أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف الغشوي - ظاهرة الإختلاف في الإسلام















المزيد.....



ظاهرة الإختلاف في الإسلام


يوسف الغشوي

الحوار المتمدن-العدد: 6266 - 2019 / 6 / 20 - 22:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تعتبر ظاهرة الإختلاف في الآراء و الأفكار و التصورات و النظريات و المعتقدات بين بني البشر ظاهرة أزلية غارقة في القدم، يعود تاريخها إلى ميلاد الكائن البشري على وجه الأرض، و هي كذلك ظاهرة طبيعية و واقعية و فطرية، و ذلك نتيجة لاختلاف مراتب العقول، و تناقض المصالح، و تقويم الأحداث، و تفسير النصوص والتعاليم و الأفكار بطريقة مغايرة و مختلفة.
و قد أكد القرآن الكريم على حتمية وجود الإختلاف بين أبناء البشر حسبما شاءت إرادة الله تعالى وحكمته. و كما أن القرآن نص على ضرورة الإختلاف بين الناس، كذلك ينص العقل و الفطرة و الواقع الملموس على هذه الضرورية باعتبارها ظاهرة طبيعية في الحياة الإنسانية. و من هنا، فليس غريبا اختلاف البشر في الأفكار و التصورات و المعتقدات، و لكن الغريب حقا هو محاولة البعض جعل الناس كلهم يؤمنون بفكر واحد، و ثقافة واحدة، و معتقدات واحدة.
يقول يوسف القرضاوي: "و إن من العبث، كل العبث، أن يراد صب الناس كلهم في قالب واحد في كل شيء و جعلهم نسخا مكررة و محو كل اختلاف بينهم، فهذا غير ممكن، لأنه مخالف لفطرة الله التي فطر عليها الناس".
ثم إن هذا الإختلاف، إنما هو اختلاف تنوع، و التنوع دائماً هو مصدر الإثراء و الخصوبة، و هو أية من آيات الله الدالة على عظيم قدرته و بديع حكمته. و الإختلاف في صفات البشر، و اتجاهاتهم النفسية يترتب عليه اختلافهم في الحكم على الأشياء، و المواقف و الأعمال، و يظهر ذلك في مجال الفقه، و في مجال السياسة، و في مجالات السلوك اليومي و العادي للناس.
و ما دام الإختلاف و التعدد أمرا قائما في اللغات و الشعوب، و في المناهج و الحضارات، فمن الطبيعي بعد ذلك أن يختلف البشر في التفكير و الفكر، و في الفلسفة و الحكمة، و في المدارس و المذاهب، و التوجهات و في كل مناحي الحياة.



