أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هند عباس الحمادي - الحياة والجائحة














المزيد.....

الحياة والجائحة


هند عباس الحمادي
أستاذة جامعية

(Hind Abbas Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6541 - 2020 / 4 / 19 - 02:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الحياة عنصرٌ دائم الحركة والدوران .. متغيرُ يثبتُ تقلباته في كل حين وزمان .. يثبت أنه هو المتحكم في زمام الأمور ، ويفرض سطوته عليك مهما امتلكت من وسائل دفاعية تدافع فيها عما حاولت أن تنظم تراتيب مقتضيات شأنك ، وهنا لا إنكار أنها قدرة الخالق سبحانه وتعالى هو المتحكم الوحيد بهذا العنصر ، ما نريده أن نستعيض في كلامنا هنا أن ما يحدث من متغيرات نطلق عليها "عنصر الحياة " . فهو دولاب يدور بك .. يرفعك .. يهبطك .. متى شاء تلك مشيئة علينا أن نؤمن فيها دوماً .
واليوم وبعد مرور أشهر على ( جائحة كورونا ) نجد أنفسنا إننا لم نصدق تلك الجائحة أول الأمر ، قلنا ستنتهي بعد أن تترك أثرها كعاصفة هوائية ستمر كما مرت سابقاتها.
توالت التفسيرات والتحليلات والترجيحات والمبررات والمسوغات والتنبأت والخيلات ، وطالت الأيام ولم تقصر .. فقدّنا العادة والاعتياد في تيسير الكثير مما اعتدنا أن نقوم به ، فرضَ علينا الكثير مما لم نعتدّ عليه . والناظر لما يحدث يجدُ أن عنصر الحياة أدخل العالم في جائحته ، وجعله ضيفا في كل بيت في الكرة الأرضية ، ودقَّ ناقوسا وضع الجميع في دولابه .
فكانت اسمها ، وما اطلق عليها مدار الكثير من التساؤلات ، ما الجائحة ؟ ما تعني ؟ ولَمَ لم تعتدّ الأُذن على سماع هذه المفردة ؟.
الجائحة في التفسير اللغوي هي لفظة جاءت على صيغة اسم الفاعل من الفعل ( جَاح ) ، وبناءا على صيغتها البنائية فهي تدلّ على الحدوث والتجدد ، تفيد معنى البليّة ، التهْلكة ، الداهيّة ، وتصريفها : جَاحَ ، يَجَوح ، مصدر جَوْح ، جيَاحَة ، وقد وردت في الحديث الشريف لنبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وعلى آله ، خير من نَطق بلسان وعبر ببيان : " أعَاذكم الله من جَوح الدهر" ، أيّ بلائه وهلاكه .
وإذا أردنا أن نخضع هذه المفردة على وفق عنصر الحياة سيقول لنا عالم العربية عبد القادر الجرجاني (ت 471ه) في كتابه دلائل الإعجاز :" إن الألفاظ المفردة التي هي اوضاع اللغة لم تُوضع معانيها في أنفسها ؛ ولكن لأن يضمّ بعضها إلى بعض فيعرف ما فيها من فوائد " ، أي أن الألفاظ المفردة تَكون حياتها في النسق الذي تأتي فيه ، ولا يمكن أن تعطي دلالتها لوحدها منفردة ، فاللفظة تعطي دلالة مقصدها حين تندرج في سياقٍ يُفهم المقصد من حِلّه وترحاله .
ولفظة اليوم " الجائحة " لم نفهم معناها إلا حين ارتبطت بفيروس ( كوفيد ــــ 19 ) المسمى بكورونا ، الذي هبط على العالم كله ، وادخله في دوامة ألّا علاج فيه إلا بالوقاية منه ؛ لذلك اطلقت لفظة الجائحة عليه ؛ لأنه بلية العصر التي اجتاحت العالم .
ولكن آن لنا أن ننظر للأمر بمنظار أخر ، نتفق جميعا بعد أن فهمنا أن لفظة الجائحة تفيد البليّة والمصيبة ، وكل مصيبة تكون للنسق الذي تأتي فيه ، فكانت جائحة كورونا بليّة طغت على العالم كلّه ، ولكن المفارقة المدوية التي فجرتها الجائحة أن دولا كانت تعتدّ بقوة نظامها الصّحي، وتفتخر فيه لم تقاومها، وفارقت الكثير من اعزائها ولم تستطع أن تقف بوجهها ، مقارنة بدول فقيرة معدومة النظام الصحي كل ما كان عليها أن تحبس مواطنيها وتقول لهم : استتروا من الجائحة .
وإذ اقتربنا أكثر بمنظارنا لما يحيط بنا سنجد أن عنصر الحياة والجائحة اختلف بين بني البشر ، فكل له جائحته التي رمت ثقلها عليه من دون أن يكون لجائحة كورونا الهم الأكبر.
