أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناسان إسبر - عشيره















المزيد.....



عشيره


ناسان إسبر

الحوار المتمدن-العدد: 6586 - 2020 / 6 / 7 - 17:45
المحور: الادب والفن
    


(مرثية للانتفاضة السورية)

(*) عشيرة: الأم السورية الكبرى.

(**) العبارات بين الإشارتين (" ") مقتبسة.


* * *


إلى سوسنه، وتهاني، وكل نساء الأرض.


* * *

قفا نبك من ذكرى
وجوه غائبه
تلوب كضرب الندب
في القلوب المتعبه


* * *

لملم الدهر خيمته
وتركنا هذا الشتاءْ
نلفـّعُ الوقتَ بأقدارٍ باليه.

أواخرُ التفاحِ تخمرتْ
وصارت شفتيكِ
وللبردِ هذا الهزيع رائحة ٌ قلقه
جعّدتْ أضلاعَ الداليه.

الأشجارُ تخفي وجوهَها
وتدخلُ البيوتَ المهجوره
لتبكي
وعندما يقعُ الصقيع
يسقط ُ حزنها مصفرّاً على العتبه.

الثلج..
يهسهس في روع الدغل
عن قلوب المتعبين
المليئة بالاصفرارِ
والانتظارْ.

نهديكِ هذا الشتاءْ..
مغلفاً بأكفاننا الحمراءْ
يومَ تهلُّ الغيومُ
على أراض ٍ غفيرة للبكاءْ
حين يفكُّ الشجر لحاءه
ويحفحف حكماً عسيره.

مهلاً يا عشيره

سوفَ تقلقينَ كثيراً هذا الشتاءْ
ويجهلون أنك سمراءْ
"يقعُ مقتٌ على الأرض ِ وأهلها"
ولا يبقَ إلاكِ يمامهْ
تعشّشُ القلوبَ اليبابَ
حتى انزياحِ الغمامهْ.

لا يبقى لنا ظلٌّ
لا في مكان ٍ ولا فينا
إلا ظلنا
وتصيرينَ في ذواتِ الوقتِ ذواتنا
ونكونكْ.

وغداً تأتينَ مع الشمس ِ
يمامة ً إلى الأغصان ِ
يلمعُ الطينُ في خديكِ
ملوَّحاً باكتئابِ الشتاءْ
يغسلُ المطرُ وجنتيكِ
بأناملهِ المائيه
ويمحو غبارَ العصورْ
تأتينَ مع الشفقِ
والعشبُ يجففُ دمعتيكِ
بمنشفتهِ البرّيه.

تأتينَ مع الشمسِ
نقفُ على ذراً لم تصلْ
ليكتملَ ظلنا
ونحترقْ
تأتي إلينا
كي تلدي العالمَ من جديدْ.

وقتما تؤمُّ اليماماتُ حدبة َ الأرضِ
نلتقي
ونمرُّ على صمتِ المعموره
لنخمدَ نجمَ الظهيرهْ.

مهلاً يا عشيرهْ
لا تقصّي تلكَ الضفيرهْ.

جميلة ٌ أنتِ
كيمامةٍ لونتها الشمسُ
بدياناتِ الخشب.

زهرةٌ مارقة ٌعلى الفصولْ
تنبتُ في السبخاتْ
فتغني السواقي
لأعراسِ الترابِ
وتعقدُ جدائلَ الماءِ
وتعزفُ البراري
شتاتَ المطرْ
تقفُ عواطفُ الغدران ِعلى الضفافِ
إذا عبرتْ
وترددُ لها الجداولُ
أناشيدها الرطبهْ
وتتنازلُ الغيومُ لها عن الفضاءْ.

مثلَ غيمةٍ
تشدني إليكِ مياهي
ربما غنـّتِ الغدرانُ
عَتابات الخرير ِ
ولم تكوني..
لكنكِ بالأشياءِ تحضرينْ.

يا غاية ً تعرقلكِ الأمورُ
في كلِّ غايةٍ
وتنيخُ على كاهلكِ
كل الغايات.

خفّفي اللومَ وآلام الجدال
ودعيني أنزفُ هذا القضاء
أرتـّبُ عنكِ هذا اللقاءْ..
فلا أماكن عليها يعال..
وما لباق ٍ بعدَ عينيكِ بقاءْ.

ضميني بعد كل هذا الخرابْ
ليس هذا ساحاً للعتابْ
لا تجمعي أسبابَ المحرقهْ
ليس هذا رماداً لنفترقْ
فما زال الكثيرُ لنحترقْ.

على الصدرِ..
من يديكِ دوارسٌ
يودُّ لو تبقى
ما بقيتِ بعيدهْ.

سأرفعُ الكؤوسَ الوائدهْ
ولتعمري تلك المائدهْ.

وكما تشائينْ
لا يموتُ العالمُ
وتبقينْ
تصيرينَ مصيري
وأكونُ ما تكونينْ
يحملً كلٌّ منا بالآخرِ
وتعيشينَ في ألمي..
لا آلامنا تموت
ولا آمالنا.

خانكِ الماضي
فطأطأَ الحاضرُ وقتهُ لأيامِكْ

وما تفعلينْ..
حين يخلع البردُ بابكِ
ويرمي صغاركِ بالرحيل.

لا وسائدَ للأحلامْ
هكذا تنام الأيامْ
فما الذي يجدي
أن نخففَ آلامها

مضتِ النبوءاتْ
صدقتِ التوقعاتْ
وفشلتِ الأمنياتْ
ماعدانا..
نخلقُ بعضنا من جديدْ.

بريئة ٌ أنتِ..
كزهرةٍ قبلَ الأوانِ
على الدربِ الموحلْ.

تبقينَ..
وبرقُ عينيكِ
يفتن الصخر
ويطلق ينبوعاً
يفرش خصب البطاحِ
ويخدر أرق البحرِ
وحفيف العرعر.

تبقين على أبواب المدينهْ
مفتاحاً للضبابْ
وخطواتكِ
تشق غبار الماضي
وترسم للأفقِ حدوداً
ودروباً ميسوره
وتفرش وديانَ العشقِ
بحنينٍ أخضرْ

على خطىً شائكهْ
أتبعكْ
أتقمص رائحة ضيعها جسدكْ
ولم تجد زهرةً بعدُ
في بتلات العمرِ المتساقطهْ
وأجول على أنفاس الزمنِ
لأصطفي آثارها
وأرمم تباعدهُ
ببقايا ذكرياتْ

للقهر وجهكْ
ولوقته تشكيل جسدكْ
ولأن آلامنا مخيطة ٌ
بخيوطٍ خفيهْ
أحبكِ
كما كانوا يفعلون دوماً
وكما لم يفعلوا أبداً.

