أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - النظام العقائدي النصيري: {ألوهية علي بن أبي طالب ج1}















المزيد.....


النظام العقائدي النصيري: {ألوهية علي بن أبي طالب ج1}


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 6320 - 2019 / 8 / 14 - 12:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بالنسبة إلى النصيريين، يُعَدُّ علي بن أبي طالب [المعنى] _ابن عم النبي وزوج ابنته فاطمة_ الظهور الأخير والأكمل من بين جميع الظهورات الإلهية، حيث أوحى خلاله بدين الإسلام والشريعة الإسلامية. وهو الذي اخترع محمد [الاسم/الحجاب] من نوره _كما شرحنا في الفصل السابق_ وعلّمه القرآن. إنّه ينبوع الإسلام. هو الله: إله القرآن ذاته.
مهما كانت الصفات والخصائص التي يعزوها المسلمون إلى الله، فالنصيريون ينسبونها إلى إلههم المعنى [علي]. بعضها ينسبونها إليه بصورته البشرية، وبعضها الآخر بألوهيته[ 1]. السؤال الأول في الكتيّب الديني "كتاب تعليم الديانة النصيريه" على الشكل التالي:
((س1: مَنْ هو ربنا الذي خَلَقَنا؟
الجواب: هو مولانا أمير المؤمنين، أمير النحل، علي بن أبي طالب، وهو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم))
أمّا السؤال الثاني فهو على النحو التالي:
((س2:من أين نعلم أنّ مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هو الله؟
الجواب: من شهادته ووصفه لنفسه في خطبة له مشهورة نطق بها على المنبر أمام كافة من حضر، وعَلِمَها أهل العقل والنظر، فقال: أنا عندي علم الساعة، وعَلَيّ دَلّت الرسل وبتوحيدي نطقت وإلى معرفتي دَعَت. أنا سَمّيتُ أسمائها، واسطَحتُ أرضها، وأرسَيتُ جبالَها، وأجرَيتُ أنهارها، وأخرَجتُ ثمارَها، أنا غَسَقتُ الغَسَق، أنا أطلَعتُ شمسها وأنَرتُ قَمَرَها، أنا خَلَقتُ الخَلق وبَسَطتُ الرِّزق، أنا رَبُّ الأرباب ومالِكُ الأرقاب، أنا العَلِيُّ العَلام، أنا قَرْم من حديد، أنا المُبدِئ المُعيد، أنا أولَجتُ عيسى في بطن مريم أمّهِ إيلاجاً، أنا أرسَلتُ الرُّسُل ونَبّأت النبيين))[ 2].
كما هناك إقرار آخر بألوهية علي [المعنى] في السورة الحادية عشر من "كتاب المجموع" أو "الدستور"، بعنوان (الشهادة) ويسمّيها العامة "الجَبَل". الغريب في هذه السورة هو أنّ الاعتراف بألوهية علي مرتبط بالإسلام بوصفه إلهاً للدين. تبدأ السورة بالمقطع الافتتاحي التالي: ((السورة الحادية عشرة واسمها الشهادة والعامة تسميها "الجَبَل": شَهِدَ الله أنّه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، إنّ الدين عند الله الإسلام، رَبّنا آمَنّا بما أنزَلتَ واتّبَعتَ الرسول فاكتُبنا مع الشاهدين بشهادة ع م س)).
ثم تستمرّ الشهادة على النحو التالي: ((أشهَدُ بأنّ ليس إلهاً إلا علي بن أبي طالب الأصلع المعبود، ولا حجاب إلا السيد محمد المحمود، ولا باب إلا السيد سلمان الفارسي المقصود... أشهَدُ بأنّ الصورة المرئية، التي ظهرت في البشرية، هي الغاية الكلية، وهي الظاهرة بالنورانية، وليس إلهٌ سواها وهي علي بن أبي طالب وأنّه لم يُحَطّ ولم يُحصَر، ولم يُدرَك ولم يُبصّر، أشهدُ بأني نصيري الدين))[ 3].
