أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معتز حيسو - الرأسمالية الراهنة















المزيد.....



الرأسمالية الراهنة


معتز حيسو

الحوار المتمدن-العدد: 1629 - 2006 / 8 / 1 - 06:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


و إشكاليات المشروع الديمقراطي والتنموي في البلدان النامية

== حلقة //1//

ـــ مقدمة :
إن تناول قضية أو مسالة نظرية معينة و تحديداً إذا كانت مرتبطة بالمستوى السياسي فإنها تبقى محكومة و متحددة في آن واحد بالواقع الموضوعي المحدد و الملموس لمجتمع ( ما ) وفق واقعه الراهني والمرتبط بآليات التطور المحكوم بها ضمن العلاقات و الارتباطات و التوسطات الدولية القائمة . من هذه الزاوية نرى تنوع واختلاف القضايا المطروحة للبحث و الحوار ( الممارسة النظرية للسياسة { البراكس } ) كمهمات آنية تستوجب العمل عليها.
أي أن الواقع الموضوعي الملموس يفرض على العاملين في المستويين الفكري (النظري ) والسياسي (الممارسة) دون إقامة الفصل الميكانيكي بين المستويين ، مجموعة من المسائل المفترض العمل عليها ، بعيدا عن تجاهلها وتغييب الأوضاع الإقليمية و الدولية و الضغوط و المتغيرات الناتجة عن مفاعيل التطورات المتسارعة على المستوى الدولي بأشكالها و مستوياتها المختلفة والتي تحرض وتجبر دولاً و حكومات على إجراء تغييرات تمس قشرة البنى المجتمعية وقد تصل في حالات معينة إلى تغييرات تنال عمق البنى و المستويات المجتمعية المختلفة (سياسية ،اقتصادية ثقافية.....) لتجديد روابط التواصل ضمن المجموعة الدولية .
يستدعي هذا التأكيد على أن ما يطرح حالياً في بلدان العالم الثالث يختلف اختلافاً واضحاً بين ما هو مطروح في بلدان العالم الغربي ، وذلك بناءً على الاختلاف القائم بين هذه المجتمعات على كافة المستويات مما يستدعي التأكيد على أن القضايا المطروحة على المستويين الممارسة النظرية ، و الممارسة السياسية في بلداننا تم تجاوز معظمها إذا لم نقل بكاملها في البلدان المتقدمة .
من هنا نرى انعدام إمكانية إجراء مطابقة بين بلداننا والبلدان المتقدمة ، أو نقل المهمات المطرحة في تلك المجتمعات وتحويلها إلى مهمات محلية و راهنية للعمل السياسي .
ولكن من الضروري إجراء عمليات مقارنة بين ما تم تحقيقه في الغرب وبعض الدول المتطورة في أمريكا اللاتينية وشرق و جنوب آسيا ....والتي خضعت لشروط تتشابه وتتقارب مع بلداننا ، للوصول على إمكانيات رسم و تحديد آليات التطور الراهني والمستقبلي لمجتمعاتنا بناءاً على تحليل إمكانيات التطور بعيداً عن العقائدية و الدوغمائية بمختلف أشكالها و مرجعياتها . وبناء على دراسة الأسباب المحددة لآليات التطور بعيداً أيضاً عن الاعتماد على التمظهرات و التجليات الظاهرية لأشكال التطور الحاصلة ، و لكن العمل للوصول على المحددات الأساسية والقوانين المحددة لأشكال هذه التمظهرات على مختلف المستويات البنيوية المجتمعية .
إن ما يطرح حالياً من قضايا الحوار في معظمها ليست قضايا جديدة ، بل مفاهيم و إشكاليات قديمة متجددة و هذا يدلل على الركود القائم في المجتمعات المتخلفة وعلى انسداد مرحلي لإمكانيات التغيير.
ولكن هل يمكن أن يعاد طرح قضايا كانت طرحت سابقاً بظروف و مناخات دولية مغايرة لما هو قائم الآن ، معتمدين الأدوات و المرجعيات المعرفية السابقة للخروج من الإشكاليات و الأزمات الراهنة.
أم أن المناخات المختلفة والمغايرة تفرض وتطرح و تفترض تصورات تختلف عن تصوراتنا المعرفية السابقة؟ وهل يمكننا تصور مشروعاً تنموياً كما كان مطروحاً سابقاً .وهل ما زالت مشاريع التنمية البشرية للحكومات القائمة أو للقوى المعارضة تتماثل مع مشاريعها الماضوية .
أم أن المناخات المتغيرة تطرح مهمات متغيرة و مغايرة لمهمات قديمة وفقاً لميول تطورات عامة و راهنية .
هل يمكن أن نرسم ملامح المشروع الاشتراكي كما تم رسمه وتجسيده في تجارب معينة قي القرن الماضي ؟ وهل لدراستنا للرأسمالية الآن وفق المعطيات و المؤشرات و الميول المتحدده و المحددة محكومة بنفس الآليات القديمة ؟ أم أن الميول و النزوع العامة تفترض آليات تحليل مختلفة و هل المتغيرات الحاصلة تعبر عن تمظهرات شكلية للتطور الرأسمالي ، أم أنها تعبر عن قوانين تطورها الداخلية و الأساسية المحددة .
مدخل:
للوصول إلى دراسة الرأسمالية الراهنة لا بد من الوقوف عند نقطة أساسية و مفصلية في تاريخ نشوء الرأسمالية و تطورها لاحقاً ، من خلال حركة رأس المال و توسعه و تراكمه ، وهي ( فصل المنتجين بالقوة عن أدوات و وسائل الإنتاج و كان ذلك في أحد وجوهه بتهجير الفلاحين و انتزاع ملكياتهم لإجبارهم على النزوح إلى المدن الصناعية كقوة عمل حرة ) (1 ) وتم العمل على هذه الآلية في معظم البلدان الرأسمالية ، و بشكل أشد عنفاً في المستعمرات أثناء المرحلة الرأسمالية التجارية ( الميركانيتلية ) و التي امتدت بين القرن الخامس عشر و الثامن عشر / ق 15 – ق 18 / و تمت خلالها حركة الكشوف الجغرافية مدعومة من الدول الاستعمارية ، إضافة إلى منح الامتيازات للتجار و الشركات عبر البحار لتعزيز الرأسمال التجاري و زيادة تراكم رأس المال و لتوحيد السوق العالمية .
وقد عبرت هذه المرحلة عن مصالح التجار و الشركات التجارية ( حركة رأس المال التجاري ) التي رسمت معالم وسياسات هذه الحقبة والتي تمتعت فيها الدولة بدعم و ترسيخ حركة رأس المال التجاري ، وخلق المناخات المناسبة لزيادة تراكم رؤوس الأموال لخلق فائض في الميزان التجاري عبر تشجيع الصادرات و الصناعات التصديرية و حمايتها من المنافسة الخارجية من خلال مراقبة حركة الواردات ، وتأمين المواد الأولية الرخيصة و الإعفاءات الضريبية و تأمين اليد العاملة الرخيصة من خلال تخفيض وسائل المعيشة . ومنع تصدير المواد الغذائية و السماح باستيرادها دون رسوم جمركية و الحد من التهريب و الاهتمام بالجودة و رفع معدلات الإنتاج والاهتمام بالأسطول التجاري .
و كانت هذه المرحلة مقدمة للمرحلة الصناعية لما حققته من تراكم بدئي لرأس المال الذي سيتم توظيفه لاحقاً في المرحلة الصناعية و التي تحتاج أيضاً لدولة قوية تعمل على وضع السياسة في خدمة الاقتصاد ، و يمكن توصيف هذه المرحلة بأنها مرحلة ( المنافسة الحرة ) كما عبر عنها المفكرين الاقتصاديين ( آدم سميث – ديفيد دريكاردو ) وكان الاتجاه السائد للمفكرين الاقتصاديين يتمحور حول تحجيم دور الدولة الاقتصادي و إبعادها عن المجالات الصناعية و التجارية ، والامتناع عن التدخل في آليات السوق ، والعمل على توفير الشروط المناسبة لتطوير الصناعة .وساد آنذاك شعار ( دعه يعمل دعه يمر ) و اتصفت الدولة بكونها ( الدولة الحارسة ) و قد بلور بعض المفكرين الاقتصاديين رؤيتهم حول الحرية الاقتصادية الكاملة و إمكانيات التوافق بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة وكانوا يؤمنون بكفاءة السوق في تحقيق التوازن الاقتصادي العام و الوصول إلى إمكانيات التوظيف الكامل و على مواجهة و معالجة الأزمات و الاختلالات و الصعوبات ، للوصول إلى حالة تساوي وتوازن بين العرض و الطلب التي تقوم على مبدأ الحرية والمنافسة . و رغم الشعارات الليبرالية المطروحة فإن دور الدولة ظل واضحاً من خلال سياساتها الحمائية لتوفير الدعم للصناعات الوليدة و من خلال توفير المواد الغذائية بأسعار رخيصة ، وأيضاً يتأكد دور الدولة في الحياة الاقتصادية من خلال مجموعة من التدابير و القوانين ( حرية التعاقد و العمل – حرية الإنتاج و التجارة – عدم التدخل بين صاحب العمل و العمال – مستوى الأجور – وقت العمل – منع الاحتجاج والإضراب – فتح الأسواق الخارجية بالقوة لتأمين المواد الأولية من خلال فرض السيطرة الاستعمارية على كثير من بلدان العالم و استغلال ثرواتها لخدمة المراكز الصناعية ) . وقد عمل الفائض المنهوب و الذي يعاد تراكمه في بلدان المركز من تلك البلدان على التخفيف والحد من الأزمات و التناقضات التي يعاني منها النظام الرأسمالي ، وعملت الحكومات في البلدان الصناعية على تحقيق الاستقرار النقدي و تثبيت أسعار الصرف و تأمين تسوية العلاقات النقدية في تعاملاتها الخارجية .
وقد تزايد حجم الاحتكارات الصناعية ، وحجم التراكم المالي و خصوصاً بعد الحرب العالمية الأولى ، إضافة إلى تعرض جملة من البلدان الصناعية إلى أزمات حادة و اضطرابات تمثلت في ( التضخم – الركود – الكساد – البطالة و انخفاض مستوى الإنتاج – وانهيار قاعدة الصرف بالذهب وانتشار الأزمات النقدية و انهيار البورصة الوول ستريت )........ صعود النازية و الفاشية و اشتعال حركات التحرر الوطني .......
في هذا المناخ المضطرب ظهرت الأفكار الكنزية و التي تمحورت حول ضرورة زيادة القوة الشرائية كوسيلة للإنعاش الاقتصادي ، عن طريق زيادة الإنفاق الحكومي الممول بالقروض و التأكيد على أهمية التوازن المالي للموازنة و تخفيض سعر الفائدة و زيادة حجم الائتمان و زيادة حجم عرض النقود لتخفيض كلفة رأس المال ، وتحفيز الاستثمار و زيادة الإنفاق العام في الخدمات و الأشغال العامة و توسيع حجم التوظيف......من خلال السياسة الاقتصادية لكنز كان للدولة الدور الأبرز في العمل للخروج من الأزمات الاقتصادية ، من خلال تدخل الدولة الواضح في الحياة الاقتصادية ، والذي استمر حتى بداية السبعينيات ، التي تمخضت عن مجموعة من الآليات الاقتصادية الرأسمالية لمواجهة الاختلالات التي تواجهها الدول الصناعية والتي يمكن إيجازها ( انهيار نظام النقد الدولي القائم على اتفاقية بريتون وودز – فصل العلاقة بين الذهب والدولار ، تعويم أسعار الصرف ، زيادة الفوضى في أسواق النقد ، ازدياد المنافسة بين الدول الرأسمالية – الولايات المتحدة ،اليابان ، أوربا – ارتفاع سعر الطاقة – النفط – الفورة النفطية الأولى والثانية 1973/1974 – 1979/1980 –مما أدى لاحقاً إلى خلل في اقتصادات البلدان الصناعية – ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية التي تستوردها البلدان النامية . الوقوع تحت أزمة (ركود تضخمي )(2) الذي أدى إلى موجة من الاضطربات و عدم الاستقرار الاقتصادي . الوقوع في أزمة المديونية في الثمانينات و انخفاض معدلات النمو و انخفاض الإنتاجية .
إن مجموع هذه الاختلالات و التناقضات المذكورة و غيرها لم يذكر ، كانت المقدمة الموضوعية لظهور مجموعة من النظريات الاقتصادية التي تخالف الأفكار الكنزية والتي أدت بتقدير أصحاب النظريات الاقتصادية الجديدة إلى عجز في الموازنة من خلال جملة السياسات التي اتبعتها البلدان الصناعية ( توسيع الجهاز الحكومي و مؤسسات القطاع الحكومي – تزايد النفقات العسكرية – زيادة المدفوعات التموينية ) والتأكيد من جديد على مجموعة من السياسات الاقتصادية تضع السوق وسياسة السوق في المرتبة الأولى ، والعمل على كف يد الحكومات عن التدخل في رسم السياسات الاقتصادية في جملة البلدان الصناعية الرأسمالية ، و إطلاق العنان لحركة رؤوس الأموال والشركات العملاقة .......(3)
أما الصورة في البلدان النامية فكانت أشد قتامه ، فقد تزامنت أزمة التنمية مع الصدمات الخارجية . وتفجرت في الثمانيات تناقضات نماذج التنمية ، و تفاقمت التناقضات الاجتماعية التي تمثلت في زيادة التفاوت الاجتماعي الناتج عن سوء توزيع الثروة و الدخل الوطني ، والتخلف الصناعي..
وقد ساهم في زيادة عجز القسم الأكبر من هذه البلدان مجموعة من الإجراءات أهمها ( التمويل بالعجز ، زيادة الإنفاق العسكري – التضخم –زيادة حدة المديونية – زياد الإنفاق الترفي الاستهلاكي – هروب قسم كبير من الرساميل الوطنية للخارج – انخفاض الطاقة الضريبية و زيادة التهرب الضريبي واتباع سياسة الإعفاءات الضريبية على بعض القطاعات الهامة و جمود النظام الضريبي – تدهور الأسعار العالمية للمواد الأولية – سياسة الخصخصة المتبعة في البلدان النامية تحت ضغط برامج التثبيت الهيكلي .... ) (4)
إن الاختلالات و الأزمات و حالات العجز التي عانت منها معظم البلدان الصناعية والنامية و كما رأينا لا تتوقف على عامل واحد أو سبب محدد ، فكما رأينا فإنه وعلى مسار صيرورة تلك البلدان فإن مجموعة من النقاط والأسباب تتداخل لتحدد صيرورة آليات تطورها . ومع كل مرحلة تاريخية وانتقالية تطرح إشكاليات وقضايا جديدة يعمل من خلالها السياسيين و المفكرين الاقتصاديين و أصحاب الرساميل على الخروج من الأزمات الطارئة على صيرورتها .
وكما لاحظنا من خلال العرض الموجز و العام الذي قاربنا فيه آليات تطور الرأسمالية خلال المراحل التي مرت بها البلدان الرأسمالية . وقد كان من الواضح اختلاف دور مؤسسات الدولة في كل مرحلة من مراحل التطور الاقتصادي للبلدان الرأسمالية ، وأيضاً تمايز و اختلاف آليات عمل رأس المال المعبر عن مستوى التطور الاقتصادي للبلدان الرأسمالية ، سواءً من رأس مال خاص أو فردي يتجلى في إطار الشركات أو بعض التكتلات الاقتصادية في هيئة احتكارات و اندماجات لرأس المال تميل في نزوعها العام ضمن آليات التوظيف و الاستثمار إلى التوسع والتراكم الموسع كميل أساسي ومحدد لرأس المال . ومن الجائز الافتراض بأن المجتمعات الرأسمالية خضعت لآليات تفاعل متبادل من خلال علاقة تشارطية تبادلية لرأس المال و الحكومات السياسية المعبرة عن تطور رأس المال . وكلاهما يهدفان إلى توسيع وتعميق و تكثيف الاستثمارات الإنتاجية – الخدمية – الاستهلاكية – المالية ..... سواء في إطار الدولة القومية أو ضمن تكتلات دولية ... أو ما شابه من أشكال الاستثمار الخاص والفردي . ويمكن الملاحظة بأن معظم تجارب البلدان الرأسمالية تتشابه بالشكل العام في آليات تطورها وهذا يعود إلى طبيعة ميول حركة رأس المال ، وإلى طبيعة الأزمات الناتجة عن التناقضات الداخلية للعلاقات الرأسمالية ( ركود – كساد – تضخم – { تضخم ركودي } فيض إنتاج – فيض رساميل...) التي تتوسع وتتعمق لتعم و تشمل كافة البلدان الرأسمالية المركزية والمندمجة والنامية والطرفية ، ويمكن التدليل على انتشار هذه الأزمات بأمثلة ملموسة ( أزمة عام 1929-1933 ، أزمة النمور الأسيوية ، الفورة النفطية الأولى والثانية ، الاختلالات التي وقعت مع بداية السبعينيات من القرن الماضي ، أي خلل يحدث للدولار الآن و ما يستتبع من تداعيات لكافة العملات التي ترتبط به ...).
إن التعميم فيما سبق لا يلغي بالضرورة الظروف الخاصة لكل دولة على حدى ، والتي يفترض أن تتحدد مجموعة من العوامل المؤثرة ، والتي يمكن إيراد بعضها ( حجم العمالة المحلية ومستوى تطورها – حجم رأس المال و آليات التوظيف المتبعة –مستوى التطور التكنولوجي – درجة الارتباط و الترابط الدولي – درجة الارتباط بالدولار ومدى تنوع العملات ..)
ومن الضروري التذكير بأن الأزمات بتعدد و تنوع أشكالها و مستوياتها تفرض آليات سياسية اقتصادية يحاول من خلالها الاقتصاديون و المفكرون و السياسيين الخروج من التناقضات التي تخضع لها بعض البلدان بالتضافر مع مؤسسات الدولة.
إضافة إلى مفاعيل قوانين حركة رأس المال التي حددت من خلال آليات التراكم الموسع تحتم نشوء أزمات دورية نتيجة التناقضات الداخلية التي تخضع لها طبيعة رأس المال و الرأسمالية بشكل عام . إضافة إلى انعدام الاستقرار و التوازن الداخلي تبعاً لمنطق رأس المال القائم على التناقض الداخلي و يتجلى في الطابع الفردي للملكية و الطابع الاجتماعي للعمل الذي يؤدي إلى انعدام العدالة الاجتماعية في التوزيع والذي يقود إلى تفاوت اجتماعي حاد و ارتفاع في مستوى الاستقطاب .
إن آليات حركة رأس المال تقودنا إلى ضرورة تحديد الملامح و القوانين الداخلية لآليات هذه الحركة و التي من خلالها يمكن ضبط وتحديد الملامح التي تتجلى فيها الرأسمالية الراهنة ، بوصفها امتداداً و تجلياً لهذه الحركة و التي يمكن تحديدها عبر مراحل تطور حركة رأس المال الذي قاد حركة و بناء المجتمعات الرأسمالية عبر علاقة تشارطية مع الحكومات السياسية المعبرة و المتمثلة لآليات ميول حركة رأس المال .

