أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - آزاد عفريني - الديمقراطية و حقوق الإنسان و دورها في تحقيق التنمية















المزيد.....


الديمقراطية و حقوق الإنسان و دورها في تحقيق التنمية


آزاد عفريني

الحوار المتمدن-العدد: 1634 - 2006 / 8 / 6 - 09:44
المحور: حقوق الانسان
    


العلاقة بين التنمية و الديمقراطية و جدواها استحوذت و لوقت طويل على اهتمام الدارسين و المحللين الاقتصاديين و السياسيين.فتلك العلاقة انعكاس للترابط بين النظام السياسي والوضع الاقتصادي و المستوى المعيشي الاجتماعي.
لكن هده العلاقة تتبدد عندما تصادفنا أمثلة على نمو بلدان كسنغافورة و التايوان و كوريا في ظل أنظمة غير ديمقراطية اد يقول رئيس وزراء سنغافورة الأسبق لي كوان يو (لا اعتقد أن طريق الديمقراطية تؤدي إلى التنمية , أرى أن بلدا يحتاج إلى النظام أكثر من حاجته إلى الديمقراطية).
بالمقابل نجد بلدانا كالهند ترسخت فيها القيم الديمقراطية إلى حد ما و لكنها لم تحقق مستوى تنموي ملائم.
و لكن مما لا شك فيه هو أن التنمية تجعل المؤسسات الديمقراطية أكثر كفاءة والقيم الديمقراطية أكثر ترسخا
عندما توفر الأرضية المادية اللازمة لدلك.
مفهوم التنمية
في البداية لا بد من تحديد مفهوم التنمية. أما زالت محصورة ضمن نطاق التصنيع وزيادة الدخل القومي؟ أم أنها ارتقاء بقدرات و مقدرات الإنسان إلى مستوى أعلى يفترض به أن يكون أكثر رقيا و تقدما لشمولية العملية التنموية لكل مناحي الحياة؟.
فهناك من يرى في التنمية عملية غير اقتصادية تنبع عندما تجسد الثقافة موقفا منطويا على الاستفسار و التساؤل عن كيفية استطاعة البشر القيام باختيارات _أخلاقية(معيارية) أو اجتماعية(بنيوية)أو شخصية(سلوكية).
فالاختيار أمر جوهري من أجل الفرد الحديث.فأن يكون المرء عصريا يعني أن يرى الحياة على أنها بدائل و أفضليات وخيارات.(ادارة التنمية العربية في ظل السياسة اللامنهجية ص 118 .جميل جريسات ).
ورأي أخر يعتبرها عملية تطول إدارة الأسواق و الإدارات غير الحكومية و العلاقات بين الحاكم و المحكوم و المؤسسات التشريعية و الأحزاب السياسية و المنظمات غير الحكومية و المؤسسات العلمية و التعليمية و المجتمع كله عامة و يتحقق إسهامها في الواقع من خلال تأثيرها في دعم و تعزيز القدرات و الحريات الفردية للإنسان رجلا أو امرأة أو طفلا.(التنية حرية ص 10 سلسة عالم المعرفة .الكويت .2004. )
إذا فالتنمية هي توسيع نطاق الحريات لتمكين المواطن من المفاضلة بين البدائل و توفير فرص حياتية لشحن القدرة الفعالة للمواطنين بما يؤهلهم من أن يرتقوا ببلدانهم إلى مستوى البلدان المتمدنة.
ومما يؤيد وجهة النظر هذه نرى انه في بلدان صناعية كالمملكة المتحدة و بالذات في العام 1989 كان أكثر من 400 ألف من الأشخاص يعتبرون رسميا بدون ملجأ ينزلون فيه(و منهم 196ألفا من الأطفال)( العوالم الثالثة _ ميشلين روسوليه ترجمة موريس جلال وزارة الثقافة السورية ص 205).