بدائية ٌ أنتِ
كوعرٍ
وأجملُ ما فيكِ
أنكِ أنتِ..
ترفضين الطينَ
لتحلقي في الصدورْ

أنا حزنكِ المتحركُ
أكنسُ ركضَ الشوارعِ
لأجمع تبرّيكِ
وتبدّيك الغيومْ
وأرافق الريح إلى منفاها

أخشى أن يكون للبراءة ماض ٍ
يجتازه العمر
فتضيع الدهشة
وتجف الطفولة
فأحرص أن لا أفقد عينيكِ
وبراءة أمانيكِ
في غايات القوى

يوم نلتقي..
تكتشفين هندسة أخرى
لا تكسر تقاطعنا
ولا تعرقل دربنا بالشاخصات

سأمنح شغبكِ اعتباراً
في ظل الأحكام والسلالم
وأصلب الدهر في فطرتكِ
فيخلصني
من خطيئة الخارجين على البساطة
إلى لهاث القمم

يحكم علي بالجحيم
عذاب ذاتكِ المغفله
وأحترق فيكِ
طلما تأخر المخاض
في جهل الضروره

كثيراً ما تجمدت في تقلباتك
وعندما أقرأ غيابك
تنخلع المفاهيم
وتنتحل معنى الوجع

يا رغبة ً مخصصة للود
ومعممة للقهر
تتبع مساراً حول القلب
وتصطدم بوحشتي
وتحترق بالشوق الراكد
على جسدي الأزلي
لتثير عجاج الوجد

بعل مشاعري
وحبيبتي لم تعد تذكرني
إلا عندما ترتدي السماء
بردتها الغائمه

رسمت نفسها في دفاتر الوقت
بخصب الحشيش
لتؤرخ عذريتها
قبل أن يدركها الزوال

قبلت أن تلد
لأن لها قلباً نباتياً
وتزهر في القلوب اليباب
لأننا من تراب

كذبوا
وصدقت نبوءاتها
لأنها أنثى
انتخبتها الغزوات
لتبقى طويلاً

عبرت درب التبانة
ونثرت حليبها
ضياءً للنجوم
عرجت على بنات نعش
ولفت المدارات
لتجعل لهن ميقاتا
هبطت إلى الأرض
وشحنت برق الغيوم
جلست في البحر
ضفرت الطحالب
وخاطت له من عذاب الموج
زرقة متكسره
ووهبت الجبال نهديها
مرضعة عروق الأرض

صنعت لنفسها عظاماً عريضه
وكستها بأحلام العشاق
كان لها أحاسيس غافيه
أيقظها رجال وغابوا
فلم تعد تنام

أحبت.. فكان المثنى.


* * *

ودّع ِ القبور وامض ِ تحت السماء
لم يبق ههنا زاد ولا ماء
وللموتى الوفاء والبقاء
ولكَ في هذا الفأل رفيق
يأتي ويغدو كل حريق
ربما يبقى
وتفنى ويبقى الطريق

صديق أفكارك غبار
وأنت مرمي على الغفله
في زحمة الهاربين من الفاقه
إلى سخرة مأجوره

قف على حدود العصر
وانظر تأرجح الصبيان
على حبال الذوات
ليلعبوا رعاة القطيع

ليكتئب وجهك بابتسامه
وأنت ترى كيف تنخل الهزائم
قصير الأنفاس

"هرمنا"..

كان يوم الجمعة قريباً
وكنت أطمع بباقي الأيام
وحينما مرت الأيام كلها
صرت عجوزاً حتى على الجمعه

أنا الغيمُ
غريب في شتائي
رفيقي القفرُ
والمنفى ردائي
بيتي الطريقْ
وأنا للسهوبْ
وفي كل قبرٍ جريحٍ
غادرني صديقْ

باستقامةٍ عبرت دروباً عوجْ
ورتبت لي أيامي رياحٌ هوجْ

منذ ألمٍ
لم تكن نفسي معي
وعلى خبز الأيامِ
تتفطر كآبهْ

لي في الهواء دفترٌ
أفتح فيه مهب العبورِ
إلى النهايات
حيث أجلس في صمت الجبال
حداداً على من فيها

كثيراً ماشخت هذه الأحيانُ
ولملمت نفسي أطراف الفراغ
وكثيراً ما ضايقتني التلال
عندما تخنق السهول
كلما رافقتني البطاح
شدت عقدها الدروب
لأجرع وجعاً صافياً
قديم كخمرة جيده
وخدر خدرها

الأيام أشد عمراً
مني
ومن تجاعيدي

بنيت داري بحجارةٍ سود
كيلا يعوث فيها بغاة الخلود
وكلما صرت وحيداً
آنسني أسى
ورافق أصدقائي سراب

أنا أفتح شبابيكي على الشتاء
هل حطت في جوفكَ المنافي
فأدمنتَ افتراش العراء؟

كان عليك أن تمر بالكوارث
كي تدرك المعاني
وتفسر عاديات الحوادث

أعبر هذه الخربه
فقد جاء دورك في الغربه
ولك من بعد الخداع والجفاء
كل تلابيب الخلاء

غالبت الخرائب فغلبتني
أنا قمّام الآمال النازفه
خلف خطوات الخطوب
جدائلي باتت قصيره
إذ مرت بأخطار غفيره
"شققت طريقي عبر الحروب القديمه.. وأتيت"
وطيلة عمري..
غير وجهي ما ارتديت

سيكون علي فتح باب السحاب
لإطلالة المطرْ
على أرض أدمنتِ الانتظارَ
تحت شعارات الخطرْ

أنا يومي
لأني انخلعت من أمسي
وأنا الأرض
دفنت في نفسي
والفائز
لأني حصدت كل الهزائم
وأنا البرد
أعاقر الريح أقاصي البداوه
والجزر
لأشارك البحر أغواره

جمعتُ بعضي وارتحلت
أينما نـُفيتْ رفاتي
فما أصبت من حظٍ
غير ما فات حياتي

أعلنت انشقاقي في الجنازه
فصار قتلي شرعاً وإجازه
ولدت فدفنت
وسلكت دربي فانتهيت
وعاقرت قبري
كلما عقرتني الجدود

