أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد السعدي - في حضرة عامر عبدالله .















المزيد.....

في حضرة عامر عبدالله .


محمد السعدي

الحوار المتمدن-العدد: 6511 - 2020 / 3 / 11 - 22:03
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


في مطلع السبعينيات وعلى التخوت العتيقة لمقاهي قرية الهويدر في محافظة ديالى ، كان يدب همس حديث يومي بين جالسيه تلك المقاهي حول آمور البلد السياسية مقروناً بالتحليل والتنبؤات عن شراكة سياسية قادمة بين البعثيين والشيوعيين ، وطوي صفحة الماضي القريب المخضبة بالدم والعداء . كان أسم المرحوم عامر عبدالله هو الأكثر تردداً على مسامعي ، وأنا الصغير ومازال عودي غضاً في الفهم والأستيعاب ، لكنه في الأيام القادمة ترك علامة في مسيرتي السياسية ليس لي وحدي بل مئات من شيوعيي فترة الجبهة الوطنية مع البعثيين ، كان أسماً لامعاً في صدارة تلك الاحداث ومعطياتها .

عامر عبدالله … الشخصية الشيوعية والمفكر الأهم وربما الأوحد في تاريخ الحركة الشيوعية العراقية على مدى صفحات تاريخها . ولد العام 1924 في مدينة عانه لواء الدليم في عائلة عربية عريقه في تقاليدها وأنتمائها الوطني . أنتقل الى العاصمة بغداد في مقتبل شبابه وأنخرط في العمل السياسي في وقت مبكر . تعرف في بغداد على أبن مدينته عانه عزيز شريف رئيس حزب الشعب وجريدته ( الوطن ) ، وبسبب ظروفه الصعبة في العاصمة بغداد وفر له أبن مدينته عزيز شريف سكن داخل بناية جريدة الوطن بين أكوام الحبر والورق وركامات المطبعة . ومن نوافذها بدأ يرصد الاحداث ويكتب ويحلل ويشارك في المظاهرات ضد سياسة النظام الملكي مما تعرض الى الملاحقة والأعتقال . سافر الى بيروت بعد رؤيته مشانق ساحات أعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي ( فهد ، حازم ، صارم ، يهودا صديق ) ، في 14 شباط 1949 .

في بيروت تعرف على قادة الحزب الشيوعي اللبناني وشخصيات من القوى الوطنية وللأطلاع على ظروف البلد السياسية قربته أكثر من الفكر الماركسي وتعمقه به ، وعندما عاد الى العاصمة بغداد أنضم الى الحزب الشيوعي العراقي ليتدرج في أعلى تراتيبه وليصبح من أهم قادة الحزب ومن ألمع مفكريه .

في سنوات لاحقة من مسيرة النضال تعرفت بشكل قريب ووثيق على الراحل عامر عبدالله ، وذاكرتي مليانه بصور مختلفة الابعاد بعضها مغطاة بالغبار . في دمشق عام 1988 وعن طريق بعض الرفاق والاصدقاء ألتقيت بالراحل عامر عبدالله لأول مرة في بيته الكائن في منطقة محي الدين ، وجدته كما قرأت عنه وسمعت من بعض المقربين منه بتواضعه الجم ودماثة أخلاقه وبساطته المتواضعة وعمق موسوعته الفكرية والسياسية وقدرته على تحليل الأحداث وأبعادها التاريخية . كثرت لقاءاتنا بزياراتي المستمرة الى بيته في دمشق ، وتعززت أكثر بعد معرفته أني أبن أخت الشهيد الضابط الشيوعي خزعل السعدي ، وأطلاعه بشكل مفصل على مواقفي وتعرضي الى الاعتقال في بناية الشعبة الخامسة وأساليب التعذيب التي تعرضت لها ونجوت بأعجوبة .

