أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود محمد ياسين - القيمة وسقوط الاتحاد السوڤيتى















المزيد.....



القيمة وسقوط الاتحاد السوڤيتى


محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)


الحوار المتمدن-العدد: 1720 - 2006 / 10 / 31 - 10:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يستهدف هذا المقال، بعد تقديم عام للوظيفة المحورية للقيمة الاقتصادية فى عمل الاقتصاد السلعى (الاقتصاد الراسمالى)، تناول تجربة الاتحاد السوفيتى السابق فى التعامل مع قانون القيمة. فالاتحاد السوفيتى، الذى بدأ فى تطبيق الملكية العامة لوسائل الانتاج بعد ثورة اكتوبر الاشتراكية، كان أول دولة فى تاريخ البشرية ترسم الطريق للتغيير بصورة واعية (conscious) وذلك بدراسة حركة المجتمع والصراع داخله واتجاهات تطوره وتحوله المحتوم لشكل آخر من العلاقات الاجتماعية الاقتصادية. وبالطبع هذا لا يعنى ان التغيير خلال العهود السابقة لم يكن يتم بشكل واعى، بل فقط ان وعى الانسان كان وعيا زائفا وواهما (illusionary)؛ فمثلا، الفلاسفة والمفكرين والسياسيين الذين عملوا على نقل المجتمع من الاقطاعية الى الراسمالية، قاموا بهذا تحت اوهام عدة تمثلت فى الاعتقاد فى كلية (universality) النظام الراسمالى وان مكوناته الاقتصادية وجميع قيمّه خالده. وهكذا ربط قادة ثورة اكتوبر تحقيق الاشتراكية بتمهيد القاعدة الاجتماعية الاقتصادية لتحجيم قانون القيمة، ومن ثم زواله الكامل. وقد قطعت دولة السوفيت شوطا بعيدا فى كبح جماح قانون القيمة ولكن الصورة تغيرت منذ حوالى منتصف خمسينات القرن العشرين على اثر الاصلاحات الاقتصادية التى اجريت عقب رحيل ستالين، والتى تمثلت فى معارضة التخطيط الاقتصادى واللجوء الى تطبيق نظرية العرض والطلب وتشجيع المنافسة الحرة وايقاف التخطيط الزراعى الاشتراكى. وجدت تلك الاصلاحات تعبيرها فى اطلاق يد قانون القيمة الذى انتفت معه طبيعة الدولة السوفيتية كدولة اشتراكية. واذ يكون التركيز فى هذا المقال على التجربة السوفيتية من زاوية مفهوم القيمة وعلاقته باعادة الرأسمالية الى دول الاتحاد السوفيتى السابق، لا ننسى ان نشير الى ان التخلى عن القضاء على الاساس الموضوعى لازدهار القيمة كان العامل الاساسى الذى استتبعته وتناسلت عنه تحولات اخرى مهمة سياسية وفكرية وفلسفية ادت الى تلك النتيجة. وهذه التحولات خارج نطاق هذا العرض ولا نتناولها هنا الا لماما.

-1-

بعد اعدام ماكسميليان روبسبير فى 1794 عقب فشل اليعاقبه (Jacobins) فى حمل البرلمان الفرنسى على اقرار مشروع يسارى خاص بحقوق الانسان، خابت آمال الجماهير التى قامت بالثورة الفرنسية الكبرى وحطمت باستيل الاقطاعية فى 1789، خابت آمالها وهى تتعرض لعملية استغلالية جديده من قبل نظام الانتاج الراسمالى الصاعد نجمه وقتئذ على قاعده من النمؤ الصناعى والتكنولوجى الهائل. فى هذه الفترة ظهر الفكر الاشتراكى الحديث كفكر طوبائى متاثرا بالمادية الفرنسية للقرن الثامن عشر التى، رغما عن طابعها الآلى، مثلت قفزه كبيرة فى التفكير الفلسفى مقارنة بتجريبية القرن السابع عشر الانجليزية. جاء فورييه، وروبرت أوين، وسان سيمون بافكار جديده قاسمها المشترك هو ان عقولهم قد توصلت اخيرا للمثال الذى ينقذ البشرية من شرور النظام الاقتصادى الجديد الذى يتشكل امام اعينهم. تصور الاشتراكيون الخياليون ان التخلص من واقعهم لا يتم الا عن طريق تكوين كميونات او مستعمرات جماعية تهدف لتربية وتعليم الناس المعقولية (reasonableness) التى تمثل المفتاح لامكانية التوفيق بين مصالح الحاكم والمحكوم والغنى والفقير.

بعد ان فشلت تجارب الاشتراكيين الخياليين، ظهرت الاشتراكية العلمية (ماركس وانجلز) وهى تؤكد على انه بالرغم من انبراء الاشتراكية الخيالية لنقد الراسمالية وعواقبها السلبية، الا انه لم يكن فى وسعها التحكم فيها وكل ما كان فى مقدورها- فى تلك الظروف البدائية لنظام الانتاج الجديد- هو رفضه باعتباره سيئا. وخلافا لاعتقاد الاشتراكيين الخياليين ان التطور الاجتماعى ما هو الا ادراك مجرد، ارتكزت الاشتراكية العلمية على الجدل الهيجلى بعد ان ازالت قشرته المثالية وربطته بالمادية الفلسفية لكى يصبح نظرة فلسفية تمثلت فى المادية الجدلية التى قادت الى المفهوم المادى للتاريخ ومقولته الاساسية وهى ان التطور الاجتماعى يخضع لعوامل موضوعية تجد تفسيراتها فى معطيات الحياة المادية. والاشتراكية العلمية بانطلاقها من المفهوم المادى للتاريخ، الذى يدرس الظاهرات الاجتماعية فى وحدتها وتناقضاتها ويستقصى نشأتها ومراحل تطورها وحاضرها واتجاهات تطورها المستقبلية، خلصت الى:

أ/ اعطاء صورة دقيقة عن الاسلوب الرأسمالى فى الانتاج فى ارتباطه التاريخى وضرورته خلال مرحلة تاريخية معينة قبل زواله المحتوم.
ب/ تعرية سمات هذا النظام التى كانت خافية على نقاده الذين هاجموا فقط، حتى ذلك الحين، عواقبه الشريرة وهذا ما تحقق باكتشاف القيمة ومن ثم قانون القيمة وفائض القيمة.