1-مفهوم الاختلاف
مفهوم الاختلاف لغة: مصدر اختلف، والاختلاف نقيض الاتفاق، واختلف الأمران لم يتفقا، وكل ما لم يتساو فقد اختلف. و الاختلاف والمخالفة أن ينهج كل شخص طريقا مغايرا للآخر في حاله و قوله. ومفاد هذا أن عدم التساوي بين طرفين فأكثر وعدم الاتفاق بينهما يعد اختلافا، وهو المغايرة بين الوجهات و الأفهام، وقد يستعمل الاختلاف في الكتب الفقهية بمعناه اللغوي
مفهوم الاختلاف اصطلاحا:الاختلاف في مفهومه الاصطلاحي يعني به عدم اتفاق آراء العلماء أو الباحثين في الحقل المعرفي إزاء قضية معينة، و إما تكون القضية دينية، أو سياسية أو اقتصادية، و غير ذلك، حيث يأخذ كل باحث أو عالم، أو جماعة متخصصة مسلكا غير مسلك الآخرين، بهدف وصول كل منهم إلى الحقيقة و المصلحة الراجحة.
2-أنواع الاختلاف
وينقسم الاختلاف إلى ثلاثة أقسام:
1-2- الاختلاف الديني
الذي يتفرع بدوره إلى فرعين:
أ – الاختلاف العقدي: وتتمثل العقيدة في أركانها الستة، وهذه العقائد تؤخذ بالتسليم للنصوص. لا شأن للعقل فيها ولا للرأي أما الاختلاف في بعض المسائل العقدية الفرعية التي لا تمس حقيقة الإيمان الجازم ، فهي جائزة : مثل مسألة: هل رأى النبي الله تعالى؟ و غيرها من المسائل الأخرى..
ب – الاختلاف الفقهي: و الاختلاف في هذا الجانب يكون في الأحكام التشريعية الفرعية التي تتردد أحكامها بين احتمالات متعدد يترجح بعضها على الآخر ،إما على الجواز أو المنع ولا تستدعي في ذلك المراء و الجدل، مثل قضية تحية المسجد لمن دخل و الإمام يخطب و كتب الفقه مملوءة بأمثالها .
2-2-اختلاف التنوع
وينقسم إلى ثلاثة أقسام
أ – اختلاف التنوع في العبارة : وهو أن يعبر كل من المختلفين عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه مثل ذلك تفسير الصراط المستقيم قال بعضهم هو القرآن و قال بعهم هو الإسلام . فهذان القولان متفقان لأن دين الإسلام هو إتباع القرآن الكريم و كذلك من قال هو السنة و الجماعة.
ب – اختلاف التنوع في المعنى المستفاد من النص: وهو أن يذكر كل من المختلفين أحد المعاني التي استفادها من الاسم العام على سبيل التمثيل و تنبيه المستمع ، لا على سبيل حصر جميع المعاني المقصودة مثال ذلك تفسير قوله تعالى : " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالما لنفسه و منهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير" . قال بعضهم :السابق الذي يصلي أول الوقت و المقتصد في أثنائه و الظالم لنفسه الذي يؤخر صلاة العصر إلي الإصفرار. وقيل : السابق المحسن بالصدقة و المقتصد بالبيع ، و الظالم بأكل الربا .
ج- ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقا مشروعا في ذاته وقد دل عليه النص:
مثل ذلك القراءات التي اختلف فيها الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم حتى قال لهم بعدما احتكما إليه: كلاكما محسن و الاختلاف في وجوه الآذان و الإقامة للصلاة.
3-2 -اختلاف التضاد
اختلاف التضاد هو مخالفة الحق و الركون إلى الباطل بأي شكل مذموم ، وتكون الأقوال فيه متنافية إما في الأصول و إما في الفروع عند الجمهور الذين يقولون المصيب واحد. فهذا النوع من الاختلاف يتوجه إلى التنازع و الفشل و العداوة و البغضاء. لهذا فالإسلام يحرمه لأن الأصل في الاختلاف مجرد إبداء للآراء و تعدد للأفهام بقصد درء المفاسد و جلب المصالح .
3-أسباب الاختلاف
1-3- الاختلاف بسبب اللغة
اللغة العربية موضوعة للتخاطب، و يعبر بها الإنسان عما يدور في نفسه من معان، يفهمها الآخر ففي اللغة هناك الألفاظ المشتركة وهي " اللفظ الواحد الذي يحتمل معاني متعددة "و المعروف أنه لا يحمل على أحدهما إلا بقرينة وقد يختلف الناس في هذه القرينة. ومثاله قوله تعالى :" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" فالقرء يطلق و يراد به الطهر ، و يطلق و يراد به الحيض، فحمله بعض العلماء على معنى الطهر لقرينة تأنيث العدد (ثلاثة)، فلو كان المراد الحيض لذكر مذكرا، و حمله بعضهم على الحيض مستدلين بحديث: " طلاق الأمة سنتان، و عدتها حيضتان " ، وهذا يدل على أن المعتبر في العدد الحيض لا الطهر.وكذا قد يستعمل اللفظ في غير ما وضع له لقرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي وهو المعروف بالمجاز و غير ذلك.