زرعت حتفي أينا قتلت
وحصدت الجراح
حيثما صرخت
وصرت مارقاً يُخشى وبائي
ففي كل جرح غاضبٍ
خيّطت أشلائي

ضيعني الوقت
وكلما انتهزته نقص
ومثل وقت ضائع ضاع

هكذا.. أبقى
قابعاً في ذاتي
عنيداً كمصيري
وخارجاً..
تدندن الريح بأغانيها القديمه
وأسلاك التوتر العالي
تنتشل طيارات الورق
من خيبات السقوط

هكذا.. كجلمود أبقى
لأنه لم يؤن أوان
أكمن لفرصة
تقلب ما فات أملاً

ولدت فتلقفني عمري
وما برح يقامر بأيامي
حتى هرمت

الأطفال تسربوا مني
وعمري صار عتيقاً
بنى ماضيه لحظة لحظة
وعندما ارتفع انهار
وكلما تجنبته
وجدتني تبنيته

وعلى الأبواب المندثره
مثل لون باهت
"أجلس وأطل"
أمارس ضد نفسي
عادة إبادة سريه
وألبس نظارة عاتمه
كي تهرم الأشياء
فلا أشعر بأني مؤقت
وكيلا يطول الحداد
على ما زال
ومثل ذكرى بعيدة
أندثر أكثر فأكثر
نحو خط الزوال

كثيراً ما سئمني المساء
وطويت أجنحتي على هواء
وكل رطوبة مرت
خلفت زنجاراً
يسأل عني لافتاتٍ كالحه
ويجدني تحت شمس عنيدة
أشرب شاياً ثقيلاً
وأسودُّ في ماض لا يزول
ويزداد باطراد
لم أتعب من دخوله
حتى خانني

عمري رحل بعيداً
وأصدقائي ماتوا مني

أبي كان قوياً وكبيراً
فجأة مات كله
ولم يبق منه شيء
سوى فراغ صغير
كبر وعم العالم
وما برح يتقادم
حتى صرت مثله

والحديدة
موجودة هنا منذ الطفولة
وكنت أظن أنها ستبقى أبداً
لكنها صدئت هي الأخرى

هكذا كان صباي
مؤقتاً.. وعاجلاً
وكلما تجددتُ صرتُ أقدم
وكلما أطحتُ بالذكريات جمعتها.

جسدي كان صغيراً
لم يتسع لكل هذا الحزن
وحين كبرت
وجد الحزن غرفاً كثيرة

وجدت النهاية
دون أن يرشدني أحد
وعندما ألمت بي
فات كل أوانٍ
حتى لم يبق مُجدٍ مُجدٍ
تسللتْ إلي ببطء
وظلت أوراقي تتساقط
حتى وضعتُ الشتاء
فلم يبق ما يكفي للبكاء
وما بقي لم يكفِ الدمار

سأترك هذا العالم لأحبابه
والعلاقات لمن خافوا الوحده
والأبناء لمن فشلوا
وأجرع موتي نخب مودّه
في صحة الذين لا حياة لهم

عمري كان طويلاً
رافقني..
إلى أن ملَّ.. وانصرف

* * *

طفح مرٌّ.. في حدس الصغيره
أوغرت صدره حفريات العشيره

تركت بناتي خلف الجسر
فلم يعبرن ولم أمر
وكلما مددت جسور العبور
عبرتني الأمور والثبور

كفكف الدهر عمري
ولم يبق ِغير الندوب
ما كل هذي المراثي؟..
وما خطبُ تلك القلوب؟.

الناقلة تعطلت
والعشب نبت على غفله
والولد لم يعد
والحافلات مررن
والبنت تسعل
الزهر انحنى
والماء أدمن الحضيض
والقمر شاحب
الأشجار تظلل الفجائع
والناي ازداد ثقوباً
والحرية تغازل أغلالها

الطيور الماضية إلى النهايات..
تأسف بداياتها
الأشجار التي أتعبتها أوراقها..
تأمل خريفها
التلال التي ملت مكانها..
تحلم بالجولان
الصقيع الأجلف..
يستنكر برودته
المقاعد الجالسة على همومها..
أطـّت صبرها
المجانين الذين لم يعوا..
رفضوا المعرفه
الشياطين التي اختارت أجسادنا..
ندمت على زنزاناتها

أشعلت فتايلها السنون
فالتهب الزمان

حطت في سرب الكراسي جرادات
فلا نبتاً أبقت ولا ذوات
سكبن لأجداثهن أصناماً
وذرقن عنهن نسخاً مطابقات
وأرّخن أمجادهن في بلاطات
عاثت حياتها مزاوجة ومجاوزه
وأزمعت لسقطاتها زبانية وجلاوزه

مر الملوك
على تلال الصكوك
هدموا الخِزانات
وابتكروا مزابل لصيحات الديوك

وقف المحللون على طلل درس
ذرفوا الذرائعَ
وحلـّوا حرج العسس

لقطاء لمغامرات العصر
وأبناء لدسائس الدهر
نسل السبايا
توجتهم أمجاد الحروب
لصوصاً وبغايا
وأوحلت أقدارهم بالخيارات

أدمنوا الفتوح
حتى ملوا الجنان
صنعوا انتصارات كثيره
وكلما ردد القصر شعارات كبيره
جففتها شمس الظهيره
وداموا ليسمو طلل العشيره

رفعوا الأنصاب
فداستهم الأوصاب
والأحوال صارت أهدافاً.


* * *

دلدل صدرك في القبورْ
كفـّن نفسك بالزفيرِ
وعاين جافيات العصورْ

أقحل العدل في المقبره
وغفى البدر ليل المجزره
وللعشب في هذا التراب..
جذور من القهر
وضحايا..
تغادر دون ذنب
ودون أن تدري

نحن أحراش السياط
وأسلاك الحريات الشائكه
ليس لأقدامنا تراب
ونحن هنا..
نقف على رصيف المعركه
نودع أحبابنا الذين رحلوا
وأصدقاءنا الذين لم نعرفهم..
إلا بعد الغياب

وعلى اليسار ضحايا
تسابق آمالها
نحو سراب الخيانات
وتدفن دون ذنب
ودون أن تدري

أحطم أقفال الزمن
وأسترجع وقتي
لأتقاسمه مع الضائعين
وأضيع

أنا العائد
من صراخ الأقبيه
وبيدي دلو دمائي
لأغسل جراحكم
و أموت

هذا أنا
جثة فوق جثة
تـُسرق دمائي
لأعود إلى المجزرة
ومن صدري تمر الضحايا
لتقتات المقبره
وتغادر لا ذنباً
ولا خطايا..