كما نشر المكتب الأمريكي للإحصاء تقديرات حول عتبة الفقر و ذكر إن نسبة المحرومين بلغت في نهاية الثمانينات بلغت 32 مليونا أي 13% من جملة السكان وان 38% يعيشون في عائلات يتدنى مجمل واردها إلى نصف عتبة الفقر وهذه النسبة في اضطراد حيث أنها كانت تمثل 30% عام 1975كما أن تقدير الفقر داخل كل مجموعة عرقية يبين أن نسبة المحرومين هي الأكثر ارتفاعا ما بين الزنوج(31%)(. المصدر السابق ص 204 )
حتمية العلاقة المتبادلة بين التنمية و الديمقراطية
بغض النظر عن دقة خطط التنمية فأن نجاحها يعتمد على مدى الفعالية الحرة للعنصر الحي فيها أي المواطن الفرد.
بالتالي المشكلة هي ليست في نظريات و استراتيجيات و خطط التنمية بل هي في الهوة بين النظرية و التطبيق العملي السليم. فكثرة الإخفاقات و التخبطات جعلت الشعوب يائسة غير مكترثة في معظم الحالات و بشكل خاص في طل نظام سياسي يكو ن همه الأوحد البقاء في موقعه و لو بالقوة و قهر المواطنين. فكيف لحكومة فاقدة التأييد الشعبي أن تلقى التأييد لبرنامج تنموي تضعه و تموله طالما أن الحوافز معدومة لدى المواطنين.
إن شعوب الدول النامية ظلت خلال عهود طويلة أسيرة ترزح تحت نير الاستعمار أي محرومة من كل أشكال الديمقراطية والحرية رغم أن الدول المستعمرة كانت ترفع لواء الحرية و الإخاء و المساواة. و بعد حصول الدول المستعمرات على استقلالها السياسي الناقص خاضت شعوبها نضالا مريرا لتنمية التخلف أي تطهير مجتمعاتها من بقايا العهد الاستعماري بما خلفه من جهل و فقر ومرض (في حين أن المفهوم الغربي للتنمية تم بناء على ما أنجز وترسخ من أرضية اجتماعية و اقتصادية صلبة وبنى نحتية بشروط قياسية).
ولكن حتى هذه الخطوة البدائية لم يكتب لها النجاح في معظم الدول لان الأنظمة التي حكمت في البلاد ذات الاستقلال الحديث كانت إما عسكرية ديكتاتورية أو مدنية بيروقراطية تابعة ومدعومة من القوى الإمبريالية .
مما شكل أرضية خصبة للاستمرار في القمع و اللا مساواة و بالتالي استمرار حالة التخلف. فالدول الوطنية أسست لانطمة أسؤ من الإ ستعمار بحيث لا يمكن المقارنة بينهما و هذا تحول إلى كارثة على شعوبها التي وقعت ضحية بين مطرقة الأنظمة و سندان حقوقها و طموحاتها ,فما زال الحرمان من الحريات و تردي الأوضاع الاقتصادية والاضطرابات السياسية و التناحر الاجتماعي المفتعل و التشتت الثقافي قاسما مشتركا بين عهد الحقبة الاستعمارية والحكومة الوطنية و لكن مع تبادل للأدوار وهذا كله انعكس على حالة الفرد الذي عاش في مجتمع يعاني اغترابا عميقا عن واقعه مما افقده الثقة بقدراته الذاتية. لا شك أن هذا الوضع شكل مأزقا وعقبة تاريخية في سبيل ارتقاء هذه الدول لسلم التطور الحضاري و الحديث عن التنمية أصبح حديثا مؤجلا.
وبالإضافة إلى العقبة التاريخية السابق ذكرها هناك عوائق أخرى كامنة في بنية المجتمع و هيكلة النظام السياسي. فمشاركة المواطنين في صنع القرارات العمومية الهامة مفهوم جديد تماما, كما حول الزعماء السياسيون الذين يمارسون الصلاحيات المطلقة حولوا البيروقراطية إلى أداة لتنفيذ رغباتهم بدل الاستفادة من المهارات الاحترافية الإدارية العالية في عملية صنع القرار العقلاني المستقل إذ يتم تصميم جميع إجراءات التغيير الجوهرية قبل إعلانها بحيث تتناسب مع الوضع السياسي الراهن. (تنمية العالم الثالث ص 15 رونالد روبنسون ) فالبيروقراطية بطبيعتها الراكدة و الرتيبة تعاكس سنة التغيير و التطور و التحديث.