=======================م=============== يتبع /2/
أولاً : بعض السمات المحددة للرأسمالية العالمية : فصل المنتجين عن وسائل الإنتاج عبر انتزاع الملكيات و تهجير الفلاحين و تحويلهم إلى قوى عاملة حرة لا تملك إلا قوة عملها وترسيخ الطابع الجماعي للعمل .
- الاغتراب : ويمكن التعبير عنه بوصفه اغتراب العامل عن وسائل الإنتاج و الإنتاج من خلال طابع عمل جماعي و طابع خاص لملكية وسائل الإنتاج .
- الاستلاب : و من خلاله يتم الاستحواذ على ناتج عمل القوى المنتجة مقابل أجر محدد بوقت العمل الضروري لإعادة إنتاج قوة العمل .
- الاستقطاب : و ينجم عن الطبيعة الخاصة للرأسمالية التي عززت التفاوت الاجتماعي بين أصحاب الرساميل و القوى العاملة في البلدان الرأسمالية وبين هذه البلدان والبلدان الطرفية التابعة و التي مازالت تتعمق حتى الآن من جراء التقسيم الدولي للعمل .
ثانياً : الميول المحددة لحركة رأس المال .
1- التراكم والتراكم الموسع لرأس المال (5) :
نلحظ هذا الميل لحركة رأس المال مع بوادر نشوء النظام الرأسمالي ( البرجوازية ) والذي تبلور من خلال تحويل مباشر للعبيد و الأرقاء و الأقنان و الفلاحين إلى عمال مأجورين من خلال انتزاع الملكية الفردية و انحلال الملكيات الفردية القائمة على العمل الشخصي وتهجير الفلاحين ... كخطوة أولى في مسار تطور البرجوازية و تم التعبير عنها من خلال تحويل رأس المال إلى وسائل إنتاج و قوة عمل و تحويل القيمة الزائدة إلى رأس مال إنتاجي بعد انتهاء عملية التداول في أسواق التبادل . وتكتمل العملية الإنتاجية بتحويل وسائل الإنتاج إلى بضاعة تفوق قيمتها قيمة العناصر المكونة لها ( رأس مال ثابت – رأس مال متغير ) + القيمة الزائدة – متحولة إلى رأس مال عن طريق أسواق التداول ليعاد توظيفها في العملية الإنتاجية ( دورات الإنتاج ) و قد عبر ماركس عن الميل العام للتراكم الرأسمالي بوصفه قانوناً عاماً من خلال التراكم البدائي الأولي - الموسع الذي يفترض تغيير التركيب العضوي لرأس المال ( انخفاض الجزء المتغير من رأس المال في مجرى التراكم الموسع مع التركيز و التمركز المتنامي ، مقابل ارتفاع نسبة رأس المال الثابت ( الأساسي ) المترافق مع ازدياد التقنية و الذي يؤدي إلى زيادة الجيش الاحتياطي للعمال ،بالمقارنة مع العمال الفعليين ( فيض السكان )
ويمكننا أن نحدد مفاعيل وتجليات هذا الميل مع تطور الرأسمالية بمراحلها المتعددة وفقاً لصيرورة تطورها الموضوعي أو من خلال مراحل حركة و تطور رأس المال ( رأس مال نقدي – بضاعي إنتاجي ) ( 6) و ما زال هذا الميل فاعلاً بحكم تطور الرأسمالية الراهن و الذي يتخذ أبعاداً أكبر و أشكالاً مختلفة و لكنها بالعموم ما زالت واقعياً تعبر عن تمظهرات و مضامين هذا الميل .
2- زيادة حدة التمركز لرأس المال و وسائل الإنتاج الاجتماعية ، والتي تعبر عن درجة ازدياد الثروة ... إن رأس المال الموظف في العملية الإنتاجية يعمل على قاعدة الميل التراكمي الموسع لرأس المال ، المترافق مع ازدياد حدة التمركز الذي يقود من خلال تطوير وتوسيع و زيادة القطاعات الصناعية إلى فائض مالي يجد له ضمن سياق آليات التطور منافذ و أشكال جديدة لتوظيف الرساميل المتضخمة في أسواق المال أو تصديرها لتوظيفها بشكل مباشر أو غير مباشر ، ويعود هذا لأسباب سنوضحها لاحقاً .
إن ميل تمركز رؤوس الأموال نجد له كثيراً من التجليات والتمظهرات الراهنية و التي تؤكد الاستلاب والاستقطاب كأحد تجليات حركة التراكم الموسع .
3- ميل معدل الربح نحو الانخفاض (7): يتجلى في
- ارتفاع بنية الرأس مال الأساسي بالنسبة إلى رأس المال المتغير و يترافق مع انخفاض في كتلة العمل الحي طرداً مع تطور التقنية الصناعية .
- انخفاض أسعار البضائع و ازدياد حجم الربح المائل في كتلة متنامية من البضائع الأرخص ثمناً و هو تعبير عن معدل الربح للانخفاض و تزايد كتلته العامة .
- تباطؤ دوران الرأسمال الاجتماعي . ارتفاع معدلات الأجور في البلدان الصناعية – ارتفاع المعدلات الضريبة ويتم مواجهة هذا الميل من خلال سياسات اقتصادية يمكن إيجازها بما يلي : زيادة شدة العمل – الانتقال من القطاعات الإنتاجية الأكثر إشباعاً إلى قطاعات إنتاجية أقل إشباعاً أو إلى قطاعات جديدة مستحدثة – تخفيض معدلات الأجور – إطالة يوم العمل – تخفيض أسعار عناصر رأس المال الثابت – زيادة رأس المال بواسطة الأسهم – التجارة الخارجية – إنشاء فروعاً في بلدان متعددة للشركة الأم – هروب الرساميل إلى مناطق تنخفض فيها معدلات الفائدة والضرائب –( احتفاظ بلدان المركز باحتكارات محددة : القطاعات التكنولوجية – احتكارات تعمل في ميدان التعاملات المالية ذات البعد العالمي – احتكارات في مجال الموارد الطبيعية – الاتصالات و الإعلام – احتكار أسلحة الدمار الشامل ) (8) تصدير الصناعات الملوثة للبيئة و الصناعات التي تحتاج لعمالة زائدة ، والصناعات ذات العمر المديد إلى بلدان تتمتع بوفرة في المواد الأولية و إلى أسواق تتمتع بقدرة استهلاك واسعة و تتمتع بحرية حركة رؤوس الأموال وتمتلك بنى تحتية مشجعة على الاستثمار و توظيف الرساميل ، وتنخفض فيها المعدلات الضريبة ، وتنخفض فيها أيضاً الضمانات الاجتماعية المترافقة مع غياب المؤسسات الاجتماعية الفاعلة – أحزاب- نقابات...(9)
- إنشاء فروع للشركات الأم في البلدان التي تتوفر فيها التوصيفات السابقة . ومن خلال نقل بعض القطاعات الإنتاجية و فروع الشركات يتم التهرب من الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع المصدرة ، ومن خلال جملة من السياسات الاقتصادية المتبعة في البلدان الصناعية الرئيسية .
- هروب الرساميل من القطاع الصناعي إلى أسواق المال و المضاربات و يعود هذا إلى انخفاض معدل الربح و إلى تضخم وفيض الإنتاج و إلى انخفاض القدرة الشرائية بسبب سوء التوزيع وهو الأمر الذي يهدد بعدم التوازن و صعوبات تواجه التوسع الإنتاجي و اندلاع الأزمات .......
4- ميل نزوعي لحركة الرأسمال إلى زيادة معدل الربح الذي يتم التوصل إليه عبر وسائل و أشكال مختلفة لتوظيف رؤوس الأموال ، ويمكن تحديد بعضها ب : تغيير التركيب العضوي لرأس المال – زيادة حدة الاحتكارات العالمية و زيادة التمركز المالي من خلال أشكال مختلفة و متنوعة ( الشركات المتعددة الجنسية – الشركات العابرة للقومية – سياسة التمييل لرؤوس الأموال – زيادة التدويل لنشاط الشركات و التوظيفات المالية – زيادة كثافة رأس المال في القطاعات الإنتاجية – زيادة شدة العمل و الإنتاج – تخفيض قوة العمل الحي من خلال استخدام كثيف لرأس المال ومن جراء تطوير تقني مستمر يؤدي إلى تخفيض الكلفة و زيادة الإنتاج ...الخ
ثالثا ً : سمات الرأسمالية الراهنة :
يحاول بعض المفكرين التأكيد على أن المرحلة الحالية من الرأسمالية هي مرحلة جديدة كلياً و متمايزة عما سبقها من مراحل تطور الرأسمالية ، وتتسم معالمها بسمة وحيدة تتجسد في العولمة التي تسيطر وتهيمن على تجليات المرحلة الراهنة بكافة المستويات . و يتصدى قسم آخر من المفكرين لهذا التوصيف و يحدد ملامح المرحلة الراهنة بكونها ليست جديدة وفريدة بشكل كامل ، إذ أن المجتمعات البشرية ، و الاقتصادات الدولية مرت بمراحل تتشابه في تجلياتها مع المرحلة الحالية ، ولكن تشهد هذه المرحلة سمات مختلفة و متجددة و متطورة عما كان سائداً في المراحل السابقة و بعض المستويات تتراجع عما كان سائداً .
ويبرز مفكرون آخرون يرفضون توصيف الاقتصاد العالمي الراهني بكونه اقتصاداً معولماً رفضاً كاملاً و أن العولمة المزعومة حالياً لا تعدو أن تكون خرافة و ما إلى ذلك ..
تناولنا فيما سبق بعض السمات المحددة الأساسية لنمط الإنتاج الرأسمالي ، وتحديداً بعض القوانين المحددة لحركة رأس المال المعبر عن النمط الرأسمالي كنظام اجتماعي عالمي و من خلال تلك التوضيحات و متابعة قراءة المرحلة الراهنة سنعمل على توضيح بعض سمات المرحلة الرأسمالية بوصفها نمطاً اقتصادياً يحمل في سياق تطوره مضاميناً متنوعة تحاول حكومات الدول الصناعية المهيمنة و الشركات المتعددة الجنسية و العابرة للقومية على انجاز المشروع العولمي و تعميمه ، أي أن العولمة ليست مشروعاً منجزاً عالمياً بل مشروع في طور الانجاز ، وسوف نحاول أن نرصد ملامح المشروع الراهني للرأسمالية من خلال الاعتماد على الآليات و القوانين الضابطة لتطورها و رصد بعض مجالاتها ( حركة رأس المال – الاستثمارات – حركة القوى العاملة )
============================== يتبع /3/