ذهب المشّاؤون من بيت إلى بيت
وبكوا من حيطٍ إلى حيط
عاينوا الزرايا
وسمعوا صمت الصبايا
سلكوا المسالك
فدعتهم إلى المهالك
وأدركوا عقم القضايا.

الحشاشون..
الذين جدلوا هشيم أضلاعهم مقشات
في استراحات المعارك العقيمه
ليكنسوا عن مسائها سواد الليالي
إذا عادوا

الجراحون..
الذين خرّجوا الشظايا
وخاطوا أخطاء الخطايا
ناشدوا "من له أذنان"
فنالوا صمت البرايا.

النازحون الذين افترشوا غبار المنافي
عتلوا تبعاتهم وتبدّوا
تركوا خلفهم القبور والأماني

الحدادون..
الذين تعبوا للحصاد
"سكّوا رماحهم سككاً"
خلف زفير الكور
وسقـّوا السيوف مناجل
فقتلوا في الهجير.

المنبوذون..
الذين اختلس المكر أقدارهم
فانخلعوا من نواصيهم
طلبوا ود أيامهم
ولم يجدوا
فنفـّلوا مصائرهم وشردوا

رعيان الشعاب..
الذين أنشب الشوك أشواكه في شباباتهم
فتوجعت لعينيها الرباعيات

جامعات العشب..
اللواتي زرعن أسواق المدن
بأعشاب شاردة

قالعوا الأضراس..
الذين نخر التجوال أعقابهم
وأت كلاب البر جيف أبنائهم
بين أدبار الحروب
ومحاباة الغنيمه
فاقتلعوا أرواحهم وهاموا

الحفارون..
الذين هرّبوا أعمارهم
من حفرة إلى حفره
كلما غادروها
أنزلهم الموت في الأخرى
وكلما أنهوا المقبره
رمتهم الحرب بالكرّه
وكلما "وضعت أوزارها"
"حفرت حفرة لأخيها".

الحطابون..
الذين تفلتوا من غاب إلى غاب
استوردوا لها دفءً بحد الحديد
ليدحروا عن دارها دهر الجليد
فلما اشتعلت في عقرها الحرائق
بطش الرماد بأرواحهم
فودعوا بنات الحقول
وبادوا

الفتيات..
اللواتي اكتشفن العالم
وقت القيلوله
وقصت شعورهن
قبل الفجر
لأنهن ابتعدن قليلا ً
وأحببن
طحنت الطوارئ مطامحهن
أملن في مجاري المياه
وغرقن في مجاهل الزمن

الآباء الذين نزلوا إلى الحلبات
جرحوا العجائب
فجنوا الخرائب
والبقاع صارت للنكره

مر قطار العميان على سكك البصيره
ولم يمد قدماً أبعد من حصيره
وعرج العُرج على التخوم
وقوّموا عوج الحدود
فاستشاطت آلهة الأرض عوجاً
وجعلت المشاع لعوجها مشاعاً


* * *

قدرٌ
أنعم على الرقاب
فضل قيمته
فاكتست تعباً وجوعا
وعزيمه

الذين أجروها وأرسوها
يقتلعون الشمس من عين الشفق
كل صباح
يتعبون في الغرب
ويجوعون في الشرق
هم الخبز
عجنه الرجال بالعرق
وخبزته النساء بقهر
من قشور الجير خرجوا
كبروا على تخوم الجنوب
وتاهوا بالاحتمالات
لا الربيع لهم
ولا حتى الخريف

ولدوا في أزمان مبكره
وعاشوا بأوقات متأخره
على قوارع الأقدار
صدأ ً رضعوا
وإلى مهاد الصفيح رجعوا
أتخموا جوعاً وعصياً
وعلى قدر الأزقة نمت آمالهم
وبلغت في الخفاء
فعملوا بأكثر مما أملوا

مجعولون للكرب
في كل الخطى
بأوجاعهم تعثروا
ومن جهات ضائعة حضروا
صنعوا لأنفسهم جماجم وأجساد
وشقوا دروباً سود
مرصوفة بأحلامٍ بيض
وعظاماً حبيبه
وأدركوا أنه ليس من جدوى
أن يعيشوا هكذا
عبروا الجحيم على ألسنة الغضب
وأطفؤوه بنزيف العمر
صاروا أعداءً
لكل خطأ رفضوا ارتكابه
يتألم مصيرهم حيث يفترقون
وحيث يبقون
ويحترقون كل دقيقه
منذ أن تعرّت الحقيقه

لا الأمنيات لهم
وعلى هدوء قديم
عاجزون إلى الشفقه
يستطيعون بعد أن يكونوا
أكثر مما كانوا
وأكثر مما كان لأولئك

لا تفاضل الآلام بينهم
أما السعادة فتختار
احترفوا الكرب
وما ارتكبوا الأخطاء القديمه

ممنوعون عن الوعي
وخائنون للخونه
مسجونون في انتظاراتهم
وأعمارهم مقفله

من قفر تمطت بواديه خرجوا
وطاروا بأجنحة الأماني
نظروا إلى المرأة
التي وضعت للفضاء أبعاداً
كي يكون الممكن..
وصرخوا:
يا أنتِ..
أيتها المسمرة بالخصب
المخضرة بالأمنيات
الغائمة بالمسرات

إمرأة برار
وأسى بين الأفق وجفنيها
في جسدها أشواقهم منحوته
وعلى شفتيها تمرح الأحلام
أحبوها في أراض ٍ ماحلات
بعد أن لمسوا خضرة أحشائها

من أجلها
دكـّوا رعباً حصينا
وصخراً جسيما
أغضبوا الوصايا
كما أوصاهم صمتها
وتركوها لأمراض الصحيفه
وطلبوا قهر القتلى بالضرائب
وورثوا الزنزانه

تركوا قماط الأمومه
وإباحة النهود
ليثأروا للأنصاف الأخر
من نقابات المشاعر
وتجارة التقاليد

بدم سحجوا أقدارهم
ركموا التلال الملفوفة
وصنعوا لها الروابي البائده
وأخصبوا الماحلات

محوا بودها هدير الضغائن
فلما ضاعت في مدارات المدائن
احترفوا الألم
وطرقوا بيادي الشبق
بذروا الجدل
فأزهروا في قحل الأمل
ولمسوا أحلامهم
وإذ أدركوا هفوات الأسلاف
استغفروا أمهاتهم
وبجدوى سلّموا أرواحهم.

