أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الخالق كيطان - عن رحيل الشعراء ومفارقاته














المزيد.....

عن رحيل الشعراء ومفارقاته


عبد الخالق كيطان

الحوار المتمدن-العدد: 494 - 2003 / 5 / 21 - 05:25
المحور: الادب والفن
    



 

كنت أنتظر رسالة الشاعر سعد جاسم بفارغ الصبر ، لا لشيء سوى رغبة ضائعة في قلبي بتكذيب الخبر ، ولكن رسالة سعد كانت قاسية جداً بالرغم من ملهاوية الحدث الذي قاد إلى فجيعة ، تماماً مثلما ينظر نقاد الدراما ، أما الواقعة التي نحن بصددها اليوم فليست من نسج الخيال ، هي واقع حدث في بقعة نائية من أرض المعمورة وبطلها عرف عنه ارتباكه وقلقه الدائم وحياته غير المستقرة ، فلا غرابة إذن أن تقوده قدماه الرخوتان إلى كندا بالتحديد لكي يلاقي حتفه !
ورسالة سعد جاسم ذكرتني بحادثة جان دمو ، إذ يسألنا الأصدقاء : هل حقاً مات جان ؟ السؤال قادم من جميع قارات الأرض إلى قارة أستراليا ، فهم يتصورون أنني وجان في ذات المنأى ، فيما الحقيقة أن بيني وبينه رحلة شاقة بالطائرة وأشق منها بالسيارة ، حدث هذا مع سعد الذي كتبت له على عادة الآخرين ملتاعاً مفجوعاً من نبأ رحيل عبد الأمير جرص ، هذا النبأ الذي وصلني من ناحية أخرى من هذه المعمورة وتحديداً من عمان وعلى لسان القاص علي السوداني ، فكانت رسالة سعد جاسم التي قطعت الشك باليقين بالرغم من بعد المسافات بينه وبين جرص في المنأى الكندي ..الأمر من ذاك أن الشاعر أحمد الشيخ علي والشاعر علي عبد الأمير يسألانني من بغداد عن صحة خبر جرص !!!أنا الذي رقدت في فراشي هنا عين على الأنترنت وأخرى على الهاتف لعل خبر يرد من كندا .. وإذن ، فلقد جاء الخبر ، ومن سعد جاسم المقيم في كندا تحديداً : دراجة هوائية قتلت الشاعر عبد الأمير جرص !
ومن مفارقات الأمكنة إلى مفارقات الأزمنة ، فالشاعر الذي نرثيه اليوم هو واحد من المجموعة التي كبرت بين حمم النار واصطلح عليها بجيل التسعينيات ، هذه المجموعة التي ضمتنا معاً ، وأذكر أن أول قراءة شعرية لي في منتدى الأدباء الشباب في بغداد في العام 1991 كانت بدعوة من الشاعر جواد الحطاب ، وقد قرأت فيها مع عبد الأمير جرص وخالد مطلك وآخرون ..كان جرص شديد الإلتصاق بالشعر ، حياته كانت بمعنى آخر قصيدة مليئة بالفزع ، هذيانات حياتية وصراخ ثكالى وشوارع مقفرة ومقاه خاوية وبارات خذلها روادها ، قصيدة فيها شعر كثير غير صالح للنشر والقليل منه يظهر بالمصادفة في مجاميع رديئة الطباعة ، هكذا صدرت له ( قصائد ضد الريح ) ولحقها بمجموعته الثانية ( أحزان وطنية ) ، وهذه المجموعة الثانية شهدت أمسية حافلة بالمحبة ، والجوع أيضاً ، فلقد قررنا إقامة أمسية تكريمية لها ولصاحبها في منتدى المسرح ببغداد ، وأقترح بعض الحضور بيع نسخ من المجموعة لسد جزء من تكاليف استنساخها ، فتنادى أحمد الشيخ علي وحيدر سعيد وفرج الحطاب وحسين علي يونس ويحيى الكبيسي وآخرون كثر لهذه الأمسية التي قرأ فيها جرص بخجل كبير على أن فقر أصدقاءه كان كافياً لأن يجعل أكداس نسخ المجموعة تذهب بلا أي مقابل مادي !
وهاجر عبد الأمير شأنه شأن العشرات ، كانت موهبته سنده وكانت مواهب الآخرين غير شعرية ، ولأنه ضاق بالأدعياء هنا وهناك كنت تراه في عمان مثلاً منزوياً في وكر لا يسكنه البشر ، هذا الوكر الذي زرته فيه كان يشاركه فيه الراحل جان دمو أيضاً ، هل هي مفارقة ؟ أعتقد أنها مفارقة الأزمنة بالطبع . يخرج عبد الأمير إلى وسط البلد في عمان تماماً كما كان يخرج إلى حسن عجمي في بغداد عدته قصائده وضحكة مجلجلة ولكن ذلك لم يكن يكفي لدرأ الوجع الذي ما فارقه في ظهره ، فقد كان يعاني دائماً من انزلاق في فقرات الظهر ، حتى صارت انحناءة ظهره ، والتي تماثل انحناءة ظهر الكاتب المسرحي فلاح شاكر علامة فارقة ، علامة زمانية بلا شك تفسر فشل الأوطان في العناية بأبنائها ، هذه المرة : الأوطان تطرد أبناءها ، وكنا نقول الثورات تلتهم أبناءها ، ولكن ولله الحمد فإننا لم نكن أبطال ثورات كسلفنا غير الصالح .
رحيل شاعر في مقتبل العمر والتجربة يبقى المفارقة الأكبر في واقعية الموت ، ولأننا الآن نعلق على الحدث ليس إلا فالمطلب الحقيقي يتمثل اللحظة في جمع نصوص الشاعر المتفرقة هنا وهناك ، وبالطبع فأنا أتحدث خاصة عن نصوص عبد الأمير جرص غير المنشورة في مجموعتيه ، وبالأخص تلك التي كتبها في كندا ، فربما نستطيع بذلك فقط أن نعيد إلى روحه القلقة دائماً بعض هدوءها .
أما نحن ، حشد المخذولين دائماً ، فعلينا تهيئة قداس رحيلنا قبل أوانه ، قداس طالما تمنيناه في العراق ، فأنا لا أريد أن أموت هنا ، أريد بلوعة أن أموت هناك ، على الأرض التي أحببت وبكيت ، ولكنني أجلس الساعة وحدي أنتظر بفزع قدومه الساحق بالرغم من أنني ما زلت هنا !

***

عبد الخالق كيطان
شاعر م العراق مقيم في أديلايد



#عبد_الخالق_كيطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطيئة الاجتزاء
- المثقفون العرب وأم الحواسم: الحيرة واليقين في مخيلة مواطن عر ...


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الخالق كيطان - عن رحيل الشعراء ومفارقاته