أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المصري - من الرجال من لا يموتون ... -أبونا متَّى المسكين-















المزيد.....

من الرجال من لا يموتون ... -أبونا متَّى المسكين-


سامي المصري

الحوار المتمدن-العدد: 1596 - 2006 / 6 / 29 - 10:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نحن نظل ناقصين في العطاء حتى نكتمل لحظة انتقالنا من هذا العالم. هنا فقط يكتمل العمل ويكتمل البناء وتكتمل الصورة حيث لا يملك إنسان أن يضيف إليها. هنا فقط يمكن لنا أن نقيِّم كل العمل. عندما ينتقل الرجال من هذا العالم فإن إنجازاتهم لم تعد ملكا لأنفسهم أو لأي إنسان كائن من كان بل حقا مشاعا للتراث الإنساني كله. لذلك فتاريخ الرجل، كل ما قال وكل ما فعل يصبح قيمة كلية لا تحتمل أي تغيير أو عبث. وقيمته ثابتة محفوظة، تقَّدر بما أضافه من عطاء لمسيرة الإنسانية نحو حياة أفضل.

أبونا متى المسكين قيمة عظمي في ضمير الإنسانية وفي تاريخ البناء الجاد للتراث الإنساني. عندما كان نظير جيد (الأنبا شنودة الثالث) تلميذا له يُعِّد نفسه لدخول الدير تحت رعايته قال عنه، "تمر قرون طويلة قبل أن يجود الزمن بمثل هذا الرجل". هذه المقولة التي مر عليها أكثر من نصف قرن تعتبر شهادة دقيقة وصحيحة عن الرجل بعد أن أكمل رسالته العملاقة. وأهمية هذه الشهادة بالذات في أن الخلاف الذي حدث بينهما بعد ذلك واستمر حتى بعد انتقال أبونا متَّى من هذا العالم كان له تأثيراً ضاغطاً على تاريخ الكنيسة كلها لمدة خمسين عاما. خلال هذه الفترة الزمنية تزاحمت الأقاويل وانتشرت الكثير من الأقاصيص العشوائية المتضاربة لتسيء لتاريخ الرجل العظيم الذي آثر الصمت أمام كل الافتراءات. إن أخلاق الرجل ومبادئه كانتا تمنعانه من أن يرد على الافتراءات والشائعات، إذ كان يكرس كل الجهد والوقت المتاحان له للبناء، خلال فترة عمره التي تعتبر قصيرة جدا بالنسبة لإنجازاته الضخمة. فواجه الرجل العظيم الهدم بالبناء والشر بتقديم الخير والنفع. وأكثر من ذلك فقد منع كل من يعرف الحقيقة من الدفاع عنه. وبهذا أعطي الفرصة الكاملة لكل من يريد أن يطلق من الشائعات ما شاء حسب قدراته وما يسمح به خياله وأخلاقياته.

ليس هناك أعجب مما نشرته مجلة الكرازة عن الرجل العظيم بعد وفاته، تلك المجلة التي فرضت نفسها كمركز للإعلام الرسمي للكنيسة القبطية لتعبر عن رأي أكثر من عشرة ملايين من أقباط مصر. فما كان ينبغي لهذه المجلة بوضعها الديني والتمثيل المجتمعي أن تتهاوى بمستواها لهذا الدرك، لتنشر في هذه المناسبة تلك الأكاذيب والافتئات على الحق. ومن الطبيعي أن هذا الموقف لا يسئ للرجل ذو التاريخ الناصع بقدر ما أساء للمجلة وكتَّابها ورئيس تحرريها. إن ذلك ليس بجديد، فهو يضيف لرصيدها السيئ فيما سجلته من أخبار ومقالات أساءت إليها أمام التاريخ الصحافي دون وعي من كتَّابها الأشاوش. إن ما سجلته هذه المجلة يشهد أمام التاريخ بالانحراف الشديد لقيادات الكنسية عن السلوك المسيحي النبيل، والإيمان الأرثوذكسي المستنير، والفكر الإنجيلي.