1- الاقتصاد الدولي : حاولنا من خلال استعراضنا التاريخي الموجز و المكثف توضيح مراحل تطور الرأسمالية و دور الدولة في صيرورة التطور الرأسمالي . ولاحظنا أن دور الدولة كان يختلف في كل مرحلة من مراحل تطور النمط الرأسمالي من دور داعم لحركة التجارة إلى حماية الصناعات المحلية ...... و ما أدى ذلك من وسائل تدعيم آليات نمو الرأسمالية على المستويات المختلفة ( الصناعة – التجارة – توظيف واستثمار الرساميل محلياً و خارجياً – تسهيل حركة تصدير الرساميل المتحكمة بمفاعيل اقتصادية محددة – العمل على تجاوز العوائق و العقبات أمام حركة الرساميل و الاستثمارات المباشرة و الغير مباشرة و التوظيفات المالية )
لقد تخلل الرأسمالية في سياق تطورها في القرن العشرين بشكل عام مجموعة من المتغيرات الناجمة عن طبيعة حركة الرأسمال الداخلية و التي تمظهرت في تجليات مختلفة و متعاقبة ابتداءً من ( معيار صرف الذهب 1879/1914 – التعويم 1918/1925 – العودة إلى معيار الذهب 1925 – العودة مرة أخرى إلى التعويم في 1931/1939 – ثم اعتماد الدولار كمعيار منذ عام 1945 – و إرساء نظام تحويل العملة ونظام بريتون وودز 1945/1985 – العودة مع بداية السبعينيات إلى نظام تعويم الصرف بمعيار الدولار مروراً بالنظام النقدي الأوربي 1979/1993 – اتفاق اللازر اللوفر 1985/1993 – ومن عام 1993/1997 الانحدار نحو تجديد التعويم المالي القائم على مراقبة متعددة الأطراف . وصولاً إلى تثبيت سعر الصرف بالدولار ) .(10)
إن الغرض من عرض التسلسل السابق للتغيرات التي خضع لها النظام النقدي العالمي فقط لتوضيح انه لا توجد مرحلة أخيرة و نهائية في مسار التطور الرأسمالي سواء على مستوى التصنيع أو في الحركة النقدية بل هي متغيرة باستمرار و أحياناً تتغير بسرعة لافتة للانتباه ، وهذا يسمح لنا بأن نفترض بأن المرحلة الحالية من مراحل تطور الرأسمالية قد تكون مرحلة يعقبها مراحل متعددة ، وليست خاتمة التطور لنمط الإنتاج الرأسمالي لأنه وكما لاحظنا ونلاحظ أن النظم الرأسمالية تمتلك قدرة عالية من المرونة والقدرة على التكيف مع الظروف المستجدة و الطارئة على مسار تطورها . و أيضاً أن ملامحها العولمية لم تتضح و تتأكد بشكل نهائي لكن الصيرورة والميول التي تتسم بها هذه المرحلة هي ميول و سمات عولمية .
عند تناولنا العولمة كمستوى ومجال واسع للبحث النظري المتعدد الأبعاد يتبادر إلى الذهن عدة تساؤلات : - ما هي المستويات و المجالات التي تمت عولمتها – و إذا افترضنا أن المرحلة الراهنة مرحلة معولمة فهل يمكننا تحديد الأسس التي تقوم عليها العولمة ؟ .
يمكننا تحديد الأسس التي تقوم عليها الرأسمالية والتي تم عولمة البعض منها جراء التوسع الرأسمالي للتبادل (رأس المال – سوق الإنتاج [ علاقات وقوى الإنتاج ] – أسواق التبادل )
ماذا نلاحظ حالياً – هل سمات المرحلة الراهنة يناظرها بعض الملامح في بعض مراحل تطور الرأسمالية سابقاً –حرية التجارة والتبادل التجاري – تصدير الرساميل – التكتلات الاقتصادية الخاضعة في آليات عملها للدولة الأم أو الخارجة عن إطار الدولة القومية من خلال الشركات العابرة للقومية ؟ .
وهل توصل الاقتصاد العالمي حالياً ليكون اقتصاداً مفتوحاً بشكل كامل لكي نستطيع أن نطلق عليه الاقتصاد المعولم أم أنه يوجد بعض الميول التي تحدد و ترسم و توضح مسار المرحلة الراهنة و مآلات تطورها المستقبلي
من خلال البحث في تطور البنى الإنتاجية و آليات استثمار و توظيف الرساميل يمكننا أن نلاحظ بأن صيرورة تطور البلدان الصناعية خضعت في مجملها إلى قوانين محددة كان لها الدور البارز في رسم الملامح العامة لتطور هذه البلدان ، ويمكننا أن نشير إلى بعض هذه الميول التي تتخذ صفة القوانين العامة من خلال رصد آليات تطور النظم الاقتصادية التي تندرج في إطار النمط الرأسمالي ، وقد لا يكون بعيداً عن تأثير هذه الميول الدول التي وصفت في مرحلة معينة بأنها نظم اشتراكية ولكنها فعلياً خضعت إلى مفاعيل الميول الأساسية والمحددة في المستوى الاقتصادي ، وهذا ما تكشف لاحقاً من خلال بعض التجارب مع الاختلاف في أسباب التحولات التي خضعت لظروف سياسية أدت إلى جملة من التغيرات والتطورات التي خضعت لها بعض البلدان ( الصين – الاتحاد السوفيتي – والدول الملحقة به . )
1- التراكم والتراكم الموسع الذي يرافق و يترافق مع التطورات الاقتصادية لمجمل البلدان ، لكن من المهم التأكيد على التفاوت في مستويات التطور الدولي و الخاضعة بالضرورة إلى تفاوت في حجم المواد الأولية ، ورؤوس الأموال و امتلاك التقنية و إمكانيات تطويرها و حجم القوى العاملة و مستوى تطورها و الأهم مدى و مستوى حرية القرار السياسي و الانفكاك من التبعية والارتهان السياسي ... ومن الجائز القول أن مفاعيل الميل التراكمي الأولي البدائي و الموسع كان له الدور الأبرز في نمو وتطور الاقتصادات العالمية. وتحديداً في البلدان الصناعية المعتمدة في آليات تطورها على تراكم الرساميل و توظيفها واستثمارها في القطاعات الإنتاجية و الاستهلاكية والخدمية ( قطاع ا – قطاع ب ) . ومن خلال إعادة دمج القيمة الزائدة في العملية الإنتاجية والتي تؤدي إلى توسيع القطاعات الإنتاجية و بالتالي زيادة حجم الإنتاج ليؤدي لاحقاً إلى الإشباع في بعض القطاعات مما يستوجب الانتقال إلى قطاعات أخرى . أي أن التوسع في العملية الإنتاجية بمستوياتها المختلفة أدى إلى توسيع وتطوير القطاعات الإنتاجية و التي يترافق معها بالضرورة تطوير القوى العاملة . ويترافق أيضاً مع تغيير في التركيب العضوي لرأس المال . ونلاحظ الآن أن التطور المتلاحق يفرز جملة من الإشكاليات التي تستوجب العمل عليها لإيجاد الحلول المناسبة و أولها الفائض في الإنتاج الرأسمالي التي كانت سببا حقيقياً لفتح أسواق جديدة.
2- التراكم المتضخم لرؤوس الأموال ( الفيض المالي ) الباحثة عن مجالات توظيف واستثمار جديدة بعد أن ضاقت بها أسواقها القومية و التي أدت في السبعينيات إلى تزايد تصدير الرساميل لتقود إلى أزمة حادة للمديونية لمجمل الدول الفقيرة والتي لم تكن قادرة و لأسباب كثيرة الاستفادة من القروض المقدمة لها من انجاز مشروعها التنموي
3- أزمة القوى العاملة و تزايد نسبة البطالة باطراد مع تزايد مستويات تقنية وسائل الإنتاج والتطور التكنولوجي و الحاجة المستمرة لتدريب و تأهيل القوى العاملة لتتناسب و تتواكب مع مجمل التطورات التقنية و ليزداد أيضاً انحسار العامل اليدوي و تزداد حدة التبعية للآلة .
إن مفاعيل آليات التراكم والتراكم الموسع أدت إلى زيادة حدة الاستقطاب ضمن البلدان الرأسمالية وبينها وبين باقي البلدان مما أدى و هذا لا ينحصر فقط على مفاعيل التراكم فقط ، و لكن على آليات العمل و توسع الرأسمالية إلى إعادة تقسيم العمل الدولي و إلى أيضاً دور الامبريالية على المستوى الدولي و نلحظه من خلال احتكار بعض الدول لبعض القطاعات العالية التقنية ، و التعاملات المالية العالمية و وسائل الاتصال و مصادر النفط و المواد الأولية و تحديداً النادرة و التسليح ....أي إخضاع العالم بمجمله إلى علاقات النمط الرأسمالي المتفاوت التطور و القائم على تعزيز و زيادة الاستلاب و الاستقطاب .
4- الهبوط النزوعي لمعدل الربح : يرتبط انخفاض معدل الربح ارتباطاً وثيقاً مع الميل التراكمي الموسع للإنتاج ، و من الممكن اعتباره من نتائجه ، والذي أدى من خلال التطور التكنولوجي المتلاحق و تغيير التركيب العضوي لرأس المال ، و ارتفاع كثافة التوظيف المالي في وسائل الإنتاج العالية التقنية و طرد أعداد كبيرة من قوى العمل ليؤدي لاحقاً إلى فيض في الإنتاج و بالتالي فإن رأس المال المتغير ينخفض بشكل مطرد مع تزايد التطور التكنولوجي الذي يستوجب توظيفاً كثيفاً لرأس المال .
إن مفاعيل هذا الميل تبدو واضحة في كافة البلدان الصناعية من خلال إعادة الهيكلة المستمرة للقطاعات الإنتاجية بما يتوافق مع آليات التطور للحفاظ على البقاء في أسواق المنافسة وصولاً للسياسة الاحتكارية على المستوى الكوني، ولذلك يمكن الاعتبار بأن التطوير التكنولوجي و احتكاره عملية اضطرارية في المجالات الصناعية ليس فقط للمحافظة على الوجود فقط و لكن للوصول و لتأقلم مع السياسات الاحتكارية التي تخضع لها الأسواق و لتحقيق الدور الريادي في تطوير وسائل الإنتاج والإنتاج الذي يفضي إلى إفلاس بعض المؤسسات أو ابتلاع مؤسسة لمؤسسة أخرى أو اندماج قطاعات ومؤسسات في تكتلات احتكارية . ويمكن هنا أن نطرح التساؤل التالي: إلى أين تقود مجمل عمليات التطور التكنولوجي التي تؤدي إلى فائض في الإنتاج و رأس المال ؟ .
من الواضح أن الفائض الإنتاجي في (قطاع ا – قطاع ب ) يفترض توسع و توسيع أسواق الصرف و زيادة حدة التبعية للمركز . والفائض المالي ( النقدي ) و نتيجة انخفاض معدل الربح فإنه يهرب للخارج بأشكال مختلفة لبلدان تتمتع بمواصفات وسمات مشجعة للاستثمار (بنى تحتية مناسبة – قوى عمل متطورة – معدلات ضريبة منخفضة .. ) و يترافق مع تصدير الرساميل المتزايد ميلاً واضحاً يتجسد في إنشاء فروع إنتاجية تابعة للشركة الأم ،ويكاد ينحصر دور المقر الرئيسي للشركة في الدولة المقر على التواجد الإداري ، بينما عملها الأساسي يتمركز في البلدان الأخرى ، و المقصود بهذا هو أن الحركة التجارية التبادلية توسعت لتشمل التبادل السلعي و تصدير الرساميل والقطاعات الإنتاجية .... و مرد ذلك تحقيق معدلات ربح أعلى إضافة إلى الهروب من الإشكاليات المحلية نختصرها ب ( ارتفاع مستوى الأجور – إشباع نسبي للأسواق – ارتفاع المعدلات الضريبية – التلوث البيئي ..) و كما أسلفنا فإن حركة رؤوس الأموال تتجه إلى بلدان تتمتع ببنية تحتية متطورة ، وتتوفر فيها قوى عاملة متطورة ورخيصة ، أسواق تصريف ، قدرة شرائية مناسبة.... ولذلك ما زلنا نلاحظ بأن رؤوس الأموال بغالبيتها توظف في بلدان العالم الثالث المتمتعة بوتيرة نمو متصاعدة ، إضافة إلى الميل المتزايد لحركة الرساميل باتجاه أسواق المال والمضاربات .
يمكننا بعد تحديد بعض الميول المحددة لحركة رأس المال – المالي – الصناعي – الاستنتاج بأن حركة الرساميل تخضع إلى ميول محددة لحركتها ،و لا يمكن اختصارها بما أوردناه ، وكان من نتائج هذه الآليات نتائج ملموسة فيما يخص أولاً : المستوى المتطور الذي وصلت له مجموع البلدان الصناعية من خلال إعادة توظيف الرساميل الزائدة و إدراجها ضمن آليات نشاط الرأسمال الأساسي في الدورات الإنتاجية المتلاحقة والمترابطة فيما بينها – ربط حركة التطور الاقتصادي للبلدان النامية و المتخلفة بعجلة البلدان الصناعية تبعياً مما قاد آلياً إلى تقسيم دولي للعمل لا يقف عند حد معين بل يتغير باستمرار ليلائم السياسات الاقتصادية المتبعة لبلدان العالم الأول ، ويعاد إخضاعها إلى سياسات السوق و آليات نشاط الرساميل الحرة و قانون القيمة المعولم ، والتي أدت في العديد من البلدان إلى نتائج كارثية طالت المجتمع بكافة فئاته ومستوياته و يعود هذا على الآثار التي يتركها رأس المال في أثناء استثماره في بلد – ما – وما يتركه من نتائج كارثية في حال خروجها من أسواق هذا البلد بحثاً عن اسواق جديدة يتوفر فيها ربحاً أعلى واستقراراً أكثر .(11)
===================================== يتبع /4/