كما يؤكّد النصيريون بأنّ الدليل على أنّ عليّ هو الله مَبني على شهادته الخاصة في القرآن، والتي يُزعَم أنّها تحتوي على معنى باطني يشير حصرياً إلى ألوهية علي. ويبدو هذا واضحاً وجلياً في "كتاب المشيخة"، حيث قيل أنّ علياً قال: ((أنا أنا، وأنا الذي آمَنَت بي بنو إسرائيل، وأنا الذي ناداني نوح فمنتُ له نِعمَ المُجيب، وأنا الذي ناداني ذو النون في الظلمات أن لا إله إلا أنت، وأنا الذي ناديتُ موسى وكَلّمته من الشجرة، وأنا الذي أرسلتُ إلى مريم من نفخ فيها من روحنا، وأنا الذي رفعتُ إدريس مكاناً علياً، وأنا الذي أظهرتُ عيسى ورفعته إليّ وأنا الذي طَلَبَتني القرون بعد القرون، وأنا الرحمن على العرش استوى وليّ ما في السموات وما في الأرض وما بينهما، وما تحت الثرى، وأنا الله الذي لا إله إلا أنا لي الأسماء الحسنى والمَثَل الأعلى والربوبية الكبرى والألوهية العظمى وكل ذي روحٍ ناطقةٍ بأمري، وما تسقط من ورقةٍ إلا أعلمها ولا حبةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ بعلمي، ولا إله غيري ولا معبود سواي))[ 4].
ويمضي النصيريون لأبعد من ذلك بالقول أنّ النبي محمد قد شهد شخصياً بألوهية علي. وقد جاء في أحد الأسئلة من كتاب التعليم:
((مَنْ دَعانا إلى معرفة مولانا أمير المؤمنين؟
الجواب: رسوله محمد صلعم كما قوله في خطبة بيعة الدار:"اسمعوا الآن ما أقول لكم وإياكم تشكّون، اعلموا أني أدعوكم إلى الله عزّ وجل، إلا أنّ علياً مولاي ومولاكم لأنكم خواص أنصاري. ... أدعوكم إلى علي بأمرٍ منه، وإياكم الريب إلا أنّ نبوّتي تحت ولاية علي، لأنّ علي الذي نبّاني إليكم وهو الذي خلقني من نور ذاته وهو ربي وربكم وخالقي وخالقكم فاتّقوه وطيعوه ووحّدوه وسبّحوه وقدّسوه واعبدوه لأنّ هو الله الذي لا إله إلا هو"))[5 ].
ويحتوي "كتاب المشيخة" على شهادة مماثلة ولكنها أكثر تفصيلاً عن النبي محمد يتحدّث عن ألوهية علي، نقلها سلمان الفارسي. يقول سلمان أنّ النبي دعاه ومعه عدّةٌ من أصحابه، بما فيهم علي، إلى بيت أُم سَلَمَة، إحدى زوجات محمد، وبعد أن تجمّع الصحابة، أخبرهم النبي أن يبتهجوا، لأنه دعاهم تملك لمصلحتهم ولخيرٍ فيهم وأن يسمعوا ويعقِلوا ما سيقوله لهم. الخطبة طويلةٌ جداُ، لذلك سأقدم هنا مقتطفات منها فقط.
