أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمد كمال اللبواني - الديكتاتورية والإرهاب















المزيد.....


الديكتاتورية والإرهاب


محمد كمال اللبواني

الحوار المتمدن-العدد: 1703 - 2006 / 10 / 14 - 11:00
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لن نتحدث هنا عما تمارسه السلطة الديكتاتورية من قمع وإرهاب منظم بحق مواطنيها , من أجل حصرهم ضمن دائرة الخوف , حيث تفرض عليهم حالة من الإذعان والخنوع والاستسلام التام لمشيئة السلطة المتعسفة . ولا نقصد هنا إرهاب السلطة ووحشيتها التي تمارس بانتظام , من أجل ضمان البقاء بدون أية شرعية مستمدة من إرادة الشعب الحرة ، بل ما أقصده هو تلك الظروف التي تنشئها الديكتاتورية , والتي تهيئ الأرضية للجهل والفقر والتخلف والتعصب ومن ثم التطرف والعنف والإرهاب ، الإرهاب الذي لا تمارسه مؤسسات الدولة القمعية والعصابات التي تحكمها أو المرتبطة بها ، بل المنظمات المعارضة التي تنشأ في أوساط مريضة ومحبطة وتهدف لترجيع العنف, ليس فقط ضد السلطة المستبدة الفاسدة المتوحشة , بل أيضا ضد كل من تعاون معها وسكت عنها في الداخل أو في الخارج ..
الضحايا الذين يستهدفهم العنف بعيدين كثيراً عن العامل المباشر الذي قهر الجماعات التي تمارسه والتي لا قبل لها في مواجهة غطرسته , فتذهب تلك الجماعات نحو العامل البعيد وغير المباشر , والذي تراه أنه هو السبب الخفي وراء قوة السلطة ، وأنه هو الهدف الأسهل الذي يمكنها الوصول إليه , أي تستهدف المدنيين في الداخل أو المدنيين في الخارج ليس بهدف قتل المدنيين بحد ذاته ، لكن لاستعماله كوسيلة ضغط فعالة .. حيث يؤدي الصدى الإعلامي والنفسي الهائل لعمليات الإرهاب هذه إلى ترجيع وهمي لمقدار الضرر والحقد والشعور بالظلم والامتهان , الذي تعاني منه المجتمعات المنعزلة والمغلقة والمحرومة , والتي يتنطح قسم صغير محدد السمات و الشخصية ( وله طبيعة خاصة ) من أبنائها للتطوع للدفاع عنها ( طبعا من وجهة نظرهم ) لأن الكثيرين غيرهم يرى أنهم مجرد هواة قتل وانتقام ولا يحملون أية قضية , فهم يظنون أنهم بعملهم هذا ينتقمون لشعوبهم , وأنهم حتى لو فقدوا أرواحهم او أزهقوا أرواحا بريئة أخرى ( وما أكثر من يفقد روحه لأسباب تافهة في دول التعسف ) فهم يفقدونها لأسباب هامة ، يضاف إلى ذلك وعود الدين بحياة أخرى سعيدة غير تلك السيئة التي نحياها ، لكل من يجاهد في سبيل أهله وإلهه ووطنه وفي سبيل رفع الظلم والاضطهاد ..
لذلك لا يمكننا أن نتوقع حصول ظاهرة الإرهاب من دون نوع معين من القبول (O K ) يصرح عنها أو يهمس بها المجتمع المضطهد المدفوع نحو البؤس والانغلاق .( ولا أقصد هنا كل المجتمع بل تلك التجمعات التي يعتقد الإرهابي أنه ينتمي إليها ويستمد بعده الاجتماعي منها , ويوجه نشاطه من أجلها / مخيم /حي / أسرة / تنظيم ) ومن دون إلغاء هذا الموافقة الضمنية ومن دون فتح تلك المجتمعات ، ومن دون تغيير تلك الظروف البائسة التي فرضت عليها بسبب السياسات .. لا أعتقد أننا سنشهد نهاية قريبة ونصر حاسم على ظاهرة الإرهاب . فالحقيقة التي ظهرت ساطعة أن الشعوب والتشكيلات تسلك طرقاً مختلفة ومعقدة للردود الفعل إذا فشلت في إيجاد مكان وساحة لها من أجل العيش الكريم .