بناءا عليه إن أي حديث عن التنمية بدون أرضية ديمقراطية تضمن فيها حقوق الإنسان و سيادة الشعب والتصويت العام وحرية الرأي و الصحافة سيبقى قاصرا و لن يبلغ غايته, فالتنمية منطلقها تأهيل الكفاءة الفردية و وسيلتها فتح باب الحريات وهدفها الارتقاء بالمجتمع للحاق بالركب العالمي.
إلا أن فتح باب الحريات يجب أن يكون من خلال علاقتها التبادلية لأن افتقاد الحرية الاقتصادية يرعى و يغذي فقدان الحرية الاجتماعية تماما مثلما أن افتقاد الحرية الاجتماعية و السياسية للرجل والمرآة على السواء يمكن أن يعزز و يرسخ فقدان الحرية الاقتصادية.(0التنمية حرية مصدر سابق )
مخطأ من يعتقد أن الديمقراطية تحصيل حاصل ونتيجة لاحقة للعملية التنموية نظرا للدور الأداتي و البنيوي الذي تلعبه الحرية في التنمية و يعود ذلك لسبين متمايزين :
1. السبب القيمي , فتقييم التقدم يتعين أساسا أن يكون في ضوء بيان ما إذا كانت حرية الشعب تحظى بالتأييد و المساندة (التنمية حرية ).
2. الفعالية, فأنحاز التنمية يتوقف بالكامل على الفعالية الحرة للشعب.
ويجب إعادة التأكيد على أن التنمية في شقها الإقتصادي تساهم في توفير الأرضية المادية للعملية الديمقراطية(وهنا يثار التساؤل عن جدوى الحديث عن حقوق الإنسان_كالصحة و التعليم و فرص العمل_ في بلد لا تتوافر فيه الخيرات المادية اللازمة لتأمين تلك الحقوق).

أيهما أولا الديمقراطية أم التنمية ؟؟
هذا يقودنا إلى تساؤلين اثنين : الأول أيهما شرط للآخر؟ لاشك أن هذا التساؤل ينطوي على ضيق أفق لأنه بمجرد إثارته نكون قد سلمنا بأن الخبرة الإنسانية عاجزة عن تامين متطلباتها المادية و المعنوية في آن معا وفي ذلك حد من حرية الخلق والإبداع لدى الإنسان و تجارب الدول التي خرجت منهارة من الحرب العالمية الثانية واضحة للعيان(خصوصا في جنوب شرق آسيا ) التي باتت تضاهي بتطورها العالم الغربي .
و التساؤل الثاني أبهما أكثر أهمية بالنسبة للإنسان؟ وهنا أيضا المفاضلة غير ممكنة إذ لا يمكن للإنسان الواعي أن يتنازل عن حقه في المشاركة السياسية أو حقه في تأمين رعاية صحية أو فرصة عمل أو تعليم فكلاهما حق وكلاهما بذات الأهمية و التذرع بتأمين الحاجة المادية مقابل إسكات الشعب عن المطالبة بحقوقه السياسية أو العكس هو تذرع غير مقبول. فتدني المستوى المعيشي للفرد يؤثر على تحصيله العلمي ووعيه ومعرفته كما أن عمالة الأطفال وحاجة عائلاتهم لما يكسبونه هو من أحد الأسباب ا لرئيسية للتسرب من المدارس و انتشار الأمية.
إن كم أفواه الناس يقف على قدم المساواة مع حرمانهم من فرصة عمل أو تعليم أو رعاية صحية.
الطريق نحو تنمية للقدرة البشرية.