((إسمعوا ما أقول لكم وإياكم والشك فيما تسمعون منّي: إعلموا أنّي أدعوكم إلى علي بن أبي طالب كما أدعوكم إلى الله، ألا إنّ علياً مولاي ومولاكم، ألا إنّ علياً نبّأني ألا إنّ نبوّتي تحت ولاية علي، ألا إنني خُلِقتُ من نور ذات علي، ألا إنّ علياً علّمني القرآن، ألا إنّ علياً أرسلني إليكم، ألا إنّ علياً ربي وربكم، ألا إنّ علياً معاقبكم فخافوه، ألا إنّ علياً رازقكم فاسألوه، ألا إنّ علياًله ما في السموات وما في الأرض وما بينهما، وما تحت الثرى، ألا إنّ علياً يعلم سرّكم ونجواكم ويعلمون ما تُبدون وما تكتمون، ألا إنّ علياً ربُّ المشرق والمغرب لا إله إلا هو يُحيي ويميت، ربّكم ورب آبائكم الأولين، ألا إنّ علياً لا إله إلا هو رب العرش العظيم، ألا إنّ علياً له مقاليد السموات والأرض يُبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وهو بكلّ شيء عليم وإليه تصير الأمور، ألا إنّ المؤمن من آمَنَ به قبل ولايته، ألا إنّ المسلم من أسلَمَ له بالحقيقة في معرفته، ألا إنّ الشهيد مَن شَهَدَ له بالربوبية وأقَرّ له بالوحدانية، ألا إنّ المغفور مَن غَفَرَ له علي، ألا إنّه لا مهرب منه إلا إليه، ألا إنّ علياً لا يُحَدّ ولا يوصف ولم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ولم يتَخذ صاحبةً ولا ولد، ولم لكن له شريكٌ في المُلك ولم يكن له وليٌّ من الذلّ وكبّره تكبيرا، ألا إنّ علياً لا إله إلا هو الحَيّ القيوم لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ له ما في السموات وما في الأرض، مَن ذا الذي يشفع عنه إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيءٍ من علمه إلا بما شاء وَسِعَ كرسيه السموات والأرض لا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم، ألا إنّ علياً على كل شيءٍ قدير...))[ 6].
((هذا إلهُكُم فاعبدوه، هذا بارئكم فوحّدوه، هذا الذي أشرتُ في كتابي إليه، ودللتكم بقولي عليه، وقلت لكم هو الأول والآخر والباطن والظاهر وهو بكلِ شيءٍ عليم تلويحاً. وهذا القول قوله تصريحاً والذي كنت أدعو إليه، ها هو هنا ظاهراً فاعبدوه حقّ عبادته ووحّدوه مخلصين في توحيده))[ 7].
في الواقع، كتب النصيريين مليئة ومُتخَمَة بأحاديث وشهادات مماثلة فيها إشارات إلى ألوهية علي. وما على المرء سوى أن يقرأ كتاب المجموع والقدّاس اللذين أدرجهما سليمان الأذني في كتابه "الباكورة السليمانية" ليدرك تمام الإدراك أنّ النصيريون يؤمنون بعلي وحده كإله واحد لا شريك له. على سبيل المثال، قدّاس الإشارة، يبدأ بالعبارة الافتتاحية التالية: ((الحمد لله على التمام علي نور الأنام، علي ربُّ العزّة، علي فالق الحبّة، علي باري النسمة، علي ينبوع الحكمة، علي مفتاح الرحمة، علي سراج الظلمة، علي جبّار الجبابرة، علي مبيد الأكاسرة، علي صاحب القباب الفاخرة، علي إمام المحراب، علي قالع الباب، علي مفرّج الكربات، علي صاحب المعجزات، علي داحي الأرض، علي حُبّهُ فرض، علي نزهة الشيب، علي عالِم الغيب، علي مالك الدنيا، علي صاحب الآخرة والأولى، علي شقّ الصخر، علي نور الفجر، على نهر الخمر... علي مُعَلّل العلل، علي مفني حركات الدول... علي رافع السماء، علي بديع الزمان، علي رفيع الشان، علي كثير العجايب، علي ربُّ المشارق والمغارب، علي فارس الفوارس، علي مُحيي العظام