فبعد أن انتهت مرحلة الاحتلال المباشر أو ما سمي بالاستعمار ( الكولونيالية ) , وبعد اندلاع الحرب الباردة ، تسابقت الدول الشرقية والغربية لتنصيب الحكومات العسكرية , التي رعت وطورت أنظمة الفساد والاستبداد والقمع , وأودت بأوطانها نحو الحضيض .. ولم تكن هذه الدول تأبه بالنتائج الرهيبة الداخلية لسلوك تلك الحكومات , طالما أنها تتعاون معها وتؤمن مصالحها الخارجية .. وحيث يسود التعسف وتغيب سلطة القانون ويمارس الحكم ليس بالتفويض والنظم التي يرتضيها المجتمع بل بالقوة والغطرسة والعنف المحض , وحيث فشلت عمليات الإصلاح أو التمرد المستمر والمتلاحق , غالبا بسبب الدعم والمساندة التي تلقتها الأنظمة العسكرية اللا شرعية من الغرب تحديداً بعد زوال الدول الاشتراكية ، أو على الأقل تجاهل ممارساتها الوحشية . تطورت أيديولوجية جديدة تعتمد العقل الدوغمائي المغلق ، وتتبنى مبدأ العمل النخبوي البديل عن المجتمع وبالنيابة عنه وباسمه , وباسم أقدس شيء عنده ( الدين ) لا هدف لها سوى ترجيع العنف والقهر والتسلط والإجرام .. لكن هذا الترجيع وبهذه الطريقة لا يمكن أن يكون سوى إمعانا في الإجرام ذاته ، وتعبيرا عن الانحطاط القيمي والخلقي ، وتعميما للظلم والبطش .. و عائقا أمام فرص الخروج من هذا المأزق .
فالإرهابيون ليسوا منحرفي الشخصية ولا يعانون من تشوه نفسي كبقية المجرمين .. بل هم أشخاص يتحكمون بأنفسهم تحكماً واعيا ويعرفون تماماً ماذا يريدون ، والخلل ليس في البنية النفسية بل في الأيديولوجية , أي في حصيلة تفاعل الثقافة والفلسفة مع الظروف والحاجات ، والتي ينتج عنها نمط أو برنامج فعل سياسي يهدف لتغيير السياسة , لكن بوسائل عنيفة تبررها الغاية ، أي بوسائل مناقضة للقيم والمثل التي تتبناها الثقافات والأديان . وبالتالي يصبح الإرهاب تعبيرا سياسيا بامتياز , يقوم به الضعيف في مواجهة غطرسة القوي ، فحيث لا يمكن التصدي للظلم والتعسف بالطرق العادية والأخلاقية والسلمية ، أو حتى بالحرب النظامية ، يتم اعتماد الطرق الإرهابية كطريق سهل لإيذاء الخصم وترجيع العنف ، فيحرض ذلك على المزيد من العنف والظلم المتبادل ، حيث يؤدي رد الفعل العشوائي العنيف على الإرهاب للمزيد من الإرهاب ( خاصة إذا طال المدنيين ) فيعطي للجماعات الإرهابية المبررات الضرورية لتفعيل نشاطها ، ولجعل مجتمعاتها أكثر تعاطفا معها ..
الإرهاب طبعا سلوك لا أخلاقي وإجرامي ، أيضا هو ترجيع للعنف وتعبير عن الكراهية ورغبة في الانتقام , ولا يمكننا أن نطلب من الضعيف الجاهل أن يتسامى فوق عذابه , دون أن نطلب من القوي المتغطرس أن يحد من ظلمه ، الإرهاب بالتالي هو نتيجة للسياسات التي ولدت الظروف البائسة والشروط الرديئة المعاشة ، ولا تلعب فيه الثقافة الموروثة وبشكل خاص الدين إلا دور وعاء , ليس من الصعب استبداله بوعاء ثوري يساري أو قومي إذا لزم الأمر ، ومن الخطأ التوجه باللوم للثقافة والهوية الموروثة وحدها كمسؤولة عن ظاهرة العنف ، فهناك الكثير من الثقافات والفلسفات التي يمكنها تبرير تلك الأيديولوجية . وكل ثقافة أو كل دين هو حمال أوجه ويحتوي كل الإمكانيات المتنوعة للاستخدام ، بل من الأفضل أن نبحث عن السبب الحقيقي ، وعوامل تولد الطاقة في داخل شخصية الإرهابي ، والتي تدفعه لممارسة كل ذلك القدر من التزمت والانضباط والتضحية والعنف بوعي كامل وإرادة لا تلين .. وهذا يدفع لدراسة الشروط التي يعيشها وتتكون شخصيته ودوافعه ضمنها ، وهذا ما يفتح الباب على أهمية دور التعسف والاستبداد والإهانة والفقر والجهل والكبت , الذي يقف كمولد حقيقي لظاهرة الإرهاب , الذي يصبح نتيجة مباشرة للسياسات وليس للدين . فالدين ليس أكثر من وعاء وغطاء يستخدمه المتطرفون لتبرير رغبتهم بممارسة العنف , لكنه ليس الدافع الأساس لها . لكون تلك الرغبة ناتجة عن ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية ، قبل أن تكون ثقافية ، أو تنعكس بالثقافة .
