أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - أحمد الفيتوري - لماذا لبنان يدفع فاتورة الديموقراطية؟















المزيد.....

لماذا لبنان يدفع فاتورة الديموقراطية؟


أحمد الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 1647 - 2006 / 8 / 19 - 12:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كنت صبيا حين جاء عمال من لبنان للعمل في ورشة نجارة، وفي مدبغة الصابري حيث يقع مسلخ المدينة؛ كنت من ساكني حي الصابري الأكثر شعبية في بنغازي المدينة الليبية الثانية، والمليء بالزنوج الذين يحولون ساحاته كل مساء للرقص والغناء والعربدة.
ولأن لوالدي دكانا تردد عليها هؤلاء الغرباء، وسرعان ما أضيفت للبضاعة أصنافا جديدة مثل البرغل والطحينة وما لا نعرف من قبل. تكونت علاقة حميمة بين والدي وزبائنه الجدد، شدني إليهم ايضا ان بعضهم يعلق الصليب رغم ذلك هو عربي، وكان هذا من دهشة طفولتي. ففي بلادنا ثمة يهود لكن ليس ثمة مسيحيين. كان احدهم يدعى نخلة الأشقر، ما زلت اذكر اسمه؛ فقد صرنا صديقين رغم فارق السن؛ شده حبي للمطالعة فقد كنت من الشغوفين بمجلات الأطفال اللبنانية الكثيرة الأسماء والتنوع.
حين عاد من إجازته، التي قضاها في لبنان، جلب لي أعدادا من مجلة "الخواطر" التي قال ان صاحبها قريبه، ولكن ما كان بالنسبة الي "نقش نغمة" لا شك في أنها شكلت اللبنة الأولى في وجداني اللبناني: اسطوانة تضم أغنية فيروز "غنيت مكة أهلها الطيب"؛ أي فتح كان هذا وأي باب فتح.
لقد أسس نخلة هذا طفولتي بفيروز وبلبنان.
الذي كان أول ديموقراطية محلية في لغة الضاد، ديموقراطية لبنانية النكهة وسط محيط عربي قاحل أخذته الجلجلة، وكانت مصر قد غرقت في آهاتها؛ في صدى الزعيم الأوحد.
إلى هذه الرقعة الضيقة من الديموقراطية، لجأ اللاجئون من قهر ديموقراطية ما سمي الأنظمة الوطنية قائدة حركة التحرر العربية. وفي فؤاد كل لاجئ سكينة أن لبنان الحائط الأخير، وأن بيروت مأوى العقل الأخير؛ بعدما تداعت كل المتاريس أمام زحف الجموع المشدودة بخيوط حنجرة الزعيم الأوحد. لقد ديست كل الدساتير التي كتبت أحيانا تحت إشراف دولي وبرعاية الغرب الديموقراطي. وما تبقى؛ هذا الدستور اللبناني الذي معايبه تلوكها الانتلجنسيا، وتكشفها طائفيتها وتحزبها الضيق.
هكذا إذاً جعل هذا التنوع اللبناني الخارق للعادة من بيروت مأوى العقل، والحائط اللبناني الحائط الأخير لكل الديموقراطيين والليبراليين والثوريين الحالمين العرب، وساحة حريتهم وشهدائهم، ومن هذا دفع لبنان الفاتورة غالية في حرب أهلية عربية؛ جعلت من ساحته تصفية حسابات لم تتم فاتورتها بعد.
حتى أن أقدم صحيفة ليبرالية عربية خاصة: هي "النهار"، شاركت في دفع فاتورة الدم باستشهاد رئيس تحريرها جبران تويني. وإذا ما عددنا شهداء الرأي في المنطقة فإن أغلى ثمن قدم من قبل صحافيي لبنان، إذا ما استثنينا الساحة العراقية الملتبسة والتي تقع تحت الاحتلال الاميركي.
إذاً يبدو من الواضح أن القتال الذي دار على ساحة الحرية اللبنانية، هو ما يتم الآن تصفية آخر جيوبه، بمعنى أن الحادث في هذه الساعة هي حرب الاستعادة؛ فاللبنانيون الذين صنعوا ديموقراطيتهم بالعقل يعيدون الكرة بعد أن دفعهم النظام العربي الغاشم إلى تقديم خيرة أبنائهم، والكثير من وقته وجهده في الدفاع عما حققه العقل، في هذه البلاد المضيق عليها من كل حدب، والمحاصرة بالعدو الإسرائيلي العنصري وبأعداء الديموقراطية.
وفي لبنان هذا تتم اليوم حرب استعادة الديموقراطية واستعادة العقل، وأزمة لبنان الراهن هي أزمة حرية، وكل مفاصلها هي الفصل الأخير في طريق وعرة، منارتها ما رفع جبران تويني في ساحة الشهداء: القلم منارة أرضها لبنانية تم تسميدها منذ القرن التاسع عشر بالعقل.
من هنا جاء دور لبنان، الذي أعاد صياغة الكثير من المعطيات في المنطقة بالسلاح الوحيد الذي يملكه والأكثر فاعلية الديموقراطية اللبنانية، التي بقيت حية رغم كل الحروب العربية والدولية التي أديرت على هذه الساحة الصغيرة، ولكن الأهم في منطقتنا. من هنا اهتمامنا لتطلعنا الى انتصار لبنان في معركته الأخيرة، بعدما حقق انتصاره في الخطوات الأولى نحو هذا الاتجاه. ومعاناتنا جميعا مسرحها لبنان، الذي يبدو كأنه يغرق في أزمة محيطه.