الدوارس، علي مُنَزّل الكتاب، علي مُفَرّق السحاب، علي رَدّ الشمس، علي قابض على كل نفس، علي العزيز الجبّار، علي قادرٌ قهّار، علي ضارب بذوالفقار، علي حيدرة الكرّار، علي جبّار الأرض، علي صاحب النوافل والفرض، علي أحد فرد، علي هابيل، علي شيت، علي يوسف، علي يوشع، علي أساف، علي شمعون الصفا، وإلى هذا المعنى نسبّح ونقدّس ونهلّل ونكبّر ونمجّد ونعظّم إلى ما أشارت إليه الأولين، ودلّت على قدم معنويته الأنبياء والمرسلين، ونشير إلى ما أشار إليه شيخنا وسيدنا الحسين بن حمدان الخصيبي، ونشير إلى ما أشار إليه جَدُّهُ محمد بن نصير العبدي البكري النميري، ونشير إلى ما أشار إليه سلمان الباب، ودَلَّ على معنويته السيّد محمد الحجاب، في السبعة الأقباب، من هابيل الرضى إلى حيدرة أبو تراب، اعلموا يا إخواني أنّ إلهكم معنى المعاني القديم الأحد الفرد الصمداني، بولايته نرتفع إلى جِنان الرضى ةزيادة الأنوار. اعلموا أنّ هذه صلاتنا وحَجَّنا وزكاتنا وإشارتنا وعبادتنا في سِرِّ سِرِّنا وخالص يقيننا، إلى علي بن أبي طالب الأنزع البطين الذي لا يتجزّأ ولا يتبعّض ولا ينثني في قسم ولا يدخل في عدد ولا يحول ولا يزول ولا تغيّره الأزمنة والدهور))[8 ].
إنّ عملية تأليه علي المبيّنة في المقطع السابق تتنافى مع روح الإسلام ورسالته، وهذا ما ينتهك كلاً من القرآن والسُّنّة النبوية. فبالنسبة لتيار الإسلام الأرثوذكسي، تعتبر هذه التصريحات محض تجديف وكفر. ومع ذلك، وعلى الرغم من أنّ الشيعة الإثنا عشرية يتبرّأون من الغُلاة و تأليههم علي، إلا أنّ اعتقادهم بالوجود الأبدي للأئمة وسلطتهم الإلهية، بمن فيهم علي، وإيمانهم بعصمة هؤلاء الأئمّة، فإنّ ذلك يعزّز قناعتنا بأنّ الإثنا عشرية أنفسهم يؤمنون بالطبيعة القدسية لعلي.
أحد الألقاب الممنوحة لعلي _المعنى_ له دلالة خاصة ضمن النظام اللاهوتي النصيري. وكما سنناقش في فصلٍ لاحق من هذا الكتاب، فإنّ علياً أول شخصٍ بين شخوص الثالوث النصيري المقدس. ولهذا يطلق عليه لقب "المعنى"، وهو مصطلح يشير من الناحية اللاهوتية إلى المُقَرّر السببي، علّة العِلَل، وسبب الأسباب، والعنصر البدئي، والحقيقة الإلهية، ومعنى جميع الموجودات والمخلوقات. فاستخدامهم لقب "المعنى" لعلي، يوضّح الاعتقاد النصيري بأنّ علي هو الله، مصدر كل شيء وغايته. فمعنويته (نموذج ألوهيته البدئي)، التي كشف عنها محمد، هي جوهر الله. فالمعنى هو اسم اللاهوت في كافة ظهوراته فيما يخصّ الاسم والباب، الشخصان الثاني والثالث من الثالوث. ولأنّ هذه المعنوية لا يمكن فهمها في سياق منفصل عن الإسم، فقد كان من الضروري أن يصبح الاسم [محمد] وسيطاً لإطهار معنوية علي وألوهيته. وكما يقول أبو عبد الله بن هارون الصائغ، قال سيّده الخصيبي أثناء حديثه عن معنوية علي، أنّ علي هو محمد، لكنّ محمد ليس علي، لأنّ الألوهية مقصورة على المعنى (المُقَرّر السببي)، تماماً كما الحرارة خاصية من خصائص النار. أي أنّ النار تحتوي على حرارة، لكنّ الحرارة لا تحتوي على النار بكليتها. فالنار تحتوي نوراً ودخاناً ونشاط، بالإضافة إلى الحرارة، في حين أنّ الحرارة لوحدها لا تحتوي على جميع هذه العناصر. وهكذا، بينما يحتوي علي على محمد، وكل ما في القبّة المحمدية (فترة من فترات الظهور والتجلي)، لا يحتوي محمد كامل الحقيقة الإلهية[ 9].
