أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - مايا جاموس - عندما يحضر الأحباء الغائبون عبر تفاصيل الحياة














المزيد.....

عندما يحضر الأحباء الغائبون عبر تفاصيل الحياة


مايا جاموس

الحوار المتمدن-العدد: 1571 - 2006 / 6 / 4 - 09:35
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


عندما يحضر الأحباء الغائبون عبر تفاصيل الحياة
ها قد مضى شهر، ووالدي وراء القضبان..
كم كان هذا الشهر طويلاً، لا أبالغ إن كنت الآن أقارنه بالثمان عشرة سنة سجن السابقة. قد يضحك أو يسخر البعض لكن هذه حقيقة الحال...
الآن بدأت أحسّ بلوعة البعد بل الفقدان، فالسجن هنا في سوريا مرادف للموت أو الزوال ، إنها حالة إفناء عجيبة.
هنا وسط الحياة الرتيبة ، تأخذ التفاصيل الصغيرة شكلاً آخر، غريباً، إنها الذكريات ذات الطعم الخاص، ذكريات حقيقية لأب حقيقي لا متخيَّل، كالماضي... أب يحضر الآن من الفجوات الصغيرة للحياة : نحنحة وسعال بتّ أفتقدهما، قبلة ناعمة على جبيني وكأس شاي في الصباح . وتحضرني تعليقات كان سيقولها فيما لو كان حاضراً، فعندما أفتح التلفاز أقول لنفسي : في هذه اللحظة كنا سنختلف قليلاً عما سنشاهد : مباراة بكرة القدم أم مسلسل درامي سوري، لكنه كان سيقنعني أن الحلقة من المسلسل سيعاد بثها ليلاً وأنني سأتمكن من مشاهدتها لاحقاً وبالتالي ينتصر هو وأُجلد أنا بمباراة قد تنتهي ولا يعرف هو من الفريقان اللذان يلعبان، إنما سيتعالى تشجيعه وتحميسه لأي لاعب متميز ...
إنه موسم التوت ... أفكر : لو كان والدي خارج ذلك السجن اللعين لما بقي لحظةً في دمشق، كان سيسبق الريح إلى اللاذقية ليسابق عصافير الدوري في قطاف التوت ... أمس عندما زرته في سجنه وقابلته من وراء الشبكين الحديديين، طلب مني أن أقطف نيابةً عنه القليل من توت الشجرة القريبة من بيتنا في القرية.
وعلى ذكر الشبكين الحديديين، بينما كنت أنتظر قدوم والدي لزيارته، كنت أراقب المكان المزدحم حولي بالسجناء والزوار، والحقيقة أن الفكرة التي كانت مسيطرةً عليّ هي "تهريب" والدي، وبخيالٍ طفوليّ اكتمل السيناريو في ذهني، من قص الشبك الحديدي بآلة عجيبة لا تصدر صوتاً!!! طبعاً لم أفكر لحظتها بكيفية إدخال تلك الآلة ( كيفية تجاوزها لأربعة حواجز تفتيش تغربل كل ما يمكن أن نحمله معنا من أغراض و أطعمة)، بهذه النقطة بالذات "نأسف" على سجن صيدنايا أو حتى سجن تدمر ... لنعد إلى السيناريو : بعد قص طبقتي الحديد سيقفز والدي بسرعة خيالية باتجاهي وأكون أنا قد اصطحبت معي ملابس مدنية ، سيرتديها بدل ملابس السجن المخططة القميئة فلا يعرف أحد أنه سجين ، وعندها سنركض ونركض حتى نصبح بعيدين عن ذلك الجحيم المسمّى سجناً... وبينما نحن نركض ، ارتطمت عيناي بكاميرا للمراقبة وضعت خلفي ، مواجهةً للسجين – والدي ، ثم جاء صوت المساعد آمراً أحد السجناء بارتداء القميص المخطط، هكذا أدركت أن السيناريو غير قابل للتنفيذ..لعلي في الزيارات القادمة أجري عليه بعض التعديلات اللازمة.
الآن ونحن ننتظر حفيدنا الأول، لعل والدي لم يكفّ عن أحلامه وأفكاره الكثيرة حول حفيده ، كيف سيلاعبه أو بشكل أدق كيف سيلعب معه. كان يحلم في أن يصطحبه على درّاجته النارية ويريه- قبل أن يعي أي شيء – البحر والغابات، كان يفكر في الاشتراط على أهل الطفل أن يعوّداه على الحليب الصناعي منذ الأيام الأولى لولادته، كي يتمكن من اصطحابه إلى كل مكان حتى إلى الاجتماعات الحزبية .. بل يضحك من قلبه و يقول : أعتقد أن مجيء هذا الحفيد سيؤثر سلباً على عملي السياسي .
لسوء حظ والدي هذه المرة أنه يقبع مع مدمني المخدرات والمجرمين. ولعله الآن يمارس تمارينه على الحياة ويروّض سجانه ويدرّبه على فهم الإنسانية ، كما كان يفعل في السابق. ولعلّه استطاع أن يجد من يمنحه شيئاً من القدرة على الحلم ، فقد سبق له أن علّم اثنين من الأميين في المعتقل.
أذكر أن بعض السجناء السياسيين في سجن صيدنايا قد تمكّنوا من تربية عصافير الدوري ، وكلنا نعرف أن تربية الدوري من أصعب الأمور. هذه العصافير تعوّدت على مناخ السجن، على فضاء ضيق يُقاس بالمكعبات الإسمنتية وقضبان ينشف عليها لحم السجناء ، هذه العصافير أو أشباه العصافير عندما كانت تُطلق من شباك العنبر، الذي لا يتجاوز حجم الرأس ، كانت تعود ... وتفزع من السماء، تفزع من هذا الانكشاف الواسع والمدهش.
عندي ثقة هائلة بقدرة والدي على الحياة ، لكن أية حياة هذه في عتمة المعتقلات وفي ظروف قاسية أشبه بامتحان طويل للصبر، لا ينتهي!