وفي فحوى تلك اللقاءات ومصير حياتي في العيش الصعب في دمشق ، بدأ الرجل يقترح عليه جملة حلول بالمساعدة في ترتيب حياتي بتجاوز الأزمات المتلاحقة التي لاحقتني من تجربة الجبل الى التسلل الى بغداد والإختفاء بها الى ظروف الاعتقال والى أن وطأت رجليه أرض دمشق بلا عمل أو أفق قريب يلوح بحل قريب لوضعي المعيشي . كانت أكثر الحلول القريبة والممكنة هو حصولي على الجواز اليمني لأتمكن من خلاله السفر من سوريا باتجاه أوربا ، في وقت صعب قررت به الحكومة اليمنية الجنوبية بوقف منح جوازات سفر الى العراقيين والفلسطينيين للضبابية في مواقفهم وعلى ضوء تلك التداعيات على الاحداث الخطيرة التي شهدتها اليمن والأحتراب الداخلي بين رفاق الأمس أدت ضياع أفق تلك التجربة الفريدة من نوعها في المنطقة .

في هذا الأثناء من بدايات العام 1989 . سافر المرحوم عامر عبدالله الى العاصمة عدن على ضوء دعوة رسمية من حكومة اليمن الجنوبية الجديدة ( علي سالم البيض ) أثر الأقتتال الداخلي الرفاقي شهر يناير 1986 قتل على أثرها عبد الفتاح أسماعيل وعلي عنتر وعلي شايع هادي وهرب علي ناصر محمد ورفاقه الطرف الثاني في الصراع والتصفيات الى اليمن الشمالي ليستقر به الحال في دمشق العاصمة ، فذهب المرحوم عامر للاطلاع على مقتضيات الوضع الجديد بعد حمامات الدم التي سالت في شوارع عدن ، ووضع خطة خمسية للبلد لتجاوز عقبات أحداث الماضي والنهوض بالبنية التحتية في البلد ، كان قد أملني المرحوم عامر عبدالله في حال وصوله الى عدن سيبذل جهود مع المسؤولين هناك من أجل حصولي على جواز يمني ، بعد أيام من وصوله أتصلت بي السيدة بدور ( أم أريج ) زوجة عامر عبدالله الموظفة في السفارة اليمنية بدمشق . وأبلغتني مع باقات تهاني لقد تمت المواقفة على حصولي على جواز يمني وما عليه الأ أن أذهب الى السفارة اليمنية في دمشق حاملاً صور شخصية لأجل أستلام الجواز .

بعد أيام عاد الى العاصمة دمشق الراحل عامر عبدالله حاملاً في ذهنه عبأ ثقيل عن تداعيات الاحداث في اليمن وتأسفه على ما أصاب شعب اليمن من ويلات وتشظي وضياع التجربة ومواقف الرفاق ، وأعلن عن رغبته في الأنتقال الى العاصمة التشيكية ( براغ ) حسب قوله .. سأقضي آخر عمري هناك وسأجهد نفسي في كتابة مذكراتي حول تجربتي السياسية ، وأضاف لي أملاً ، عندما أجد هناك فرص متاحة في براغ من خلال الرفاق للسفر الى بلدان اللجوء سأبعث لك خبراً في المجيء لنا . وفي غضن عدة أسابيع ، أستلمت رساله من باقر أبراهيم ( أبو خولة ) أن أتوجه الى العاصمة ( براغ ) ، وسعدت بها ولملمت حالي وحزمت حقيبتي بإتجاه العاصمة ( براغ ) . وصلت لها يوم 15 آيار 1989 الى مطار العاصمة ، وكان في أستقبالي الراحل عامر عبدالله في المطار ، وكان يوم مشمس ودافيء ، ورافقته في سيارة تاكسي الى بيته الجميل في أطراف مدينة براغ .

في مساء اليوم ألتقيت مع الرفاق بسهرة في قصر الثقافة التشيكية ، بالاظافة الى عامر عبدالله ، المرحوم حسين سلطان ، عدنان عباس ، عبد الحسين شعبان ، رواء الجصاني ، نجم الدليمي .. وآخرون . بقيت عشرة أيام في مدينة براغ الجميلة ، كنا يومياً نتجول في المدينة نلتقي برفاق وأصدقاء وأحبة ، والشوارع تغص بالشبيبة الشيوعية فرحين مسرورين ، يتعانقون بقبل طويلة للتعبير عن حبهم للحياة ، لكن لم يدر في خلدهم أن بعد عام ستغتال تلك التجربة ، والحديث الذي يستهوينا والطاغي هو العراق ونية النظام في توجهات جديدة حول التعددية والمفاوضات والعودة بعد نهاية الحرب العراقية / الإيرانية ، ووصول الوسيط الدائم للوساطة والمفاوضات ، الشخصية الشيوعية مكرم الطالباني حاملاً في جعبته توجهات جدية في الخروج من الأزمة والعودة الى الميثاق الوطني . وعلى آثر تلك التطورات أخرت قليلاً من أندفاعي نحو التوجه الى مملكة السويد ، أملاً في إيجاد صيغ للتفاهم والأعلان عن أنفراج سياسي ، ففضلت العودة الى بغداد بدلاً من التوجه الى طلب اللجوء السياسي . وكان هناك توجه عام بهذا الاتجاه بما ضمنهم الحزبين الكرديين الأتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني ، لكن في اللحظات الأخيرة أحبط المشروع ، عندما حمل المرحوم عبد الرزاق الصافي وثيقة الأتفاق الى العاصمة دمشق ، هناك توقف كل شيء ؟. وأنتهى .