الديكتاتورية لا تمارس فقط قمع حرية الرأي والتعبير ، بما ينتج عنه من تحطيم للوعي والعقل النقدي و تعطيل للحوار الذي يسمح بقبول الأخر والتوافق معه بالرغم من الاختلاف .... الديكتاتورية تحطم أيضاً كل أشكال التعبير الثقافي والفني ، وتفرض نمطاً مسيسا من الثقافة الهزيلة , التي تسطح الحياة والإنتاج الفني والأدبي , وتحرم المجتمع من أرقى أشكال التفاعل والتبادل والتعبير والارتقاء .
وتشجع ثقافة الخنوع والذل ، وتهيئ لنوع من الانتظام الفاشي وراء زعامات فاشية ، وتؤسس لنمط اجتماع عصبوي إقطاعي عسكري ، يلعب فيه المنتسب دور الجندي المطيع , والمنفذ دون تفكير , للأوامر والتعليمات والتوجيهات التي يصدرها القادة والأئمة والفقهاء ... وتخلق بالتالي ثقافة الخنوع والتعصب والانتظام الفاشي التي تستخدمها الجماعات الإرهابية لتشكيل منظماتها على أساسها .
الديكتاتورية تمارس القمع الوحشي والتعذيب المنتظم ، وتنشر حالة من الرعب والخوف وعدم الثقة ، وتؤدي لتشويه نفسي خطير يحول الإنسان إلى شخص حاقد ومجرم وراغب في الانتقام .. ويكفي هنا أن نذكر اثنين من أهم منظري الأصولية الإسلامية في الشرق الأوسط .. هما سيد قطب في مصر و سعيد حوى في سوريا , وكلاهما طورا أفكارهما في سياق التصدي للديكتاتورية المجرمة ، فقبل الديكتاتورية كانت الجماعات الإسلامية تشارك في الحياة البرلمانية وتعتمد الطرق الديمقراطية السلمية .. نعم لقد نشأت فكرة العنف الإسلامي ، فكرة التكفير الديني وحرب العصابات , من سجون الأنظمة الإرهابية الديكتاتورية المستبدة والفاسدة ، وكانت بمثابة رد فعل على جرائم التعذيب الوحشي والإعدام الجماعي التي مورست في تلك السجون ، وما كان لمثل هذه الظاهرة وهذه الأيديولوجية أن تتعمم وتنتشر وأن تجد ذلك الصدى , لولا الظروف الرديئة التي دفعت إليها المجتمعات ، المحرومة من أبسط حقوقها ومن كل ما يعطي للحياة معنى وقيمة ، وأهمها الحرية والكرامة ... المجتمعات التي تحولت لمجرد قطعان من البهائم ترعى في مزرعة السلطان ، السلطان الإله الذي له كل الحق بالتصرف بها كما يشاء سلماً وحرباً واستباحة وقتلاً ... ولم يكن لظاهرة الإرهاب العالمي أن تنتشر في كل مكان لولا النفاق والكذب والمعايير المزدوجة التي تستخدمها الدول والسياسات الغربية والعالمية تجاه قضايا محسوسة وبديهية تخص صميم مشاعر المجتمعات التي ترزح تحت نير الاستعباد المدعوم خارجيا . لذلك ليس من المستغرب أن يتقمص أحد ما في الخارج هذا الموقف ويتبناه , حتى لو كان قد ولد وترعرع في الخارج ، لكنه ما يزال يحتفظ بانتمائه العقيدي ، طالما أنه مقتنع فعلا بهذا النفاق والكذب ويعيشه في كل تفاصيل السياسات المتجردة من القيم .