بقول أبي عبد الله ابن هارون الصائغ في مسائله ((وكذا الاسم من معناه بدأ وإليه عاد وانتهى، وكان بدؤه منه انفصال ورجوعه إليه اتصال، فإنّه ولو أظهر نورية الانفصال فإنّه بنفس الحقيقة بمعنى الاتصال كإشعاع القرص من القرص... وكالضوء من النار والحركة من السكون وكالنطق من الناطق وكالنظر من الناظر، موصول بالنور، منفصل بمشاهدة الظهور)).
نلاحظ أنّ مصطلح "المعنى" ليس مقتصر على الفرقة النصيرية، فقد استخدمه المُقتَنَى بهاء الدين، أحد الكُتّاب الدروز الأوائل، حينما قال ((الحمد لله الذي ميّز نفسه عن كل الكائنات الأخرى، أنّه وحده "معنى" كل الظهورات الإلهية)). يقول دي ساس الذي يقتبس هذا المقطع: ((تعبير "معنى" مقدّس بشكلٍ خاص لدى الأنصارية [النصيريين] حتى في الوقت الحاضر. إنّه يشير إلى اللاهوت المستتر بالصورة البشرية))[ 10].
ومن خلال رغبتهم في التأكيد على ألوهية علي، ينكر النصيريون أنّه من لحم ودم. ويعتقدون أنّه ظهور نوراني. وتتضح هذه النقطة في كتاب التعليم، حيث يُطرح السؤال التالي: ((س: إن كان مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هو الله فكيف تجانس مع المتجانسين؟... الجواب: إعلَم أنّ مولانا أمير المؤمنين لا يتجانس مع المتجانسين، بل أنّه احتجب بمحمد في كَوره ودَوره وتَسَمّى علياً))[ 11]. بمعنى آخر، كان علي "غلافاً" للإله، وكان هذا الغلاف محتجب بغلاف آخر، وهو محمد، الحجاب[12 ].
ولكن إذا كان علي لا يعتبر جسداً ودم، فكيف ننظر لحقيقة أنّ معظم علاقات علي الشخصية وردت مفصّلة في الكتابات والنصوص النصيرية؟ فهي تتحدّث عنه باعتباره رجلاً هاشمياً من كِلا طرفي عائلته. وقد وردت أسماء إخوته _حمزة وجعفر وطالب وعقيل_ وتمّت تسمية أبنائه الحسن والحسين_ وبناته _زينب وأم كلثوم_ وورد وصف قبره بالقرب من الكوفة في العراق[ 13]. ويرد تفسير هذا التناقض الظاهر في السورة الرابعة عشرة من "كتاب المجموع"، بعنوان "البيت المعمور". جاء فيها: ((بِسِر طالب وعقيل وجعفر الطيّار هم أخوة علي بن أبي طالب نورٌ من نور، وجوهرٌ من جوهر. وعلي بن أبي طالب مُنَزّهٌ عن الأخوة والأخوات والآباء والأمهات أحداً أبداً، موجود باطن بغير غُمود. سِرّ البيت وسقف البيت وأرض البيت وأربع أركان البيت. أمّا البيت فهو السيد محمد وسقف البيت وأربع أركان البيت)). حسب هذه السورة، إنّ إخوة علي، على غرار علي نفسه، هم نور من نور، وجوهر من جوهر. وعلي تعالى عن الأخوة والأخوات والأبوّة والبُنُوّة. فهو أزلي أبدي موجود أبداً. إنه خفيّ لكنه غير محجوب، بمعنى أنه، إنّه خفيّ بطبيعة جوهر ألوهيته. إنّه سرّ البيت، والسقف، والأرض، والركن الصلب، أي أنه كل وجميع أفراد البيت، أو عائلة النبي، الذين يؤلّفون _معه_ وحدة إلهية متفرّدة[14 ].