جاؤوا من دجن مغلفة بالوهم
ليسفحوا النور
فولجوا قبوراً ضيقة
ودفنوا في العتمه
ومن ظلمة إلى ظلمه
تنوعت حظوظهم
وتساوت نهاياتهم

كانوا غلاظاً
واقتنصوا كل الفرص الضائعه
لهم عيون ماضيه
برقت براءة
وقست على فهم الغدر
فالتهوا عن الحزن بالأسى

أسعدتهم فكرة الفناء
والموت صار سميراً
ليرتاحوا من عناء الحقيقه
بعد كل ذاك القهر

بجدوى رحلوا
خسروا أنفسهم
وربحوا العالم
وبضمائر ماتوا
ودفنوا بجفاء.


* * *


لا شعر لعينيكِ هذا الشتاء
رف الآلام تحطم من ثقله
فعرّى العقابيل

نحبكِ..
ونبذر أشلاءنا
بدائل هذا الغياب
ما الذي يجدي غيركِ
بعد كل ذاك الخراب

الآخرون أقل من أوجاعهم
أعماقهم تنسى مباهجها
وتذكر ما تتجنبه
وأرواعهم أغمضت سعادتها
وتفتحت على الكارثه

كم من اللؤم ينبغي لأنتخب الفرح
من كومة الآلام؟..
ماذا أنظر..
غير العيون التي تسقط من سرورها؟
ماذا أطفئ..
غير الفراشات التي تحترق بظلالها؟

لصداقة معتقله
أحرر إخلاصي
لست حصاناً عربياً
لأساوي جحفلاً من الجياع

من أجلك أحزم نفسي
ألملم حطامها
وأبتلع سخامها
وعند حطامهم..
أتفتت.

سمرتكِ الجذوع
أحمل خشبة آلامي وأتبعك
حتى هشيم الآخرين
لأحمل أخشابهم
ويعجب ظلكِ
كيف أقطف من أغصانك
مرارة المحاجر الفاغره
وأنت تعبقين بالأحراج

كل يوم
تنفتق زقاق الألم
فتسيل أوجاعهم
موؤودة في لامبالاة
مضيئة "كتكور النهار على الليل"
فتحكم ذاتي ذاتي
مدة إملاقهم.

الآخرون شفافون كسائل لزج
معصور بقهر
ومختمر بكبت معتق
أساهم يعبر من جراحنا
وفي أوجاعهم نمت الأحلام

الأسماء.. وإن نسيناها
ولو لم نعرفها
تمرح في أفئدتنا
وتزدحم كل غربه
نشعر بقهرها
كما تشعر.

العصافير والأشجار..
تصير زائدة في معاناتهم
وتكتسب ألواناً لم تك قبل..
الأزهار التي تنبت في ظلهم
الألم الذي يتموه في عيونهم
وانكسار الضوء تحت أجفانهم

للنجاح طعم الخيانه..
في سقوط الآخرين
واغتراب انتماء
والذات لقيطة حاضر
وابنة لزمن لم يولد بعد..
زمان آمالهم

للموت في آلامهم طعم الخلود
تكبر المحبة
وتقوى على الهزيمه
وتضعف عند عتابهم

ولأنه لا مكان لهم
إلا الرصيف
ولأننا نحترق
تفيض ذواتنا
وترمى للناقصين
تضمحل في أعماقهم
وتترمد بالحرائق السائلة
في رموشهم.

للقمر وجهين
لا يراهما إلا من صفعته الأقنعه

إسمنت هذا القدر
شجر في مقصله
نفط في مزوله
هنا يضخ التاريخ في المياه الغازيه
ويغني الرصاص الـ"سوبرانو"
وتخضر دمـاء الشهداء

"يتفغرف" التاريخ
في رقاقات الحلم
ويطلى الشرطي بالوداعه
وتتلون خزائن الملوك
بمجد القبور
كي تباع العبودية بالبطاقه
وتسند الخزينة بالرقاب

هنا تبيع المتاحف ظلمها
والجماجم المتعبة من الخلود
وتمنح الجثث المخملية توابيت شكاوى
كي تكتب التاريخ على مهل

الزهور لم تكن لنا
لا.. ولا العصافير
نحن أبناء الموت
نعرف حليب الحياه
وأعالي القمر
ولنا أغنيات
لاتطيقها المُدى
وهي تجمع موتنا طعنة طعنه
وتجهل مشاعرنا
عندما تتألم مصائرنا

الدروب تلتف وتتلوى
تصير ربطات عنق
ومشانق

والعالم الجديد
يمنح الربيع لمن صادروا البحر
والشتاء لمن صادرتهم البيداء

سقط الباطل نحن
والمجد المسربل بالضرائب والشرطة

نحن ثآليل على سراب الطمأنينة
وعار على الخيانة
المبرقعة بالأوسمة والدماء

لأرواحنا ثمن التراب المقدس..
بالألغام والنعال
إننا خبز
لا يؤجل الشبع
إلى تخمة الخزينه

ولأغلالنا بريق أسطع..
من تسول الحريه
تحت موائد الرقابه

ولعزيمتنا الموؤودة بالفاقه
والتعب الراكض إلى الميزانية
ولعينيك المنكوبتين بالقهر
استمرارنا

لصدرك المنهود بالعصي
يميننا
وللموؤودين إملاقاً
من أمراض الحكومه
وعافية السلاح

إننا نكرة على الفأل
والأماني المعشوشبة
نحن أنفة لا تصل
عند قيلولة التاريخ
إلى دماء الغرباء على الحقوق

ليس لوقتنا وقت
في تزاحم الدساتير
على قرابين العداله
ونحن انتظار ممنوع على الزمن
والدهر نزيف انتظارنا

للقدر..
موعد لا ينساه
حتى في أزمة الوقت
ووقتنا صدأ الأزل
واجترار الكارثه
وأقدارنا المغدوره
وميقات الفجيعه
وعقوق الساعه

الموت..
ينتخب ضحاياه
دون أن يستثني رقماً
نازلون عن البقاء
لكن خلودنا هو البقيه
ومن موتنا تولد البقيه
بأنف الصراع

مهلاً يا عشيره
لاتقصي تلك الضفيرة
فما زال باقون
أولاك يقارعون
لما نجوا من الأعداء
التفوا إلى طعان الأصدقاء
علهم يضمدون صدوع البلاد

سلام هذا القدر
وأسلاك شائكه
ومعاول..