توصل ماركس الى ان الوحدة من اى منتج تتكون من شقين، شق استعمالى وشق تبادلى. فالمنتج يصبح سلعة فقط اذا كان للتبادل. وبالرغم من ان تبادل السلع عرف فى بعض مجتمعات ما قبل الراسمالية، الا ان تحققه بصورة معممة وشاملة حدث لاول مرة فى تاريخ البشرية بقيام وسيادة علاقات الانتاج الرأسمالية. ومن هنا ظهرت قيمة اقتصادية جديده، خلافا لقيمة الاشياء الاستعمالية (use value)، الا وهى القيمة التبادلية (exchange value)،التى يطلق عليها عادة كلمة قيمة فقط. ولكى تكون السلعة قيمة لابد ان تمتلك قيمة استعمالية، وفى نفس الوقت قد تكون لسلعة ما قيمة استعمالية فيما لا تمتلك قيمة تبادلية (كالهواء مثلا). والشىء المهم فيما يتعلق بمفهوم السلعة، هو ان البضاعة او المنتج لايكون سلعة الا عندما يتم تبادله بسلعة اخرى او بواسطة النقود. والمنتج لكى يكون سلعة يجب ان تكون كمية من العمل الاجتماعى الضرورى قد بذلت فى انتاجه. كما ان المعنى بالعمل هو العمل الانسانى المجرد وليس العمل الفردى لانتاج سلعة معينة؛ فالسلعة الواحده لا تمثل سوى جزء محدد من العمل الاجتماعى الضرورى (العمل الانسانى الموحد) لانتاج كل السلع. والتبادل بين السلع يتم على حسب قانون القيمة الذى يقرر ان القيمة التبادلية تحددها كمية العمل الضرورى اجتماعيا لانتاجها. وبموجب قانون القيمة فان تبادل السلع بعضها ببعض يتم حسب قيمتها، وهى متساوية لانها تحتوى على كمية متساوية من العمل الضرورى اجتماعيا. واذا كانت كمية العمل هى التى تحدد القيمة، فان الاسعار لاتكون بالضرورة مطابقة للقيمة وهذا بفعل قانون العرض والطلب الذى لا يحدد الاسعار وان كان يعطى التفسير لتذبذبها تحت او فوق مستوى القيمة.

والقيمة علاقة اجتماعية (علاقة بين اشخاص مغلفة بغلاف مادى)، فهى تبدو وكانها علاقة بين سلع ( بين اشياء)-الا انه لا يمكن فهم هذه القيمة الا فى اطار علاقات انتاجية تاريخية محدده. وعليه فان الراسمالية هى، فى التحليل النهائى، نظام لانتاج السلع او القيم التبادلية بهدف تحقيق الربح. ولتحقيق هذا الغرض تقوم الراسمالية بتاسيس طاقات انتاجية ضخمة لانتاج القيم الاستعمالية بصورة لم تعرفها كل التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية السابقة، وهذا ما يفسر المستوى الغير متتطور لنظم ما قبل الراسمالية التى كانت عملية الانتاج فيها تخصص لانتاح السلع الاستعمالية ، لحد كبير، بما يكفى حاجات الناس المباشرة لا اكثر. وهذه القيم الاستعمالية بما فيها رفاهية اباطرة وقياصرة ونبلاء تلك العهود، لاتمثل اساسا او دافعا لتنمية قوى الانتاج بمثل المستوى المذهل الذى حققته القيمة التبادلية. وتحقيق الربح فى النظام الراسمالى يتحقق من وراء التناقض الموجود فى كل السلع بين القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية. فهذا التناقض يوجد كذلك فى العمل وهو ما يؤدى الى مفهوم فائض القيمة الذى يؤدى الى الربح. فمقدرة العامل على العمل لساعات محدده لانتاج البضائع، المتضمنه فى قوة العمل التى تشمل المقدرات الذهنية والبدنية للعامل، هى القيمة الاستعمالية التى يشتريها صاحب العمل. والاجر الذى يدفع للعامل هو القيمة التبادلية لقوة العمل وهى تعادل قيمة السلع الاساسية التى يحتاجها العامل فى معيشته (لكى يبقى على قيد الحياة ويعيد انتاج قوة عمله). وبموجب قانون القيمة، الذى يحدد ان تبادل السلع يكون متساويا، فان قوة العمل يتم تبادلها بقيمة متساوية لها الا وهى تكلفة انتاجها، او بالاحرى اعادة انتاجها. وقوة العمل، كسلعة استعمالية، تتميز عن السلع الاخرى بانها لا تستطيع ان تخلق السلع الاستعمالية اوان تضيف قيمة اكثر لقيم استعمالية موجوده وحسب؛ بل تستطيع ان تنتج، فى مده اقل من الزمن المتعاقد عليه بين صاحب العمل والعامل، ما يحتاجه العامل من سلع لا غنى عنها لمعيشته واعادة انتاج مقدرته على العمل. وهكذا يتحقق فائض القيمة الذى يمثل ذلك الجزء من العمل الضرورى اجتماعيا لانتاج سلعة ما والذى يزيد عن كمية العمل التى يحتاجها العامل لانتاج مستلزماته من ضروريات الحياة (تختلف كما ونوعا باختلاف الزمان والمكان). وفائض القيمة لا يتحقق فى نطاق عملية التبادل (الشراء والبيع)، لانه على حسب قانون القيمة، فان القيمة لايجرى تبادلها الا بقيمة مساوية لها. فائض القيمة هو الخلق العضوى للقيمة (accretion of value)؛ وهذا التحديد التعريفى لفائض القيمة يقود لمفهوم راس المال. فراس المال ليس وسائل للانتاج فحسب، (التى هى ضرورية لوجود اى مجتمع) بل قيمة فى شكل وسائل انتاج فى يد الراسماليين مهمتها انتاج قيمة زائده عن طريق العمل المأجور. فالعمل المأجور يخلق راس المال وهو الملكية التى تنمو باعادة استغلال العمل المأجور كشرط اساسى لنمو هذه الملكية. وعليه فان راس المال ليس مبلغا من النقود او مجموعة من ماكينات او معدات، بل هو علاقات اجتماعية تحددت تاريخيا بعد ان بدا نجم الاقطاعية فى الخفوت فى القرن الخامس عشر، وظهرت طبقتا: البرجوازية التى تركزت وسائل الانتاج فى يدها، وطبقة العمال كطبقة محرومة من وسائل الانتاج. وبهذا فان انقسام المجتمع الراسمالى الى راسماليين وعمال اجراء هو شرط اساسى لوجود الراسمالية؛ فالراسمالية حولت العامل لانسان لايمتلك غير قوة عمله ومنزوعا تماما من ملكية اية وسائل انتاج. فوجود راسماليين يملكون وسائل انتاج فى مقابل عمال لا يملكون غير قوة عملهم قد ساعد فى ان يتم استغلال هؤلاء العمال عن طريق التبادل الاقتصادى (عقودات العمل). هذا على عكس ما كان يحدث فى النظم العبودية والاقطاعية. ففى تلك النظم لم يكن الناس يبيعون قوة عملهم للذين يستغلونهم، بل كانو يجبرون بالقوة او بالهيمنة العقائدية لكى يتنازلوا لمستغليهم، عن كل عملهم فى حالة العبودية، وعن الجزء الاعظم منه فى حالة الاقطاعية.