فتوالت الصور المتباينة التي اظهرت جوائح البشر ، فهناك من كان بليته أن يقلب نظاما طالما كثر جوره وظلمه ، وهناك من كان همه أن يكمل العمل الذي توقف ، وحلمه أن يراه على قيد الإنشاء ، وهناك من همه أن رزقه ورزق عياله انقطع بتوقف الحياة ، وهناك من كان همه أنه اشتاق لرؤية احبابه واعزائه ومنادمتهم ، وهناك من كان همه ألّا تذهب " كورونا " لأنها ستفضح المستور ، وهكذا كل منّا له جائحته التي يستيطع بما يمتلكه من قدرة وإرادة أن يتغلب عليها ، أو تتغلب منه فتكون جائحته للأبد .. سيبقى عنصر الحياة يدخلنا كلّ يوم بدولابه ليرى مَن منّا الذي سيصمد .
فإن نظرنا بزاوية أخرى بمنظارنا واقتربنا أكثر فأكثر ، وتخيّلنا أن عنصر الحياة توقف دولابه ، وفقد خواصه ، وأصبح متغيرا ساكنا وجامدا ، عندها سيكون الاستفسار الأول كيف ستكون الحياة من دون دولاب عنصرها ، ومتغيراته ؟ .
في البدء ستأخذ الحياة دور الجمود ، وتسكن في هدوء مقيت ، فلا حركة ، ولا متغيّر يحصل في الوجود ، ويقتنع كل منّا بما آلت إليه شكل حياته .
وهنا سيفقد العقل البشري أهم سماته ، فلا حاجة لوجوده ، فلا متغييرات تريد حلولا ، ولا احداث تريد تراتيبا لها . ثم لا تكون للإرادة المعنوية لبني البشر مسوغا لوجودها ، وتنتهي مقولة الحاجة أم الاختراع ؛ لأننا أصبحنا وأمسينا بالوجود نفسه .
فهل نحمد عنصر الحياة ونشكره على جوائحه التي تحلّ علينا ؟ سنقول بالتأكيد نعم ، فلكلٌّ جائحة جانبان ، الجانب الإيجابي والجانب السلبي ، والممتع أن نرى الجانب الإيجابي قبل السلبي لتكون الخطوة الأولى لمواجهتها ، ونضع الحلول الناجعة لها ، ونقود جائحتنا بإرادتنا إلى مستقر أمان لنا ، وهنا لا نتكلم عن المستحيلات والخيلات فطالما غاص عالمنا بشخوص واجهوا جائحتهم بقوة صلبة وحديدية ، وبرعاية إلهية جعلتهم عنوانا ، ومنارا يشار لهم بالبنان. فكم من قصص واقعية ناجحة سمعنا بها في محيطنا العادي ، أو في محيطنا العالمي كانت مقاومة الجائحة هي ديدن شخوص تلك القصص ، فقادوا أنفسهم إلى حياة غير الحياة التي واجهوا فيها جائحتهم .
ولن نبالغ حينما نقول : نحن كلنا نواجه جوائحنا ، كلّ بطريقته ، بل كل حياتنا قامت على أن نواجه كل يوم جائحة تختلف عن الأخرى في مسمياتها ومتغيراتها ، وكنا ننجح في صد هذه الجائحة ، والفوز على تلك ، أو نقف أمامها فلا قدرة إلا بالصمود بوجهها مهما كانت الصعاب .
الحياة تتجدد حينما نقف أمام جوائح حياتنا ، وتجدد طاقتنا لأمل بحياة جديدة ، ومتغير نحو الأفضل ، فلا خلاص من عنصر الحياة ودولابه ، إلا بمواجهته . تحياتي



#هند_عباس_الحمادي (هاشتاغ)       Hind_Abbas_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بـ4 دقائق.. استمتع بجولة سريعة ومثيرة على سفوح جبال القوقاز ...
- الإمارات.. تأجيل قضية -تنظيم العدالة والكرامة الإرهابي- إلى ...
- لحظة سقوط حافلة ركاب في نهر النيفا بسان بطرسبوغ
- علماء الفلك الروس يسجلون أعنف انفجار شمسي في 25 عاما ويحذرون ...
- نقطة حوار: هل تؤثر تهديدات بايدن في مسار حرب غزة؟
- حصانٌ محاصر على سطح منزل في البرازيل بسبب الفيضانات المميتة ...
- -لا أعرف إذا كنا قد انتشلنا جثثهم أم لا -
- بعد الأمر الحكومي بإغلاق مكاتب القناة في إسرائيل.. الجزيرة: ...
- مقاتلات فرنسية ترسم العلم الروسي في سماء مرسيليا.. خطأ أم خد ...
- كيم جونغ أون يحضر جنازة رئيس الدعاية الكورية الشمالية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هند عباس الحمادي - الحياة والجائحة