2- الاقتصاد المدول : تتصف الرأسمالية بوصفها نمطاً اقتصادياً غير خاضع لقيود الدولة القومية بشكل كامل في صيرورة تطوره ، بل ينمو بميول تطوره إلى التوسع على المستويين العامودي و الأفقي عالمياً . أي لا يمكن حصر الرأسمالية بوصفها نظاماً اقتصادياً خاصاً بدولة واحدة أو بمجوعة دولية محددة . بل بوصفها نمطاً اقتصادياً يهيمن في آليات تطوره عبر مراحل صيرورته المتعاقبة على الاقتصاد الدولي ليتمظهر كنمط إنتاج معولم تخضع لآليات تطوره مجمل بلدان العالم باستثناء الفترة الممتدة من ثورة أكتوبر حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ، والتي ساد فيها ميلين اقتصاديين عالمياً ( الاقتصاد الرأسمالي – الاشتراكية المحققة { رأسمالية الدولة } ) ( نمطي إنتاج ) .
وقد يكون من المفيد التنويه بأنه حتى المنظومة الاشتراكية لم تحقق الاشتراكية الموصوفة في النصوص الماركسية ، بل كانت في مضمونها الحقيقي رأسمالية دولة أي رأسمالية بدون رأسماليين .
ولكن بعد انهيار المعسكر الاشتراكي – السوفيتي وملحقاته – بفعل تناقضاته الداخلية الاقتصادية و السياسية و مفاعيل قانون القيمة المعولم ، وبفعل السياسات التي اتبعتها الدول الرأسمالية في تعاملها مع المنظومة الاشتراكية فإنها تضافرت جميعها لتعلن نهاية التجربة السوفيتية والتي يمكن اعتبارها أحد المعيقات التي واجهت التوسع الرأسمالي في امتداده المعولم .
إذاً بعد سقوط التجربة السوفيتية لم يبقى على المستوى الدولي إلا النمط الرأسمالي ، كنمط إنتاج وحيد يفرض سيطرته على آليات نمو وتطور الاقتصاد العالمي ، لتصبح الرأسمالية ممراً إجبارياُ تخضع له كافة الدول ، حتى لو أبدت لهذه اللحظة ميولاً تختلف نسبياً عما هو سائد في ميول موضوعية لتطور الرأسمالية عالمياً , والذي بات يسيطر على الاقتصاد العالمي بمستويات تختلف نسبياً عما هو سائداً في بلدان المراكز الصناعية الأولى , وهذا يعود بطبيعة الحال إلى آليات و مفاعيل قوانين التطور الرأسمالي , و إلى السياسات المتبعة في بعض الدول التي تحاول أن ترسم آليات تطور خاصة من خلالها تحاول أن تكون مستقلة نسبياً عن آليات التطور السائدة . و لكن الملفت للانتباه إنه حتى هذه الدول لم تعد تمتلك من زمام أمورها إلا القليل . وتحاول في المرحلة الراهنة اللجوء إلى سياسات تختلف نسبياً عن سياساتها السابقة و ذلك من خلال إقامة تحالفات اقتصادية إقليمية أو اللجوء إلى تكتلات اقتصادية دولية و إتباع سياسات اقتصادية داخلية تشجع الاستثمارات الخاصة و إعادة هيكلة قطاعاتها الإنتاجية و تحرير المصارف و المنشآت الاقتصادية من سيطرة الدولة وإتباع سياسات الخصخصة وفتح أسواقها أمام حركة التبادل السلعي و المالي و ( تحرير التعاملات النقدية )(12) أي التحول إلى سياسة السوق حتى لو بدت بأشكال خجولة و تحت مسميات وذرائع مختلفة و متنوعة . ما يهمنا هنا أيضاً هو توضيح الأشكال والآليات الاقتصادية المتبعة في محاولات الهيمنة على الاقتصاد العالمي : كما هو ملاحظ فإن الدولة القومية لم تعد المسيطر الوحيد على آليات التطور الاقتصادي وغيره سواء على المستوى المحلي أو على مستوى العلاقات الدولية ، بل أكثر من ذلك فإن هذه الدول تعاني جملة من الضغوط جراء تطور و تضخم قدرة الشركات العملاقة المتنوعة الأشكال , و اتساع سيطرتها على رسم آليات السياسات الاقتصادية . وبالتالي فإن الأشكال و النماذج الاقتصادية التي تسيطر عليها الدولة تقع في مواجهة حقيقية مع هذه الشركات التي ساهمت الدولة في تدعيمها وتقويتها , و لكن مع ازدياد دور هذه الشركات باتت تهدد السياسات الحكومية و تفرض عليها سياسات معينة يتقلص من خلالها دور الدولة إلى مراقب وحارس لمصالح الشركات العملاقة . ويمكننا القول بأن الاقتصاد العالمي اقتصاداً شديد التدويل و اقتصاد مفتوح تسيطر على جوانب مهمة منه الشركات المتعددة القومية والشركات العابرة للقومية . ويمكننا تقديم بعض الإحصائيات على ذلك ( 20% من دول العالم تستحوذ على – 85% - من الناتج العالمي – وعلى -84%- من التجارة العالمية – ويمتلك سكانها على – 85%- من المدخرات العالمية ).(13)
( 45 ألف شركة تسيطر على / 280 / ألف شركة تابعة , و تسيطر على استثمارات تتجاوز / 3.2 / تريليون دولار وحجم مبيعاتها تتجاوز /7/ تريليون دولار )(14) – 40% من المجموع الكلي لتجارة أمريكا بين هذه الشركات(15) ... شركة ABB تمتلك – 1000- شركة في – 40- بلد(16) . – 358 ملياردير يمتلكون ثروة تعادل ما يمتلكه 2.5 مليار نسمة(17) – وتهيمن الشركات العابرة للقومية على ثلثي التجارة العالمية – صاحب شركة مايكروسوفت تتجاوز ثروته -46- مليار دولار .
و يمكننا التنويه بأن الاقتصاد المدول لم يكن دون سوابق ويمكننا استشفاف ذلك من خلال المقارنة التالية : بين عام ( 1870-1913 ) كان تزايد حجم التجارة العالمية بنسبة 3.4% - وبعد عام 1913 تأثرت حركة التجارة بنمو التعريفات الجمركية , وضوابط العملات لتتراجع نسبة النمو التجاري إلى ( 1% سنوياُ ) وبعد عام 1950 وصل معدل النمو التجاري العالمي إلى 9% - ليعود معدل النمو التجاري السنوي عام 1980 إلى معدلات متقاربة مع عام 1870-1917 – 3.6% .(18)
أما في بداية السبعينيات والثمانينيات فقد ظهرت أزمة هيكلية اتسمت بركود تضخمي و دخل الاقتصاد العالمي بمرحلة كساد مترافقة مع تدهور معدل الربح و فائض نقدي باحثاً عن فرص استثمار مربحة متأثراً بانهيار – البريتون وودز – وأزمتي النفط – 1973 – 1979 – والتي ساهمت في تسريع تدويل أسواق المال وتطور الشركات المتعددة القومية . إن الاقتصاد المتعدد القوميات لا يعبر فقط عن آليات عمل الشركات المتعددة القومية التي تنمو باتجاه التحرر من السياسات القومية , بل يتمثل أيضاً من خلال تعدد الأقطاب على المستوى العالمي والذي يتجسد حالياً في ( الولايات المتحدة – الاتحاد الأوربي – اليابان ... ) و لكن من الملاحظ أن ميل التدويل يتمركز بين الأقطاب الرئيسية إضافة إلى الدول النامية من العالم الثاني , أي أن درجة التطور الاقتصادي المعبر عنه من خلال الاستثمار و التوظيف و حركة الرساميل , و حركة انتقال القوى العاملة تتمركز بين الدول المتقدمة صناعياً و هذا يعود إلى التقارب التكنولوجي و إمكانيات التوظيف المتاحة للرساميل في صناعات تحتاج إلى توظيفات مالية مرتفعة . إضافة إلى درجة تطور المهارة للقوى المنتجة , ويمكننا التأكيد على هذا من خلال الإحصائيات التالية: ( 14.5% من سكان العالم يجتذبون -60%- من تدفقات الاستثمار الأجنبي – أهم عشر بلدان نامية تشكل -32%- من سكان العالم – وتجتذب -73% - من الاستثمارات المباشرة )(19) .- ( 54-70% من سكان العالم يتلقوا -16-% من التدفقات الحكومية للاستثمارات الأجنبية المباشرة )(20) – ( 50% من التدفقات الحكومية للاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 1996 تتألف من استيلاءات و اندماجات عبر الحدود )(21) . و بالمقارنة فإن حجم الاستثمارات المباشرة في البلدان النامية بين عامي ( 1952-1995 ) تتراوح بين (55-97) مليار دولار – أما في دول منظمة التعاون والتنمية فإنه تراوح بين ( 111 – 216 )مليار دولار في نفس الفترة(22) .
مع العلم بأن التوظيفات المالية في العالم الثالث مع انخفاض نسبتها فإنها توظف في قطاعات محددة :- 41% في قطاع النفط – 12% في المناجم(23) .... ويؤكد بير جاليه بأن رؤوس الأموال الخاصة الإمبريالية تذهب في حدود ثلثيها تقريباً للتوظيف داخل البلدان الرأسمالية المتقدمة(24)........ و بأن رأس المال الاحتكاري أتى بمبدأ تدويل الإنتاج الرأسمالي و إدغام القوتين العملاقتين الرأسمالية والدولة في آلية واحدة(25) .... – إن انحسار تدويل الإنتاج في بلدان محددة تؤدي إلى ازدياد الهوة و الفجوة بين البلدان المتقدمة والبلدان المحيطة , و يعزز هذا الميل , أن التبادل بين الشمال و الجنوب يمكن توصيفه بأن بلدان الشمال تصدر إضافة إلى الرساميل المتمثلة في القروض , صناعات ذات تقنية عالية و كثيفة التوظيف المالي و ذات قيمة مرتفعة , مقابل استيراد مواد خام أولية ( خام – نفط )بأسعار منخفضة مما يعزز الفروق في حجم التبادل التجاري و التي تؤدي لاحقاً إلى ازدياد حجم المديونية لبلدان الجنوب . والتي من أسبابها أيضاً ارتفاع الكلفة المترتبة على إقامة قطاعات صناعية لارتفاع أسعار وسائل الإنتاج . و بالتالي فإن الارتباط بين الشمال و الجنوب يتميز بالتبعية لدول الشمال و بالتبادل غير المتكافئ .وقد نوه بير جاليه إلى ذلك بأنه لا يوجد التبادل غير المتكافئ في النطاق الوطني كقاعدة عامة ألا أنه موجود في النطاق الدولي . إن أساسه هو اختلاف معدلات فضل القيمة – إن اختلاف الأجور مرده إلى في الجوهر إلى اختلاف في قيمة قوة العمل(26) ........
ويؤكد ماندل أيضاً بأنه عندما تبيع البلدان المتقدمة صناعياً بضائعها للبلدان المتخلفة و تستمد منها المواد الأولية فإنها تبيع بضائعها بأعلى من قيمتها و تشتري بأقل من قيمتها(27) ....
و لا ينحصر التبادل اللامتكافئ في التبادل التجاري السلعي بل يتعداه إلى إمكانيات التبادل التقني أو تدويل التبادل الذي ينحصر انتقاله من الشمال إلى الجنوب بعلاقة بينيه . وبين بلدان الشمال نفسها . وأكثر من ذلك , إن تمركز الصناعات العالية التقنية في بلدان الشمال يوسع الفجوة بين الشمال والجنوب –تركيز الإنتاج قد سمح بتأصيل جذور التقنية الجديدة سريعاً و هذا يقتضي بدوره تركيزاً جديداً للإنتاج في منشآت عملاقة ( الوسائل التقنية الجديدة غالية جداً و تقتضي توظيفات جسيمة و تنظيم على نطاق واسع .... إن التقنية الجديدة قد شهدت سيطرة الاحتكارات على الاقتصاد )(28) .
وما يزيد من حجم التفاوت العالمي هو احتكار الدول الصناعية لمجوعة من الصناعات الفائقة التقنية و التي تحافظ من خلالها على تفوقها العالمي و توسيع حجم الفجوة بين الشمال والجنوب – بمعنى أن المبادلات الدولية لا تتضمن هذه الصناعات لتبقى حكراً على بعض الدول مما يساهم في زيادة حجم التراكم , ومن خلال هذه الاحتكارات تتحكم بعض الدول بإمكانيات التطور الدولي , وتحديداً على دول الجنوب لتزداد حدة الاستقطاب العالمي و الذي يصل الآن إلى ( -1- مقابل -80- وإلى امتلاك -80%من الإنتاج العالمي ل 20% من البشرية)(29) إن حدة الاستقطاب تؤكد القانون العام , أو الميل العام للتراكم الرأسمالي نحو ازدياد الاحتياطي العمالي والسكاني ( ازدياد معدلات البطالة العالمية ) مقابل زيادة التمركز المالي ضمن احتكارات محددة تهيمن على المرحلة الراهنة.
ويمكننا تحديد السمات العامة للاقتصاد الراهني بكونه اقتصاداً شديد التدويل والتمركز وتطغى عليه الصفة الاحتكارية ( تكتلات اقتصادية متعددة القومية وعابرة للقومية )ازدياد حركة تصدير الرساميل ... ازدياد حدة التمركز النقدي والمالي – احتكار القطاعات العالية التقنية و توظيفها في بلدان محددة – الميل باتجاه المضاربات المالية و انخفاض معدل التوظيف الصناعي .
===================================== يتبع /5/

3- الشركات المتعددة القومية والعابرة للقومية:
حاولنا فيما سبق توضيح دور الدولة في السياسة الاقتصادية , والمحاولات الدائمة للحكومات في المحافظة على دورها في تنظيم وضبط حركة الاقتصاد . لكن و كما هو معلوم فإن دور الدولة تفاوت في تأثيره تبعاً للمرحلة التي يمر بها الاقتصاد بشكل عام و رأس المال بشكل خاص ونلحظ تفاوت تأثير و قوة دور الدولة مع تغير آليات عمل الشركات الكبرى و انتقالها وفق صيرورة واضحة من الصفة القومية إلى متعددة القومية إلى العابرة للقومية , و هذا التحول لا يخضع لعوامل إرادية بل يخضع إلى عوامل موضوعية تحددها صيرورة تطور آليات اشتغال هذه الشركات , وحركة الرساميل ضمن آليات عمل متطورة و متجددة . أيضاً لا يمكننا التغاضي عن جملة من الأسباب و التناقضات الداخلية والخارجية المحددة لآليات عمل الشركات و حركة الرساميل ., فمن الملاحظ أن الدور البارز لهذه الشركات في الاقتصاد العالمي وسيطرتها على ثلثي التجارة العالمية , أي توسع كبير في حجم نفوذها و تأثيرها الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي . فإن هذه الشركات تميل إلى تحجيم دور الدولة والحكومات بشكل عام . فبحكم شدة التمركز المالي و التكنولوجي لهذه الشركات و اتساع حجم توظيفاتها المباشرة و غير المباشرة فإن تأثيرها لم يعد ينحصر على تهميش دور الدولة وأجهزتها , بل يطال عمق البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من خلال فرض شروطها على الدولة المضيفة . وكما هو معلوم إن أولى شروط هذه الشركات توفير البنى التحتية قبل دخولها أي دولة . ومن المهم التنويه أيضاً أن هذه الشركات تقوم بشفط الفائض من الرساميل الموظفة إلى المركز الأساسي للشركة أو إلى دول أخرى ليتم توظيفها من جديد . مما يؤدي إلى انعدام التراكم في الدول المضيفة , ويساهم مع سياسات بعض الحكومات في انعدام إمكانية قيام مشروع تنموي حقيقي . ولا يمكن في هذا المجال تحميل الشركات المسؤولية الوحيدة في انعدام نجاح مشاريع تنموية حقيقية . لأن توظيفات هذه الشركات و بشكل عام كانت تتوجه إلى دول معينة تتوفر فيها البنية التحتية الاقتصادية و السياسية والاجتماعية المناسبة لها . وهذه البنى بالشكل العام لا تتوفر في الكثير من بلدان العالم الثالث .
والإشكالية الأكبر في دور هذه الشركات ليس في أثناء قيامها باستثمار توظيفاتها الاقتصادية و لكن عندما تنقل هذه الشركات رساميلها إلى أسواق أخرى .أو تغلق أو تبيع أو تنقل ..... التوظيفات التي تعمل بها , مما يؤدي إلى حدوث جملة من التناقضات الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية . بمعنى آخر إن هذه الشركات علاوة على أنها تفرض شروط عمل مناسبة لها وتهمش دور مؤسسات الدولة , لكن بدخولها إلى دولة معينة فإنها تخلق أزمات متعددة و في خروجها تفجر أزمات و كوارث اجتماعية واقتصادية ...
ومن المهم أن نلفت الانتباه بأن هذه الشركات لا توظف أموالها في البلدان المتخلفة إلا إذا امتلكت تلك البلدان ميزات مقارنة . بل توجه استثماراتها إلى بلدان متطورة و تتمتع بمزايا استثمارية مشجعة .بمعنى أن استثمارات هذه الشركات يتحدد بما يتلائم مع ميولها لتحقيق أعلى معدلات الربحية و بما يخدم زيادة التمركز و الاحتكار , وقد نوهنا إلى مجموع العوامل المشجعة لتوظيف و الاستثمار المالي و الإنتاجي المباشر والغير المباشر ..
لقد لاحظنا أن التفاوت في المستويات الاقتصادية بين بلدان الشمال والجنوب يتحدد بمفاعيل داخلية وبمفاعيل و ميول السياسات الدولية بشكلها الاستعماري و الاحتكاري و يتجسد حالياً في سياسات الدول الاحتكارية الكبرى و الشركات العملاقة من خلال اختيارها لأماكن استثماراتها و من خلال سياساتها التدخلية في شؤون الدول الأخرى في محاولات متكررة لإعادة رسم الخارطة العالمية الاقتصادية و الجيوسياسية من جديد ... ويمكننا الملاحظة و بالملموس بأنه و مع تزايد دور الشركات المتعددة القومية والعابرة للقومية فإن دور الحكومات و قيادات الكثير من الدول آخذاً في التراجع أمام تزايد حدة تدخل المسؤليين عن هذه الشركات و تدخل الدول الكبرى في الشؤون الداخلية للعديد من الدول لفرض مشاريعها السياسية و الاقتصادية عليها.
و بالتالي فإن المسيطر على المفاعيل الاقتصادية الدولية وتوجهات و ميول تطورها يساهم في رسم و تحديد التوجهات السياسية والاقتصادية على المستويين المحلي و الدولي.
و قد أكد هاري ماجدوف على التدويل و دور الدولة : التدويل في عقد الشركة المتعددة الجنسية سيؤدي بالضرورة إلى انحطاط دور الدولة(30) .
============================= يتبع /6/