ان المقولات الخاصة بالقيمة، وقانون القيمة، وفائض القيمة منحت المفاهيم الاساسية التى اتاحت فهم وتفسير الظواهر والتناقضات والتفاعلات التى توجد فى التشكلية الاجتماعية الاقتصادية الراسمالية. ان اللجوء الى مفاهيم اساسية فى شتى فروع العلوم هى الطريقة العلمية التى يتبعها التفكير العلمى لمعرفة المنطق الداخلى لظاهرة ما. فمثلا الفيزياء تدرس المادة بارجاعها لمكوناتها الدقيقة والاساسية كالالكترون (electron) والبروتون (proton). ان عدم البحث فى المكونات الاساسية يقود الى النزعة التجريبية التى تقف عند سطح الاشياء والظاهرات الاجتماعية، وبالتالى الفشل فى ادراك كنهها الحقيقى. فقانون القيمة يحدد توزيع قوة العمل بين فروع الانتاج المختلفة؛ فهو الذى ينظم العمل فى النظام الراسمالى. ولكن قانون القيمة يعمل كمنظم للانتاج الراسمالى بصورة عمياء وعفوية كقانون او قوة غير مرئية. ففى المجتمع الراسمالى توجد المزاحمة بين الراسماليين كافراد وكمجموعات، وهذه المزاحمة تؤدى الى فوضى الانتاج نتيجة للتناقض بين اهداف المؤسسات الراسمالية الفردية وحاجات المجتمع باسره. فالهدف الاساسى للمؤسسات الراسمالية هو انتاج السلع لقيمتها التبادلية وليس الاستعمالية. وكل مؤسسة تحاول تحقيق اكبر قدر من الارباح وذلك بتوسيع حجم انتاج السلع التبادليه . ولهذا، فان رؤوس الاموال تتسم بالتنقل المتواصل بين الفروع الانتاجية المختلفة فى حركة لا تهدأ لتنمية الطلب على السلع وباللجوء لشتى اشكال البرامج التسويقية والدعائية. وهكذا عندما يصير العرض اكبر من الطلب (oversupply)، فان اسعار السلع تتجه نحو الانخفاض الى مستوى اقل من قيمتها وعليه يتجه الراسمالى لنقل نشاطه الى المجالات التى يكون فيها الطلب اكبر من العرض وحيث مستوى اسعار السلع، يكون على الاقل معادلا لقيمتها. وعليه فان قانون القيمة لا يحدد مستوى تذبذب الانتاج فحسب، بل كذلك المجالات الانتاجية التى يُستوجب التوسع فيها، وتلك التى يجب الانسحاب منها. وهكذا يمكن وصف قانون القيمة بالمنظم الفوضوى الذى يتسبب فى كثير من المتاعب الاقتصادية، مثل تشريد العمال الذى يستصحب تنقل رؤوس الاموال بين الفروع الانتاجية، تلك المتاعب التى قد تتطور الى ازمات اقتصادية عامة. والازمات الاقتصادية التى يتميز بها النظام الراسمالى لم تعرفها البشرية من قبل اذ انها تنبع من طبيعة النظام نفسه. فلازمات فى الاقطاعية، مثلا، كانت ترجع للعوامل الطبيعية كالجفاف والفيضانات، والى الحروب، الخ. ولكن مع امكانية تعرضه لمثل ازمات الانظمة السابقة للراسمالية، فان نظام الانتاج الراسمالى يخضع كذلك لازمات دورية تهز اركانه والسبب يكمن فى التناقض الاساسى الموجود فى السلعة فى كونها قيمة استعمالية مرة، وقيمة تبادلية مرة اخرى. فالدافع لتحقيق الارباح لدى اصحاب المصانع لا حدود له، وبالتالى يكون سعيهم المتواصل لانتاج القيم التبادلية وفتح الاسواق الجديده لتحقيق الربح. وفى سعى الراسماليين لانتاج المزيد والمزيد من السلع التبادلية، تتسع الشقة بين البيع والشراء. فالتناقض بين البيع والشراء يحدث عندما لا يستطيع اصحاب المصانع الايفاء بالتزاماتهم المالية نتيجة لعدم تمكنهم من تصريف منتجاتهم التى يكون انعدام الطلب عليها هو فقط السبب الظاهرى للازمة، ولا يعطى التفسير الكامل لها. ولان التنافر بين البيع والشراء (العرض و الطلب) غير طبيعى اذ ان المفهومان ينتميان لبعضهما البعض، فلا يمكن ازالته الا بهزة عنيفة تلازم اعادة صياغة الانتاج ليلائم الطلب- وهكذا تحدث الازمات الاقتصادية فى عصر الراسمالية. فالوحدة بين البيع والشراء لا تمنع الازمة، كما كان يعتقد بعض الاقتصاديين الكلاسيكيين، بل العكس هو الصحيح؛ فالازمة الاقتصادية هى التى تحقق الوحدة بين البيع والشراء، وبالتالى فالازمات ضرورية لاستمرار النظام الراسمالى. وعليه فان التناسب (equilibrium) الذى يتطلبه التقسيم الاجتماعى للعمل فى النظام الراسمالى يتحقق فقط فى اوقات الانتعاش الاقتصادى حيث تنمو جميع فروع الاقتصاد بشكل متناسب، محدثا توازنا بين الانتاج والقوة الشرائية فى المجتمع، ولكن هذا التناسب ما هو الا تناسبا مؤقتا ولا يتسم بالاستمرارية.

كخلاصة لهذا العرض العام المتعلق بالقيمة، فان طريقة استغلال قوة العمل التى تخلق القيمة هى التى تؤدى الى فائض القيمة ومن ثم الى نمط الانتاج السلعى، الشىء الذى لم يكن معروفا فى التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية السابقة للراسمالية. وخلافا للاقتصاديين الكلاسكيين العظام آدم سميث وديفد ريكاردو، الذين تاثروا بالفلسفة التجريبية السائده فى عهدهم والمكتفية بدراسة الظاهرات الاجتماعية من الخارج، حابسة لعلم المعرفة فى بوتقة القياس الكمى الاحصائى بدلا من تفهم الحقائق الاجتماعية بواسطة التحليل الباطن- توصلت الماركسية عبر تحليل السلعة، كخلية او وحدة اساسية للراسمالية، من اكتشاف قانون القيمة كموّجه ومنظم لعمل نظام الانتاج السلعى. ومنذ سيادته بدءا بالقرن الخامس عشر، اخذ هذا القانون يقتلع نظم اوربا الاقطاعية الثابته نسبيا فى طريقة انتاجها من جذورها حتى اظهر للوجود تنظيما اجتماعيا قائما على مزيد من الحرية فى الانتاج وفى تداول السلع. والقيمة هى التى تحدد فى النهاية مدى الاسعار والارباح، وهى التى تقود الى فوضى الانتاج والازمات المتمثلة فى الفائض الانتاجى والبطالة، وهى التى تكمن وراء توسع الراسمالية عن طريق الحروب الحديثة خلافا للفتوحات القديمة التى كانت ترمى لاسترقاق الشعوب (الامبراطورية الرومانية) او لضم الاراضى الخصيبة (الحملات الصليبية على الشرق).

