحكومات المحلية أو العربية عن غيرها من الحكومات؟ أليست هي حضارة واحدة غير متحضرة هي التي تحكم العالم شرقاً وغرباً؟ آن الأوان لإدراك أن الغرب ليس كله صليبياً مسيحياً يهودياً، وأن الشرق ليس كله إسلامياً إرهابياً عاجزاً عن التحضر، هذه التقسيمة »غرب/شرق«، أصبحت مضللة مثل غيرها من التقسيمات
تتصاعد التظاهرات الشعبية في عواصم العالم غرباً وشرقاً منذ التظاهرات في مدينة سياتل في تشرين الثاني )نوفمبر( 1999، وتتميز هذه التظاهرات بقدرتها على تجاوز التقسيمات التي فرضت على البشر لتمزيق وحدتهم الإنسانية تحت اسم الدين أو الجنس أو الجنسية أو العرق أو اللون أو الطبقة أو المهنة أو الشهادة العلمية أو غيرها... لقد ذابت هذه الفروق المصنوعة بين الناس من أجل مقاومة الظلم الرأسمالي الأبوي الذي تجسّد في قوانين منظمة التجارة الدولية والبنك الدولي وغيرهما من المؤسسات المسيطرة على شعوب العالم غرباً وشرقاً. هذه الحركات الشعبية الجديدة في طريقها الى النمو واكتساب مزيد من القوة والوعي والتنظيم كلما تكشفت مخاطر هذه الحضارة الرأسمالية الأبوية، واكتسبت هذه الحركات الشعبية أسماً جديداً هو »العولمة من اسفل« أو العولمة من قاعدة الهرم، لمقاومة العولمة الرأسمالية الاستعمارية القابعة فوق قمة الهرم، والتي تملك الأسلحة النووية والشركات التجارية الكبرى تملكها قلة قليلة من الأفراد يمثلون الطبقات الحاكمة غرباً وشرقاً )..( ولحماية هذه القلة الثرية ينفق العالم سنوياً 700 بليون دولار على الحرب والتسليح. وهي تساوي أربعين ضعف ما ينفق على الصحة أو التعليم أو توفير الماء النقي. تعتمد الفلسفة الطبقية الأبوية منذ العبودية على ما يسمى المساعدة أو المعونة للفقراء والمعدمين واليتامى والمساكين، تحت اسم الرحمة أوالشفقة، وهي كلمات تضليلية توحي بالإنسانية وهي في حقيقتها كلمات تزيد من إذلال الفقراء فاليد العليا خير من اليد السفلى، وهي كلمات مضللة أيضاً لأنها توحي للفقراء أنهم يعيشون من فضل الأثرياء ومن كرمهم ومن خيرهم أو على حسابهم، في حين أن العكس هو الصحيح، ذلك أن ثراء الأغنياء ليس له مصدر إلا العمل المنتج الذي يقوم به النساء والرجال الفقراء. وتقوم النساء في العالم بالإنتاج الزراعي والصناعي والخدمات بما يزيد على 65 في المئة من العمل المنتج، مع ذلك لا يحصلن إلا على 5 في المئة فقط من دخل العالم، مما يفرض عليهن أن يعشن عالة على الرجال داخل الأسرة، في حين أن الحقيقة غير ذلك، لأن إنتاج النساء داخل البيوت وخارجها أكثر من إنتاج الرجال، لكن غالب الأعمال النسائية غير مدفوع الأجر. وبدأت الحركات النسائية في مختلف البلاد غرباً وشرقاً تكشف هذه الحقيقة، كما بدأ فقراء العالم في البلاد التي أطلق عليها البلاد الفقيرة ) في ما سمي العالم الثالث(، يكشفون عن زيف الحقائق التي تروجها الحكومات الرأسمالية الاستعمارية، على رأسها أن فقراء العالم الثالث يعيشون على معونات العالم الذي أطلق عليه العالم الأول، وكأنما العالم الثالث يعيش عالة على العالم الأول كما تعيش المرأة عالة على الرجل. لكن الحقيقة غير ذلك، وهي أن موارد العالم الثالث نهبت بواسطة الاستعمارين القديم والجديد، وأن هذه المعونة ليست إلا جزءاً يسيراً من الأموال المنهوبة، اضافة الى أن جزءاً كبيراً من هذه المعونة أو القروض يعود بالفائدة على القوى المسيطرة دولياً ومحلياً، ولا يصل للمعدمين المساكين إلا الفتات.