4- عولمة رأس المال:
العولمة المالية هي ظاهرة حركة رؤوس الأموال عبر الحدود و الآليات و الشروط التي تتحرك بها , فيما بين الأسواق المالية و هي ظاهرة ملائمة لنشأة وتطور الرأسمالية(31)
إن حركة رؤوس الأموال ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتطور العام للنظام الرأسمالي , وقد تكون آليات حركة رأس المال المعبر الواضح عن الحالة التي وصلت إليها الرأسمالية .فحركة رأس المال المالي تحديداً ترتبط بقوانين محددة و أساسية لآليات تطور الرأسمالية , وتعبر عن أساليب مواجهة الميول المحددة للتناقضات الداخلية للرأسمالية ( زيادة الدخل + زيادة الاستثمار ← انخفاض معدل الربح )(32)
إن انخفاض معدل الربح هو من المحددات الأساسية لميول رأس المال المتجاوزة و المكسرة للأطر القومية و لكن انخفاض معدل الربح لا يعني تناقص حجم التراكم المالي أو يعبر عن حجم الربح الكلي للرأس المالي الإجمالي . وكما هو معلوم فإن الرأسمالية القديمة تتمايز عن الرأسمالية الحالية ( إن ما كان يميز الرأسمالية القديمة حيث كانت المنافسة الحرة مطلقة السيادة إنما كان تصدير البضائع سمتها الرئيسية ... المرحلة الراهنة تتميز بسيادة الاحتكارات و تصدير رؤوس الأموال ... )(33)
وتصدير رؤوس الأموال عدا إنه يخضع في حركته إلى انخفاض معدل الربح , أيضاً فإن إنتاج فائض رؤوس الأموال الضخمة في البلدان المتقدمة يعبر عن نمو الرأسمالية الاحتكارية المالية ...يتم تصديرها إلى البلدان المتخلفة حيث تكون الأرباح عالية(34) –و مرد ضرورة تصدير رؤوس الأموال يعود إلى نضج الرأسمالية في بعض البلدان حيث يفتقر رأس المال إلى ميادين التوظيف .(35)
و يؤكد ماجدوف إن إحدى السمات التي تميز الإمبريالية الجديدة المرتبطة بفترة رأس المال الاحتكاري .. هي الارتفاع في تصدير رأس المال , فالرابط بين تصدير رأس المال والتوسع الإمبريالي تمليه الحاجة الواضحة لدى المستثمرين إلى إيجاد بيئة آمنة وصديقة ....(36)
يمكننا الاستنتاج بأن ضغط فائض رأس المال الحافز الأساسي لتصدير رأس المال.(37)
فيما سبق يتضح أن لحركة رأس المال أسباب محددة و أساسية منها انخفاض معدل الربح وانخفاض مستوى التوظيف , البحث عن معدل ربح مرتفع , زيادة التراكم المالي , انخفاض مستوى الاستهلاك الناتج عن سوء التوزيع . و قد حدد ماركس بأن تطوير الإنتاج الرأسمالي يختم باستمرار زيادة رأس المال المستثمر في مؤسسة صناعية ما , و يؤدي إلى التنافس إلى الشعور لدى كل فرد رأسمالي بأن القوانين الداخلية للإنتاج الرأسمالي هي خارجية ماهرة . فهذه القوانين تجبر الرأسمالي على زيادة مستمرة لرأسماله من أجل الحفاظ عليه إلا أن هذا الرأسمالي لا يتمكن من زيادة رأس ماله إلا عن طريق التراكم الموسع .(38)
يتضح مما سبق إضافة إلى الاعتماد على قراءة الميول الراهنة لحركة رأس المال أنه يمكننا التحديد بأن المرحلة الراهنة للرأسمالية تميل بصيرورتها إلى أن شكلها المالي بات أكثر وضوحاً عن المراحل السابقة . و يمكننا أيضاً أن نستخلص بأن لحركة رأس المال المالي أسباب أساسية و محددة و يمكننا إيجازها باندماج الرأسمال المصرفي مع الرأسمال الصناعي , ارتفاع التضخم المالي في المراكز الصناعية ,انخفاض مستوى التوظيف الصناعي , التراكم الصناعي الموسع باستمرار- فائض نقدي يحتاج إلى مجالات توظيف جديدة تؤدي أيضاً إلى زيادة التراكم المالي , انخفاض معدلات الربح في التوظيفات المباشرة في الدول الرأسمالية المتقدمة , أزمة فيض الإنتاج العالمي , انخفاض القدرة الشرائية . زيادة الاحتكارات العالمية و التي تتمثل بشكل رئيسي بتمركز رؤوس الأموال بأيدي فئات محددة إضافة إلى التمركز المتزايد في الشركات الكبرى , والتي تتخذ بشكل متزايد أشكال توظيفات في أسواق المال – المضاربات – و الذي يبدو واضحاً في هذه الفترة . و يمكن أن يعتبر هذا التوجه أحد إشكاليات الرأسمالية الراهنة المبتعدة عن توظيف رساميلها في المجالات الصناعية و التي تؤدي إلى زيادة الرساميل من خلال زيادة تراكم القيمة الزائدة باستغلالها قوة العمل الحي و استخدامها التطور التكنولوجي . و هذا لا يعبر بالضرورة إن مجالات التوظيف الصناعي باتت مهددة بحكم ميل الرساميل باتجاه أسواق المال بقدر ما يعني أنه تعبيراً موضوعياً عن حالة راهنة لحركة رؤوس الأموال الباحثة عن مجالات لتحقيق أرباحاً أعلى و أسرع بكون التوظيف المباشر في القطاعات الإنتاجية تحتاج إلى فترات زمنية أطول لإنجاز التراكم والربح . و الذي يميل إلى الانخفاض جراء مجموعة من الأسباب المذكورة سابقاً , فإن حركة الرساميل تميل إلى : التوظيف المباشر في الاستثمارات الصناعية في مناطق تمتلك مواصفات و ميزات مقارنة تحقق من خلالها تراكم الأرباح المفترضة - التوجه إلى التوظيف في أسواق المال لتحقيق ربح أعلى وأسرع – الميول الاحتكارية لحركة رأس المال . ولكن يجب التوقف عند النقطة الأولى للتنّويه بأن البلدان التي يتم فيها التوظيف المباشر و الغير مباشر للرساميل تعاني من انفتاح حدودها على تصدير فائض الرساميل إلى الخارج إما باتجاه الدولة الأم للشركة العاملة في الاستثمار أو إلى أماكن أخرى من العالم مما يؤدي إلى إلغاء التراكم في هذه البلدان الذي يساهم في تدمير الاقتصادات المحلية و يمنع من بناء اقتصاد متطور لخدمة البلدان النامية ....
و بالعودة إلى حركة الرساميل التي تتخذ الصفة المعولمة نتيجة إمكانيات حركتها الواسعة , و التي تنتفي عنها صفة القومية تدريجياً , فإنه يمكننا تحديد بعض العوامل المسرعة للعولمة المالية , و التي يمكن توصيفها بأنها العولمة الراهنة و تنطبق بشكل أولي على حركة الرساميل العابرة للقارات مقاربة في نشاطها و معبرة عن آليات عمل الشركات العابرة للقومية طبعاً مع وجود بعض الاستثناءات : صعود الرأسمالية المالية و الذي يتجلى فيها زيادة بروز الاقتصاد الرمزي الذي تحركه مؤشرات الثروة العينية ( أسهم – سندات البورصات ... ظهور فائض نسبي لرؤوس الأموال ..- ظهور الاحتكارات المالية { المبادلات – المستقبلات } – التقدم التكنولوجي – التحرير المالي الذي يعمل على إلغاء القيود و الترتيبات و الضوابط المفروضة على حركات رؤوس الأموال عبر الحدود الوطنية و إعطاء السوق مطلق الفاعلية في عمليات ضمان و تخصيص الموارد المالية و تحديد العملات المالية طبقاً لقوى العرض و الطلب .(39)
نمو سوق السندات – إعادة هيكلة صناعة الخدمات المالية , تغيير أعمال البنوك و توسيع دائرة عملها – بروز مؤسسات مالية غير مصرفية – شركات تأمين , صناديق المعاشات ..... و دخول هذه الأشكال و غيرها سوق المنافسة – اندماج المؤسسات المالية المصرفية نتيجة خطر المنافسة بين المصارف – إلغاء الرقابة المالية الحكومية و بيع البنوك العامة – إعطاء البنوك و المؤسسات المالية استقلالية تامة .. عدم فرض أية قيود على حرية الدخول والخروج لصناعة الخدمات المالية – تحرير حساب رأس المال : إلغاء الحظر على المعاملات المتعلقة في حساب رأس المال و الحسابات المالية لميزان المدفوعات التي تشمل المعاملات المتعلقة بمختلف أشكال رأس المال ( ديون – أسهم المحافظ المالية – الاستثمار العقاري و الثروات الشخصية – إلغاء القيود على معاملات النقد الأجنبي .)(40) انهيار الاتحاد السوفيتي و الحرب البادرة – الاتجاه إلى سياسات الخصخصة و الليبرلة من خلال التغييرات المؤسساتية المحلية .
ويمكننا التوقف أيضاً عند بعض الظواهر التي تؤشر إلى نمو ظاهرة العولمة المالية و تؤكدها و المتمثلة في ارتفاع نسبة الصادرات إلى الناتج القومي الإجمالي في عدد كبير من البلدان الصناعية , وتجاوز نسبة نمو التجارة العالمية مقارنة بنسبة النمو للناتج المحلي الإجمالي – زيادة حدة التقسيم الاجتماعي للعمل على الصعيدين المحلي والعالمي من خلال ازدياد نشاط الشركات المتعددة الجنسية و العابرة للقومية و زيادة فروعها في الخارج – الارتفاع المطرد بنسبة الأرباح التي تحققها هذه الشركات في الدول المتقدمة من عملياتها في الخارج – تعدد عملات الاحتياطي الدولي .(41)
ويعكس هذا و بشكل واضح حجم التعاملات الخارجية في الأسهم و السندات في البلدان الصناعية و التي كانت تمثل أقل من 10% من الناتج المحلي عام 1980 لتقفز إلى 100% عام 1993 في أمريكا و ألمانيا و إلى 200% في إيطاليا و فرنسا و كندا لنفس العام .
و ارتفاع حجم التعامل في أسواق الصرف من 200 مليار دولار في منتصف الثمانينيات ليبلغ عام 1995 (1.2) تريليون دولار و هو ما يزيد عن 84% من حجم الاحتياطيات الدولية .(42)
و بالمقارنة مع حجم التجارة العالمية و الذي يبلغ 3 آلاف مليار دولار فإن حركة الرساميل العائمة تترواح بين 80 – 100 ألف مليار دولار أي ثلاثين ضعفاً .(43)
من خلال قراءتنا لبعض الملامح الأساسية للرأسمالية , يمكننا أن نعتبر أن العولمة الراهنة هي مرحلة من مراحل تطور الرأسمالية من دون أن يعني هذا إن العولمة بتمظهراتها الحالية قد اتخذت أبعادها النهائية و أشكالها الناجزة ، بل يمكننا أن نقدر بأن العولمة هي مشروع راهني لمرحلة من مراحل الرأسمالية في طور التشكل , و كما نعلم بأن الرأسمالية المعولمة تقوم على مجموعة من الركائز أهمها : عولمة رأس المال – عولمة أسواق الإنتاج و العمل – عولمة أسواق التبادل .
و كما أسلفنا فإن ظاهرة العولمة في طور التشكل , لكن مفاعيلها تؤثر و تنعكس على كافة البلدان المندمجة و غير المندمجة في آليات عمل واشتغال بلدان المركز , ونقصد بالبلدان الغير مندمجة البلدان الطرفية و المتخلفة و التي لا تخضع لشروط وآليات حركة رأس المال و الأسواق الدولية ... نعود لنطرح التساؤل التالي : ما هي الركائز التي تعولمت ؟ .

نستطيع أن نحدد وبشكل مختصر الركائز المعولمة :
1- رأس المال : فكما هو واضح مما استعرضناه من ملامح حركة رأس المال فإن الميول الراهنة لحركة رأس المال باتجاه أسواق المال متجاوزاً في آليات عمله الحدود القومية مستفيداً من مجمل التطورات التكنولوجية و الآليات المتغيرة لعمل أسواق المال و بناها التحتية. و يترافق مع الميل المعولم لرأس المال تحول شكل و آليات عمل المؤسسات والشركات العالمية من شركات قومية إلى شركات متعددة القومية إلى الشركات العابرة للقومية ... و لكن ما يبدو حتى الآن و مع تراجع الأشكال القومية لهذه الشركات و التي تسيطر على ثلثي الحركة التجارية , فإن الصفة القومية لم تسقط عنها و ما تزال ترتبط بدولتها الأم و تحتاج إلى حماية نسبية من الحكومات في الدول المضيفة ...
أما الشركات التي تعبر بحق عن ميول عولمية فهي الشركات العابرة للقومية و المتجاوزة في تطورها الشركات المتعددة الجنسيات و تستغرقها . ويجب التنويه هنا بأن أرباح هذه الشركات ونتيجة لبعض السياسات الاقتصادية في بعض الدول , وللهروب من الضرائب المفروضة عليها و من الفوائد المترتبة على حركة رأس المال , فإنها تتخذ لها مواطن جديدة لإدارة أعمال الشركات المذكورة ولإيداع الرساميل فيها ومنها ( جزر كمين – لشيتشتاين ) جزر كمين تخضع للتاج البريطاني و لا تتعدى مساحتها 14000 كم وعدد سكانها 14000 نسمة وفيها 500 مصرف .(44)
2- إن إمكانية عولمة علاقات الإنتاج الرأسمالية لا يلغي التفاوت في مستويات التطور والتقدم على المستوى الدولي و التي وصلت إلى حدود حادة جداً . و هذا لا يلغي اختراق علاقات الإنتاج الرأسمالية الحدود القومية مترافقة مع تطور حركة رأس المال والتغيرات المتسارعة و تزايد مجالات استثمار الرساميل .
= أما الركيزة التي لم يتم عولمتها فهي قوى الإنتاج البشرية ( الحية ) و ما زالت تعامل وفق مقاييس وطنية و ما زالت تفرض القيود على تحركاتها ( هجرة القوى العاملة إلى خارج حدود الدولة القومية ) وبنفس الوقت فإن آليات التعامل مع العمال الأجانب و العمال المحليين في الدول المتقدمة لا تخضع إلى مبدأ المساواة و يمكننا أن نلاحظ بان حركة العمالة على المستوى الدولي في بعض مراحل الرأسمالية السابقة و تحديداً بين عامي (1877 -1914 ) كانت أكثر حدية و لم تكن تخضع لقيود مشابهة للقيود المفروضة حالياً على حركة العمال الدولية .
وتعاني القوة العاملة أيضاً من زيادة حدة التفاوت في مستويات التطور و المهارة الفنية و التقنية , والمقدرة العلمية والعملية للعمل في المنشآت الحديثة ، ويعود هذا بطبيعة الحال إلى التفاوت في مستويات التطور الصناعي على المستوى العالمي , و الذي يفرض بدوره قيوداً على حركة القوى العاملة و انعدام المساواة بين أفراد الفئات . ويؤكد بشكل مستمر على ضرورة إعادة تدريب و تأهيل القوى العاملة الحية .
- يقودنا هذا إلى التأكيد بأن العولمة مشروع غير منجز عالمياً , ويخضع إلى تفاوت في آليات التطور عالمياً . و يلعب فيه الدور الأساسي التقسيم الدولي للعمل و الذي يتخذ في المرحلة الراهنة أشكالاً جديدة و مختلفة عما سبق , من خلال استثمار رؤوس الأموال في بلدان المحيط في الصناعات الإنتاجية وبمشاركة محلية ... و تعيد البلدان الرأسمالية صياغة جديدة لتقسيم العمل و مناطق النفوذ , والذي تعبر عنه لوحة الصراع العالمي الراهنة , و محاولات الولايات المتحدة الأمريكية المستمرة لقيادة هذا المشروع و محاولتها للهيمنة عليه بحكم تفوقها الاقتصادي والعسكري .
و هذا لا يلغي التناقضات الأخرى و التجاذبات و التشابكات بين الأقطاب الدولية في إعادة رسم الخارطة الدولية من جديد معتمدة على القوة بمكوناتها المختلفة و وفق آليات سياسية جديدة و تحت مسميات و شعارات مختلفة عما كان سائداً من قبل . وهذا لا يلغي دور الشركات في الضغط على الدول ذات النزوع القومية للمساهمة في رسم السياسات الدولية بما يتلاءم و مصالحها و يقلص من هيمنة الدولة القومية بنفس الوقت .
- و يبقى تساؤل ملح : هل يمكن لآليات اشتغال الرأسمالية أن تقود إلى إنجاز عولمة تشمل كافة مستويات العملية الإنتاجية ؟ وفي حال الوصول إلى ذلك , هل سيكون المشروع العولمي قد أنجز مهماته الثقافية و الاجتماعية و السياسية ؟ و ما هو دور و موقع البلدان النامية في هذا المشروع الذي يقود إلى تعميق حدة الاستقطاب و الاستلاب . وما هو موقع المشروع الديمقراطي المطروح أمريكياُ و أوربياً مع تزايد حدة الضغوط من الدول المذكورة , ومع تزايد حدة التفاوت الطبقي و تزايد حدة الاحتكارات وزيادة شدة التمركز المالي , وأين تقع المشاريع الديمقراطية الوطنية في المشروع العولمي و المعولم بمختلف مستوياته و أبعاده ...؟ .
================================ يتبع /7/
5- المؤسسات والهيئات الدولية :
تتعدد المؤسسات الدولية وتتنوع مهامها الوظيفية , فمع أوائل الأربعينيات من القرن العشرين ونتيجة مجوعة إشكاليات ناتجة عن التناقضات الداخلية للرأسمالية . ونتيجة مفاعيل قوانينها الداخلية, وعلى شرف الحرب العالمية الثانية ... كانت الحكومات الرأسمالية بحاجة إلى العديد من المؤسسات و الهيئات على المستوى الدولي , لضمان استمرار فاعلية نفوذها السياسي و الاقتصادي المتعدد الأوجه و للإسهام في آليات الضبط لخدمة سياستها إضافة إلى ضمان مصالح أصحاب الرساميل و الشركات الكبرى و العمل على آليات عمل متطورة ومطمئنة لحركة الرساميل , وتحديداً بعد اندلاع أزمة فيض الإنتاج و الكساد و تزايد حدة المديونية قبيل اندلاع الحرب الكونية الثانية , وعجز بعض الدول عن تسديد التزاماتها المالية جراء أزمة ( 1929 – 1933 ) و بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية . أدت إلى العمل لتأسيس و تطوير مجموعة من هذه المؤسسات ( بريتون وودز ) والتي انهارت نسبياً في بداية السبعينيات : صندوق النقد الدولي : يقوم بمهمة التحكم في الشؤون النقدية لتطوير علاقات التعاون بين بلدان المركز والعالم الثالث , و يدعوا في سياسته إلى الانفتاح الاقتصادي , لكن مساهمته و نشاطه مع البنك الدولي كان غالباً في مصلحة دول المركز . ويتضح من خلال سياسته تزايد حجم الكوارث الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في معظم البلدان الواقعة تحت وطأة المديونية.
- مؤسسات تمويل التنمية العالمية ويتفرع عنها ( البنك الدولي للتعمير والتنمية )
- الأمم المتحدة ساهمت في إنشاء مجلس الأمن , الجمعية العمومية , هيئات تختص في الزراعة و التنمية و الثقافة و الصحة و الصناعة ......
- الغات – سعت إلى تفعيل التعددية في عمليات التبادل التجاري بدل التبادلات الثنائية , وعملت على تكريس حرية التجارة و فتح الأسواق وتحسين شروط التبادل , لاحقاً تم إنشاء منظمة التجارة العالمية ... وهناك الكثير من المؤسسات لا داعي لتعدادها . المهم هو أن نرى بأن معظم المؤسسات الواردة تساهم في تدعيم مصالح الدول الرأسمالية و الشركات الكبرى , و تقوم على تسهيل عمليات توظيف و استثمار اقتصادية وسياسية ..و كلنا يعرف بأن سقف القروض التي يقدمها صندوق النقد الدولي لا تزيد عن / 7 / مليار دولار , و لكن عندما وقعت المكسيك في أزمتها الحادة في النصف الأول من التسعينيات من القرن الماضي تداعت معظم الدول الرأسمالية و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ( ولكون المكسيك تشكل حزام الأمان لها و بكونها ترتبط معها و مع كندا باتفاقية النافتا التي تعد من أكبر المعاهدات الاقتصادية ) إلى رفع القرض المقدم للمكسيك ليصل إلى حوالي /50/ مليار دولار ومن الضروري التأكيد على أن صندوق النقد والبنك الدوليين لهما أدوار و مهمات ضاغطة على البلدان الواقعة في أزمة المديونية إضافة إلى من يريد استلاف قرض معين , في إعادة رسم مجمل السياسات الداخلية بناءاً على مجموعة من الإجراءات كانت و بالإجمال على الدول الفقيرة والمفقرة كارثية , ويتحمل نتائجها الفئات الاجتماعية الفقيرة . والقطاعات الإنتاجية التابعة للدولة ... ولا داعي هنا لتعداد وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين .. ما نقصد التعبير عنه هو أن معظم المؤسسات و الهيئات تعمل من خلال سلطتها و هيمنتها المستمدة من نفوذ وقوة الدول الكبرى على فرض مشاريعها و قراراتها على معظم الدول الواقعة بإشكاليات سياسية أو اقتصادية لفرض إعادة صياغة سياستها الداخلية بما يتلائم مع السياسات و المصالح الاحتكارية للدول و المؤسسات و الشركات المهيمنة عالمياً . وهنا نعيد ما تم طرحه سابقاً من الافتراضات المؤكدة على دور و أهمية المؤسسات المذكورة و غيرها , في تخفيف حدة آثار الرأسمالية الاجتماعية – السياسية – الاقتصادية – من خلال رفع وتحسين الأداء لمؤسسات الأمم المتحدة بغية تشجيع الديمقراطية إضافة إلى إصلاح صندوق النقد الدولي و تحويله إلى مؤسسة تقوم على التنسيق بين الاعتماد المتبادل على الأصعدة القومية و الصعيد العالمي مما يفترض تحويله إلى بنك مركزي – إضافة إلى توسيع مجلس الأمن و تشكيل برلمان عالمي(45) . إضافة إلى إنشاء تكتلات إقليمية في العالم الثالث , و إنعاش دور اليسار على المستوى العالمي , و هنا يجب التوقف عند تنامي ظاهرة تشكيل المؤسسات و الهيئات الغير حكومية و التي تنتشر أفقياً بشكل متسارع.و قد يكون من الممكن أن تؤسس إلى قيام أقطاب ضغط جديدة تقود بالحد الأدنى إلى تحجيم هيمنة و تأثير تناقضات رأس المال بالحد من حرية حركته المنعكسة سلباً على الشرائح الاجتماعية المفقرة و المتوسعة ( ضريبة جمس توبين )و يفترض من هذه المؤسسات و الجمعيات الانسجام في أشكال عملها و مطالبها مع إشكالياتها المحلية و أن لا تستورد إشكاليات و أشكال عمل خارجية لا تتلائم مع الواقع و المناخ المحلي . و بالتالي يجب العمل على الإشكاليات المحلية بالاستفادة من المؤسسات والهيئات الدولية الغير حكومية , و التأكيد على جملة من الأهداف في مواجهة الانعكاسات السلبية لآليات عمل الرأسمالية و التي تقود إلى تعميق الاستقطاب و الاستلاب على المستويين المحلي والعالمي , والمتناسب مع التقسيم الدولي الجديد للعمل . للحفاظ على , و تطوير حقوق الإنسان و حماية البيئة .. يقودنا هذا إلى طرح بعض التساؤلات : هل يمكن أن تقود الهيئات و المؤسسات الدولية المجتمع الدولي إلى حالة من التوازن و الاستقرار من خلال ضبط آليات حركة رأس المال و الميول الاقتصادية العامة للوصول إلى توزيع أكثر عدالة . و هل يمكن أن تقود آليات العمل الجديدة الهيئات و المؤسسات غير الحكومية في التخفيف من حدة انتهاك حقوق الإنسان و الانتهاكات البيئية .... و تقود إلى تشكيل قطب شعبي أممي في مواجهة الأخطار القائمة و القادمة , ويكون لها ولليسار معاً دوراً في قيادة آليات المواجهة في الصراعات الدولية المقادة من قبل الدول و الهيئات و المؤسسات و الشركات الرأسمالية الكبرى .
============================= يتبع /8/