-2-

توصل ماركس من تحليله لنظام الانتاج الراسمالى الى ان الاشتراكية تعنى زوال انتاج القيمة حيث يقول عنها انها " مجتمع قائم على المبادىء الجماعية، قائم على الملكية العامة لوسائل الانتاج، لا يتبادل فيه المنتجون منتجاتهم ؛ ان العمل المبذول على المنتجات لا يظهر في هذا النظام الاجتماعي على انه قيمة هذه المنتجات، على انه صفة مادية تنطوي عليها المنتجات، اذ انه خلافاً لما يجري في المجتمع الرأسمالي، يغدو عمل الفرد بصورة مباشرة، لا بصورة غير مباشرة، جزءاً لا يتجزأ من عمل المجتمع" . انطلاقا من هذا المفهوم، اشار لينين بعد انتصار ثورة اكتوبر الى ان الاشتراكية " فى جوهرها، تعنى ازالة اقتصاد الانتاج السلعى" ؛ فالقضاء على نظام الانتاج السلعى لا يعنى غير الغاء القيمة التبادلية. كما وضّح لينين انه لا يمكن تحقيق هذا الامر فى روسيا دفعة واحده وذلك للمستوى المتخلف للقوى المنتجة عند قيام الثورة. وفى حقيقة الامر، ظلت مهمة ازالة الانتاج السلعى، كما سنرى لاحقا، تلح على الاشتراكيين الروس حتى بعد حوالى ثلاث عقود من قيام ثورتهم. وهكذا بدا القادة الروس فى الازالة التدريجية لنظام انتاج السلع. بل لقد ذهب لينين الى ابعد بلجوئه الى دعم الانتاج السلعى، وذلك عندما وضع "السياسة الاقتصادية الجديده 1929-1921". استهدفت هذه السياسة تطوير القوى المنتجة، التى دمرتها الحرب التى شنتها الدول الامبريالية الكبرى آنذاك على الدولة الاشتراكية الفتية بغرض اسقاطها، وذلك بالسماح لممارسة الزراعة الخاصة والصناعات الريفية والتجارة الخاصة بين الريف والمدينة. وهكذا انطلق القادة الروس فى اسلوب تحويلهم لنظام الملكية، بالتحويل الفورى للصناعات الرئسية لملكية اشتراكية، اى لملكية الدولة التى تقودها سلطة عمالية. اما فيما يتعلق بالاقتصاد الزراعى، فقد كانت الخطة العامة البدء فى توزيع الاراضى على الفلاحين وتنظيمهم فى تعاونيات، ثم فى مزارع جماعية قبل تحويل الملكية الزراعية الى ملكية اشتراكية كاملة (ملكية الدولة). وهذا ادى الى وجود اختلاف فى شكل الملكية فى الدولة الاشتراكية الوليده؛ فبالرغم من ملكية الدولة للارض ووسائل الانتاج الزراعية، الا ان ملكية مجمل الانتاج منُحت للتعاونيات الزراعية التى كانت تتصرف فيه بالبيع مقابل شرائها لاحتياجاتها من الفروع الاقتصادية المختلفة، وهكذا خضع جزء كبير من المنتجات الزراعية فى الاقتصاد القومى للتبادل- وبالتالى لنظام الانتاج السلعى. وشروط ومقتضيات الاشتراكية تمنح الضمانة الكافية للحيلولة دون ان يتغلب قطاع الانتاج السلعى ويصبح هو السائد، بدلا عن الغائه كالهدف النهائى للاشتراكية. وهذه الشروط تتمثل سياسيا فى خضوع كل السلطة للعمال، واقتصاديا فى الادارة المركزية لكل فروع ومجالات الاقتصاد، وهكذا دافع لينين عن السياسة الاقتصادية الجديدة بقوله ان " التبادل يعنى حرية التجارة،اى الراسمالية. وهذا شيء مفيد لنا بالقدر الذى يربط المنتجين الصغار بعضهم ببعض ويؤدى للقضاء على البيروقراطية. والممارسة العملية هى التى تحدد الى اى مدى يمكن السماح بممارسة النشاط التبادلى السلعى. ولكن ليس هنالك اى خطر على النظام الاشتراكى طالما ظلت السلطة فى يد العمال، وطالما ظلت هذه تسيطر سيطرة كاملة على الصناعات الكبيرة ووسائل النقل" .

بعد رحيل لينين فى 1924 وقع عبء انجاز الاشتركية على ستالين، الذى لم يكن امامه غير المؤشرات العامة التى وضعها ماركس وانجلز ولينين فى هذا الصدد. وبما ان مهمة الحكومة السوفيتية لم تكن استبدال شكل من المستغلين بشكل آخر، كما كان الحال فى الثورات السابقة، بل ازالة الاستغلال كليا- كان عليها ان تبدا من الصفر لخلق اشكال اقتصادية جديده. الخط الذى سار عليه ستالين لتحويل النظام الراسمالى، المتخلف نسبيا، الى نظام اشتراكى تمثل فى العمل المتواصل لتحقيق الانسجام بين علاقات الانتاج والقوى المنتجة – التى مافتئت منذ قيام ثورة اكتوبر تتطور تطورا كبيرا. وكان هدف ازالة الانتاج السلعى هو المهمة المركزية لهذا الخط.

نتيجة للسياسة الاقتصادية الجديدة، تم تحويل الزراعة فى الدولة السوفيتية لاسلوب الانتاج الزراعى الممنهج، وذلك بادخال الوسائل العلمية واستخدام الماكينات الحديثة، كما ساعدت التجارة الخاصة فى اعادة الانتاج الصناعى الى المستوى الذى كان عليه قبل الحرب التى دمرت هذا القطاع كما ذكرنا سابقا. وهكذا شهدت قوى الانتاج التى اتسمت بالطابع الراسمالى فى مجال الانتاج الزراعى طفرة كبيرة نسبيا. وادى هذا الى استفحال التناقض بين قوى الانتاج المتطورة وعلاقات الانتاج القديمة (الراسمالية)، فقد اصبح ظهور طبقة راسمالية زراعية عائقا لامكانية تطور الزراعة التعاونية لاشكال أعلى. بل ان هذه الطبقة التى عرفت باسم (الكولاك) لجات الى محاربة السلطة الاشتراكية بكل الوسائل التخريبية كاخفاء المحصولات الزراعية. وهكذا اصبحت علاقات الانتاج الراسمالية عائقا امام تقدم القوى المنتجة الاشتراكية. ولعل من اهم الانجازات التى قام بها ستالين فى مجال بناء الاشتراكية هو حل هذا التناقض، وذلك بتحويل الزراعة الى نظام الانتاج على اساس المزارع الجماعية (الكلوخوزات: kolkhoz) التى اعقبت التعاون الزراعى البسيط، وكان هذا فى1929؛ كما اسست بجانب المزارع الجماعية مزارع تمتلكها الدولة "السفخوزات: Sovkhoz" ولكن على نطاق ضيق. فبعد ان حققت السياسة الاقتصادية الجديدة هدف اخراج القوى المنتجة من حالة التخلف الى درجة متطورة نسبيا، راى ستالين انه " لا يمكن ان يستمر النظام السوفيتى قائما على قاعدتين: قاعدة الانتاج الصناعى الكبير (large-scale)، والانتاج على اساس الحيازات الزراعية الصغيرة. وعليه يجب العمل على تغيير الانتاج الزراعى لكى يواكب الصناعة الاشتراكية، وذلك بشكل تدريجى وممنهج. فالتقاعس عن انجاز هذه المهمة يجعل تحول البلاد الى الطريق الراسمالى مسالة محتومة." وتعتبر المزارع الجماعية اضافة ثرة للنظرية الماركسية اذ انها لم تكن التجربة الاولى من نوعها فى التاريخ فحسب، بل لقد رسمت الطريق الى تحويل الزراعة – خاصة فى البلدان التى تسودها علاقات الانتاج الراسمالية المتخلفة- من نظام الانتاج الراسمالى الى الاشتراكية. فلم يكن لينين قد عالج هذه المسالة لانها لم تكن اصلا وارده، وكل الذى فعله هو ادخال التعاون الزراعى (بسماته الراسمالية) فى عمل النظام الجديد للاسباب الآنفة الذكر.