* * *

"خرج الزارع ليزرع"
فلم يحضر زاداً
ولم يرجع

الفلاحون الذين تنبأوا عن المطر
فكذبهم صدأ المحاريث
فلحوا لها الأراضي المحجره
وبذروا جوازات المجاعه

صرخوا:
أين أنتِ؟
أيتها المبللة ُ بالخصب..
فاحتجبت وراء الخدور المزهره

صعدوا هضاب عشيره
مروا على جراحها
وضمدوها بأعشاب نابية
رضعت غضب الغمام
بكوا على الماضي
لأن القسوة انقلبت حنيناً
وبالأغاني القديمه
التقطوا آلاماً منسيه
وأعطوها الصور العتيقه
لتبكي
وتزفر سراب ما جرى

ولما وقعت في شباك الوقيعه
غرقت رجاءاتهم
انسحلوا إلى السواحل
مخروا اليم الميت
وفي عواصف الملح قضوا

وحيدة أنت
كسنبلة ضيعها الحصاد
فأوحشتها المجاعه

كر السعاة على قرى درست
ما مر فاتح فيها إلا واندثرت
خبطوا المقارع بالصدور
فانتهرهم صدى
وأنـّت نياط قدور

"سألوا القبائل"..
"قال قائل":
مرت الحرب من هناك
واكترت بسعر بخس
جموعاً جمّه
وأمة تلو أمه
وغمة بعد غمه
لم تبق بشيره
ولا لصوصاً مغيره
"ولا من يحزنون".

مهلاً يا عشيره
لا تجزّي هذي الضفيره

قرى جلحتها الخطوب
فتلوّت مما رأته الدروب
وتقوقعت الهضاب

اندحت لأوجاعها البراري
فأقطعتِ الذاريات قفراً للهبوب
والصدى فضاءً لكيِّ القلوب

اسودّ الحجر
واحدودب قوس البوابه
وأنيناً صار عزف الربابه

قصدوا الجبال
نحتوا الحروف الأولى من أسمائها
في صم المقالع
فزخرفها العشب بنباتات
لأن أحشاءها خضر
حلوّا المرابط
وولوا على وجل
ذهبوا في أحوال سبلهم
فذهبت سبلهم بأحوالهم.

صامتة أنت
"كبرية"

لم يحنِ "اليوم" بعدُ
ولم ينفخ في صور

مر الشتاء على المقثأه
فلم يترك حبراً ولا مقرأه
صدأ المكائن
وصحّر الأماكن
فجاع العجيُّ
وجف ضرع المرضعه


عبر البرابرة براري البرد
وبتروا أناشيد الورد
قطعوا أشجار العائلات
وبعثروا أوراقها في الجهات

هجم المرتزقة على قرى هُجـِرت
ففغرت خواءها الضياع
وفرت الأرياف من ضيم الزمان
وجدوا ذكريات منقوره
ولا أحد لينتقم

شهدوا البنايات تمد آمالها نحو السماء
فأوحلت باروداً ودماء
وتحت هرير الرماد
سمعوا مزامير الأرض تنوح
شقاء البلاد
وانقطعت الأيام
عن سلاسل التاريخ
ذعراً من ذاك المقام

العربات.. طويلاً..
أدمنت غياب البغال
حتى تهتكت..
وجفت العظاءات
كانت أكثر جلداً
كيلا تعي الأوجاع
ونجت بالجيف الضباع

جاس المجوس في حرب ضروس
وزمزموا على قرع التروس
ضربوا الرمل
قلبوا الكؤوس
فاصطفت المعاني
وعبثت بأقدار السواد.

جلست في حضن الوعر تبكي البيوت
تجفف حزناً بوفاء العنكبوت
أتعبها انتصاب جدرانها
فانهارت بأمر دمارها
صعدت إلى القمات
دون جدوى
فداستها القلاع

هبط الشجر في جذوره
وذرق في صيوان الأرض أشعاره
فحملت بحجارتها
وعندما مرت الحرب
أجهضت وعراً
وغصّت بنسغها الخضار

هجم الدغل بعد المعمعه
وابتلع الدروب
اختصب عند المراثي الموجعه
ودمل الندوب
وأعولت الريح تروي الواقعه

اصطفى الدهر منتخبيه
فرمتهم الحرب بالماضي
والهزيمة ظلت أبداً طازجه

نسي الدرب شكل البدايه
وجرى يشك في منحى النهايه
أزمنة قليله
لأمكنة كثيره
حمّلت خطواتها سلال ضَياع
هدايا لكل البقاع
وزوايا الأرض تلهو
بجهات الرياح
وانهيار الفضاء

مهلاً.. مهلاً يا عشيره
لا تقطعي تلك الضفيره

* * *

إخلعْ نعليكَ
وصـُخْ للناحبات تصيحْ:
كل التراب تحتك ضريحْ

النساء..
غسلن دمي من رغاء الطغاة
وجرين في مروج الذات يمامات
وأنزلن خشبة أيامي
عن طقوس السموات
محون آثار الأوصاب العابره
وفككن العروش الوئيده
ونثرن للحنين ممالك شتى
في تربة الأجساد
وأثمرن حيثما أجدبت الجدود

أتت النساء
من براري الوقت
وغطسن في ضيق الزمان
هناك تباطأ الفرح
سقطن في أغوار السدى
فاستمد صبرهن المدى

النسـاء..
اللواتي عقدن أعراساً
رقصن على صفع النعال
باكراً أحببن
فعشقتهن الحقول
نبشن أحشاءهن حباً
وولدن دموعاً للحرب
وعن دموعهن تبلل السواقي كل وهدة
ويندى وهن المساء
وتخشخش الأوراق بحكاياتهن
في وجوم الغاب

نبقت النادبات بعد النائبات
وجدن في الحزن العزاء
وتمرست حناجرهن
بمقامات البكاء

الماخضات رعبا
والنادبات ندبا
شابّات وشيبا

نذرن نذوراً غليظه
علَّ مدبراً يعود
وصمن عن سنينهن
حتى أمحلت الأعوام
فلما غربت أعمارهن
وفات الإياب
رمدت شعورهن
واحترقن كبسطات كاسدة
عند الغياب