لهذا بدأت الشعوب في العالم الثالث أو ما سمي الجنوب ترفض هذه المعونات والقروض، فهي تستنزف الكرامة والموارد المادية تحت إسم تسديد فوائد الديون، وارتفع شعار »عدالة التجارة وليس المعونة fair trade,and not aid«، وتزايدت التظاهرات الشعبية لإلغاء ديون العالم الثالث، وفي التظاهرات النسائية العالمية في 8 آذار )مارس( عام 2000 ارتفع شعار يقول : كيف نقارن ديون العالم الثالث بخمسة قرون من النهب الاستعماري وقتل الشعوب في الحروب؟ وأصبحت تظاهرات النساء المتكررة كل عام في اليوم العالمي للمرأة )8 آذار - مارس( من أهم التظاهرات الشعبية، يشارك فيها النساء من مختلف بلاد العالم، وهي جزء من الحركة الشعبية العالمية التي تضرب في جذور النظام الرأسمالي الأبوي في الغرب والشرق، وتكشف عن الترابط الوثيق بين القهر الطبقي والجنسي منذ التاريخ العبودي القديم وحتى اليوم. ويلعب الإعلام الاستعماري العالمي دوراً في تضخيم حجم المعونات الى الشعوب الفقيرة تحت اسم المساعدات الإنسانية ، من أجل التمويه على ما يحدث من قتل وتدمير لهذه الشعوب ذاتها. وتقود القوى الرأسمالية الأبوية حملة عالمية ومحلية تدعو الى جمع التبرعات أو المنح المالية أو الدراسية للشعب الأفغاني، وهي حملة تمويهية تغطي على جرائم الحرب، وتعطي واجهة إنسانية رحيمة لنظام بالغ القسوة والظلم، وقد رفض بعض القطاعات الشعبية الواعية في افغانستان هذه المعونات، وارتفعت أصوات بعض الرجال والنساء الأفغانيات يقولون : »لا نريد المعونات التي لا تفعل شيئاً سوى تصويرنا على أننا شعب من الشحاذين المتخلفين، وكل ما نريده هو أن يرحل عنا الاحتلال الأميركي العسكري الاقتصادي وأعوانه ممن يسمون »التحالف الشمالي«، أليس التحالف الشمالي جزءاً من نظام الطالبان الذي يتاجر بالدين؟ ويقتل النساء تحت اسم الشرف والأخلاق؟«. لقد سمعت بأذني عبر أسلاك الهاتف هذه الأصوات النسائية الواعية في أفغانستان، إلا أن الأصوات الأخرى المسيطرة على الإعلام العالمي والعربي تتجاهل هذه الأصوات أوتفرض عليها الصمت. وأصبح الصوت مع الصورة فوق الشاشة الصغيرة أكثر انتشاراً في العالم من الكلمة المطبوعة، وأكثر تأثيراً، خصوصاً في بلادنا حيث ترتفع نسبة من لا يعرفون القراءة، وتتنافس الدول الكبرى والصغرى على إنشاء القنوات التلفزيونية والفضائية، تتغلب في هذه المضمار الدولة الأكثر ثراء وقوة وهي الولايات المتحدة الأميركية، وأصبحت قوة الإعلام الأميركي الأوروبي تساند قوة السلاح، وأصبح تدمير العقل لا يقل خطورة عن تدمير الجسد. وتشتد المقاومة من أجل الحياة ضد آلة الحرب والقتل، كما تزداد الرغبة في المعرفة والفهم ضد محاولات التضليل والتمويه ونمت بوادر فلسفة إنسانية جديدة نابعة من الحركات التحررية ضد الحضارة الرأسمالية الأبوية غرباً وشرقاً، وهي فلسفة بسيطة واضحة متسقة مع المنطق الطبيعي السليم، اساسها البديهيات التي طُمست منذ العبودية، على رأسها أن الحق فوق القوة، والشعب فوق الحكومة، والبشر في الأصل والطبيعة متساوون في الحقوق الواجبات، لا فرق بين رجل وامرأة أو أبيض وأسود أو حاكم ومحكوم أو مالك ومملوك أو غيرها من الثنائيات وأشكال التفرقة على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الجنسية أو الطبقة أو الدين أو العقيدة أو اللغة أو المهنة أو غيرها. سافرت الى الولايات المتحدة قبل أحداث 11 أيلول )سبتمبر( 2001 بأسبوع واحد وعشت فيها ثلاثة شهور أقوم بالتدريس في جامعة مونت كلير، والتي لا يفصلها عن برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك إلا نهر هدسون، أو ساعة واحدة بالسيارة، وهكذا عايشت الأحداث عن قرب، وتجولت أيضاً في عدد من الجامعات لإلقاء المحاضرات أو المشاركة