دفع ستالين بالثورة الزراعية الى نطاق اعلى؛ فبعد نجاح السياسة الاقتصادية الجديدة وبعد استنفاذ الغرض منها، كان عليه هزيمة الطبقة الراسمالية التى اشتد عودها واصبحت عائقا امام الانتقال الى الاشتراكية. كانت المزارع الجماعية شكلا اعلى للتعاون الزراعى البسيط الذى اسسته السياسة الاقتصادية الجديده (ذات الملامح الراسمالية). فقد كان التعاون البسيط يقتصر على توحيد مجهودات المزراعيين، اصحاب الملكيات الزراعية المبعثرة، فى مجال شراء مدخلات الانتاج والماكينات والمعدات الزراعية- وبيع المحصول. اما المزارع الجماعية، التى كانت تضم عددا اكبر من المزارعيين مقارنة بالجمعية التعاونية البسيطة، لاتمتلك الارض اذ امتلكتها الدولة – وبالتالى كانت لا تستطيع ان تبيع ، او تشترى، او ترهن الارض. لكن المزارع الجماعية كانت تمتلك الانتاج وتتصرف فيه كسلعة تبادلها مع القطاعات الاقتصادية الاخرى لكى تحصل على احتياجاتها من السلع. كما ان هدف المزارع الجماعية، كان بجانب تجميع الدخل وتوزيعه على اساس صيغة مربوطة بالانتاج الفردى للمزارع خطوة كبيرة فى اتجاه تحقيق الزراعة الاشتراكية.

جاء العمل النظرى المتعلق بانشاء المزارع الجماعية وعملها مثالا كلاسيكيا فى دحض الاتجاهات اليمينية واليسارية؛ فالاتجاهات اليمينية وقفت عند التعاون الزراعى ولم تبد استعدادا لتجاوزه والاتجاه لتحقيق الاشتراكية فى الزراعة، بينما دعا اليساريون الى التحويل الفورى للزراعة الى ملكية الدولة وتشغيلها على اساس العمل المأجور. فارتكازا على الدياكتيك المادى، راى ستالين انه بالرغم عن الدور الذى يلعبه الاشخاص فى ظهور تلك الاتجاهات، الا ان انبثاقها حتمته الظروف الاجتماعية الموضوعية السائده. فطالما ظل الانتاج الصغير يتواجد فى الاقتصاد، فان عودة الراسمالية تصبح احتمالا قائما. وعليه كانت الاتجاهات اليمينية (التى روج لها نيكولاى بوخارين)، هى التعبير عن البرجوازية الريفية التى عارضت الانتقال بالزراعة من نظام التعاون البسيط الى المزارع الجماعية كخطوة متقدمة نحو الاشتراكية. ومن ناحية اخرى فان الاتجاهات اليسارية، التى كان يمثلها تروتسكى، نبعت كامتداد للافكار البرجوازية الصغيرة التى كانت تقلل من قدرة الطبقة العاملة فى قيادة الفلاحين لتحقيق المجتمع الاشتراكى. فقد روج اصحاب هذا الاتجاه الى ان تحالف الطبقة العاملة مع الفلاحين لن يؤدى الى تهيئة الظروف للانتقال الى الاشتراكية؛ وبهذا فقد انكروا اى دور للفلاحين ودعوا الى تجاوزهم والانتقال دفعة واحدة نحو الاشتراكية (ملكية الدولة للزراعة).

اشار ستالين فى 1936 الى ان المزارع الجماعية قد نجحت وان الطبقة الراسمالية فى الزراعة قد تم القضاء عليها، والى ان القاعدة المادية للاقتصاد الوطنى قد تطورت بصورة كافية مما يسمح بالشروع لتحويل البلاد الى نظام اشتراكى متكامل (وهذا يعنى البدء فى تحويل الزراعة الى ملكية الدولة الكاملة)؛ ولكن وقوع الحرب العالمية الثانية اخر هذه المهمة لفترة ما بعد الحرب –وبالتحديد الى 1947. فبعد نجاح المزارع الجماعية واصلت القوى المنتجة تطورها وصارت الدولة السوفيتية دولة ذات صناعة متقدمة مما مهد الطريق للتحول الكامل للاشتراكية. فى هذه اللحظة تبلورت مظاهر تناقض جديد بين القوى المنتجة وعلاقات الانتاج. فقد اصبحت الزراعة التعاونية (المزارع الجماعية) عائقا امام التحول الشامل للمجتمع السوفيتى نحو الاشتراكية. وجذور التناقض المذكور تكمن فى علاقة الزراعة التعاونية بالقطاعات الاقتصادية الاخرى؛ فقد كانت هذه العلاقة تقوم على اساس تبادل المنتجات عن طريق البيع والشراء وهذا يعنى وجود انتاج سلعى فى الاقتصاد القومى. ولكن لان الانتاج السلعى والاشتراكية لا تآلف بينهما (incompatible)، وجدت السلطة الساسية نفسها مواجهة مرة اخرى بمهمة اعادة الانسجام بين القوى المنتجة وعلاقات الانتاج اذ لا يمكن ان تكون القطاعات الاقتصادية الاخرى وبالذات الصناعية ملكية اجتماعية مع بقاء الزراعة قائمة على اساس الملكية الخاصة لمجموعات من المزراعيين التعاونيين.

كان التبادل بين المزارع الجماعية والدولة يتم عن طريق البيع والشراء حيث تقوم المزرعة ببيع فائض منتجاتها للدولة وفق اسعار متفق عليها، ثم يستخدم العائد فى شراء احتياجاتها من المنتجات الصناعية. ولتغيير مسار الزراعة نحو الاشتراكية، رات القيادة السوفيتية تضييق نطاق الانتاج السلعى بعقد اتفاقات، بين الدولة والمزراع الجماعية، الغت الى حد كبير علاقة البيع والشراء بين الطرفين. وبموجب تلك الاتفاقيات تُسلم المزارع الجماعية للدولة منتجاتها، وخاصة مدخلات الصناعة من المواد الخام مثل القطن والكتان والبنجر، وفى المقابل تقوم الدولة بمد تلك المزارع التعاونية باحتياجاتها من وسائل الانتاج (الماكينات والمعدات الزراعية). وبهذا فان علاقة البيع والشراء قد انتفت تماما فيما يخص السلع الانتاجية التى تقدمها الدولة للمزارع الجماعية؛ وصارت الزراعة ُتمد بتلك السلع وفقا لامكانيات الدولة التصنيعية والاحتياجات المتزايده للزراعة لا وفقا لكميات المنتجات الزراعية التى تستلمها الدولة. وهكذا تم اخراج الجزء المهم من السلع المتبادله بين القطاع الزراعى والدولة (السلع الانتاجية) من دائرة الانتاج السلعى، مع بقاء تبادل جزء كبير من السلع الاستهلاكية بين القطاعين تحت علاقة البيع والشراء.