رابعاً : المشاريع التنموية ضمن البلدان النامية :
إن الوقوف على أزمة بلدان العالم الثالث يتطلب منا مراجعة بعض ملامح المرحلة الماضية و التي طرح أثناءها جملة من المشاريع التنموية , و ما زالت تطرحها بعض الحكومات متخيلة أنها ما زالت تمتلك زمام أمور بلدانها وهذا يفترض منا طرح أسباب فشل المشاريع التنموية , والوقوف على اشكالياتها الراهنة في مناخ دولي مختلف ، إذا لم نقل أنه متغاير كلية عن المناخ الذي كان سائداً في القرن الماضي و حتى بداية التسعينيات منه . إضافة إلى توضيح طبيعة العلاقة التي تربط البلدان الصناعية و بلدان العالم الثالث و التي كانت أحد أسباب فشل تلك المشاريع . لقد بات معروفاً إن النظام الرأسمالي نظاماً عالمياً مفتوحاً من بداياته و حتى الآن , مع اختلاف مستويات حدة الانفتاح المتناسبة مع كل مرحلة من المراحل التي مرت بها الرأسمالية . لقد ارتبطت كافة البلدان فيما بينها بعلاقات تجارية قبل تكون الرأسمالية و أثناءها , بمعنى إن العلاقات التبادلية للمجتمعات البشرية لم تتوقف , لكنها تطورت مع تطور التجمعات الإنسانية و ارتقاء العمليات الإنتاجية و التطور الاقتصادي العام . لكن ظهور الاستعمار و الإمبريالية كأشكال معبرة عن التطور الرأسمالي أخضع الكثير من البلدان إلى السيطرة الإمبريالية التي صعدت من آليات النهب لثروات البلدان التابعة والمحتلة و إعادة مراكمتها في بلدان المراكز الرأسمالية . إضافة إلى إعاقة و احتجاز التطور الطبيعي للبلدان المستعمرة . و كانت السياسات الاستعمارية تمثل حالة قطع مع الفكر الثوري للبرجوازية في مراحلها الأولى . وتم تقسيم المستعمرات بشكل متكرر و متعاقب في سياق آليات عمل استعماري إمبريالي اقتصادي وسياسي مختلف حسب طبيعة المرحلة و تبعاً لتوازنات القوى المتصارعة و لطبيعة حركة ميول رأس المال ( استعمار قديم , استعمار جديد , الحرب العالمية الأولى ثم الثانية و الآن يتوضح الميل لإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية و الاقتصادية بشكل جديد و بمعطيات جديدة ) . و كان لحركات التحرر الوطني أثر واضح فيما سبق إضافة إلى التأثير الذي مارسته المنظومة السوفيتية كقوة دولية رئيسية في الصراع الدولي . ونلحظ الآن تبدل واضح في لوحة التوازنات و الصراعات الدولية . إن خروج الجيوش الاستعمارية فتح مرحلة جديدة أمام الدول الرأسمالية في تعاملها مع الدول المحيطية و التي ساهمت في تفقيرها و تخلفها و استتباعها من خلال ربط عجلة التطور الاقتصادي لهذه البلدان بالتطور الصناعي الرأسمالي , وترسيخ أشكال تبادلية تقوم على تبادل المواد الأولية مقابل المواد المصنعة و الذي يتجلى في هذه العملية التبادلية فارق السعر الكبير لصالح الصناعات الرأسمالية و الذي يتخذ الصفة الاحتكارية و يتمثل أيضاً فيها ارتفاع حجم الكتلة النقدية الموظفة في الاستثمارات الإنتاجية . ونصل هنا إلى مستوى مهم في مسار البحث لتحديد الأسباب التي أدت إلى فشل مشاريع التنمية العربية بشكل خاص ونجاحها في بلدان أخرى بالشكل والمستوى النسبيين ( الصين , اليابان , النمور الآسيوية , كوريا الجنوبية , أمريكا اللاتينية ) وهل ينبغي علينا دائماً تعليق أسباب فشلنا على الدول الرأسمالية و الدور الذي لعبته في منطقتنا من دون التقليل من دورها بكونها أحد العقبات أمام التطور الطبيعي لبلداننا و احتجازه .
لكن لماذا وبعد استقلال الدول العربية عجزت بمعظمها عن إنجاز مشروعها التنموي , ونجحت به بعض بلدان العالم الثالث وإن كان نجاحاً نسبياً .
- في هذا المستوى يجب علينا التوقف على جوانب مختلفة و متعددة لأسباب الفشل الذي تعاني منه دولنا و الذي يتقاطع مع العامل الخارجي و المحلي , السياسي و الاقتصادي , ويجب التنويه في هذا المجال تحديداً أنه لا يمكن التوقف على كافة التجارب العربية , و على كافة الأسباب التي أدت إلى الفشل في إنجاز المشروع التنموي عربياً , و هذا لا يمنع من إلقاء الضوء على بعض النقاط التي ساهمت في تحديد آفاق التطور في بلداننا , والتي تشابك وترابط فيها العاملين الدولي والمحلي :
- ( فشل الدول العربية في الاندماج بالمشروع الرأسمالي بشكل فاعل )(46) و بقيت تربطها بالبلدان الرأسمالية علاقات تبعية , إضافة إلى اعتماد معظم الحكومات العربية على التماهي مع التجربة السوفيتية سياسياً و اقتصادياً و القيام بجملة من التغييرات الاقتصادية المعتمدة على القرار السياسي ، والذي أدى إلى تخفيض مساهمة البرجوازية المحلية و تعطيل مشروعها أمام تضخم قطاعات الدولة , إضافة إلى انخفاض معدل التراكم النقدي في هذه القطاعات و الذي يساهم في تطوير و توسيع تلك القطاعات .
- عدم إتباع سياسات ضريبية ذات معدلات متناسبة في القطاعات المذكورة , وتفشي ظاهرة التهرب الضريبي - عدم تحديد الأسعار بناءاً على آليات حركة السوق المعبر عنها بالعرض والطلب . إضافة إلى أن آليات التطوير الاقتصادي الإنتاجي تحديداً لم تكن محكومة ببرنامج اقتصادي استراتيجي بالشكل العام .
- إن استمرار القيادات العربية ما زال محكوماً بإمكانيات التعايش على التناقضات الدولية ، وتوظيفها لخدمة مصالحهم و استمرارهم بالسلطة ويترافق هذا إلى افتقادهم إلى القاعدة الجماهيرية . لكننا نلحظ بشكل عام تراجع هذه الإمكانيات في ظل الظروف الدولية عامة .
- انخفاض مستوى فاعلية الاستثمارات و التي تقاس { بمعدل رأس المال الحدي } و هو نسبة الاستثمار إلى زيادة الدخل الناتج عنه(47) , وتخلع القطاعات الإنتاجية , والتفاوت المناطقي ضمن الدولة الواحدة و على المستوى العربي عامة .
- الفشل في إقامة علاقات تجارية بينية تقوم على الميزات المقارنة , والاعتماد المتبادل , إضافة إلى غياب تشكيل تكتل أو تكتلات اقتصادية فاعلة . وكلنا يعرف أهمية التكتلات الاقتصادية لنهوض بالاقتصاد العربي لتخفيض حدة التباينات مع الاقتصاد الدولي .
- انفصال ( فصل ) منطقة الخليج العربي عن الوطن العربي(48) , مما أدى إلى تمايزات حادة وتفاوت في مستوى الدخل القومي , كما وكلنا نعرف بأن معظم الدول العربية تعتمد في ناتجها الإجمالي على الموارد الخام , و بالتالي فإن هذا الانفصال أدى إلى تفاوت في حجم الثروات و خلل في التوزيع الديمغرافي بين الدول العربية ( بين دول ذات كثافة سكانية عالية و ثروات قليلة و دول ذات كثافة سكانية منخفضة و تمتلك ثروات ضخمة ) و نرى بأن معظم الدول النفطية لم تنتهج سياسات تنموية تعتمد على استحالة الرأسمال الريعي إلى رأسمال إنتاجي ليتم التعويض لاحقاً عن الثروات الناضبة .
- غياب الحياة الديمقراطية و تكريس نظم شمولية ذات الحزب الواحد , وإلغاء التعددية السياسية الحقيقية , و غياب التدوال السلمي للسلطة و تقديس الأمين العام ....
إن غياب المناخ الديمقراطي المرتبط بتفاوت في توزيع الثروة والانفتاح الحدودي على تهريب الرساميل إلى الخارج , تحول إلى إشكالية حقيقية تمثلت بجانب منها في غياب المشاركة المجتمعية في عملية البناء الداخلي و إلى انعدام الفاعلية الاجتماعية في رسم و دعم آليات تطور المجتمع , وساهم أيضاً بشكل واضح في تعميم الفساد على كافة المستويات في ظل انعدام المناخ الديمقراطي و تراجع سيادة القانون وهيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات ...
- تعويم خطاب المواجهة و الحرب و الثورة ( لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ) و ( الشرعية الثورية ) والتي قادت إلى تغييب المشروع الديمقراطي . إضافة إلى الفشل في إنجاز المشروع التنموي تحت لواء نفس الشعارات الثورية .
- إتباع سياسة انكماشية معتمدة على تخفيض الإنفاق العام , تتحمل آثارها الشرائح الدنيا في المجتمع – كما أنها تقيد النمو و الطلب الكلي عبر رفع المعدلات الضريبية على الاستهلاك و الدخل – ( وتمثل الفئات الدنيا في المجتمع ( أصحاب الدخل المحدود – وأصحاب الحرف و التجار الصغار ) النسبة الأكبر من دافعي الضرائب . بينما يتهرب أصحاب المداخيل المرتفعة و الشخصيات المتنفذة من تسديد التزاماتهم الضريبية , إضافة إلى سياسة الإعفاءات الضريبية بحجة تشجيع الاستثمار و التي تخصص لقطاعات و مشاريع محددة – نمو أسعار الفائدة .
- زيادة الإنفاق العسكري – تزايد حدة المديونية
- تدهور القدرة الشرائية و انخفاض قيمة العملة المحلية ناتج التضخم المستمر .
- زيادة الإنفاق المظهري ضمن الفئات و الشرائح العليا في المجتمع وأصحاب النفوذ السياسي و الاقتصادي في مؤسسات الدولة – انخفاض مشاركة القطاع الخاص
- تصدير وتهريب الرساميل الوطنية في ظل غياب إمكانيات التوظيف المحلي , وتفشي البيروقراطية الوظيفية و تعميم الروتين الوظيفي ..
- التدهور المستمر في معدلات سعر صرف العملة الوطنية .
- انخفاض معدلات دعم المؤسسات الثقافية و العلمية الوطنية و الإبداعية و المترافق مع غياب فرص العمل المطلوبة لأصحاب الابتكارات العلمية الوطنية و الذي أدى إلى هروب الكثير من المفكرين والعلماء ..
- انخفاض و تراجع مستمر في معدلات التوظيف والاستثمار الإنتاجي المباشر أو التوظيف المالي .
- انخفاض معدلات التراكم المحلي نتيجة تصدير و تهريب الرساميل ، وكما نعلم بأن التراكم أحد أسباب عملية التوسع الإنتاجي وتطوير العمليات الإنتاجية .
- التوجه إلى الصناعات الاستهلاكية و الخدمية و التحويلية المحمله بأرباح مرتفعة وسريعة و لا تحتاج إلى كثافة في التوظيف المالي ... و الابتعاد عن المشاريع الإنتاجية المؤسسة لمشروع تنموي..
- انخفاض مستوى الخدمات الاجتماعية و تراجعها المستمر عن بعض المكاسب المتحققة .
- التوزيع العشوائي لناتج الدخل القومي , واستغلال مصادر الثروات الوطنية لمصالح و مقتضيات شخصية بعيداً عن توظيفها في المشاريع التنموية مما أدى إلى زيادة حدة التفاوت الاجتماعي .
- نلاحظ مما سبق بأن معظم الحكومات العربية لم تعتمد سياسة تنموية ( صناعية ، زراعية , بشرية ) تتناسب مع الإمكانيات الوطنية , وغير متوافقة مع المناخات الدولية السائدة . ويمكن ملاحظة هذا بشكل جيد في أواسط القرن الماضي , والتي يمكن اعتبارها تتناسب و إمكانيات بناء اقتصادات وطنية .. نرى أنه تم تغييب المشاريع التنموية التي تقوم على أسس اقتصادية تقود إلى إنجاز تنمية شاملة , وترافق هذا مع غياب المشروع الديمقراطي أو تغييبه في ظل سيادة نظم شمولية لم تكن قادرة بحكم بنيتها الداخلية على تحقيق الارتقاء والتقدم لمجتمعاتها من خلال التكامل والترابط الاقتصادي العربي , والاستفادة من الإمكانيات المحلية بمختلف مستوياتها . والاستفادة من التقدم العلمي والتقني الغربي من خلال إقامة علاقات اقتصادية تقوم على التكامل لبناء المجتمعات العربية . والاستفادة من الظروف الدولية الموضوعية ..
- بالتأكيد لا يعني ما أوردناه التغاضي عن سياسات الدول الرأسمالية و مساهمتها في إعاقة مشاريع التنمية في بلداننا من خلال استمرار إعادة تقسيم الدولي للعمل . وتقاسم مناطق النفوذ سياسياً و اقتصادياً , و استتباع البلدان المحيطية لخدمة مصالحها الاقتصادية والسياسية , وتمحور حركة رؤوس الأموال في البلدان الصناعية و البلدان التي تتمتع بمناخات استثمارية مناسبة .
وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى سياسات الدول الصناعية . وإلى الظروف الدولية التي انحكمت لفترة طويلة بثنائية قطبية , و إلى سياسات محلية لا تشجع الاستثمار و ذلك بإتباع سياسات اقتصادية وسياسية تناهض الاستثمارات الخاصة .
- بعد هذا الاستعراض الموجز لإشكاليات التنمية الاقتصادية والبشرية يواجهنا الواقع الراهني الدولي بإشكاليات مختلفة , ومناخ دولي يفرض علينا البحث عن آليات جديدة للخروج من مآزقنا الراهنة ؟.
- وإذا افترضنا بأن إمكانيات بناء اقتصاديات وطنية متمحورة حول الذات تستفيد من المناخات الدولية المناسبة لم تعد موجودة ,فإن التطورات الدولية الراهنة تفرض علينا قراءات مختلفة للواقع الدولي الجديد و الراهني , ولكيفية الانطلاق في التأسيس لبناء اقتصادات محلية لم يعد المناخ الدولي مناسباً لبنائها بأشكال منغلقة أو مؤدلجة ...
وهذا يقودنا إلى أن الميول السياسية والاقتصادية الأساسية و المحددة تقودنا إلى أن بناء اقتصاد يتناسب مع التطور الموضوعي للاقتصاد الدولي يفترض أن يكون اقتصاداً منفتحاً على الاقتصاد الدولي , من دون أن يعني هذا الانفتاح المطلق أمام حركة الرساميل المضاربة و الاستثمارات المباشرة والغير مباشرة . بل يفرض انتهاج آليات لضبط حركة الرساميل و العمل على توظيف الاستثمارات في مجالات تساهم في إنضاج التنمية المطلوبة بما يتلاءم مع توجهات سياسية تتناسب وتطوير المجتمع و قواه العاملة و مصالحها . والعمل على إعادة هيكلة القطاعات الإنتاجية العائدة ملكيتها للدولة , للحفاظ على المكاسب الاجتماعية و تطويرها , و لتتماشى و تتوافق مع التطورات التقنية و الاجتماعية على المستوى الدولي – والاستفادة من المزايا المحلية و الميزات المقارنة لإنتاج سلعي منافس , والذي يفترض بدوره صياغة برامج اقتصادية تتناسب مع الظروف المحلية و الدولية . والعمل على إعادة توظيف التراكم في توسيع القطاعات الإنتاجية و إنشاء قطاعات جديدة ... إضافة إلى تفعيل دور مؤسسات الدولة لضبط و تنظيم السياسات الاقتصادية , وأيضاً يفترض فتح المجال أمام استثمار و توظيف الرساميل الخاصة و توسيع مشاركتها في التنمية المحلية و الذي يستوجب إعادة تأهيل و هيكلة البنى التحتية المشجعة للاستثمارات الخاصة المحلية والدولية . ( تطوير وتجديد النظام الضريبي , معدلات فائدة مرنة, سياسة مصرفية و إدراية متطورة , إعادة النظر في التوجهات السياسية ..) .
- و مع أهمية دور الحكومات السياسية في رسم السياسات الاقتصادية المتناسبة مع الأوضاع الدولية والمحلية , فإن هذا لا يلغي و لا يجب أن يحد من دور القوى الاجتماعية في المساهمة بضبط و تخفيف حدة الآثار السلبية للاستثمارات الخاصة عبر تفعيل نشاط المؤسسات القوى المجتمعية المستقلة للوصول إلى مناخ سياسي يسمح بوجود القوى الاجتماعية المنظمة و المؤطرة بعيداً عن سياسة الاحتواء و الاحتكار السياسي من قبل الأجهزة القائمة لتفعيل الحراك الاجتماعي و السياسي و المدني المختلف الأبعاد و المستويات ليأخذ دوره الفاعل في المساهمة في صياغة السياسات المقررة , وذلك من خلال العمل على توسيع المشاركة السياسية لتشمل كافة الأطراف و الفعاليات الاجتماعية و السياسية كمدخل حقيقي للتحرر الداخلي الدافع إلى المساهمة الفاعلة لإنضاج و تطوير البنى السياسية و الاجتماعية والاقتصادية . و لتحقيق هذا المناخ يفترض عدم انتظار القرارات الصادرة من قبل الحكومات , أو المتغيرات الدولية و التي يفترض الاستفادة منها . إن الأمر يتعلق بفاعلية القوى السياسية القادرة على صياغة استراتيجية سياسية و آليات عمل متناسبة مع المرحلة الراهنة , إضافة إلى جانب مهم يتعلق بتفعيل العمل المشترك لكافة القوى و الفعاليات الاجتماعية للخروج من معادلة توازن الضعف الراهنة .
============================== يتبع /9/