في التظاهرات الطالبية الجامعية على الساحل الأطلسي في بوسطن ونيويورك الى الساحل الباسيفيكي في أوكلاند وسان فرانسيسكو، وفي جامعة مونت كلير تكونت لجنة ضد الحرب في أفغانستان تضم عدداً من الطلاب والطالبات والأساتذة والأستاذات، وكنت واحدة من هؤلاء، وقد منحني هذا النشاط السياسي داخل الجامعة كثيراً من الأمل في المستقبل على رغم خطورة الأحداث وتزايد الصراع العسكري في أفغانستان على المصالح النفطية في منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى والبلاد العربية من العراق الى الصومال. وقد أدت هذه الحركة السياسية التحريرية المعادية للحرب والتي يشارك فيها النساء والرجال والشباب من مختلف البلاد والجنسيات الى بوادر هذه الفلسفة الإنسانية المناهضة للرأسمالية الأبوية، وهي فلسفة جديدة وقديمة قدم نشوء »الضمير الإنساني«)...( وهو الصوت العميق داخلنا الذي يحاسبنا ويرشدنا الى العدل والحرية والحب والرحمة والجمال. أدت الفلسفة العبودية غير الإنسانية على مدى قرون إلى أضعاف الضمير الإنساني الفردي والجماعي، من طريق تحويل الصراع ضد الظلم الخارجي السياسي، والاقتصادي الى الصراع داخل الإنسان بين العقل والجسد، أو بين الجسد والروح، وأصبحت الروح تعني الفضيلة وترمز الى الإله الذكر، والجسد يعني الرذيلة ويرمز الى الأنثى الآثمة. وسقطت الفلسفة السائدة المكتوبة في العصور العبودية صريعة هذا الصراع اللا نهائي بين الروح والعقل والجسد، أصبحت الفلسفة غارقة في المجردات غامضة، أشبه بالسفسطة الفارغة داخل الغرف المغلقة بعيداً من الحياة في البيت والشارع والتظاهرات الشعبية. بعبارة أخرى أنفصلت الفلسفة الرسمية السائدة منذ أرسطو وحتى اليوم عن »رجل الشارع« أو جماهير الشعب في حركتهم اليومية الحية ونشاطهم في نواحي الحياة خاصة النواحي السياسية والثقافية. وتنطوي كلمة »رجل الشارع« على القيم السائدة التي تجعل النشاط السياسي خارج البيت أو في الشارع السياسي هو من نصيب الرجال فقط، لأن كلمة »امرأة الشارع« تعني »المومس« أو »البغي« وليس المرأة النشطة سياسياً أو ثقافياً خارج بيتها، كأنما المرأة لا تخرج الى الشارع إلا لممارسة الجنس، وهو مفهوم قاصر على النساء الفقيرات أو الجواري أو الإماء اللائي كن يخرجن الى العمل لتوفير الخبز والطعام لأطفالهن، ويفرض عليهن المجتمع الطبقي الأبوي المهن السفلى ومنها الخدمات في البيوت وتلبية حاجات الرجال الجنسية في بيوت البغاء. كان العمل خارج البيت مهيناً للمرأة، فهو لا يعني أنها فقيرة وبلا رجل يوفر لها الحماية والمأوى، لكن حركة النساء التحريرية في الغرب والشرق غيّرت هذا المفهوم، وأصبح عمل المرأة خارج البيت قيمة إنسانية لا تقل كثيراً عن قيمة عمل الرجل، كما خرجت النساء الى الشوارع في التظاهرات الشعبية والنسائية، ولم يعد الشارع مكان المومسات فحسب. نزلت المرأة الى الشارع من دون أن تفقد احترامها، وبدأت الفلسفة ايضاً تنزل الى الشارع من دون أن تفقد احترامها. لم يعد التفكير مهنة تمارسها قلة محظوظة من المفكرين أو الفلاسفة، وبدأت القيم الطبقية الأبوية تتساقط مع مشاركة الجماهير من النساء والرجال في الأنشطة السياسية والثقافية، وبدأت الفواصل بين الرجل والمرأة تتلاشى، ومعها تتلاشى الفواصل بين الجسد والروح وغيرها من الثنائيات الموروثة منذ العبودية. وهناك محاولات لقمع هذه الحركات السياسية والفكرية الجديدة، فالأجهزة القمعية البوليسية لا تقل شراسة وعنفاً عن الأجهزة العسكرية في العالم غرباً وشرقاً، ربما تختلف درجة القمع او نوعه من بلد الى بلد، أو يكون مستتراً مثل القمع النفسي الذي يمارس على النساء الثائرات، ويقود المرأة منهن الى الانتحار أو المستشفى النفسي وليس السجن. وكشفت