كما أسلفنا سابقا أن التنمية مشروع حضاري يستهدف تحقيق نقلات نوعية و نهضة شاملة في مسيرة المجتمع على كافة الصعد من خلال :
ترسيخ أسس الديمقراطية النابعة من تجربة شعبية تحترم خصوصيات كل مجتمع في التعبير عن نفسه بالطريقة التي يرتأيها مع مراعاة أن المجتمع الديمقراطي يعني الوعي الحر لكل وجود ثقافي و لكل فكر و عقيدة وأقلية قومية أو دينية, وفتح باب الحريات والمشاركة في المجال السياسي و تأمين احترام حقوق الإنسان و سيادة القانون بما يكفل العدالة و المساواة بين كل أفراد الوطن.
وفي حال اصطنعت الفجوة بين الشعب و السلطة سنكون بصدد احتمالين :
أولهما اضطرا بات وعصيان شعبي تطالب بتنحي السلطة جبرا أن لم تتنازل عنها طوعا (وهذا ما مل يحدث في تاريخ السلطات المستبدة ).
والاحتمال الثاني استبداد وتذمر من النظام و ركود على كافة الأصعدة الحياتية , و الاحتمالين متوقفان على ممارسات السلطة لأن كلاهما كفيلان بعرقلة التطور التنموي و اللأقتصادي من خلال تعكير صفو الإستقرار السياسي, و هذا مازال مستمرا في كثيرمن الدول النامية فرغم أن شعوبها لا تجد لقمة العيش ما زا لت تخوض حروبا أهلية طائفية أو أثنية داخلية أو حدودية مع دول مجاورة.
أما على الصعيد الاجتماعي فلا بد من إرساء الأسس لبنية اجتماعية متماسكة و نبذ التناحرات العرقية و احترام حرية الآخرين في ممارسة طقوسهم الدينية فأية صرا عات داخلية لن تكون محمودة النتائج على عملية التنمية لما تستنزفه من موارد بشرية و مادية.
وتعزيز المساهمة الفعالة للمرآة لتطلق طاقاتها في كافة الميادين السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.
المرأة التي يرى فيها بعض قصار النظر مخلوقا ضعيفا تتحكم بمتغيرات تؤثر سلبا أو إيجابا على عملية التنمية و التطوير الحضاري طالما أنها المدرسة الأولى للقيم و التربية السوية التي يستقي منها الطفل الفرد مبادئه و قيمه لبناء مستقبل مشرق .
كما أن تعليم البنات وسيلة هامة لتخفيض وفيات الأطفال , فان امرأة تابعت دراستها خلال أربعة أعوام تتعرض بمقدار أقل بضعفين لمخاطر وفاة أولادها قبل الخامسة من عمرهم والى جانب هذا تعد تربية البنات أحد العوامل الحاسمة لانخفاض الخصوبة فالنسوة المتعلمات يعرفن التخطيط العائلي للإنجاب وقادرات على منا قشة أزواجهن حول عدد الأولاد المتوخى و يصير زواجهن وحبلهن أكثر تأخرا.(العوالم الثالثة مصدر سابق )
أما فيما يتعلق بمجال التعليم فما يمكن ملاحظته ببداهة هو النقص الحاد في الكفاءات العلمية و المهنية و السبب هو عدم ايلائها العناية الكافية (المادية و المعنوية )مما يضطرها الى البحث عن فرصتها في دول غربية (هجرة العقول)مما يحرم أوطانهم من خبراتهم التي هي بأمس الحاجة إليها .
يجب أن نعلم أن معظم الدول التي تخطت العتبة الحرجة في تاريخها وحققت تنمية شاملةكما في الولايات المتحدة على سبيل المثال قد أنفقت على شؤون البحث و التنمية والتعليم بشتى مراحله حوالي 15 بليون دولار عام 1962 . وطبعا هم يرون في ذلك استثمارا في رأسمال القدرة البشرية مما سيؤتي ثماره على المدى البعيد.