والديكتاتورية بتبنيها لنظام تعليم أيديولوجي هدفه تخريج منتفعين , لا يجدون عملاً لهم سوى خدمة مؤسسات السلطة المستبدة والارتزاق من منافعها , تحرم المجتمع من طاقات أبنائه ، ومن المعاهد الحقيقية التي تخرج أصحاب الخبرات الضرورية للإنتاج ، كما أنها تجبر كل العقول والخبرات على الرحيل والهجرة .
الديكتاتورية بامتلاكها السلطة المطلقة ، تطور نظام الفساد واحتكار الثروة وتسخيرها لخدمة المستبد وزبانيته .. وسرعان ما يتم استخدام القمع لتجميع الثروة و الامتيازات ، مما يسبب تشوهاً كبيراً في بنية الاقتصاد الذي يحاول الهرب من سطوة القمع نحو الخارج أو نحو نشاطات صغيرة بعيدة عن سطوة الحكومة ومرتزقيها ، وبسبب الاحتكار سرعان ما ينشأ اقتصاد الظل والسوق السوداء والتهريب ، ثم يتعمم الفساد والرشوة على الجميع , طالما أن قاعدة الحكم وفلسفته تقوم على تقديم الطاعة مقابل المنافع .
وتتدهور حالة القضاء بتأثير تدخل السلطة وشيوع الفساد ، وتندلع ضمن المجتمع حرب أهلية حقيقية وتنازع وحشي أساسه القوة والسطوة , وليس الحق والقانون ، وسرعان ما يتعمم الفقر الذي يسرع حالة الفساد , و يسرع حالة الفوضى والتخلف ، وكل ذلك ينتج ثقافة مشوهة ، وظروف معيشة لا إنسانية ، وانحطاطاً في المقومات المادية والقيمية للحياة الاجتماعية والفردية على السواء . تجد تعبيرها في المجون والانحراف والتحلل ، أو بالشكل المعاكس وغير النقيض ( أي بالتعصب والتزمت والانغلاق ) في مواجهة واقع غير مقبول وغير عقلاني , وفي مواجهة حداثة مشوهة وفقيرة ومجرمة .
هنا يأتي دور الكبت الاجتماعي والبنية التقليدية المتزمتة للمجتمع ( والتي هي نتيجة أخرى لفشل التحديث) أو نتيجة التحديث المدمر والعشوائي الخالي من كل ضمان ضد الوحشية ، خاصة في التجمعات السكانية العشوائية الجديدة التي تفتقد لكل مقومات الوجود الاجتماعي الحضاري , والتي تتحول لمعسكرات لاجئين في أوطانهم , ومستبعدين من الحضارة , تضم في أكواخها مختلف أنواع المحرومين والمكبوتين والمحتاجين .... من هنا وبسبب غياب الدول التام واستقالتها من كل مسؤولياتها ، سوف تشكل الأصولية الضامن الوحيد ضد اندلاع العنف والإجرام ، بواسطة تبنيها لمنظومة قيم موروثة وجاهزة ومحترمة وغير قابلة للنقاش والتعديل , قاسية ومتصلبة للدرجة التي تجعلها قادرة على حراسة انتظام الجماعة الشكلي الخارجي القسري والنمطي الماضوي , حيث يراد بها التغطية على حقيقة الصراع الداخلي العنيف والمطلوب كبته على الدوام ، حيث لا يمكن تصور إمكانية نجاح مثل ذلك الكبت في غياب الديمقراطية , والقدرة على التأثير على الدولة والسلطة وإجبارها على تحمل مسؤولياتها , بل لا بد في هذه الحال من اعتماد نظام قيمي متزمت غير مطروح للنقاش ومتفق عليه بداهة ومرفوع لدرجة التقديس ، محروس فقط بسلطة المقدس والانتماء العصبوي والتجمع الفاشي حول زعيم أو إمام ، حيث النظام السياسي يحتكر استخدام العنف لنفسه لخدمة أمنه هو وخدمة بقائه هو ، وهذا كله ينتهي بهذه التجمعات لتبني نظام عقلي و أيديولوجي متزمت ، فالأصولية تعوض عن غياب المضمون الحقيقي للوحدة الاجتماعية القائمة على الحرية والإرادة الحرة وحق الاختلاف والتسامح والحب والرغبة في المستقبل ، وتعكس حالة غياب وفقدان الحضارة وتحطم المجتمع المدني , ودمار المجتمع الأهلي التقليدي الريفي والمدني على السواء ، واقتصار مهام الدولة على وظيفة حراسة أمن واحتكار السلطة الفاسدة المؤبدة .
