أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرزاق عيد - الموت الهامشي -الهزيل- لفكر البعث أم الإنبعاث -الجليل- لفكر الأمن !؟ النظام العربي : لا خيار سوى الطغيان أو خسارة الأوطان















المزيد.....


الموت الهامشي -الهزيل- لفكر البعث أم الإنبعاث -الجليل- لفكر الأمن !؟ النظام العربي : لا خيار سوى الطغيان أو خسارة الأوطان


عبد الرزاق عيد

الحوار المتمدن-العدد: 507 - 2003 / 6 / 3 - 15:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


 

ينشأ الشعور بـ " الجليل " من خلال مواجهة المدارك البشرية لما هو فائق ، حيث تعجز الحواس عن ادراك كنهه ، ولهذا ارتبط الشعور بالجلال لدى الشعوب القديمة بالقدرة الإلهية على خلق العالم ، وفي الإسلام يقترن الجليل باسم الله ، والاحساس بالجليل عند كانط يتولد عن أمرين أحدهما حسي ، وهو روعة السماء المرصعة بالنجوم ، والثاني روحي ، وهو القانون الاخلاقي في الداخل الإنساني ، وعند هيغل يتولد في لحظة التعارض بين اللانهائي والنهائي ، بين اللانهائي الداخلي ( الفكر ) والحدود الخارجية ( المادة ) ، وعلى هذا فإن فلسفة الجليل لا يمكن أن تتشخص جماليا إلا في المأساة والملحمة،ولذا قالت العرب " حدث جلل " ،مثال ذلك في حاضرنا سقوط بغداد ( مثلا ) الذي هو بالنسبة لنا نحن العرب " مأساة " بينما هو بالنسبة للأمريكان ( ملحمة ) ، بينما ( يوجين هابرماس ) فيلسوف الوحدة الأوربية الذي أدان لا مشروعية الحرب الامريكية دوليا ، اعتبر أن سقوط تمثال صدام حسين حدث ملحمي في رمزيته للحرية ، يبرر أو( يعادل ) اللامشروعية الدولية واللأخلاقية للعدوان الأمريكي !؟
إذن الجليل ارتبط تاريخيا بروعة الكون طبيعيا ، أو بالأحداث الكبرى بشريا ، والقانون الأخلاقي روحيا .
والجليل عندما يطلق مجازا على الأفراد فإنه يختص ببعده الكمي من جهة ،( التراكم الزمني) حيث وقارالعمر للرجل الشيخ ،و)البعد النوعي) لهذا الشيخ الذي أفنى عمره في طلب المعرفة وانتاجها من جهة أخرى ، تحت ضغط شعور داخلي أخلاقي بالجلال ، الذي يترفع على المال والشهوات ويجلّ نفسه على أية سلطة أو سلطان .وهؤلاء ربما لا يتجاوزون أصابع اليد في عالمنا العربي خلال العصر الحديث !
لماذا هذه المقدمة عن الجليل والجلال ؟
 لأن الدهشة –ببساطة- قد عقدت ألسنتنا عندما نجد مثقفا وكاتبا سوريا معارضا ، يصف مسؤولا أمنيا بـ ( كاتبنا الجليل ) وذلك في جريدة النهار يوم 21/ 5 / 2003، حيث صفة (الجلال) تتردد لأول مرة في تاريخ تقريظ النظام في سوريا ،فحتى الراحل لم يحظ بهذا اللقب ،لأنه يفترض أن لدينا نظاما رئاسيا ، وليس ملكيا !
 ودهشتنا يعبر عنها هذا السؤال ، هل هناك في العالم رجل أمن مهما كانت مواقعه ومسؤولياته العالية المستوى و مواهبه وملكاته الفذة يمكن – على ضوء ما سقنا في تعريف مفهوم الجليل – أن يكون جليلا ؟ ذلك لأن لأن الجليل بالأصل - تعريفا وسياقا - يحيل إلى مفهوم(المثل الأعلى)  أي المتصل بعالم المثل العليا ، التي يتردد صداها في الفكرالبشري منذ فلاسفة اليونان إلى اليوم تحت ثلاثية : ( الحق ، الخير ، الجمال ) ، والتي صاغت مبادئ الثورة الفرنسية معادلها المعاصر والمحايث بثلاثية : ( الحرية ، المساواة ، والعدالة) .
 ودهشتنا في هذا السياق ليس مردها البعد الذاتي ، في علاقة المثقف بالسلطة ، بل ببعدها الدلالي ، وذلك في تلك اللحظة التاريخية الفاصلة في تاريخ العرب الحديث ، حيث يضعنا النظام العربي أمام خيارين كلاهما كارثي : إما قبول الطغيان ، أو خسارة الأوطان ، بعد أن تشخصنت الأوطان بأنظمتها ، إلى الحد الذي يغدو فيه  سقوط أي نظام ، سيستتبع بالضرورة سقوطا للأوطان ، تماما كجوزة ديالكتيك هيغل ، إذا قشرتها فإنك ستكسرها حتما !