قلت وأقول إن تاريخ الرجل العظيم ليس ملكا لأحد ليعبث به. فتاريخ الشخصيات العامة حقا مشاعا للتراث الإنساني ينبغي أن يُسجل ويُدرس ويُعرض بكل أمانة. إن إنتاج الرجل سيشهد له عبر الأجيال طالما كان هناك إنسان واحد يفكر ويدرس ويؤمن بالكتاب المقدس. إن إنتاج أبونا متَّى المسكين لا تقل قيمته وخصوبته عما قدمه آباء الكنيسة العظام في القرون الأولى للمسيحية. فإنتاجه علامة على طريق البناء الروحي والفكري للبشرية. ولذلك يلزم أن يقترن إنتاجه الموسوعي بتاريخ صحيح متجرد من التشويه ليتناغم ويتفاعل مع تراثه الفكري والروحي. لذلك أدعو كل من يعرف عن تاريخ الرجل ألا يتردد في نشره حتى نضع أمام التاريخ صورة حقيقية مكتملة عن إنجازاته وأعماله. ومن جانبي سوف أكتب كل ما أعرفه عن التاريخ الحقيقي، ليس لمجرد تسجيل تاريخ شخصي لرجل عظيم، بل بهدف تصحيح مسار الكنيسة القبطية الذي بسبب الجهل بالحقائق انحرف عن الطريق السوي لمسلك خطر.

إن تاريخ الرجل ليس تاريخ معجزات وشفاء أمراض، لكنه تاريخ فكر منفتح، ورؤية معاصرة للحق الإنجيلي، ولاهوت حي ومعطي للحياة قادر على بناء النفوس، وحب لله غامر، وممارسة روحية فريدة وصادقة، وبناء وعطاء وبذل. ربما كل هذا لا يتوافق مع السطحية التي يعيش عليها كثيرون من هذا الجيل الذي يطلب المعجزة والآية. لكني أرجو أن هذا التاريخ الروحي للرجل العظيم مع إنتاجه الفكري الخصب، وإضافاته للتراث الروحي المسيحي، أن تنتشل هذا الجيل من السطحية المغرقة إلى جدة الحياة وقوتها.

شهد للرجل كل من تقابل معهم من مسيحيين ومسلمين وأجانب من كل جنسيات العالم من كل ثقافة ودين. شهد له البروتستانت والكاثوليك والأرثوذكس من جميع الأجناس بكل علماءهم ولاهوتيهم العظام. الرجل كان يمثل الفكر الحر المنفتح بلا تعصب أو انغلاق والمقبول لكل الناس، فهو يقبل الكل. ومع انفتاحه المنطلق كان فكره أرثوذكسيا خالصا لا تشوبه شائبة. فهو السهل الممتنع. لو وضعت اسم أبونا متَّى المسكين للبحث في مواقع الإنترنيت ستفاجأ بعشرات المواقع بجميع لغات العالم تتكلم عنه مع أن الرجل لم يخرج من ديره. لقد تلقى دعوات كثيرة لحضور مؤتمرات عالمية والحديث فيها فلم يستجب ولا مرة حتى لا يستثير خصومه الذين لا يحركهم إلا الحسد والغيرة، فيرصدون كل تحركاته للإساءة له. فكان يتجنب استثارة صانعي العثرات في الكنيسة.

إن تاريخ الرجل أيضا يحمل صوراّ من الصراعات العنيفة التي فُرِضَت عليه فواجهها بقبول الصليب بكل الوداعة والحكمة والقوة الروحية حتى لا تُعوِّقه عن أهدافه البنائية. تتركز مشكلة الرجل الرئيسية في عبقريته التي أضفت عليه شعبية طاغية، فكل من تقابل معه أحبه، وأحس أنه أمام إمكانية جبارة وعملاقة، كان متفوقا في كل شيء عن كل الناس وفي مجالات متعددة، فأحبته الجماهير. وهذا دفعه رغم عنه ليكون على رأس المرشحين للكرسي البابوي مرتين، دون إرادة أو جهد منه. وهنا تكاتف أصحاب المطامع والمصالح الشخصية لتشويه سمعته، فكانوا يعرفون تماما أنه بدون تحطيم الرجل العملاق فلن يكون لهم أي أمل في بلوغ المنصب. لذلك تحالف المتخاصمون واتفق المختلفون على أمر واحد هو محاربة الرجل الذي لا يدافع عن نفسه!!! ولم يكن المتحالفون في تجمعهم سوى أقزام أمام عملاقا لا تبلغ هاماتهم لعلو ساقيه على أكثر تقدير. لذلك لجئوا إلي العبث بالقوانين واللوائح المنظمة للانتخابات لإبعاد الرجل القوي عن طريقهم معتمدين على صِلاتهم المشبوهة بمراكز القوي الحكومية. لقد عبثوا باللوائح وغيروا القوانين ليمنعوا الشعب من انتخاب راعيهم حسب نص الدسقولية وقوانين المجامع المسكونية، فاختلت الموازين وحققوا مآربهم في غيبة من روح الحق. (إن أذن الرب، سأقوم بعرض قصة انتخابات البطريرك وقوانين الكنيسة المكسورة في مقالات قادمة بكل تفصيل.)