الحركات النسائية والشعبية الجديدة عن زيف القيم السياسية والأخلاقية للنظام الرأسمالي الأبوي، على رأسها ما سمى بالديمقراطية الليبرالية، التي صورها المفكرون في الغرب من أمثال فرانسيس فوكوياما على أنها أفضل الأساليب لتنظيم المجتمعات الإنسانية، وأنها مستقبل البشرية، لأنها تتسق مع الرأسمالية واقتصاديات السوق الحرة، وأنها تقود العالم الى الحرية والعدالة والسلام والحب. وأتضح خلال القرن العشرين أن هذه الديموقراطية الليبرالية لا تقود العالم إلا الى الحروب والعنف والأرهاب، وأنها لا تستند على المشاركة الفعلية الشعبية للنساء والرجال الفقراء، بل على التصويت في انتخابات شكلية خاضعة لأصحاب الأموال والقوى الطبقية الذكورية في المجتمع الرأسمالي. وثبت لنا خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول وحرب النفط والأفيون الدائرة في افغانستان أن الحضارة الغربية التي أعطت نفسها اسم الديموقراطية الليبرالية هي في جوهرها حضارة طبقية أبوية، ولن تؤدي الى السلام القائم على العدل ولا الى الحريات السياسية والاقتصادية لأغلب قطاعات الشعب، ولا الى مشاركة الشعب الفعلية في الانتخابات. وعشت الشهور الثلاثة التي تلت أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة وشهدت كيف تراجعت هذه الديموقراطية الليبرالية لتفرض القيود على الشعب الاميركي تحت اسم الأمن، كيف اجتمع جورج بوش بالمسؤولين الكبار في أجهزة الإعلام وطلب منهم فرض الرقابة على ما ينشر ويذاع على الشعب الاميركي، كيف تنكرت الحضارة الاميركية للمبادىء الديموقراطية الليبرالية التي تشدقت بها منذ القرن قبل الماضي، كيف شرعت الحكومة الأميركية الاعتقال من دون دليل لمجرد وجود شبهات، كيف زجت في السجون أبرياء من الرجال والنساء من دون تحقيق، وتقديمهم للمحاكمة السرية أمام المحكمة العسكرية من دون أن يكون لهم حق الدفاع القانوني، كيف لجأت الى تكنولوجيا التعذيب الجسمي والعقلي والنفسي للمسجونين والمسجونات للحصول على المعلومات، وهذا يؤكد أن هذه الديموقراطية الليبرالية هشة ومزيفة ولا تختلف كثيراً عن الفاشية ونظم الحكم الشمولية والدكتاتورية العربية وغيرها، ولا غرابة في ذلك فهي قائمة على الظلم والازدواجية، أساسها القيم الرأسمالية الطبقية الأبوية الموروثة عن العبودية كشفت الحركات النسائية والشعبية الجديدة في الغرب والشرق أن العالم في حاجة الى فلسفة إنسانية تقضي على القيم الطبقية الأبوية، وتبني قيماً إنسانية جديدة قائمةعلى العدل والسلام والحب، وإلغاء جميع الثنائيات والتقسيمات بين البشر.
* كاتبة مصرية، والنص هو الورقة التي قدمتها في افتتاح المؤتمر الدولي السادس لجمعية تضامن المرأة العربية- القاهرة- 5/1/2002



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو فلسفة إنسانية لإحياء الضمير ج1


المزيد.....




- الأمم المتحدة تندد بتشديد القيود على غير المحجبات في إيران
- الاعتداء على المحامية سوزي بو حمدان أمام مبنى المحكمة الجعفر ...
- عداد الجرائم.. مقتل 3 نساء بين 19 و26 نيسان/أبريل
- هل تشارك السعودية للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون؟
- “أغاني الأطفال الجميلة طول اليوم“ اسعدي أولادك بتنزيل تردد ق ...
- استشهاد الصحافية والشاعرة الغزيّة آمنة حميد
- موضة: هل ستشارك السعودية في مسابقة ملكة جمال الكون للمرة الأ ...
- “مش حيقوموا من قدامها” جميع ترددات قنوات الاطفال على النايل ...
- الحكم على الإعلامية الكويتية حليمة بولند بالسجن بذريعة “الفج ...
- استشهاد الصحافية والشاعرة الغزيّة آمنة حميد


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - نحو فلسفة إنسانية لإحياء الضمير