فإذا أردنا أن نتقصى أبعاد " الجلال " والعمق في الفكرة التي ساقها المسؤول السوري ، فإننا في واقع الأمر ، لن نجد سوى الفكرة ذاتها التي طرحها الرئيس الراحل على كلينتون ، والتي تداولتها الصحف في حينها بحذر ، لكي لا يتهم الرئيس الراحل ، أن علاقة نظامه  بالمنظمات الفلسطينية وحزب الله ، ليست إلا أوراقا يلعب بها النظام لحسابه ، كما يعبر عن ذلك مقال المسؤول الأمني الرفيع المستوى صراحة !
لكن الفارق-اليوم- يكمن في السياقات ، فدور سوريا في ضبط الإيقاع الأمني الاقليمي في زمن كلينتون يختلف عنه في زمن بوش ورامسفيلد وبيرل ( أمير الظلام )  صاحب المقال الشهير تحت عنوان :" الحمد لله على وفاة الأمم المتحدة " وكونداليزا التي تأمرنا و تحذرنا من المراوغة والتلاعب والتسويف ،فيجيبها باول مطمئنا بأنه"يراقب الأداء السوري" وكأننا تلاميذ قاصرون في مدرسة للمعوقين !
هل من المعقول أن نعيد انتاج خطاب يتداول مفهوما للتسويات الإقليمية منذ ثلاثة عقود،  وهو زمن الرئيس الراحل  ، في زمن تسقط فيه بغداد بيومين !؟
إن المسؤول السوري في عرضه لتصوراته بأن الأمريكان ليسوا جادين في دعوة سوريا إلى الخروج من لبنان ، وذلك – حسب رأيه- لأننا  نستطيع اللعب بأوراق التنصل من المسؤولية عن تصرفات ( حزب الله) في لبنان تجاه اسرائيل مادمنا منسحبين من لبنان ، ومن ثم لعب ورقة عدم مسؤوليتنا في تحول منطقة الجنوب إلى ملتقى للاصولية اللبنانية والفلسطينية (حزب الله – حماس –حزب الجهاد ) ،إن مثل هذه التصورات –في ظل الإدارة الأمريكية المشار اليها- ليست إلا قراءات سعيدة لوقائع متجهمة ، وهي أشبه بمن يغني في الظلام على طريق مهجور لكي يطمئن نفسه ويبدد شعوره بالخوف ،إذ يتخيل أنه –بغنائه- يخيف أشباح الظلام !
 إنه –والأمر كذلك – ينتج أو بالأحرى يكرس خطاب اصرار على الاستمرار في ذات السياسات في الخارج وفي الداخل التي قادت الى كل هذه الكوارث ، بغض النظر عن كل المستجدات والمتغيرات ، وذلك فقط في سبيل الإثبات المريح للذات قبل الآخر بعدم الخوف !
وهو- في هذا السياق- خطاب موجه للبنانيين الذين يزدادون اتساعا في مطالبتنا بالإنسحاب من لبنان ، مع الحفاظ على أطيب العلاقات هذا من جهة ،  ومن جهة أخرى موجه للمعارضة السورية ، لتيئيس الطرفين أنه ليس ثمة تغيير ... ؟!
فعوضا عن انتاج خطاب بديل ، واستباقي لما تحمله الأيام القادمة ، التي هي حسب استقراء ستيفان كوهن الكاتب الأمريكي الذي زار المنطقة فكتب في " النيويورك تايمز " أن الشعوب العربية ليست جاهزة بعد للسلام ، الذي تريده أمريكا طبعا ، وعليه ينبغي تأجيل التغيير الديموقراطي ، في حدود منح الوقت اللازم –امريكيا- للحكام الديكتاتوريين العرب لكي يوقعوا على إتفاقات التسوية المبتغاة أمريكيا ،وبعدها يمكن العودة للبحث في التغيير الديموقراطي ،ولهذا فقد حدد باول فترة انجاز التغيير الديموقراطي للشرق الأوسط في حدود عشر سنوات ، يكونون خلالها قد عروا الأنظمة من كل مقومات مشروعية وجودها ،لتذهب  بنفسها إلى قبر تحفره بيديها !
  نقول :عوضا عن كسب هذا الوقت المستقطع ، لإحداث ثورة بيضاء في سياساتنا وأفكارنا وطرائق تنظيمنا لبيتنا الداخلي والأخوي ، مستفيدين مما يمكن أن يمثله لبنان كنواة لنظام ديموقراطي دستوري برلماني تعددي توافقي ،يمكن أن يكون - بل وينبغي أن يكون- نموذجا لمستقبل المنطقة السياسي ، ومسارعين إلى تحقيق تلك التسوية التاريخية الضرورية حتى ولو كانت بين الأشقاء ، إذ نحن بحاجة إلى لبنان كفضاء مدني ، ديموقراطي ، أكثر مما هو مجال عسكري ( للصمود والتصدي ) ، نحن بحاجة إلى عون حقيقي من الأشقاء اللبنانيين على طريق الإصلاح السياسي والإقتصاي ، حيث يمكن للبنان أن يشكل فعالية طليقة في تفكيك بنية مغلقة ، بل نحن بحاجة حتى للعون الإداري و التنظيم المالي ، لأن كل خبراء المالية –على سبيل المثال- وكفاءات المصارف والادارة السوريين التقنيين قد قضوا نحبهم ، ولم يبق لنا سوى خبراء نهب القطاع العام !