لذلك تلعب المنظومة الدينية الموروثة بعد تشديدها ، دورا كبيرا في تغطية حاجة المجتمع للنظام , في ظل غياب الدولة الديمقراطية وسيادة القانون والقضاء النزيه والفعال , الذي يمكن الاحتكام إليه , فيستبدل كل ذلك بالنموذج القديم للتنظيم الاجتماعي , الذي يقوم على الخضوع للقيم والتقاليد والشريعة , التي يجسدها الإمام بشخصه هذه المرة وبطريقة فاشية .
ولما كان الدين منظومة متكاملة ومغلقة وشمولية ، ويتعمد منظومة قمعية جنسية , كانت ضرورية في المرحلة السابقة , كان من الطبيعي توقع العودة لوضعية دونية للمرأة , والعودة لتوليد الكبت الاجتماعي والجنسي أيضاً .. وأركز بشكل خاص على اضطهاد المرأة , وعلى الكبت الجنسي في مجتمع فتي وفقير ، وفي ظروف يستحيل فيها ممارسة الجنس بشكل منتظم لمجموع الشبان الذي يصلون سن البلوغ الجنسي بشكل مبكر نسبيا , والذين يحتاجون للكثير من الموارد لكي يتمكنوا من ( الزواج الشرعي ) , والواقعين تحت ضغط كل أشكال الإثارة الجنسية بسبب انتشار الإعلان ووسائل الاتصال .. فهذا القدر من الكبت قد يكون كافيا لتدمير التوازن النفسي وتعطيل طاقات الشباب .
( في القديم كان الدين يلعب الدور الأهم في تنظيم المجتمعات ، في حين كانت الدولة مجرد سلطة خارجية بعيدة ، وارتباط الدين بالكبت الجنسي كان ضروريا , في زمن كان فيه ضبط الغريزة الجنسية هو أهم عامل في تنظيم المجتمعات ، نظرا لغياب الدولة القانونية الحديثة بقدراتها الهائلة ، وفي ظروف حياة بدائية وقاسية ، فكل الحضارات القديمة قامت على استخدام الدافع الجنسي ، وازدهرت بمقدار قدرتها على ضبطه ، وهذا ما ترسخ في الديانات ، التي هي بحكم كونها ديانات تشكل منظومة عقلية قيمية مغلقة . تتطور بالقفزات وليس بالتدرج السلس ، وكل فتح وقفزة تتطلب ثورة من داخلها لإنجاز تطور نوعي فيها ، فهي تفتقد آليات التطور الذاتي المتدرج والتلقائي ، لكونها تعتمد المقدس ، ولكون المقدس شيء غير قابل للنقد والتشكيك ، فهو شيء افتراضي جماعي موروث تعاهدت الجماعة على تقديسه . وليس من السهل أبدا تغيير المقدس من دون حشد تأييد أغلبية الجماعة ومن دون حاجة حقيقية لفتح باب التغيير . )
وباستخدام درجة كبيرة من القهر السياسي و الكبت الاجتماعي والاقتصادي وبشكل خاص الجنسي , يمكن تحويل الطاقة المتجمعة في الليبيدو نحو التزمت الفكري والتعصب , ومن ثم توظيفها في إنتاج العنف السياسي ، فيأتي السلوك الإرهابي ليعبر عن درجة الاحتقان الداخلي ، الذي يعاني منه الشاب المحبط والمحروم والعاجز عن الحياة والتعبير ، والذي تصبح حياته عبارة عن جحيم يجب الخلاص منه نحو النعيم الأخروي ، حيث تتوفر له كل وسائل المتعة ..