كان المرحوم عامر عبدالله لايخفي توجساته من أزمة فكرية وسياسية ستحل في بنية الحزب وتطلعاته وعلاقته بالجماهير مما حصل في خيمة المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي في منطقة ( آرموش السفلى ) ، وشبهها بأحداث قاعة الخلد عام 1979، عندما ذبح صدام حسين رفاقه . في خيمة المؤتمر الرابع تم عزل 26 عضو لجنة مركزية ، وشمل حتى ممن رحل عن الحياة . ومنح عزيز محمد بعد أن أعيد تعينيه سكرتيراً للحزب بأختيار عشرة رفاق جدد للجنة المركزية ، مما أطلق عليهم العشرة المبشرة في الجنة ، وأستمروا لسنوات واحد داخل والآخر خارج رافضه عزرائيل .

بدأت أبحث عن مخارج للوصول الى السويد ، فذهبت برفقة الدكتور عبد الحسين شعبان الى السفارة البولندية في العاصمة براغ للحصول على فيزة لجوازي اليمني ، فتعرقلت في غياب السفير اليمني ، وفي عودتنا الى بيت عامر عبدالله ، توصلنا الى حل ، قام به الدكتور شعبان فحصلت على الفيزة ، وبعد يومين ودعني المرحوم عامر في المحطة العالمية لحركة القطارات بإتحاه العاصمة وارشوا . في يوم 3 حزيران 1989 وطأت قدماي رصيف مدينة إيستاد السويدية في رحلة مضنية وصعبة عبر باخرة بولونية عملاقة .

عاش الراحل عامر عبدالله أخر أيامه في العاصمة لندن ، ولم تنقطع زياراته الدائمة الى العاصمة ( أستوكهولم ) ضيفاً عند قريبته السيدة هيفاء ( أم هند ) ، وكنت على تواصل دائم معه لحين رحيله المر في شقته بالعاصمة لندن يوم 29 كانون ثاني 2000 .
ومازال حول رحيله سجالاً ، وأراء وأفكار وكتب ورسائل أطروحه حول منجزاته الفكرية الكبيرة ودوره السياسي البارع ورؤيته الثاقبة للاحداث .

سطور من كتاب في قيد الاعداد .
مالمو / 2020



#محمد_السعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صورة المناضل مهدي أبن بركة .
- خواطر عن الثورة في ساحات العراق .
- سامي كمال .. الانسان والقضية .
- صفحات من كتاب سجين الشعبة الخامسة
- اليوم العالمي للغة العربية .
- سلام عادل .. صورة غير نمطية للقيادة الشيوعية .
- وداعاً شوقي الماجري .
- جائزة نوار للابداع .
- رد’ على رد .. صورة لبيد عباوي .
- سائرون بين الجريمة والعقاب ؟.
- بغداد تتهيأ ...؟.
- الهويدر .. قريتي . 2/ 2
- الهويدر .. قريتي . 1/ 2
- قادة الحزب الشيوعي العراقي .
- عامر السعدي .. ذاكرة وطن .
- مهمة من بغداد . Mats Ekman ( ح 8 )
- مهمة من بغداد . Mats Ekman ( ح 7 )
- سجون .. إغتراب .. نضال .
- إعترافات متأخرة .
- الدال والمدلول وما يمكث ومايزول .


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد السعدي - في حضرة عامر عبدالله .