يشير كتاب "الهَفت الشريف" المنسوب للمفضل بن عمر الجُعفي نقلاً عن الإمام جعفر الصادق بوضوح إلى أنّ الأئمّة، وعلى رأسهم علي، ليسوا خاضعين لقوانين الطبيعة والحياة والموت التي تنطبق على باقي أفراد الجنس البشري. فحسب الإمام الصادق، عندما يريد الله إظهار إمام، فإنه يرسل روحاً من عنده فيدخل في الإمام المستقبلي، وبذلك يتطهّر من كل دَنَس أو خطيئة[15 ]. وحسب كُتيّب التعليم النصيري الذي حصل عليه كارستين نيبور، من الواضح أنّ النصيريون يؤمنون بأنّ محمداً، و فاطر [فاطمة]، إلى جانب الحسن والحسين ومحسن (أبناء علي الثلاثة من زوجته فاطمة، ويقال أنّ محسن مات وهو في بطن أمّه)، هم في الحقيقة شخصٌ واحد، جميعهم علي [المعنى][ 16]. وهؤلاء الخمسة يؤلّفون ما يسمّى "بأهل الكِساء"، أي أسرة النبي، ويعتقد العَلَم الشيعي المتشدّد الشُعَيري أنّهم كائنات إلهية قدسية[17]. في هذا الصدد، الفرق الوحيد بين النصيريين وأتباع الشُعَيري هو أنّ الأخير يعتبر علي من بين الخمسة، في حين أنّ النصريين يعتبرون محسن الخفي هو الشخص الخامس، ويعتقدون أنّ هؤلاء الخمسة يشكّلون وحدة إلهية واحدة ترمز لعلي.
ويتجلّى اعتقاد النصيريين بألوهية علي في استخدامهم للألقاب والأسماء الكثيرة التي ترد في الكتاب المقدس والقرآن منسوبةً فقط لله. لقد ذكرنا سابقاً أنّه وفقاً لمصادر نصيرية، فإنّ المعنى والاسم والباب لهم أسماء ثلاثية: مَثَلية، وذاتية، وصِفاتية. لكنّ دراسة متأنّية للمصادر النصيرية تبيّن لنا أنّ جميع هذه الأسماء لأشخاص الثالوث النصيري الثلاثة تشير إلى علي، وله وحده.

يتبع.....
للتواصل على البريد الإلكتروني: [email protected]
===================================================

1) رسالة التوحيد، علي بن عيسى الجسري، المكتبة الوطنية بباريس Arab MS. 1450, fol. 47. مناظرة الشيخ النشابي، مصدر سبق ذكره، fols. 80-81 و103. وأيضاً لايد، اللغز الآسيوي، صـ133.
2) انظر "كتاب تعليم الديانة النصيرية"، المكتبة الوطنية بباريس Arab MS. 6182, fol. 2. وكتاب لايد، اللغز الآسيوي، صـ271. وانظر أيضاً: أبو موسى الحريري، "العلويون النصيريون"، صـ55. وحسب تفسير علي ابن إبراهيم في كتاب "التفسير"، صـ283، النحل هم المؤمنون الشيعة.
3) هذه السورة مذكورة في كتاب الأذني "الباكورة السليمانية"، صـ26-27، و"كتاب المشيخة" ضمن كتاب لايد، اللغز الآسيوي، صـ114.
4) كتاب المشيخة، صـ205. سلسلة التراث العلوي، ج9، كتب العلويين المقدسة، تحقيق وتقديم أبو موسى الحريري والشيخ موسى، دار لأجل المعرفة، ديار عقل، لبنان، 2008.
5) كتاب تعليم الديانة النصيرية، السؤال رقم 3.
6) كتاب المشيخة، صـ206
7) المصدر السابق.
8) الأذني، كتاب الباكورة السليمانية، صـ46-48. لايد، اللغز الآسيوي، صـ246-248. رسالة البيان لأهل العقول والأفهام ومَن طلب الهُدى إلى معرفة الرحمن، مخطوطة رقم [Arab MS. 1450, fol. 54b] المكتبة الوطنية بباريس، وكتاب الأسوس، مخطوطة رقم[Arab MS. 1449, fol. 54,] المكتبة الوطنية بباريس.