وعلى مستوى تنظيم مؤسسات المجتمع المدني ، وإقامة نظام إداري حديث ، ليس لدينا سوى كميات هائلة من الايديولوجيا والشعارات ، والمقولات ، والاتحادات ، والمنظمات ، لكن ليس لدينا مؤسسة واحدة من مؤسسات المجتمع المدني إلا و(تسرطنت أمنيا )، فسادا وإفسادا بدءا من دائرة السجل المدني وصولا إلى القضاء الذي هو الوحيد الذي يستحق الإجلال ، وفق ما يقول كانت.
إن لبنان الذي استطاع أن يستعيد عافيته الديموقراطية متجاوزا استنقاعنا الشمولي ، لهو الأولى والأجدر في تقدير و تقرير مستقبل العلاقة وشكلها معنا نحن الشقيقة الكبرى سوريا المتأخرة سياسيا ، وذلك مادام قد سقط الخيار العسكري في المدى المنظور – على الأقل – ذلك الخيار الذي طالما تذرعت به بعض الطغم لتنقل فسادها المعمم سوريا لشقيقتنا الصغرى من أجل تبييضه قوميا !
عوضا من أن نبرهن للبنانيين على أن الأمريكان غير جادين في انسحابنا ، كما يذهب المسؤول الرفيع المستوى ، فيكون المآل تحريضهم على صياغة الأطروحة السجالية المضادة لتبرهن على جدية المراهنة على إستحقاقات "المتغيرات الدولية والإقليمية" ، وأن "الأصيل" لم يعد بحاجة اقليميا لـ  "البديل" ،فمادام قد صار"الأصيل" داخل الحقل فهو فليس بحاجة إلى النواطير....الخ من ردود الفعل اللبنانية !
 أليس الأجدى لنا وللأشقاء أن نبرهن لهم أننا بحاجة لهم بوصفهم الحيّز المتاح لتفعيل آليات التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، أليس هذا هو الطريق الذي يتناسب مع روح العصر في توحيد المجتمعات على أسس المصالح والمنافع المتبادلة ،وعلى أسس الشرعية الدستورية المدنية القانونية الديموقراطية ، هذا إذا شاءت- اللهم- أن تتوحد !
المعارضة السورية :
أما حديث المسؤول السوري عن المعارضة في سوريا ، بأنها ليست معادية للنظام ، بل لها بعض المطالب ، وانه ليس في سوريا معارضون يقبلون ركوب الدبابات الأمريكية ،لأن ذلك "بعيد تماما عن أخلاقيات ومناقب السوريين " بغض النظر عن البعد الإنشائي والوجداني في الحديث عن مناقب السوريين،والتي تؤدي الى الإساءة  للشعب العراقي وكأن الخيانة من مناقبه !!  فإننا نتساءل : مادام الأمر كذلك، وهو كذلك فعلا ، فلماذا كل هذا التشنج من هذه المطالب السلمية للمعارضة ؟ التي لم تتجاوز حدود الكلام ، ليزج بهم - بكل هذه العدائية - في السجن  ماداموا غير معادين ؟
ونريد أن نضيف إن أهم ما يميز المعارضة السورية أنها وطنية ومعادية لأمريكا في الداخل والخارج ، وهذا مايعترف به المسؤول، لكن حذار من الأصوات التي بدأت تظهر في غرب المتوسط ، محذرة من التشاطر ( البيرغماتي ) مع الأمريكان ، لكسب رضاهم ومن ثم الاستقواء بهذا الرضى على الشعب والمجتمع ، فبرغماتية من هذا النوع ، ليست ذكاء خاصا لا يتمتع به سوى الأنظمة ، بل هي لعبة في غاية البساطة ، والأمريكان يرحبون أن يلعبوا مع الجميع ، وما يمنع المعارضة في الخارج هو التمسك بالمبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية ، وإلا فإن الأمريكان يمدون أيديهم لكل من يمد يده ، ولهذا فإن الإلتفات إلى المجتمع وقواه الحية ، ومطالبه في الحريات السياسية والديموقراطية ، احترام القوانين ، واعتبار الوطن للجميع ، هو الوحيد الكفيل بأن لا نتردى إلى انحطاط روحي وأخلاقي مدمر ، يصل حد أن تتننافس السلطة والمجتمع على الاستقواء بالأمريكان !?