بالنسبة لي هذه المرة من الاعتقال أقسى، هناك فرق شاسع بين أن تفقد شيئاً لم تملكه أصلاً، وبين أن تفقد ما ملكت. أعني أنني وُلدت ثم اعتُقل والدي بعد خمسة أشهر من ولادتي فلم أعرف أن يكون لي أب وبالتالي مرارة فقده أخف وطأة . هكذا كنت طفلة ًتعرف كيف تحلم بوالدها، تصنعه كما تشاء، ترسم ملامحه، تلوّن طباعه وتلجأ إليه في لحظات الحنين . أما الآن فقد أصبحت ابنةً شابة-طفلة لأب حقيقي ملموس، تعرفه تماماً رغم قصر السنوات الستة التي عاشتها إلى جانبه. من المخيف أن تحب شخصاً .. وتخسره.
الآن عاد والدي إلى عالم لم يخرج منه أصلاً .... المعتقل. أرجو ألا أفقده طويلاً.
مايا فاتح جاموس



#مايا_جاموس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الذكرى السادسة لخروجه من المعتقل فاتح جاموس _الأب : في ال ...


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية تعلن انضمام دولة عربية لدعوى جنوب إفريقي ...
- حل البرلمان وتعليق مواد دستورية.. تفاصيل قرار أمير الكويت
- -حزب الله- يعلن استهداف شمال إسرائيل مرتين بـ-صواريخ الكاتيو ...
- أمير الكويت يحل البرلمان ويعلق بعض مواد الدستور 4 سنوات
- روسيا تبدأ هجوما في خاركيف وزيلينسكي يتحدث عن معارك على طول ...
- 10 قتلى على الأقل بينهم أطفال إثر قصف إسرائيلي لوسط قطاع غزة ...
- إسرائيل تعلن تسليم 200 ألف لتر من الوقود إلى قطاع غزة
- -جريمة تستوجب العزل-.. تعليق إرسال الأسلحة لإسرائيل يضع بايد ...
- زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة-
- نجل ترامب ينسحب من أول نشاط سياسي له في الحزب الجمهوري


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - مايا جاموس - عندما يحضر الأحباء الغائبون عبر تفاصيل الحياة