كما أن قياس العواقب السياسية لتنمية الموارد البشرية أكثر صعوبة و عسرا , فتوفير التعليم الابتدائي لجميع المواطنين يمكنهم من الاسهام بصورة أكثر فعالية في العمليات السياسية الديمقراطية و لكن الأهم من ذلك هو فتح المجال الى مراكز القيادة العليا عن طريق توفير فرص الالتحاق بالمدارس الثانوية و الكليات و الجامعات و مرة أخرى تظهر لنا الحريات كفرص تبادلية , فمن الواضح أن اقامة النظم السياسية الديمقراطية يستلزم فتح باب القبول بهذه المراحل التعليمية أ مام كل من يصلح لها بغض النظر عن قدرته المالية (التعليم و القوى البشرية ص 291 ) أو المحسوبيات ........و دائما كان انتشار الأمية هو أحد الأسباب الرئيسية التي تحول دون الإسهام الفعال للجماهير الشعبية في الحياة السياسية طالما أنها لا تعي حقوقها وواجباتها وما حققته الشوب الأخرى من انتصارات و إنجازات هي من حقوقها الطبيعية .
وبالعودة إلى استثمار رأس مال القدرة البشرية أكدت منظمة التنمية و التعاون الاقتصادي في إحدى مؤتمراتها إلى أن عملية التنمية الاقتصادية و الاجتماعية تعتبر عملية خلق قدرات و من ثم فإن الاستثمار في التعليم بوصفه وسيلة ذات اتجاه واحد فأن تزايد الموارد يجعل في الإمكان حشد كميات جديدة من المواهب .
و فيما يتعلق بالصعيد الاقتصادي سنعود إلى العلاقة الجدلية بين الثروة و الحرية .
إذ نادرا ما تقدم الحكومات الفردية الاستبدادية أداء اقتصاديا جيدا لأكثر من جيل واحد (إدارة التنمية العربية مصدر سابق ص 288 )
و بالمقابل نادرا ما تحدث حروب أهلية و مجاعات في ظل نظم ديمقراطية.
إلا أن هناك من يرى أن ليس من رابط واضح بين الديمقراطية ووتيرة التطور الاقتصادي المدعوم _النموذج السوفيتي للشيوعية على سبيل المثال _ يبدو أن حكومات أخرى مختلفة جدا قادرة على القيام بأداء اقتصادي جيد كمل في سنغافورة و هونغ كونغ (العالم عام 2020قوة و ثقافة وازدهار .ص 405 هامش ماكري )
ففي سنغافورة ساد ما سمي بنظرية لي _نسبة إلى لي كوان رئيس وزراء سنغافورة السابق _ التي ترى أن الحريات و الحقوق السياسية والمدنية تعيق النمو الاقتصادي و التنمية .
وهناك رأي أخر معاكس لهذا الرأي وهو يؤكد أن التنمية يمكن النظر إليها باعتبارها عملية توسع في الحريات الحقيقية التي يتمتع بها الناس و أن التركيز على الحريات البشرية يتناقض مع النظريات ضيقة الأفق في التنمية من مثل القول بتطابق التنمية مع مجمل الناتج القومي أ و مع زيادة الدخول الشخصية أو مع التصنيع أو مع التقدم التقني أو مع التحديث الاجتماعي. (التنمية حرية مصدر سابق ) لنعاين هذين الرأيين :
إن التطور الهائل الذي حققته كثير من المجتمعات المتقدمة في مجالات الصناعة و العلم و التقانة و الثراء الاقتصادي يقابله وجه آخر أسود يتبدى في البؤس الأجتماعي و الفقر والمجاعات و البطالة و مظاهر الطغيلن و الحرمان من الحقوق و الحريات سواء في تلك المجتمعات بالذات او في مجتمعات أخرى كما في بلدان العالم الثالث و التي تستنزف الدول الغربية مواردها و خيراتها ثم تستعطف عليها ببعض المساعدات المشروطة من موقع امبريالي لتوجه تطور البلدان النامية بالاتجاه المناسب لها .