لذلك لا بد أيضاً من إجراء إصلاح ديني ، لكن هذا الإصلاح لا يمكن توقعه في ظروف الانغلاق والكبت والحاجة للوحدة الفاشية المتزمتة .. بل هو مرهون بشروط حياة أكثر مرونة وسهولة ، ومرهون بدولة قادرة على القيام بمسؤولياتها تجاه تنظيم الحياة الاجتماعية وتأمين السكن والعمل والضمان الصحي اللازم والأمن والسلم الاجتماعي .. وكل ذلك تعجز عنه سلطة الاستبداد والفساد والفقر والإفقار والنهب الوحشي والتخريب المتعمد لكل مناحي الاقتصاد ولكل مقومات الإنسان وقدراته .. فهي لا تكتفي بتحطيم الاقتصاد بل البيئة والبشر والثقافة والتعليم والوعي والعقل .. وهي كما توصف بأنها أسلحة التدمير الشامل الحقيقية , والتي تشكل العامل الرئيس في تهيئة الأرض لنمو ظاهرة الإرهاب .
إن أهم سلاح يمكن استعماله في الحرب على الإرهاب هو سلاح الديمقراطية والحرية والانفتاح ، وإن احترام حقوق الإنسان كمنظومة قيم عالمية جديدة هو المفتاح الحقيقي لحل مشاكلنا جميعاً ، وبوابة للدخول في السلم الاجتماعي الوطني والعالمي ، دون إهمال ما يجب علينا القيام به من إصلاحات بنيوية في الموروث الثقافي والديني لجعله أكثر انسجاماً مع العصر وقيم الحرية والسلم والأمن العالمي ، لكن مثل تلك الإصلاحات تتطلب مناخاً أقل احتقانا وفرصا حقيقية للتفاؤل بحياة كريمة .
ولما كانت أنظمة الفساد والاستبداد ترفض تماما أي فكرة إصلاح وعاجزة عملياً عن إجرائه ولا تستطيع أن تنتج إلا ذاتها . لذلك صار من الضروري اتخاذ إجراءات تنفيذية حاسمة من قبل المجتمع الدولي , تلزم هذه السلطات على إجراء انتخابات تعددية حرة , وبمعايير وإشراف دولي , كما يجب جلب مسؤوليها أمام المحاكم الجنائية الدولية عن انتهاكاتهم لحقوق الإنسان .. فمنظومة الأمم المتحدة التي قامت على مبادئ احترام حقوق الإنسان , وحق تقرير المصير , ومحاربة كل أشكال العبودية ، والتي تتنطح اليوم للعب دور في السلام العالمي ومحاربة الإرهاب ، يؤهلها دستورها لاتخاذ قرارات تفرض احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان , بالنظر لأن الديكتاتورية هي آخر شكل من أشكال العبودية وتنتهك حق تقرير المصير وحقوق الإنسان بشكل سافر , وتعلب دورا محورياً في تهديد السلم العالمي و تنامي ظاهرة الإرهاب .
ومن جهتنا كمعارضين للديكتاتورية والإرهاب على السواء ، علينا أن نسعى نحو إصلاح جذري في الطرق والبنى والأدوات والأفكار التي تقوم عليها ومن أجلها التنظيمات المعارضة . باتجاه تطوير جدي وجذري في كل مناحي الحياة السياسية الاقتصادية والفكرية الثقافية والاجتماعية ، وهذا يتطلب درجة من الحرية والحماية ومقدار من الدعم خاصة في البداية ، لأننا نعمل على استنبات نسق مختلف وحديث في وسط قديم ومتخلف وبالي . وفي مواجهة سلطة شمولية تمتلك كل أدواة السيطرة المطلقة على المجتمع . وفي وسط اجتماعي يعاني من ضعف وأمراض خطيرة ..... وحتى لا تقع البلاد تحت سيطرة الاتجاهات المتزمتة لا بد من خطة عمل واضحة ومتدرجة , وتعاون وإشراف دولي في كل مرحلة من مراحل التحول .
وبتوفر الإرادة في السير نحو إصلاح حقيقي وجذري , وبوجود قدمين اثنتين واحدة في الداخل وواحدة في الخارج ، يمكن لمسيرة الديمقراطية والسلم أن تسير بسرعة نحو الهدف الواحد المنشود ، وهو السلام والأمن والحرية والرفاه للجميع .





#محمد_كمال_اللبواني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمد كمال اللبواني - الديكتاتورية والإرهاب