9) مسائل أبي عبد الله بن هارون الصائغ، نقلها ابن هارون عن سيّده أبو عبد الله بن حمدان الخصيبي، مخطوطة [Arab MS. 1450, fols. 52-53]، المكتبة الوطنية بباريس.
10) De Sacy, Exposé, 1:60
11) كتاب تعليم الديانة النصيرية، السؤال الرابع، مخطوطة [Arab MS, 6182, question 4, fol. 3]، المكتبة الوطنية بباريس.
12) كتاب المشيخة.
13) المصدر السابق. انظر أيضاً: كتاب تعليم الديانة النصيرية، المسائل 45-48. المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 6182, questions 45-48] ((س45: ماذا تُدعى بالظاهر أم مولانا أمير المؤمنين؟. الجواب: تُدعى فاطمة ابنة أسد ابن هاشم ابن عبد مُناف، ولم يكن في زمانه هاشمي ابن هاشمية غيره. س46: من هم أخوة مولانا أمير المؤمنين؟. الجواب: هم حمزة وجعفر وطالب وعقيل. س47: من هم أبناء مولانا أمير المؤمنين بالظاهر؟. الجواب: هم حسن والحسين وابنتاه زينب وأم كلثوم)).
14) الأذني، الباكورة السليمانية، سورة البيت المعمور، صـ30.
15) رسالة التوحيد، علي بن عيسى الجسري، المكتبة الوطنية بباريس Arab MS. 1450, fol. 47. مناظرة الشيخ النشابي، مصدر سبق ذكره، fols. 80-81 و103. وأيضاً لايد، اللغز الآسيوي، صـ133.
16) كتاب تعليم الديانة النصيرية، سؤال 21. المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 6182, question 21, fol. 6]. مخطوط كتاب التوحيد، المكتبة الوطنية بباريس [Arab MS. 1450, fols. 45-46]
17) أبو الحسن علي ابن إسماعيل الأشعري، كتاب مقالات الشيعة، صـ14-15. والشهرستاني، كتاب المِلَل والنِحَل، ج2، صـ13.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عَزاء أبيقور [2]: عن الموت ومواجهة فنائنا الخاص
- عَزاء أبيقور[1]: الكائن الخالد وما يشوب الإنسان من مشاعر وعي ...
- النظام العقائدي النصيري: {مفهوم الإله ج2}
- النظام العقائدي النصيري: {مفهوم الإله ج1}
- الفلسفة النصيرية-العلوية [4]: المكوّن الفارسي في العقيدة الن ...
- الفلسفة النصيرية-العلوية [3]: المكوّن الفارسي في العقيدة الن ...
- الفلسفة النصيرية-العلوية [2]: العلاقة بين المعنى والاسم
- الفلسفة النصيرية-العلوية [1] طبيعة اللاهوت النصيري-العلوي
- الوجودية [10]: نظرة تاريخية
- الوجودية [9]: نظرة تاريخية
- الوجودية [8]: نظرة تاريخية
- الوجودية [7]: نظرة تاريخية
- الوجودية [6]: نظرة تاريخية
- الوجودية: فلسفة إنسانية نحن في أمسّ الحاجة إليها [5]
- الوجودية: فلسفة إنسانية نحن في أمسّ الحاجة إليها [4]
- الوجودية: فلسفة إنسانية نحن في أمسّ الحاجة إليها [3]
- الوجودية: فلسفة إنسانية نحن في أمسّ الحاجة إليها [2]
- الوجودية: فلسفة إنسانية نحن بأمس الحاجة إليها [1]
- الأرض (ليونيد أنرييف)
- الجنس والله: كيف يعكّر الدين حياتنا الجنسية [2] (أن تعيش كذب ...


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - النظام العقائدي النصيري: {ألوهية علي بن أبي طالب ج1}