أكيد أن الأساس الاقتصادي المتين و التقنية و العلمية سيلعبا دور الأرضية المادية الملائمة للمجتمع النهضوي المنتظر أي خطوة تجاه خطوات عديدة فأرسطو يقول أن الثروة هي ليست الخير الذي ننشده ذلك لأنها مجرد أداة نافعة للحصول على شيء آخر.
لا أحد يستطيع أن ينكر الاثار السلبية _المعنوية و النفسية _التي تسببها البطالة أو حرمان الرأة من مباشرة حقوقها الطبيعية أو الأمراض التي يكون مردها الى انخفاض مستوى الرعاية الصحية , و لمحو هذه الاثار الغير مرغوب بها نحتاج الى ثروة اقتصادية و التي هي حاجة و ضرورة لخلق الحوافز لدى الفرد و تهيئة البيئة الاجتماعية الملائمة له لكي يستطيع إطلاق مبادراته الخلاقة المبدعة .
أما عندما نفكر بأولوية الإصلاحات الاقتصادية أو السياسية أي طرق ووسائل اغناء القطر الفقير فيبدو من الحكمة افتراض أن عمليات التغيير الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية مترابطة فيما بينها ترابطا نظاميا و لكن كيف تتفاعل هذه العمليات فيما بينها ؟؟.
يحتمل أن يكون النمو الاقتصادي هو الذي يحدث في النهاية التغييرات الاجتماعية _السياسية اللازمة لاستمراره , و لكن إلى متى يجب انتظار هذا الحدث إذ يحتمل أن تنهار الأطر الاجتماعية و الاقتصادية و تعطل النمو الاقتصادي مع مرور الزمن إذا لم تتغير الأطر الاجتماعية و الاقتصادية في الوقت المناسب (تنمية العالم الثالث مصدر سابق ص 7 )
و لكن هناك تساؤل يطرح نفسه بقوة ألا وهو كيف يمكن لبلدان العالم الثالث و التي لا تمتلك خيرات اقتصادية أن تؤمن لمواطنيها أبسط حقوقهم الطبيعية و الإنسانية .
و لكننا نجد الكثير من بلدان العالم النامي تتوفر لديها موارد اقتصادية كافية ورغم ذلك يعاني مواطنوها فقرا وفاقة مأساوية إن مشكلتها تكمن في عدم توزيع الموارد بشكل متساو بين جميع مواطنيها لانتشار الفساد و استغلال الطبقات الحاكمة المحتكرة .
من خلال هذا العرض وجدنا أن معوقات الديمقراطية هي نفسها معوقات تنموية حيث التمييز ضد المرأة على أشده و تراجع التعليم كما و نوعا و ثلث الأميين من النساء و الاستقطاب في الثروة و غياب الطبقات الوسطى و استمرار النزاعات الطائفية و العرقية و محاولة كل طرف فرض وجهة نظره .
استخلاص الدروس
ربما يعتقد البعض أن إسقاط تجارب أوربا أو جنوب شرق آسيا على الوضع في الشرق الأوسط يعتبر ضربا من الطوباوية باعتبار أن النسيج السياسي و الاجتماعي و الديني والثقافي المتنوع بالإضافة إلى الموقع الجيوسياسي المتميز مما يجعله محط أطماع الدول الكبيرة الطامعة إلى مد نفوذها بالتالي استمرار الصراع الاستعماري عليها هي خصائص تنفرد به منطقتنا .
حسنا هل يعتبر ما تمر( و مرت) به منطقتنا من ظروف سياسية و اقتصادية و صراعات و حروب هي اعقد مما مرت به أوربا طوال فترة القرون الوسطى ؟ الأوضاع متماثلة من حيث الأرضية إلا أن القرن الواحد و العشرين يمنحنا (في ظل التقدم التكنولوجي غير المحدود ) فرصة اكبر و أكثر من أي وقت مضى للتعبير عن الرفض و التحرك ضد ما هو شاذ عن لغة العصر و هويته الأيديولوجية أي الديمقراطية.