لم يبق أحد ليروي
قالت الخرائب
لم يعد غائب

ربع خال
وليل طال
وبين بأرتال
إن في الأمر عسرا
لا وقع لمن أسرى
لا يمنة ولا يسرى

واللواتي بقين...
ولولن في أشداق المدافن
وبذرن شعورهن التراب
ثم شردتهن مؤامرات الجهات

حالمات..
عاجزات..
كنَّ غانيات
لكن هرمن كغدر العاده
زرعن الغيم آمالاً
فحصدن السيول

رفعن الخصاص
ومرجن البطاح
واختصبن قمحاً
وحيثما عادوا كوفئن أوجاعاً
ضمد بهن المقهورون آلامهم

هكذا كنّ
أزهار شائكة
ولهن معجزات ترابيه
وآلام حجريه
عاريات..
ملأن جرار الأرض عشقاً
وسقين رجالاً غلاظاً

صلين أقدارهن هدراً
واغتربن في مفازات حميمه
وقضين آمالهن أوقاتاً مريره
وكلما عَذرن غُدرن

نزلت العذارى في البرك
بقرب مضيئه
ملأنها بغايات الدرك
وانطفأن في بيوت غريبه

خرجت عشيرة على طور العشيره
مزقت عريها..
وحلت الضفيره

وقعت الواقعه
لا مناص من الفاجعه

عاديات
حيَّ على الجنازات
"ما فات قد مات"
"وكل ما هو آتٍ آت"
سحلت أبناءها الأمجاد المغيره
وأتربت بين القذائف فلذتها الصغيره

هبت رياح الجنوب على الأسيره
ولأن جسدها بين الغنائم
انتزعوا أحلامها خلف الحظيره
ونشروا شعرها في أحواش شائكة

عشيرة ترثي الأراضي البور
"تبكي أبناءها
وتأبى أن تتعزى"
تصرخ في طفلها: "يا عمري"
لا تستطيع أن تلده من جديد
ولا منحه حصتها في الحياة
ولا غفران بقاءها بعده.

لا سواعد اللبلاب تعزيها
ولا يتسع لحزنها صدر الثغور
حاكت الوقت صوراً قديمه
أقوت ذكريات مريره
جمعت نشيج الجماعات البائده
وجعلته للأشياء أصواتاً
كي تستعيد سراب ماراح
وما جرى

مهلاً يا أميره
لا تجزي هذي الضفيره


* * *


للتي حررتني باليمامات
فصحوت طائراً إلى غدي

هل رأيتِ الزهر
غزا الزوايا المهدمه
فأعاد لها اعتباراً؟

هل رأيتِ الحب
غزا مصائرنا
فمنح زوالها بعض الخلود؟

اختبأت بي
فعادت إلى نفسها
وما زالت تسقط في ذاتي
إلى ذاتها.

عندما أقع بين يديكِ
جرديني من هذا الجسد
فتجدي خارطة المشاعر

في "رجسة الخراب"
عيناك استراحة الغرقى
هل أنتِ مرضعة الحبور؟..

ومالذي كان هو الحب؟
وما تفعلين
حين يفتح الشبابيك
ويدلق الشمس
في الزوايا المفغله
حين يكنس الشتاء..
من أنامل الأغصان..
بقايا العشق الأخير
في غفلة الفصول.

لا تتركيني..
أخطط تضاريسك بالحدس
فوجعي يمنحك حلمه
ولا تدعيني..
أرطب تجاعيدنا بالأمل
تصيرين السدود
وشحوب العشى

انتظرتك طويلاً
حتى "هرمت"
وكمنت خارج الأسوار
كي أجنبك الانتظار
وأنتظرك أيضاً
حتى تملين
تجديني دوماً في الطريق
لست العنيد
إنه ما عندي
وما عندك.

ماذا أفعل بالأقلام المضيئة..
لا أعرف إن كانت تكتب جيداً؟
وما أفعل بالعذراء..
هل أقامر أن تحب جيداً؟.

قليلاً أعبر هذا العالم
أغيب
وتبقى بعدي الأشياء
غافلة خلودها
وأجعل من جسدي أنشودة
تغني تحت شبابيك عاتمه
وأغنية جندب
تعاتب نهاية صيف غائمه
وأنتِ لاتنتهين.

عندما أجتني فطور غاباتك
أطارد في مفاوزك
فضاءات ذواتنا الغريقه
لأتنفس رائحة انطلاقتنا

بدأتِ في القلب
وانتهيت في كل مكان
ولك في كل حدب صور كثيره
ترسمها الغيوم على اليقظه
وتعبق بها الحدائق

حتى الصباح
أقف على تخوم الأرق
أكمن لقوس قزح
عندما تظهرين بين الغيوم
وأفتح رق الأشعار
لأطوي جنوحاتك.

أقف على كوته
وأختلس منه الفجر
كي أختم لك أوراقي
بنثر من غسق

كل صباح
أتنافس يومياً
من يقتنص طيفكِ
ليمسح الكرى
يدفن الأماسي
عتمة كل ليله
ويعلق الطفولة على الرف
ويترك في القلب ندوباً
ما بقيت تلك الأيام
عبرتها وعبرتني
تعشش فيها وجوه نحبها.

مع الصباح
أعالج نعاس الأزمنه
وأرمم انكساراتها
ولا أتسلق إلا حطامي
وأنا أنتظر
أن تسقط السماء بين يدي
عندما تأتين

عندما تفقد الريح صوابها
ويضيع التشرد
أرسل ثعابيني
فتبتلع عقم الأعراف
كي آوي إليكِ
وأطرق ترددك

مع اخضرار أشعاري
وأنت تتوهين
في عقر انتظاري
وأنت تستبدين
أحيّد المكان
وأجمّد الزمان
وأشعر بكِ ما لم تشعريه
وأهمس لكِ ما لم تسمعيه
وأكتب لكِ ما لم تقرئيه
وأحفظ لكِ ما لم تعرفيه

سأعتصر من الجحيم حنيني
واتركه على أبوابك
سبيلاً للعاشقين
وأحترق ببطء
ما كل هذا الغياب
وفيم يتفحم فيّ الظلام؟.

حنيني إليك
اشتياق الضباب لطي الأرض
وعلى أطلال البنايات القديمه
أجرع الوحدة حتى الثماله
وأطرد خواء العتبات
لألتحف دفء طيفك.

آثاركِ..
ضمادات أليفه
ترفض بديلها
كيلا تسفح جراحاً قديمه
وكلما تلفتْ تلفتُ
تحتضر الأيام
ترسل الزهور إلى التهلكه
وتزهر في حنيني

يسقط النسيان
تفشل الذكريات
وعنادي يقتنص صداك
من عواطف الأوديه
ليلون تيجان الزهر
بدهشة تعق الغفله.