وفي غيبة من الوعي والوجود الشعبي، بلغ الأقزام لمآربهم وشهواتهم المحمومة. ولم يُرضي الأقزام أو يشبع نهمهم كل ما حققوه من نصر رخيص بأساليب ملتوية غير قانونية، ففي قرارة أنفسهم كانوا يدركون تماما قوة وتفوق الرجل العظيم الذي لم يفتح فاه!!! فبالرغم من كل ما حققوه من نجاح كان يقلق مضاجعهم عظمة الرجل، فلم يعطهم نجاحهم الرخيص أي شعور بالتفوق والانتصار بل أعطاهم فقدان السلام وقلق الضمير. فبعد نجاحهم في تحقيق مآربهم السلطوية لم تغفل لهم عين، ناظرين في رعب للرجل الصامت، ولم تهدأ لهم نفس فاستمروا في محاربته وتشويه صورته في كل مناسبة وبدون مناسبة بلا هوادة، بشكل خلا من القدرة على الخجل. وكان كل ذلك علامة أكيدة على ضعفهم أمام الرجل الذي لم يهتز مرة واحدة أمام مهاتراتهم المبتذلة وأكاذيبهم المفضوحة. فحتى بعد نياحته لم يخجلوا مما كتبوه عنه علامة على أنهم مازالوا يخافونه حتى بعد انتقاله من هذا العالم. بل أقول إن عليهم الآن أن يخافوه أكثر جدا من الأول، من الآن فصاعدا، فهو الآن يشهد أمام الله ويتوسل من أجل الكنيسة المعذبة!!!

إن عبقرية الرجل جرَّت عليه كل أنواع الحروب والمتاعب فواجهها بكلمة حق الإنجيل. وبذلك شهد لقوة الكلمة المطبَّقة بشكل عملي. وقدم صورة حية أمام التاريخ لقدرة الإنسان علي الحياة بكلمة الله بكل قوة. وبذلك تحولت المصاعب إلى يسر والمقاومة إلى قوة والحروب ضده إلى فوز مذهل، فشهد بحق المسيح!!! وكانت الحرب الظالمة التي منعته من الوصول للمناصب الكنسية هي نفسها التي وفرت له الفرصة لكي يقدم إنتاجه الغزير الفائق للعقل والذي أضاف اسمه للخالدين من صانعي التراث الإنساني.



#سامي_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنبا شنودة وأحداث الإسكندرية الأخيرة-2
- الأنبا شنودة وأحداث الإسكندرية الأخيرة
- نشاط الجماعة المحظورة في مصر علامة حكم يتهاوى
- لا تدينوا لكي لا تدانوا
- (1) -التعصب الديني في مصر
- ماذا حصد الأقباط من موقف البابا شنودة من انتخابات الرئاسة
- الشعب القبطي يتمزق بين شقي حجر الرحى -الدولة والكنيسة- 2
- الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي
- أكتوبر؛ ختاما لحرب الست سنوات -الفصل الأول
- الإرهاب والقهر والتكفير والفساد في الكنيسة القبطية
- الشعب القبطي يتمزق بين شقي حجر الرحى الدولة و الكنيسة
- البابا شنودة وانتخابات الرئاسة
- انغلاق العقل القبطي في عصر البابا شنودة
- حول الأزمة الدينية في مصر : الخلل الذي كشفته وفاء


المزيد.....




- بشرط واحد.. طريقة التسجيل في اعتكاف المسجد الحرام 2024-1445 ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- ترامب: اليهود المصوتون للديمقراطيين يكرهون إسرائيل واليهودية ...
- -تصريحات ترامب- عن اليهود تثير عاصفة من الجدل
- أصول المصارف الإسلامية بالإمارات تتجاوز 700 مليار درهم
- 54 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى
- ترامب: اليهود المصوتون للديمقراطيين يكرهون إسرائيل واليهودية ...
- ترامب يتهم اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي بكراهية دينهم وإ ...
- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المصري - من الرجال من لا يموتون ... -أبونا متَّى المسكين-