خامساً : التنمية و آفاق المشروع الديمقراطي :
- حاولنا في الفصل السابق توضيح بعض ملامح التنمية التي سادت في بلدان العالم الثالث و تحديداً العربية منها . إن تناول هكذا موضوع بأشكاله و ملامحه العامة هو انتقاص للموضوع في الجوهر , و قد يؤدي إلى استنتاجات و صياغات عامة لا تعبر بشكل دقيق عن تجارب التنمية بشكل مفصل , وذلك بخصوصية و قراءة كل تجربة في سياق و آليات تطورها و ترابطها مع الكل العام .
وقد حاولنا من خلال بحثنا لإشكاليات التنمية على المستوى الاقتصادي تلمس آثارها الاجتماعية , و توضيح جوانب محددة و مختصرة للمستوى السياسي بالشكل العام , و آليات ترابطه مع المتغيرات الحاصلة على المستوى الاقتصادي .
إن تناول مشروع التنمية يفترض تناول المسألة الديمقراطية لترابطها الوثيق مع مشاريع التنمية لدرجة لا يمكننا الفصل بينهما إلا لضرورات يستوجبها البحث .
ترتبط الديمقراطية ارتباطاً بنيوياً مع آليات التطور الاقتصادي , ويعبر عنها من خلال آليات الممارسة السياسية . ولكن لا يمكننا تحديد المناخ و الحياة الديمقراطية بناءاً على مستوى التطور الاقتصادي فقط و إلا أزلنا بهذه الطريقة الفوارق بين المجتمعات البشرية , بوصفها تتمتع بخواص التمايز و المفارقة . وأيضاً نقع في مطب التحليل الاقتصادي الصرف.
- إذا حاولنا تتبع بعض الملامح الديمقراطية في نماذج التجارب التنموية فإن القسم الأعظم منها تسيطر عليها نظم ( شمولية – ديكتاتورية – قمعية ) وتفتقد إلى المناخ الديمقراطي , وإلى الممارسة السياسية التعددية , و غياب المجتمع المدني بتنويعاته المختلفة و المستقلة عن هيمنة النظام السائد . إن معظم النظم الشمولية استندت بجانب كبير من تجربتها إلى النموذج السوفيتي , بمستوياتها السياسية و الاقتصادية .... فكانت مآلات هذه التجارب بالعموم الفشل على الصعيدين التنموي ( الاقتصادي ) و السياسي ( الديمقراطي ) .
أما فيما يخص تجارب أمريكا اللاتينية ( البرازيل – فنزويلا – الأرجنتين – تشيلي ...) فإن غالبيتها خضعت إلى نظم ( ديكتاتورية – فاشية ) و هذه النظم لم تعيق آليات التطور الاقتصادي , بل حققت نجاحات لا يستهان بها , من خلال ما وصلت إليه مستويات تطورها الداخلي المرتبطة و المندمجة مع الاقتصاد الأمريكي الشمالي . و نرى في الآونة الأخيرة وصول قيادات سياسية عمالية ( لولا – تشافيز ) تمثل مصالح القوى العاملة بمختلف تنويعاتها , وتعمل على التخفيف من حدة التناقضات الاجتماعية .
إن غياب المناخ الديمقراطي في بلدان أمريكا اللاتينية لم يتناقض مع عمليات التنمية و البناء الاقتصادي للوصول إلى مستويات من التطور الاقتصادي المعقول و الجيد ..
- أما فيما يخص التجربة الآسيوية , فإننا نلاحظ نهوض هذه التجربة كان في ظروف الحرب الباردة , و بدعم من غالبية البلدان الغربية و يتجلى ذلك بفتح أسواق تلك البلدان أمام المنتجات الآسيوية , تخفيض حدة الحماية الجمركية والمعدلات الضريبية . إضافة إلى تزايد حجم التوظيف و الاستثمار في الأسواق الآسيوية لقدرتها على اجتذاب الرساميل لما تمتلك من ميزات و مواصفات تشجيعية , و لامتلاكها البنية التحتية المناسبة للاستثمارات , رغم أن اعتمادها الكبير على الرساميل الأجنبية .... فقد كانت الأسواق الآسيوية مفتوحة أمام حركة التبادل المالي و التجاري . و تحققت بذلك في المجموعة الآسيوية تنمية اقتصادية رائدة و تحديداً في الصناعات العالية التقنية و التي تحتاج لتوظيف مالي كثيف . و لكن إذا ما تتبعنا المسار الديمقراطي نرى انخفاض مستوى المشاركة السياسية و العمل النقابي ... و انحسار دور الدولة أمام تزايد حجم الاستثمارات و اقتصار دورها على تسهيل عمل الرساميل الوافدة . و مع بداية انهيار المجموعة الآسيوية نرى أنها لم تسقط دفعة واحدة و بشكل كامل , ومرد ذلك و بجانب مهم إلى تفاوت دور الدولة في تنظيم وضبط آليات حركة الرأس المال المالي و الصناعي . إضافة إلى الميزات الخاصة للمواطن و تحديداً زيادة حجم الادخار .. و نلحظ هذا جلياً أثناء الانهيار , و نرى من خلال هذه التجربة بأن غياب النظم الشمولية إضافة إلى الانفتاح على الحركة الاقتصادية الدولية و المساهمة الفاعلة في تطوير القطاعات الصناعية و زيادة الحرية التجارية إضافة إلى المساهمة المحلية و توفر الظرف الموضوعي جميع هذه الجوانب وغيرها ساهمت ببناء تجربة صناعية و مجتمعية متطورة و منافسة للبلدان الرأسمالية المركزية .
- ومن الملاحظ أن المناخ الديمقراطي وآليات عمله المختلفة و المنخفضة المستوى و المترافق مع تأمينات اجتماعية متفاوتة , انخفاض معدل البطالة لحدوده الدنيا , دخل فرد مرتفع , الميل إلى الادخار .... ميزات وسمت التجربة الآسيوية بالعموم و هذا لا يلغي التمايزات و الاختلافات بينها .
المقصود هو أن الديمقراطية السياسية لا يحكمها الاقتصاد فقط بل تخضع إلى مجموعة من العوامل المختلفة المحلية و الدولية .
- نشهد في المرحلة الراهنة بروزاً واضحاً لمفهوم الديمقراطية , تتمحور حوله التوجهات و السياسات الدولية و معظم القوى المعارضة باعتبار الديمقراطية قيمة إنسانية كونية و التي تمركز تحركاتها و توجهاتها السياسية حول القضايا الديمقراطية في مواجهة النظم المحلية . و إذا جاز لنا أن نعتبر بأن القوى الدولية تروج شعار الديموقراطية المتناسب مع مصالحها السياسية و الاقتصادية الخارجية , وأن الديمقراطية ضمن البلدان الأوربية و الأمريكية ... تمثل إرثاً تاريخياً و شكلاً حضارياً و إنسانياً يتناسب مع أوضاعها , و تعتبر نتاج تطور موضوعي للبرجوازية الغربية المتناسب مع المستوى الحضاري و الإنساني الغربي . فإن قوى المعارضة المحلية تؤكد على أهمية الديمقراطية في مواجهة النظم الشمولية , بكونها مدخلاً حقيقياً لبناء الوطن الفاعل و الحي : يقودنا هذا إلى جملة من التساؤلات : هل يمكننا حصر الديمقراطية في جانب أو مستوى واحد ؟ هل يمكن للديمقراطية أن تكون المهمة الوحيدة للنضال السياسي و الاجتماعي ؟
هل حرية الأسواق و الانفتاح الاقتصادي يقود إلى إنجاز المشروع الديمقراطي ؟ هل يمكن إنجاز الديمقراطية من خلال قرارات سياسية لنظم شمولية ؟
- بالشكل العام تخضع الديمقراطية لصيرورة طويلة تتحكم بها و تنجزها كافة الأطراف المجتمعية . و التصور بإمكانية نقل التجارب الديمقراطية الأخرى يبدو أمر غير موضوعي لكون تلك التجارب خضعت لمفاعيل صيرورة اجتماعية و سياسية و اقتصادية تختلف بشكل العام والنسبي عما هو سائداً في مجتمعاتنا . و هذا لا يلغي القواسم المشتركة للتجارب الديمقراطية و للقيمة العامة للديمقراطية إنسانياً لمختلف البلدان كمشروع تنجزه قوى مجتمعية فاعلة في سياق التطور التاريخي لمجتمعاتها . ما يهمنا نسبياً هو تحديد دور الرأسمالية كنمط إنتاج معولم و دور الحكومات في البلدان الغربية في تحديد أشكال و مستويات الديمقراطية في منطقتنا . و هل يمكنها أن تساهم في إنجاح تجارب ديمقراطية . و هل يمكننا تصور و تحديد أشكال و إشكاليات هذه الأشكال من الديمقراطية – ما هو دور الفئات الاجتماعية المتضررة في الأوضاع الراهنة , وهل تشكل الديمقراطية حلماً و بالتالي تتقاطع مصالح هذه الفئات مع الخطاب الديمقراطي – ما هو دور الديمقراطية في إنجاز المشروع التنموي بمستوياته و أشكاله المختلفة .
- يترافق حالياً الخطاب الديمقراطي مع الميول الليبرالية الاقتصادية . ومن الملاحظ بأن معظم التجارب التنموية عربياً ترافقت مع غياب و تغييب المشاركة السياسية , وسيطرة نظم شمولية أطبقت على المجتمع و احتوته في مؤسسات الدولة , وساهمت في تدمير البرجوازية المحلية و هروبها مع رساميلها إلى الخارج مما أفضى ( من جراء إتباع سياسات اقتصادية لا تنسجم مع الميول الأساسية الدولية ( الميل العام ) إضافة إلى سيطرة أجهزة الدولة على المقدرات و الثروات الوطنية ) إلى إفشال المشاريع التنموية في المنطقة , مع حفظ التمايزات بين الدول العربية . أمام هذا الفشل المترافق مع غياب المناخ الديمقراطي يتمظهر الخطاب الديمقراطي حالياً بكونه المخرج من الإشكاليات التي يعاني منها مجتمعنا . و يتقاطع الخطاب الديمقراطي مع الميول الليبرالية في مضمونه الاقتصادي والسياسي في تمظهراته , فإذا كانت حرية الأسواق و الرساميل المعولمة تقود إلى تزايد حدة الاستقطاب . فهل يفترض هذا التغاضي عن الجانب الاقتصادي للديمقراطية الملبرله . بمعنى هل تكفي الديمقراطية السياسية لتكون المهمة المركزية بعيداً عن المستويين الاقتصادي والاجتماعي . وإذا كانت المرحلة الراهنة تنحو بميولها العامة بتجاه تعميم العولمة فأين يتموضع المشروع الديمقراطي المتوافق مع الميول الاقتصادية الأساسية و العامة ؟ و هل الخطاب الديمقراطي المتماهي مع الخطاب الليبرالي يساهم في تدعيم الديمقراطية أم أنه يساهم في توسيع دائرة الاستقطاب و الاستلاب ؟ أم أن الموضوع برمته يخضع لآليات تطور و سياق موضوعي خارج نطاق الرغبات الذاتوية و الارادوية ..؟..
- إن التاريخ الإنساني لا تحكمه الرغبات و النيات الصادقة , وينطبق هذا على الحركة الاقتصادية بميولها و صيرورتها التاريخية . وإذا كان في بعض الحالات و الأحيان يمكن للقيم الأخلاقية أن يكون لها دوراً مؤثراً في تغيرات تاريخية معينة . فإنه على المستوى الاقتصادي يكون الوضع مختلف لأنه محكوم بجملة من القوانين التي تساهم في رسم و تحديد صيرورة مجمل التطورات الاقتصادية . لن ندخل ثانية في تحليل اقتصادي , لكن لمجرد التأكيد بأن التطورات و المتغيرات في المجتمعات الإنسانية تقع بشكل نسبي خارج الإرادة المحضة . و هذا يتعلق بطبيعة الحال بتوازنات القوى الاجتماعية . بمعنى ما و منذ بداية التسعينيات ومع بدايات انهيار المعسكر السوفيتي ( التي كان يعتبرها الغرب عقبة في وجه التطور الرأسمالي ) . تحاول الولايات المتحدة إثبات قدرتها على قيادة التحالف الرأسمالي الغربي على المستوى العالمي باتجاه أهدافها و لخدمة مصالحها و صبغ معظم المتغيرات الجارية بالصفة الأمريكية . ومن ناحية أخرى ومن خلال ما أوردناه من سمات المرحلة الراهنة للرأسمالية و محدداتها , والعوامل المسرعة لانتشارها و عولمتها , إضافة إلى العامل الرئيسي المتمثل في مجموع القوانين الفاعلة في تحديد صيرورة حركة راس المال المالي و الإنتاجي .... يتضح بأنه يتم تحت يافطة الشعارات الديمقراطية و حقوق الإنسان و مكافحة الإرهاب .... فإن ملامح المرحلة القادمة و التي ستقوم على شرف ما هو قائم دولياً و محلياً , باتت أكثر وضوحاً . و تسيطر عليها ملامح المشروع المعولم الذي تحمل لوائه الدول الرأسمالية و الشركات الكبرى و في قيادتها الولايات المتحدة الأمريكية , مع حفظ التمايزات و الاختلافات بينهما .
و هذا يعني بأن خارطة المنطقة العربية يعاد رسمها سياسياً و اقتصادياً ... بما يتلائم مع مصالح الدول الرأسمالية و الشركات الكبرى , وحركة رأس المال المالي و الإنتاجي ...
أيضاً و من المرجح إجراء تعديلات و تغييرات على آليات عمل النظم السياسية المحلية قد تكون من الخارج أو تغييرات داخلية تحت ضغوط خارجية – و يتضمن تعديلات على السياسات الاقتصادية المتبعة , ( الانفتاح أمام حركة الرساميل الأجنبية و استثماراتها , وتشجيع عودة الرساميل الوطنية المهاجرة , فتح المجال أمام البرجوازية المحلية ..... ) إلى ما هنالك من احتمالات و تصورات لجملة من التغيرات القادمة .
المهم في هذا هو التوضيح بأن التطورات و المتغيرات و على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية أولاً متأثرة بشكل أو بآخر بمفاعيل القوانين الاقتصادية الداخلية لرأس المال – ثانياً : متأثرة بالجانب السياسي و القانوني المتعلق بنشاط الهيئات و المؤسسات الدولية التي تعمل على زيادة آليات الضبط للحركة العالمية لرأس المال و مجمل الميول التبادلية الإنتاجية السلعية و المالية . بعيداً عن أشكال و آليات التفاعل و الترابط بين الحكومات الرأسمالية و الشركات بأنواعها .
بالتالي فإن المشروع المعد للمنطقة هو مشروعاً خارجياً و بامتياز . و يبقى السؤال الأساسي : ما هو دور القوى الداخلية في رسم ملامح المشروع الديمقراطي ؟ .
يمكننا أن نرسم و نصيغ رؤى نظرية و مشاريع استراتيجية مختلفة , لكن إذا كان التغيير هو هدف لأطراف خارجية سواء تقاطع مع مصالح الفئات الاجتماعية الواسعة والمفقرة أو لم يتقاطع , فإن مجموعة من المتغيرات ستحصل على الخارطة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و تحديداً في الشرق الأوسط و بوادر هذه المتغيرات واضحة , ولكن ماذا تحمل من جديد ؟ .
في حقيقة الأمر لا يحمل المشروع الرأسمالي المتوسع و الذي يتمركز حالياً في منطقتنا و مناطق أخرى محددة ملامح إيجابية مطلقة , لكنه محمل بتجارب و خبرات الشعوب الإنسانية و الحقوقية .... و محملاً بمصالح اقتصادية لفئات محددة من الممكن أن تحمل للمنطقة تناقضات اجتماعية و سياسية و اقتصادية و لكنها و بجانب مهم منها تحمل إمكانيات التطور والتقدم الضروري .
لكن لو نظرنا إلى الواقع الراهني لمنطقتنا فإننا نلاحظ : ارتفاع معدلات البطالة – تفشي الأمية – هيمنة نظم شمولية – تخلف اقتصادي – انخفاض مستوى الدخل – انخفاض القدرة الشرائية و انخفاض قيمة العملة الوطنية – انخفاض معدلات التبادل البينية العربية – تخلف الدول العربية بكافة المعايير و على كافة الصعد عن أكثر البلدان الأوربية تخلفاً – انخفاض مستوى الإنتاج و تقادم وسائله – تخلف الزراعة و خضوعها للعوامل المناخية – تفشي الفساد و البيروقراطية – غياب سيادة القانون , وعدم المساواة بين المواطنين – الافتقاد إلى حقوق المواطنة و غياب حقوق الإنسان – تغييب المجتمع و إبعاده عن الممارسة السياسية – الافتقاد إلى الحياة الديمقراطية و المناخ الديمقراطي المناسب لحياة سياسية تعددية حقيقية معبرة عن مصالح الغالبية الاجتماعية .....الخ أمام هذه اللوحة القاتمة , وبالاستناد على ثقافة الخوف و الهزيمة بمفاعيلها المتعددة يمكننا القول : ماذا سيخسر المواطن العربي جراء المتغيرات القادمة و المحتملة , و تحديداً إذا كانت هذه المتغيرات خارجة عن إرادته , و احتمال المواجه يكتنفه الغموض .... و بالعودة إلى آفاق المشروع الديمقراطي , ( الذي لم نخرج عنه إلا شكلياً , فإنه و بفعل آليات التغيير و أساليبه , و بكون التغيير قد لا يكون بأدوات و قوى مجتمعية داخلية , و ذلك لعدم توافر مقومات القوة و الأدوات المناسبة بل يتم رسم وتحديد ملامح مستقبلنا بأدوات ومفاعيل خارجية). فإنه سيكون تجسيداً يتلاءم مع مصالح القوى الفاعلة . ويفترض أن يكون تعبيراً و متوافقاً مع الشكل الذي سيتم إنجازه مستقبلاً و الاحتمال المرجح أنه يفتح المجال أمام احتمال تطورات محلية ايجابية .
و هذا لا يعني التخلي عن فكرة المواجهة ، ولكن يجب تحديد آليات المواجهة بناءاً على مكونات القوة المجتمعية و على الظروف و الميول الموضوعية لحركة التطور التاريخي بميوله المختلفة و لتخفيف من حدة تناقضاته . هذا إذا اتفقنا على أن حركة التاريخ و صيرورته لا تصوغه و ترسمه النوايا بل تتحكم به و تنجزه موازيين القوة المختلفة و المتنوعة و المتعددة إضافة إلى الميول الأساسية المحددة لصيرورته .