قام ستالين بتوضيح ضرورة التمسك باسلوب القضاء التدريجى على الانتاج السلعى حتى فى هذه المرحلة المتقدمة من البناء الاشتراكى وذلك فى مؤلفه "المسائل الاقتصادية للاشتراكية في الاتحاد السوفيتى، 1951" الذى يمثل آخر اعماله النظرية. فقد اكد، من ناحية، على مقولة ان الاشتراكية تعنى فى التحليل النهائى القضاء على نظام الانتاج السلعى؛ ومن ناحية اخرى اشار الى ان العوامل الموضوعية المتعلقة بالانتاج تحتم اجتياز عدة مراحل قبل الازالة الكاملة للانتاج السلعى، اى تحويل المزراع الجماعية الى وضع الملكية العامة. فهو يقول فى هذا الصدد " من الضرورى ان نحقق، ليس فقط تنظيما عقلانيا اسطوريا لقوى الانتاج، بل توسعا مستمرا فى كافة مجالات الانتاج الاجتماعى، مع توسع اعلى نسبيا فى انتاج وسائل الانتاج ليس فقط لتوفير التجهيزات لكافة فروع الاقتصاد الوطنى – بل كذلك لان اعادة الانتاج على نطاق كبير يصبح مستحيلا تماما بدون ذلك................من الضرورى فى المقام الثانى وعن طريق التحويل التدريجى الذى يجرى لصالح المزارع الجماعية، وبالتالى فى صالح المجتمع ككل-رفع ملكية المزارع الجماعية الى مستوى الملكية العامة. وكذلك عن طريق التحويل التدريجى، الاستعاضة عن التداول السلعى بنظام تبادل المنتجات الذى بموجبه قد تسيطر الحومة المركزية او اى مركز اجتماعى اقتصادى آخر، على كامل الانتاج الاجتماعى لصالح المجتمع. يخطى من يظن انه لا يوجد تناقض بين علاقات الانتاج وقوى الانتاج فى المجتمع الاشتراكى.......وعليه فان مهمة الهيئات القيادية هى ان تميز بسرعة اية تناقضات منذ بدايتها وتتخذ الاجراءات المناسبة لحلها فى الوقت المناسب بتكييف علاقات الانتاج مع مستوى نموء قوى الانتاج. وهذا، يتعلق بعوامل اقتصادية مثل الملكيات الزراعية الجماعية، وتداول الملكية والسلع............وهذه العوامل فى الوقت الحالى تقدم فوائد لا يمكن انكارها لمجتمعنا. ومما لا يمكن انكاره ايضا انها ستكون مفيدة فى المستقبل القريب ايضا. الا انه مما لا يمكن اغتفاره ان لانرى فى الوقت ذاته ان هذه العوامل بدات فعلا فى اعاقة التطور الهائل لقوى انتاجنا، نظرا لانها تخلق عوائق امام الامتداد التام للتخطيط الحكومى لكامل الاقتصاد الوطنى وخصوصا الزراعة. ولاشك ان هذه العوامل ستعيق التطور المتواصل لقوى الانتاج فى بلادنا اكثر واكثر على مر الايام. وعليه، فان المهمة هى ان نزيل هذه التناقضات بالتحويل التدريجى لملكية المزارع الجماعية الى ملكية عامة وبادخال –تدريجيا ايضا- تبادل المنتجات بدلا عن التداول السلعى." لم تكن مقاربة ستالين لحل الاشكال المتعلق بالانتاج السلعى معزولة او عشوائية، بل كانت ترتكز على المفهوم المادى ومنطقه الجدلى. يقول ستالين " ان التنمية الاقتصادية فى ظروف نظامنا الاشتراكى لا تتحقق بالقفز على القوانين الاقتصادية الراسمالية، فالتنمية لا تتم بمجرد الغاء القديم تلقائيا. فالقديم يغير طبيعته بالتكيف مع الجديد، ولا يحتفظ الا بشكله؛ بينما لا يقوم الجديد بمجرد تدمير القديم، بل ينسل من داخله مغيرا طبيعته ووظائفه وبدون ان يمس شكله الذى يستغله فى تطوير الجديد. وهذا صحيح فى تبادلنا الاقتصادى ليس فى السلع فقط ، بل فى النقود ايضا وكذلك المصارف التى بينما تفقد وظائفها القديمة وتتخذ مهام جديدة تحتفظ بشكلها القديم الذى يقوم النظام الاشتراكى باستغلاله......اذا كان منهجنا يتناول الامر من زاوية العمليات الجارية على سطح الظاهرة، فقد يتوصل المرء الى استنتاج خاطىء بان المفاهيم الراسمالية تحتفظ بجدواها فى ضل اقتصادنا؛ اما اذا كان منهجنا ينطلق من وجهة نظر التحليل الماركسى، الذى يميز بادق تمييز بين جوهر العملية الاقتصادية وشكلها، بين العمليات العميقة للتطور وبين الظاهرة السطحية- فسيتوصل المرء الى الاستنتاج الوحيد الصحيح وهو ان الشكل وحده او المظهر الخارجى للمفاهيم الاقتصادية الراسمالية (القديمة) هو ما تبقى فى بلادنا اذ ان جوهرها قد تغير تغيرا جذريا بتكيفه مع المستلزمات التى يتطلبها تطور الاقتصاد الاشتراكى." وهكذا بتمسكه بالطريقة المادية الجدلية، استطاع ستالين ان يكشف خطل الاتجاهات التجريبية التى كانت تكتفى بدراسة الموضوعات الاقتصادية فى شكلها الظاهرى متخيلة ان لها المقدرة على وضع قوانين جديدة للاقتصاد فى مقابل القوانين السائده. فقد كان اصحاب تلك الاتجاهات ينكرون الطابع الموضوعى للقوانين الاقتصادية " كقوانين تعمل بلاستقلال عن ارادة الانسان. كما انهم يعتقدون انه نظرا للدور المتميز الذى القاه التاريخ على عاتق الدولة السوفيتية، فانها وقادتها يستطيعون ان يزيلوا القوانين القائمة للاقتصاد السياسى ويصنعوا او يخلقوا قوانين جديدة. وفى هذا خلط بين قوانين العلم التى تعكس عمليات موضوعية فى الطبيعة او المجتمع، عمليات تحدث بالاستقلال عن ارادة الانسان، وبين القوانين التى تصدرها الحكومات والتى تصنع بارادة الانسان وتكون مصداقيتها حقوقية فقط. الماركسية تعتبر القوانين الطبيعة- سواء كانت قوانين العلوم الطبيعية او قوانين الاقتصاد السياسى- انعكاسا لعمليات موضوعية تحدث بالاستغلال عن ارادة الانسان. فالانسان يستطيع ان يكتشف هذه القوانين، يتعرف عليها، يدرسها، يحسب لها الحساب فى نشاطاته وان يستثمرها لمصلحة المجتمع، الا انه لا يستطيع ان يغيرها او يلغيها. واقل من ذلك لايستطيع ان يخلق قوانين اخرى للعلم." ونفس الطريقة العلمية، اوضح ستالين انه وبنفس المستوى المتدرج لزوال الانتاج السلعى كان يجرى بالمقابل فقدان قانون القيمة لاهميته كمنظم للانتاج فى الاقتصاد السوفيتى الاشتراكى. فقانون القيمة وان لم تكن له مهمة المنظم فى الاقتصاد الاشتراكى، الا انه يؤثر على الانتاج لان الانتاج السلعى مازال موجودا فى بعض القطاعات الاقتصادية- وعليه فلا مناص للذين يشرفون على الاقتصاد فى البلاد من ان ياخذوا قانون القيمة فى الاعتبار عند معالجة امور مثل المحاسبة، والربحية، وتكاليف الانتاج، والاسعار، الخ. وهكذا وضع النظام السوفيتى عمل قانون القيمة ضمن حدود معينة لا تتعدى نطاق الانتاج السلعى المسموح به. والعوامل التى حّدت من نطاق عمل قانون القيمة فى الانتاج هى، اولا، تحويل معظم وسائل الانتاج فى المدينة والريف لملكية اشتراكية؛ وثانيا، قانون التطور المتوازن (balanced development) للاقتصاد الوطنى الذى حل محل المنافسة وفوضى الانتاج؛ وثالثا، التخطيط المركزى بخططه السنوية والخمس سنوية.