فأوربا ادركت أن لا مفر من العيش المشترك ,و أوروبا أنجبت رجالا استطاعوا بفكرهم الحر توعية الطبقات الشعبية للتحرك ضد من يكبس على أنفاسهم عندما أدركوا أن قرارهم يجب أن يكون ملك أيديهم فقط ,فمتى نستخلص الدرس .
الشرق الأوسط الجديد مشروع يرسم خارطة المنطقة بحجة الديمقراطية و التنمية
ما زالت الولايات المتحدة متمسكة بمشروعها القديم الجديد و ما فتأت تروج له تحت ذرائع شتى .
يمثل مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد(هنا المضمون واحد في كلتا الحالتين سوى أن الأولى طرحت من قبل شمعون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي سابقا في أوائل التسعينيات في كتابه المعنون the new middle east و الثانية طرحها المحافظون الجدد بعد احتلال أفغانستان و العراق للحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة) أوضح مثال على رغبة الدول الغربية لفرض الديمقراطية و الإصلاح من الخارج بذرائع و أساليب غير عقلانية أو أخلاقية بينما يهمش أصحاب القرار الأساسيين .
ينص المشروع (الذي يعتمد أساسا على إعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة من خلال إصلاحات سياسية و اقتصادية و اجتماعية) المقدم إلى دول مجموعة الثماني التي عقدت قمتها في الولايات المتحدة في يونيو 2004 على الاتفاق على أولويات مشتركة للإصلاح تعالج النواقص التي حددها تقريرا الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعامي 2002و 2003 (أي الحرية و المعرفة وتمكين النساء) وتلك الأولويات هي :
• تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح
• بناء مجتمع معرفي
• توسيع الفرص الاقتصادية
جميل أن يتحقق كل ذلك في منطقتنا. ولكن بأي وسيلة وفي أي ظروف و من قبل من ؟ تلك هي الأسئلة المنطقية المنهجية و العقلانية .
الوسيلة من وجهة النظر الأمريكية تتمثل فيما صرحت و تصرح به إدارتها من أن ما يحصل في المنطقة من حروب و دمار هو بداية مخاض لشرق أوسط جديد , الم يكفينا حروبا و إرهابا ؟ الم يكن الاستعمار المباشر ثم الغير مباشر والمصالح الدنيئة للقوى الرأسمالية التي تخلو من كل قيمة أخلاقية و إنسانية وإثارة الصراعات و إذكائها بدلا من معالجتها و دعم قوى الدمار و الحرب في المنطقة سببا من أسباب ما تعانيه المنطقة .
فعندما تسمح القوى المسيطرة لأبناء المنطقة من العقلاء بأن يأخذوا زمام المبادرة لإصلاح شؤونهم و إدارتها بأنفسهم بعيدا عن أية أملاءات خارجية و مطامع بالهيمنة لن يكون هناك حاجة لمثل تلك المشاريع و هذا يلقي بالمسؤولية على ذوي الفكر الوطني و الحر والمنفتح فالمنطقة منطقتهم و المجتمع مجتمعهم وهم أصحاب الشأن و القرار و أخص بالذكر هنا الطبقات الشعبية .
بات واضحا أن لا أحد من الشعوب الحرة في المنطقة يدعم هذه المبادرة التي تتخذ دمج إسرائيل في المنطقة هدفا مستترا لها خصوصا أن المشروع وضع و روج له من دون التباحث مع أبناء المنطقة المعنيين بالمشروع ودواعي التحرك باتت ضرورة ملحة في ظل ما تعانيه المنطقة من أوضاع مضطربة ولا يعني ذلك التغاضي أو القفز فوق الصعوبات و المشاكل إنما أن يكون لنا نحن مشاريعنا الخاصة بنا , و إن كانت الحرية مطلبا إنسانيا فإنها يجب أن تكون من صنع مريديها



#آزاد_عفريني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - آزاد عفريني - الديمقراطية و حقوق الإنسان و دورها في تحقيق التنمية