  يجب الإصغاء جيدا- وبإذنين مفتوحتين- إلى ايحاءات الصوت المعارض في الخارج ، فقد انهكته الغربة عن الديار ، حيث ربع قرن كافية لكل واحد من المبعدين أن يصبح أبا أو جدا ، وكافية لتغيير الأراء والأفكار ، والمفاهيم ، أكثر منا جميعا نحن الذي نعيش في ممالك الصمت والخوف والركود ، لا نظن أن هذه المطالب فوق طاقة النظام كما ينقل المسؤول السوري على لسان رياض الترك ، لأنه – ببساطة – ليس ثمة مناص ، ليس أمامنا سوى البحث عن الطريق الثالث بين واقع الطغيان ومستقبل خسارة الأوطان ، ولايفيد الحديث في هكذا ظروف عن المناقب ،ولاإلقاء الأشعار الحماسية التي طالما رددها صدام حسين وهو يحث ويحفز ويستثير (مناقب) العراقيين (الأماجد ) ،ولا يفيد تهديد- المسؤول- بالتاريخ لأننا خرجنا منه منذ ألف سنة وولجنا سرادق التراث مستغرقين فيه ،وأفضل مثال على هذا الإستغراق هو نموذج النظام القروسطي العربي القائم .
هذا الشق الأول لمناقشتنا تحديات الوضع الداخلي في سوريا ، أما الشق الثاني المتعلق بهزال وتلاشي البعث ، فله مؤشرات لافتة ، ليس في قرارات تغيير ألوان لباس طلاب المدارس العسكري فحسب ، بل فيما يكتبه رئيس تحرير جريدة البعث ، وهو يميز بين البعثين  (العراقي والسوري ) ، لكي يفكك القناعة  لدى الأمريكان – فيما يظن – القائلة بأن النظامين ، كفصي حبة الفول ، وبأن هناك تماثلا بنيويا بينهما ، وإذا كان ثمة اختلاف فهو في الدرجة وليس في النوع .
هذا التماثل ، يسعى رئيس تحرير البعث ، ليفك اشتباكه ايديولوجيا معه ، عبر الهجوم على منطلقاته النظرية ، وهي أهم ما أنجزه البعث في تاريخه ، بفضل العمق النظري النوعي لفكر ياسين الحافظ ، الذي ظل سقف منظومته النظرية أعلى من منسوب وعي الحزب ،إذ يؤصل لمنظومته تأصيلا تاريخانيا من خلال نظرية الثقافة المقارنة كونيا ، حيث سيحرر الفكر القومي من أوشاب مرجعيته الميتافيزيقية عند ميشيل عفلق وقسطنطين زريق ، والحدسية الجوانية (الرحمانية) البرغسونية عند زكي الأرسوزي ، ليخلص من تجربته الشيوعية والبعثية ، إلى مفهوم الثورة القومية التي تتشكل أقانيمها من مثلث الليبرالية ، الديموقراطية ، العلمانية ، من خلال إدراج حركة هذا المثلث في تاريخانية ماركس ، لإنتاج وعي مطابق باللحظة التاريخية المعطاة والمعاشة .
ولهذا إذا كان على حركة التحرر –وذلك في مرحلة النهوض الإشتراكي- أن لا تعيش الليبرالية كمرحلة اقتصادية ، لكن لا بد من مكتسب الليبرالية كعمق تاريخي ثقافي لأية ثورة قومية ، حيث يتشكل هذا العمق الليبرالي من ثالوث( النهضة ، التنوير ،العقلانية ) ، وعلى هذا فإن العمق الليبرالي الضروري ذاك سيستدعي بالضرورة الديموقراطية كأم لأية ممارسة سياسية ، وتأتي العلمانية كمدخل للثورة الثقافية ضد العقل القروسطي ، لإحلال مفهوم النهضة والإصلاح ، محل التنمية (التأخرالية أوالتأخراكية) !
هذه الترسيمة النظرية لا تزال تتمتع براهنيتها وهي ما ينبغي إحياؤه وبعثه لدى البعثيين لكي  يكون حزبهم راهنيا ، وقادرا على دخول تحديات الديموقراطية الكونية ، التي لم يبق خارجها سوى نصف العالم الاسلامي ، وكل العالم العربي الذي بلغت شعوبه حدا من اليأس بأنها راحت تصوت 85 % منها لصالح الاستعمار الخارجي بمواجهة الاستعمار الداخلي ، على ذمة قناة الجزيرة ، بل إنه لأول مرة في تاريخ سوريا يصبح النقاش ممكنا اجتماعيا ووطنيا حول صدق النوايا الأمريكية في مشروعها " التحريري الديموقراطي " ، ولأول مرة يسمع في هذه الاوساط كلمة " ربما" دون الخوف من الاتهام بالخيانة أو العمالة كما عبر عن هذا المعنى الصديق شوقي بغدادي في جريدة النور !