وهكذا كان الاتحاد السوفيتى السابق اول دولة فى تاريخ البشرية تضع ازالة نظام الانتاج السلعى كهدفها الاول لتحقيق الاشتراكية، ومن ثم تحجيم عمل قانون القيمة وتمهيد القاعدة الاجتماعية الاقتصادية لزواله الكامل. وقطعت الدولة السوفيتية شوطا بعيدا فى كبح جماح قانون القيمة، وبالتالى تحّول، وكذلك لاول مرة، القانون المنظم للاقتصاد من قانون القيمة الذى بموجبه يصير العمل سلعة تقود الى فائض القيمة (الربح)- الى القانون الاشتراكى وهو ان ما يتحقق من فوائض مالية فى ظل ملكية الدولة لوسائل الانتاج يذهب لتجديد الانتاج على هدى خطة متوازنة تهدف الى رفع مستوى الحياة الاقتصادية والاجتماعية للناس بصورة مستدامة، وتلبية رغباتهم المادية والثقافية. ان التخطيط الاقتصادى السوفيتى الذى يخدم القانون الاشتراكى، لا يقوم على اساس قانون القيمة، بل على تبادل المنتجات بين القطاعات الاقتصادية المختلفة (الصناعة، الزراعة، الخ.)؛ وبهذا فقد شكّل التخطيط الاقتصادى الاشتراكى بديلا جوهريا لقانون القيمة واوجد اقتصادا مغايرا تماما لنظام الانتاج السلعى الذى يلهث فيه اصحاب الاعمال جريا وراء الربح وعندما يصيبونه يسعون لتحقيق المزيد منه. وتجدر الملاحظة الى ان التخطيط الاقتصادى لايعنى الاشتراكية؛ فالتخطيط ما هو الا سياسة اقتصادية تخدم كلا النظامين الراسمالى والاشتراكى. والتخطيط فى النظام الراسمالى يتم اللجوء اليه لكبح عمل قانون القيمة بصورة نسبية خوفا من تعرض سلع ضرورية لحياة الناس او الخدمات الاساسية (utilities) للشح، او حدوث اختلالات فى مجالات العمل اكثر حدة مما هو حادث، تؤدى للتخفيض الكبير فى الاجور وتسريح العمال باعداد ضخمة.

كان وجود قدر من الانتاج السلعى فى النظام السوفيتى الاشتراكى بمثابة النافذة التى قد تتم عبرها اعادة الراسمالية. فكما اشرنا سابقا، اذا لم تعزز سلطة العمال، ولم يتم التوسيع المتواصل لعلاقات الانتاج الاشتراكية، وأُهمل تثقيف ورفع وعى الجماهير – اذا لم يحدث هذا، فان بقايا الانتاج السلعى تتحول الى وسط تنمو فيه الراسمالية وتتكاثر حتى يكون لها اليد الطولى فى الاقتصاد. وهذا ما حدث بعد صعود نيكيتا خروتشوف للسلطة السياسية فى الاتحاد السوفيتى فى 1953بعد رحيل ستالين. وعملية التحول فى الاتحاد السوفيتى استمدت موضوعيتها من الاسباب السابق ذكرها ولم تكن تتحكم فيها الرغبة الشخصية للقادة الذين خلفوا ستالين.

اخذ خروتشوف يوسع من علاقات الانتاج السلعى ويكرس الجهود لتحقيق المجتمع الاستهلاكى (consumerist society) مهتديا ببراقماتية الاقتصاديات الغربية. رسم خروتشوف الطريق الذى ظلت تسلكه القيادات السوفيتية منذ منتصف الخمسينات من القرن العشرين، والذى مثل ابتعادا تاما عن مهمة تهيئة الاوضاع الاقتصادية للزوال الكامل لنظام الانتاج السلعى، الذى ما كان له ان يتم الا بتحول الزراعة الكامل لجسم اشتراكى يتكامل مع الشق الآخر للملكية المتمثل فى ملكية الدولة الخاصة بالقطاع الصناعى. فمنذ ذلك الوقت تم التخلى عن تبادل المنتجات بين القطاع الصناعى والمزراع الجماعية، واعيد نظام البيع والشراء بين القطاعين المعنيين. كما تم التخلى عن التخطيط المركزى لحد كبير اذ منحت الوزارات المختلفة سلطات واسعة للتحكم فى الوحدات الانتاجية التابعة لها. فكانت النتيجة ان أُلغى اشراف الدولة على العمليات الانتاجية للمزارع الجماعية، وصارت الوحدات الصناعية تعمل بصورة شبه مستقلة. أدى هذا، فى الجانب الزراعى، الى تفكيك العلاقات التعاونية فى المزارع الجماعية، وصارت الماكينات والآلات الزراعية التى تحتاجها تلك المزارع سلعا تباع لها بواسطة الدولة. وبالنسبة للقطاع الصناعى حُولت الصناعات الى مشاريع راسمالية مقنعة بشعارات الادارة الذاتية، وضرورة المنافسة لتحسين الاداء، واهمية حساب التكلفة واهمية السوق فى توجيه الانتاج. وفى هذا المنعطف وجد القادة السوفيت انفسهم فى مأزق والسبب هو ان الانتاج السلعى الذى جرى تعميمه فى البلاد، لا يمكن ان يعمل الا وفق قانون القيمة. وللخروج من مازقهم هذا بدأ اؤلئك القادة يروجون لنظرية "قانون القيمة المعدل" والمقصود بهذا القانون المعدل هو ان قانون القيمة فى المجتمع الاشتراكى يختلف عن قانون القيمة فى النظام الراسمالى؛ ولكن هذه الفكرة تتناقض تناقضا اساسيا مع النظرية الماركسية التى، كما ذكرنا آنفا، قدمت التفسير العلمى لزوال القيمة فى المجتمع الاشتراكى. فعلى حسب هذه النظرية، فان العلاقة بين العمل والمنتجات لم يتم التعبير عنها فى شكل القيمة فى العهود السابقة للراسمالية، وانما ظهرت بتطور الانتاج السلعى وسوف تختفى مع اختفاء هذا النمط من الانتاج.

بنهاية الخمسينات ادخلت اصلاحات جذرية على الاقتصاد السوفيتى ومن اهمها ان السلع الانتاجية اخذت تحكمها، بشكل كامل، القيمة التبادلية فى مجرى تبادلها بين القطاعات الاقتصادية. وفى نهاية الامر ولان السلعة تحمل فى احشائها التكوين الجنينى للعمل المأجور وراس المال، صار الانتاج السلعى انتاجا معمما على كل النظام الاقتصادى.