===========================================================================
المراجع=======================================================================
ا- كارل ماركس – رأس المال – ج2 – طبعة أولى – دار التقدم موسكو – صفحة : 303
2- : الكود التضخمي : تعاصر ارتفاع الطالة مع ارتفاع معدلات التضخم , (وهي ظاهرة يستحيل فهمها في إطار النظرية الكنزية ) و الدخول في كساد طويل المدى وتتم بوجود اتجاه واضح في تدهور معدل الربح في قطاعات الإنتاج المادي و بظهور مشكلة فوائض رؤوس أموال ضخمة راحت تبحث عن فرص للربح و التراكم
- العولمة المالية رمزي زكي – دار المستقبل العربي طبعة أولى عام 1999- صفحة – 44 –
3- انفجار العجز – رمزي زكي – طبعة أولى عام 2000 – دار المدى صفحة 29-89
4- انفجار العجز – رمزي زكي – طبعة أولى عام 2000 – دار المدى صفحة 98-107
5- كارل ماركس – رأس المال ك2 – طبعة أولى 1988 – دار التقدم موسكو صفحة 92-119
6- كارل ماركس – رأس المال ك2 – طبعة أولى 1988 – دار التقدم موسكو صفحة 75 : رأس مال نقدي
: ن- ب ق ع
ن-ب-ن و إ .....ج ..بَ ( ب+ب ) نَ (ن+ن)
: رأس المال بضاعي : ب-ن-ب ق ع
و ا
كارل ماركس – رأس المال ك2 – طبعة أولى 1988 – دار التقدم موسكو صفحة92 إنتاج بسيط : ب-ن-ب –تجديد انتاج بَ –نَ –ب
كارل ماركس – رأس المال ك2 – طبعة أولى 1988 – دار التقدم موسكو صفحة 114 رأس مال إنتاجي موسع
َ ق ع ...جَ
: ج ..بَ-نَ- ب و 1
7- كارل ماركس – رأس المال ك3 – طبعة أولى عام 1978 – وزارة الثقافة دمشق صفحة 325-365
8- سمير أمين – الاقتصاد السياسي لتنمية الطبعة الأولى عام 1978 وزارة الثقافة دمشق صفحة 325-365
9- رمزي زكي – المحنة الآسيوية طبعة أولى عام 2000 – دار المدى – صفحة 28-29
10- بول هيرست – براهام طومبسون – ( ما الدولة ) علم المعرفة عدد 273 – صفحة / 55/
11- راجع العولمة المالية : رمزي زكي – طبعة أولى عام 1999 دار المستقبل العربي – صفحة 123-124
12- المصدر السابق صفحة 73 : التحرير المالي : إلغاء القيود و الترتيبات و الضوابط المفروضة على حركات رؤوس الأموال قصيرة وطويلة الأجل عبر الحدود الوطنية و إعطاء السوق مطلق الفاعلية في عمليات ضمان و توزيع و تحقيق الموارد المالية و تحديد أسعار العمليات المالية طبقاً للعرض والطلب ...
13- فخ العولمة : هانس بيتر مارتين – هارولد شومان – ترجمة وتقديم : د عدنان عباس علي – المعرفة عدد عام 1003 صفحة (1 )
14ما العولمة : نفس المصدر السابق 104 - 105
15ما العولمة : نفس المصدر السابق صفحة 193
16فخ العولمة : نفس المصدر السابق صفحة 11
17فخ العولمة : نفس المصدر السابق صفحة 193
18- ما العولمة رمزي زكي – دار المستقبل العربي طبعة أولى عام 1999 صفحة 39
19- ما العولمة رمزي زكي – دار المستقبل العربي طبعة أولى عام 1999 صفحة 110
20- ما العولمة رمزي زكي – دار المستقبل العربي طبعة أولى عام 1999 صفحة113
21- ما العولمة رمزي زكي – دار المستقبل العربي طبعة أولى عام 1999 صفحة120
22- ما العولمة رمزي زكي – دار المستقبل العربي طبعة أولى عام 1999 صفحة147-148
23 بير جاليه الإمبريالية عام 1970 دار الحقيقة بيروت طبعة أولى عام 1970 ترجمة فؤاد مرقص صفحة 101
24 بير جاليه الإمبريالية عام 1970 دار الحقيقة بيروت طبعة أولى عام 1970 ترجمة فؤاد مرقص صفحة 113
25- بير جاليه الإمبريالية عام 1970 دار الحقيقة بيروت طبعة أولى عام 1970 ترجمة فؤاد مرقص صفحة 174
26- بير جاليه الإمبريالية عام 1970 دار الحقيقة بيروت طبعة أولى عام 1970 ترجمة فؤاد مرقص صفحة 196
27- بير جاليه الإمبريالية عام 1970 دار الحقيقة بيروت طبعة أولى عام 1970 ترجمة فؤاد مرقص صفحة 195
28- بير جاليه الإمبريالية عام 1970 دار الحقيقة بيروت طبعة أولى عام 1970 ترجمة فؤاد مرقص صفحة 134
29- سمير أمين الاقتصاد السياسي للتنمية طبعة أولى عام 2002 الفارابي ترجمة فهمي شرف الدين صفحة 114
30- هاري ماجدوف الإمبريالية من الاستعمار حتى اليوم طبعة أولى عام 1981 مؤسسة الأبحاث العربية صفحة 13
31- العولمة المالية رمزي زكي طبعة أولى 1999 دار المستقبل العربي صفحة 13
32- العولمة المالية رمزي زكي طبعة أولى 1999 دار المستقبل العربي صفحة 70
33 – بير جاليه الإمبريالية عام 1970 المصدر المذكور سابقاً صفحة 15
34- – بير جاليه الإمبريالية عام 1970 المصدر المذكور سابقاً صفحة 15
35 -– بير جاليه الإمبريالية عام 1970 المصدر المذكور سابقاً صفحة 16
36- هاري ماجدوف الإمبريالية من الاستعمار حتى اليوم طبعة أولى عام 1981 مؤسسة الأبحاث العربية صفحة 123
37- هاري ماجدوف الإمبريالية من الاستعمار حتى اليوم طبعة أولى عام 1981 مؤسسة الأبحاث العربية صفحة 123
38- هاري ماجدوف الإمبريالية من الاستعمار حتى اليوم طبعة أولى عام 1981 مؤسسة الأبحاث العربية صفحة 170
39- العولمة المالية رمزي زكي طبعة أولى عام 1999 دار المستقبل العربي 85 -92
40- العولمة المالية رمزي زكي طبعة أولى عام 1999 دار المستقبل العربي 82-104
41- العولمة المالية رمزي زكي طبعة أولى عام 1999 دار المستقبل العربي 74
42- العولمة المالية رمزي زكي طبعة أولى عام 1999 دار المستقبل العربي 75
43- سمير أمين الاقتصاد السياسي للتنمية المصدر المذكور سابقاً صفحة 34
44- فخ العولمة عالم المعرفة عدد 295 عام 2003 المصدر المذكور سابقاً صفحة 122
45- سمير أمين في مواجهة أزمة عصرنا طبعة أولى عام 1997 مؤسسة الانتشار العربي صفحة 89-91
46- سمير أمين في مواجهة أزمة عصرنا طبعة أولى عام 1997 مؤسسة الانتشار العربي صفحة 130
47- سمير أمين في مواجهة أزمة عصرنا طبعة أولى عام 1997 مؤسسة الانتشار العربي صفحة 125
48- سمير أمين في مواجهة أزمة عصرنا طبعة أولى عام 1997 مؤسسة الانتشار العربي صفحة 133



#معتز_حيسو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بحث في الدولة _ السلطة - المجتمع


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معتز حيسو - الرأسمالية الراهنة