لكن الملاحظ؛ يلاحظ هذه الجسارة في التعامل مع هذا المحيط، كما يمثلها وليد جنبلاط الذي يذهب في موقفه دونما تردد ولا عجلة في الوقت نفسه، فهو يخطو واثقا في التخلص من معطيات الأمس، غير هياب من كل الاتهامات وسوء الطوية والفهم، فمن حدد هدفه في الديموقراطية يدرك أن الخلاص من هيمنة الشمولية بكل أصنافها وتبريراتها، يتم في الهواء الطلق وبصريح العبارة.
ولأن السياسة فن الممكن، فالممكن الآن عند اللبنانيين، ولا سيما عند جنبلاط، في التخلص من السيطرة والهيمنة التي تتخذ من التحرير قناعا ومن القوى الخارجية سلاحا، هكذا لم يعد في الإمكان التراجع عن هذا الممكن، الذي بات الحل اللبناني لمسألة التغيير في هذه المنطقة المكبلة بالخوف من المستقبل، والمرتهنة لواقع الحال حيث في محلك سر السلامة.
لقد فتحت الفجيعة اللبنانية الباب نحو التغيير، وبالتالي صار المستقبل شأنا آنيا، وأن التعامل المعطى الدولي الراهن شأن محلي. ومن أجل هذا تبدو الساحة اللبنانية، إمكانية أخرى للتغيير في منطقتنا، يفعل فيه العامل الخارجي ما يفعله العامل الداخلي، دون مواربة ولكن على الطاولة حيث ليس من حق أحد مصادرة وسائل الصراع أو تحديدها.
وكانت الميديا اللبنانية خير وسيلة في جعل حرية لبنان على الطاولة حتى عند أطفاله، ومن هنا بدلا من التراشق بالرصاص، كما هو حاصل في كل المنطقة، تم التراشق وحتى القصف بالكلام، وفي هذه الحالة الغلبة للديموقراطية التي من مسائلها الأولى الشفافية.
وكما تبدى المنطق اللبناني جليا تبدى المنطق السوري أبكم يعتمد لغة الإسكات، وأساليبه تحت الطاولة أو الخاصرة، لأن النظام الحاكم هناك لا يستطيع أن يلعب في الملعب اللبناني بغير الدبابات، ولهذا بدأت فصاحة المنطق اللبناني منطق 14 آذار فصيحة؛ فالساكت عن الحق شيطان أخرس أو كما قال قلم جبران تويني في ساحة الشهداء؛ ساحة الحرية.
ان الدرس المختلف عن الصيغة العراقية، يصاغ حتى الآن في ساحة الشهداء في بيروت، هذه الصيغة الفريدة التي تشكلت في بيروت القرن التاسع عشر؛ حين هبت رياح التغيير من بيروت، لتتشكل في القاهرة بداية القرن الماضي. ومناطقة تغيير كهذا يتحدثون في الساحات، وعلى الشاشات الصغيرة، وفي "النهار" وديكهم قابلة التاريخ.
وسوف تنصاع كل الأطراف اللبنانية، لهذه الريح المليئة هذه اللحظة الراهنة بغبار الحفاظ على مكاسب الماضي، أو على الأقل تقديم أقل التنازلات، فهناك المرجعية الدستورية اللبنانية ليست حبرا على ورق، لكنها الساق على الساق، ولسان حالها أن التعددية اللبنانية ليست هبة من أي نظام حاكم مطلق، يستقوي على أهله بمصالح الخارج الآنية، إضافة إلى قوته المتحققة بضعف الاختلاف وقوة الخلاف.
لهذا ليس من سبيل للتراجع، وحتى ان أراد ذلك بعض الأطراف فإنه لا يستطيع، أولا لا يملك قوة التراجع ولا حتى المحافظة على عقارب الساعة ميتة، وثانيا التغيير لم يعد مبحثا على طاولة، وثالثا ما يحدث في لبنان ليس شأنا محليا محضا.
والعاصفة التي تدور رياحها في تلكم الساحة الضيقة؛ على من ضاقت في وجهه السبل، الواسعة على من فتح أمامه باب ظن من سدوه انه لن يفتح، لكن جريمة العصر والتاريخ تحولت إلى عقاب لم يزلزل بيروت فحسب، ولكن ادخل الأمم المتحدة في قضية لا شبيه لها في ما مضى.
من هنا فكل ما على طاولة الحوار، وأي طاولة مغلقة في دهاليز السلطة العربية المتشابهة حتى النخاع، جديد، وغير مسبوق، ليس في المنطقة، وضع نقطة، ولكن في العالم المتعولم، المنثور عبر نت لا حد لآفاقها.
ان لبنان مرهون للحرية؛ لهذا هو دافع فاتورة الديموقراطية في هذه المنطقة، المبلبلة بلغة عربية طالها العطن وحان وقت خسفها، ولا يحزنون.




#أحمد_الفيتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - أحمد الفيتوري - لماذا لبنان يدفع فاتورة الديموقراطية؟