– ليس هجوم رئيس تحرير البعث مؤشرا على بداية استغناء السلطة عن البعث هو المؤشر الأهم ، بل هناك منتدى على الانترنت باسم السيريانز ، يضم حوالي 200 مثقفا ، تشرف عليه اسماء معروفة في الحياة الثقافية والفنية السورية ، كالممثل الموهوب والمعروف فارس الحلو ، والروائي الذي اشتهر ككاتب سيناريو عربيا نهاد سيريس ، والفنان التشكيلي وليد قارصلي .
وقد أظهر هذا المنتدى ، مدى اتساع مقبرة المواهب والابداعات في شتى حقول الثقافة والمعرفة والأدب والفن الذين لا يجدون فرصا للتعبير إلا عبر منتدى على الأنترنت. منذ شهر وأحد المواهب القصصية (محمد غانم) ، تتفجر مواهبه الساخرة التي تتناول حزب البعث إلى درجة من الإقذاع الذي لا يسمح حتى الرقيب اللبناني بإ يراده ونشره .
بل إنهم أعلنوا عن مسابقة لجمع الشعر والأغاني البعثية والنسج على غرارها تهكما وسخرية بل وجرأة ، أن يعلنوا أنهم سيجمعون هذا التراث الفني ويقدمونه لتومي فرانكس باعتباره المسؤول عن نزع البعث من العراق !
إن ما يلفت الانتباه أنه ليس ثمة أية شرعية قانونية ودستورية لنظام الحكم في سوريا ، سوى البند الثامن الذي يومئ إلى أن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع .
فإذا ما تم النيل منه وبهذه الطريقة الساخرة التي كان الأقل منها يمكن أن يواجه المرء بالعنت وأي عنت ، فإن ما يمكن أن يخلص له ، كأن هذه الأهاجي والسخريات من البعث أصبحت مشروعة ، وكأن هناك من يعطي الضوء الأخضر من قبل " القوى الخفية" للانقضاض على البعث ، وتقديمه كقربان ، على طريق التجدد العقائدي الحداثي لإزاحة عقبات الايديولوجيا البعثية ، من طريق التسوية ، سيما بعد أن تبين للسلطة ومنذ أحداث الثمانينات أن الحزب عبء عليهم ، وأن الكثيرين من الجهاديين  المقاتلين في صفوف الاخوان تحدروا من البعث ، بينما الباقون لاذوا ببيوتهم وبالجوامع يطلبون الغفران والتوبة .
وعلى هذا يبدو أنه قد تكونت قناعة بأن التضحية بحزب البعث هي أقل الخسارات بالنسبة لنواة قوة النظام الضاربة "الخفية" مادام البعث لم تعد اصطفافاته السياسية ، تختلف عن الاصطفافات السوسيو-ديموغرافية للسكان ، حيث أن الانتساب إلى حزب البعث تحول إلى ما يشبه الوثائق الثبوتية ( كقيد النفوس ، أو لا حكم عليه ) للقبول بالوظيفة ، بحيث يبدو أن البعثي صاحب امتيازات عندما يحصل على حقه البديهي ، في أن يدخل دار المعلمين ليكون معلما وليس سائق أجرة كما يحدث اليوم والآن !
ولكي يحصل الطبيب البشري على موقعه الطبيعي كطبيب بشري ، وليس طبيبا بيطريا ، لأنه حدث أن طبيبا بيطريا أصبح مديرا لمستشفى الطب البشري التابع للجامعة ، لجدع أنف الأطباء الذين ليسوا هم بحاجة إلى جعالة الدولة ، التي لا تطعم كلبا من كلابها .
- ثمة مؤشرات أخرى على تهاوي موقع البعث و( تهزيله ) هو وفاة عميد من أعمدته المؤسسين وأحد الفاعلين المهمين في الحياة السياسية السورية الدكتور وهيب الغانم ، الذي يشار أنه كان استاذ الرئيس الراحل ، والمستقطب له إلى صفوف البعث ، نقول : توفي الرجل منذ أيام ، فلم تهتم به وسائل الإعلام ، سوى في زاوية صغيرة من جرائدنا الغراء .
والأمر نفسه ينطبق على عدم الإهتمام بوفاة عضو القيادة القومية محمد جابر الانصاري .
والسؤال الاخير الذي يترتب على ماتقدم هو : هل سيرتسم عنوان التغيير القادم في سوريا ،في صيغة تلك المصادفة التاريخية التي يتزامن فيها الموت الهامشي " الهزيل " لمؤسس البعث ، مع الانبعاث " الجليل " للمسؤول الأمني حتى على مستوى التفكير والتنظير ؟