ركن القادة السوفيت منذ ان تولى خروتشوف مقاليد السلطة السياسية فى البلاد الى البراقماتية فى توجيه عمل النظام على كافة الاصعده. ولم يكن هذا الا صدى للفلسفات التجريبية التى سادت تماما فى القرن العشرين؛ وظهر تبنى التجريبية وبرغماتية الحكم على الاشياء بالفطرة (commonsense)بشكل مفرط من قبل ميخائيل قورباتشوف، الذى صعد للسلطة فى1985 ، اذ أصبحت الاساس النظرى لافكاره التى وظفها لتدشين مرحلة جديده من التطور الراسمالى الذى جرى تعميمه بصورة شاملة فى الاتحاد السوفيتى خلال السنوات 1953- 1958 عندما صار الانتاج السلعى يمثل راسمالية الدولة. فالدولة التى تتحكم فى الانتاج لم تصبح دولة تتطابق مصالحها مع مصالح العمال، وهذا ما عبرت عنه بوضوح مقررات المؤتمر الثانى والعشرين للحزب الشيوعى السوفيتى فى 1961 الذى حوّل الحزب الشيوعى من حزب العمال الطليعى لحزب "كل الشعب" والدولة السوفيتية "لدولة كل الشعب". ولم يكن المقصود بالدعوة لدولة كل الشعب وحزب كل الشعب المتناقضة مع اسس الماركسية- الينينية التى تقرر الطبيعة الطبقية للدولة والحزب، غير الاعلان الرسمى لقطع كل ما يمت بصلة للاشتراكية ونهاية النظام السوفيتى الاشتراكى والانتصار الشامل للراسمالية. كما تمت تجزئة الاقتصاد اذ صارت الوحدات الانتاجية تتحكم بصورة كاملة فى منتجاتها، وتحول السوق الى سوق حقيقى تمارس فيه المؤسسات البيع والشراء والمنافسة- وبهذا تحولت كل المنتجات وكذلك العمالة الى سلع. وهكذا فان الانتقال لشكل الملكية الجديد (ملكية راسمالية الدولة) الذى تحقق فى عهد خروتشوف حتمه شكل الملكية الاشتراكية لوسائل الانتاج، اذ لم تظهر الملكية الخاصة فورا، بل صارت كل وسائل الانتاج (التى كانت تمتلكها الدولة الاشتراكية) مملوكة بصورة جماعية للطبقة الراسمالية الجديدة؛ وذلك بالمساعدة المباشرة من قبل الدولة التى تحولت لدولة راسمالية تحت شعار "دولة كل الشعب"!

عندما جاء قورباتشوف اضطلع بمهمة تعبيد الطريق للبيع الاجمالى للوحدات الانتاجية، المملوكة للدولة، للشركات الخاصة. ولهذا الغرض وضع قورباتشوف برنامج البروسترويكا (الاصلاح الاقتصادى) والجلاسنوست (الانفتاح). قدم قورباتشوف افكاره الخاصة بالبروسترويكا الجلاسنوست على انها ترتكز على النظرية الماركسية-اللينينية؛ ولكن بالتدقيق فى ذلك، فسنجد انها لا تتعدى النظرة الذاتية الانتقائية، التى تتوقف عند المظاهر الخارجية لحالة الاتحاد السوفيتى آنذاك، والمغلفة بالاشارة هنا وهناك بمقولات ماخوذة من بعض ما صاغه ماركس ولينين من نظريات. فقورباتشوف لم يقدم اى تحليل علمى وموضوعى للواقع المعاش؛ كما انه لم يقم بدراسة التناقضات السائدة بين علاقات الانتاج والقوى المنتجة، والى اين يؤدى صراعها. بالمقابل حدد قورباتشوف هدفه بانه " بناء مجتمع اشتراكى تتم فيه ادارة الاقتصاد بصورة منطقية ومعقولة (rational)،وتسوده القيم الانسانية، والحرية" كما اكد على ان المجتمع الجديد الذى يسعى لتحقيقه يقوم على اساس الاقتصاد الحيوى، والتكنوقراطية (technocratism), والعلمية (scientism). وبالطبع لم يكن المقصود من النشاط العلمى والتطبيقى كما دعا له قورباتشوف هو ذلك النشاط المطلوب لحل قضايا الادارة والانتاج، بل كان الهدف من وراء مقولات العلمية والتكنوقراطية هو تحويلها لعقائد جامده مبتذلة بغرض صرف النظر عن الاضطلاع بالمهمة الاساسية لاكمال بناء الاشتراكية والمتمثلة ليس فقط فى العمل الدؤوب لتطوير القوى المنتجة، بل كذلك فى النشاط السياسى الهادف لتغيير علاقات الانتاج - متى ما نضجت الظروف - لكى تتناسب مع القوى المنتجة. ولهذا لم يكن غريبا ان تلتزم البروسترويكا الصمت الرهيب المطبق حول قانون القيمة؛ فقورباتشوف تجنب الحديث حتى عن قانون القيمة المعدل. وبدلا عن قانون القيمة، انحصر الحديث- المستهدى بالنظرة التكنوقراطية- فى تكلفة الانتاج على نمط وبمعايير الاقتصاديات الغربية. ولم يكن هذا الا لان قانون القيمة قد اطلقت يده "كيد خفيه" تفككت معها المنشآت الاقتصادية، وانهارت جمهوريات الاتحاد السوفيتى الاشتراكية- التى كانت مهمتها المركزية تحقيق نظام اجتماعى اقتصادى خالى من انتاج القيمة التبادلية- لتحل محلها منظمة الكمونولث للدول المستقلة(commonwealth of Independent States) التى تقوم اقتصادياتها على اساس نظام الانتاج السلعى.

ان الدور الذى لعبه القادة السوفيت منذ خمسينات القرن الماضى فى اعادة الراسمالية لمنظومة دول الاتحاد السوفيتى يجب ان لا ينظر له على انه دور ذاتى منطلقاته فردية (individual-centric). بل لقد كان التحول يعزى لظروف موضوعية، تراكمت معطياتها خلال فترة طويلة من الزمن، انثالت عنها الافكار الآيديولوجية والسياسية لاؤلئك القادة. تلك الافكار التى مثلت اللحظة السياسية التى تطلبها التوفيق بين القاعدة المادية الاقتصادية، التى هيمن عليها الانتاج السلعى، وبين البناء الفوقى الضرورى لخدمة علاقات الانتاج الجديدة. ولهذا فان الراى الذى ينظر لسقوط الاتحاد السوفيتى فى نهاية ثمانينات القرن العشرين كحدث تم بشكل عفوى نتيجة لخيانة قورباتشوف، اولنشاطات المخابرات الغربية،الخ، هو راى رغما عن اشتماله على حقائق- الا انه يقف عند حدود النظرة الذاتية فى التفكير التى تقيّم الظاهرات الاجتماعية فى معزل عن سياق الواقع المادى المعاش وحركته، وبالتالى يفتقد اصحابه للقدرة على اى تطور فكرى لاحق يقود الى مواقف صحيحة.




#محمود_محمد_ياسين (هاشتاغ)       Mahmoud_Yassin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فى الذكرى الستين لتأسيسه: الحزب الشيوعى السودانى والعمل النظ ...


المزيد.....




- أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
- خلل -كارثي- في بنك تجاري سمح للعملاء بسحب ملايين الدولارات ع ...
- الزعيم الكوري الشمالي يشرف على مناورات مدفعية بالتزامن مع زي ...
- الاحتلال يقتحم مناطق في نابلس والخليل وقلقيلية وبيت لحم
- مقتل 20 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة
- بالصور: زعيم كوريا الشمالية يشرف على مناورات -سلاح الإبادة- ...
- ترامب يفشل في إيداع سند كفالة بـ464 مليون دولار في قضية تضخي ...
- سوريا: هجوم إسرائيلي جوي على نقاط عسكرية بريف دمشق
- الجيش الأميركي يعلن تدمير صواريخ ومسيرات تابعة للحوثيين
- مسلسل يثير غضب الشارع الكويتي.. وبيان رسمي من وزارة الإعلام ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود محمد ياسين - القيمة وسقوط الاتحاد السوڤيتى