وحيد جداً..
أكثر من ذاتي
أنثر لك الصور
بألباب الكلمات

أهرب إليك من السقوط
على القمم السهله
محملاً بأوزار الآخرين
التي لم يرتكبوها
لأتوّجها وزرك.

أنحت لكِ الأجوبة
في عقم الرجاء
وأزين شفاه النسيم
بأهازيج الهواء
وألون أجنحة الشفق
بأشجاني
وأسطو على القصائد
كي تجددي حصاري
من خلف الأفق.

اشتياقي إليك
يغزل صفير الأرياح
نسائم صيف لطيفك
وينسج عقم الكلمات
شراعاً في أعاصيرك
وخضاراً في صخورك

أنا قرصان المدن الهائمة
على جسدك
أحببت القرى..
فاختطفتني
واعتقلتني البلدات،
سأموج على شواطئك
وأتكسر
سأتقمص العواصف
لأنثر زبدي في خلجانك

يرتشف العشاق
انعطاف المعاني عليكِ
وتتنافس الصور
على إطار لها حولك

أفض أغشية الأسئله
لأسفح دماء الأجوبه
عن سرقات ساحاتك مرايانا.

تبرك التراب
أنبش مقابر النسيان
وأحرر الذكريات
من عنابر الماضي
ليشرق نجمك
في هضاب الصمت
كل لقاء
ويجعل بريق سمرتك
نجم الغياب

أنا نجيب المدائن العنيده
شكمتُ دمارها بالزمن
ملَّ الدهر جلافتي
ولقنتُ الصبر تهوري
أترك لكِ الكرسي الآخر
فارغاً حتى الحسد..
وعداكِ..
أترك للعناكب.. قلبي

أترع لك يسار القصائد
نخب إملاق
وأثمل في سلام بصيرتكِ
وأنتِ تخترقين اليمين

فتحت صدري حقل تجارب
لبراءة سريرتكِ
وبحت للصمت اعتراضي
وأنت بالنفيِ تحكمين

رديني قبلي
قبل أن تكوني
ضلعاَ من ضلوعي
حاباه الفؤاد
لأنه لم يجبل من طين.

أقاوم مآرب الظلام
حين يمسح صورتك
بجدائله الداكنه
وأجدل أحلامي
من جذور الحنين

أحفر مناجمي حتى يديكِ
أنقّب في الأمنيات
وأجمع الرغبات
لأملأ نقي العظام
بمعادن الوداعة

تردد تجاويفي أصداء طيفك
يضج المد في كهوفي
والرطوبة تحمل رائحتك.

جسدكِ الفضاء..
كيف اقتلاعكِ
وأنت منثورة في فراغي
ضياءاً من حريق المجرات؟.

يعربد انتظاري
يفرخ الأيام
ولا يحصي ذرّيـّه
ويربطني إليكِ
قيداً إلي

على وحشة نلتقي
وعند الجسد نحتكم
بريئاً من أوزاري أدينه
وأصلبه انتظاراً
حتى يقنط القدر.

الأيام ترمينا بالماضي
فيقذفه بُعدك بالآجل
أؤجل الوقت حتى ربيعك
فيغدق عليه بالخريف

حين أبحث عن ذاتي
أتعثر بكِ
وحين أبحث عنكِ
يقتلني الوقت
ويحوم الذباب على زمني
فيهجر الماضي مساحاته
إلى محطاتك
سككاً تعشق مصداتها.

من أجلكِ
أقطـّر الحنين قصائد
وأبذر القلوب شقائق
وأخصص لكِ هذا القلب
صومعة بور
أوحشها مواء الهواء
وكيلا يدركك الماضي
أقف على هوامش الأزمنه
خفيراً لإشارات الإياب.

يقفز الماضي إلى الأمام
ويرتج باب وقته
حتى تنسى الشوارع امتدادها
إذا ثكلت خطواتك
وحتى يستوطن هواكِ
قيعان الأفئده
سأنثر في مداكِ شعاراتي
لتتهجأ أحرف جسدك
وتشق دروباً لماض ٍ
لا يطرقها سواكِ

أشعاري لك.. احتراقي
وأنت تنخلعين مني
لأنه لايمكن إلا أن أحبكِ
فإني أحبك..
ولأننا نحترق
فإني أغسل جسدك
بالماء الذي يسقي جسدي

أنتِ موجودة..
حتى ولو لم تكوني موجوده
حتى ولو لم تكوني.

أغيب وتبقى الأشياء
قابعة في ذواتها
وأنت أين تكونين؟.

رقيقة أنت..
كرائحه.

* * *

لنا كل الثلوج
كل الوحول
كل العيون الغارقه
كل الشفاه الذائبه
كل القلوب النازفه

وعندما تأتين
لنا الشمس
وكل السماء
لنا النجوم والتخوم

وغداً..
تأتين مع الشمس
يمامة مع الأغصان
يلمع البدر في خديك
ملوحاً باكتئاب الشتاء
ونمر على صمت المستنقعات
لنوشح جسدك بعري الماء
ونعج الراكدات
ترمين العيون بشظايا الجمال
فلا يبقى من ماضٍ إلا احتضار الطحالب

غداً تحملين بالسحر
وتلدين الشمس
يلمس الشتاء وجنتيكِ بأنامله الخشبية
ويقشط قشر الدهور
ونمر على غرب المدائن
نطارد وطناً من خرافات الجده
نلاحق فرار الأفق
لنقذف نقاط الزوال
وتأخذ بلمساتك أبعادها الأشياء

تثمرين في الشتاء
شجراً فوق الفصول
لعينيك تجاويف قرم
تصطخب بأعراس السناجب
ونمر على شفير الزمن
لنخلع الوحشة عن تأخر الثمار
وتتركين البراري موحلة بالطلع
وأجسادنا مشتعلة بالمنى
كأحلام الطين بجسد جوال

غداً تنهضين مع الشمس
ضروعاً للبحيرات
تمطر على عطش الشتاء
لبناً من طفولة الينابيع
وتمرين علينا
مرور الضياء كل صباح.



#ناسان_إسبر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رداً على مقال نضال نعيسة: ماذا وراء طرد الجاسوس والصهيوني ال ...
- أقرع يونسنا
- الانتهازية في اليسار السوري


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناسان إسبر - عشيره