     د. عبد الرزاق عيد
         حلب – 26/ 5 / 2003
 
 
       



#عبد_الرزاق_عيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصالحة بين -الوطنية - و-الديموقراطية- هي أساس -المقاومة- ح ...
- وداعاًً عارف دليلة أو الى اللقاء بعد صدور الحكم بـ -إعدامك-
- متى النقد الذاتي الكردي؟


المزيد.....




- القضاء المغربي يصدر أحكاما في قضية الخليجيين المتورطين في وف ...
- خبير بريطاني: زيلينسكي استدعى هيئة الأركان الأوكرانية بشكل ع ...
- نائب مصري يوضح تصريحاته بخصوص علاقة -اتحاد قبائل سيناء- بالق ...
- فضيحة مدوية تحرج برلين.. خرق أمني أتاح الوصول إلى معلومات سر ...
- تظاهر آلاف الإسرائيليين في تل أبيب مطالبين نتنياهو بقبول اتف ...
- -فايننشال تايمز-: ولاية ترامب الثانية ستنهي الهيمنة الغربية ...
- مصر.. مستشار السيسي يعلق على موضوع تأجير المستشفيات الحكومية ...
- طالب جزائري يخطف الأضواء في برنامج للمواهب بروسيا (فيديو)
- مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين في إطلاق نار بحفل في مدينة نيويو ...
- احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيغا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرزاق عيد - الموت الهامشي -الهزيل- لفكر البعث أم الإنبعاث -الجليل- لفكر الأمن !؟ النظام العربي : لا خيار سوى الطغيان أو خسارة الأوطان