وعلى هذا فقد اختلف العلماء في فهم المراد من كلام الشارع إذا ورد بتركيب متردد بين الحقيقة و المجاز ، أو أورد لفظ مفرد يحتمل الأمرين فيحمله بعضهم على المعنى الحقيقي ، و يحمله الآخرون على المعنى المجازي و ذلك كلفظ "الميزان" فحقيقته تلك الأداة التي يزن الناس بها الأشياء .
ويطلق على العدل مجازا، قال تعالى:
" والسماء رفعها ووضع الميزان، ألا تطغوا في الميزان، و أقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان"
فالميزان في الأولى و الثانية استعمل في "العدل" كما في قوله تعالى :"لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط" وفي الثالثة أريد به المعنى الحسي، وهو الأداة التي توزن بها الأشياء.
وأحيانا يكون المجاز في التركيب كما في قوله تعالى : " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم ريشا" (الأعراف: 26)، فمن المعلوم أن اللباس لا ينزل من السماء وهو لباس ، ولا الريش كذلك ، ولكن الله تعالى أنزل المطر و أنبت النبات و خلق الحيوان و كساه الصوف و الشعر و الوبر، و أنبت القطن و الكتان ليتخذ منه اللباس، فأسند إلى المسبب وهو اللباس بدلا من السبب وهو الماء الذي جعل الله تعالى منه كل شيء حي.
ومن المعروف أن صيغة "افعل" للأمر و "لا تفعل" للنهي، ومطلق الأمر يفيد الوجوب، و مطلق النهي يفيد التحريم، ذلك هو الاستعمال الحقيقي لكل من الصيغتين، و لكن قد ترد كل منهما لمعان غير المعنى الذي وضعت له أولا.
فقد يرد الأمر للندب والإرشاد و التهديد: نحو قوله تعالى : "اعملوا ما شئتم" (فصلت:4)
وكذلك النهي قد يرد لغير التحريم: كالكراهة و التحقير في نحو قوله تعالى : "لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم" (الحجر:88)، كما أن الأمر قد يرد بصيغة الخبر، وكذلك النهي قد يرد أيضا بصيغة الخبر و النفي، وكل ذلك له آثار في اختلاف الفقهاء، وفي طرائقهم، وفي استنباط الأحكام الشرعية من النصوص.
وأحيانا تختلف مذاهب العلماء في فهم النص لاختلاف أحوال كلمة واردة فيه،وإن لم يختلف معناها، كاختلافهم في قوله تعالى "ولا يضار كاتب و لا شهيد " (البقرة:282) حيث ذهب بعضهم إلى أن المراد بها صدور الضرر من الكاتب و الشهيد و ذلك بأن يكتب الكاتب ما لم يمل عليه ، ويشهد الشاهد بخلاف الواقع، ودليل هؤلاء قراءة ابن عباس رضي الله عنهما:"ولا يضار كاتب ولا شهيد" . وذهب آخرون إلى أن المراد وقوع الضرر عليهما ، كأن يمنعا من أشغالهما، ويكلفا الكتابة و الشهادة في وقت لا يلائمهما، ودليل من ذهب إلى هذا قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: " ولا يضار كاتب ولا شهيد" فلما كانت اللفظة مدغمة في لغة تميم، احتمل بناء الفعل للمعلوم، و بناؤه للمجهول، فحدث هذا الاختلاف، و إن كان فك الإدغام لغة أهل الحجاز .
2-3- اختلاف المصادر
هناك أدلة اختلف الفقهاء في درجة الاعتماد عليها، كالاستحسان و المصالح المرسلة و قول الصحابي و الاستصحاب و الذرائع و نحوها من دعوى البراءة أو الإباحة و عدمها، و كقاعدة العام المخصوص ليس بحجة ، و المفهوم ليس بحجة.
3-3- الاجتهاد بالقياس:
الاجتهاد بالقياس من أوسع الأسباب اختلافا ،فإن له أصلا و شروطا و علة ، وللعلة شروط و مسالك، وفي كل ذلك مجال للاختلاف ، و الاتفاق بالذات على أصل القياس وما يجري فيه الاجتهاد و ما لا يجري أمر يكاد غير متحقق . كما أن تحقيق المناط (وهو التحقق من وجود العلة في الفرع ) من أهم أسباب اختلاف الفقهاء.

4-3- الاختلاف في قبول رواية الحديث:
ويمكن إجمال أسباب اختلاف قبول الفقهاء لرواية الحديث في الأسباب التالية:
أولا: ألا يكون الحديث قد بلغ الفقيه . و من لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون عالما بموجبه و إذا لم يكن قد بلغه و قد قال في تلك القضية بموجب ظاهر آية أو حديث آخر ، أو بموجب قياس ، أو موجب استصحاب، فقد يوافق ذلك الحديث تارة و يخالفه أخرى. وهذا السبب هو الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف مخالفا لبعض الأحاديث ، فإن الإحاطة بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم لم تكن لأحد من الأمة.
ثانيا: أن يكون الحديث قد بلغ الفقيه لكنه لم يثبت عنده.
ثالثا: اعتقاد الفقيه ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره.
رابعا: اشتراط الفقيه في خبر الواحد العدل الحافظ شروطا يخالفه فيها غيره.
خامسا: أن يكون الحديث قد بلغ الفقيه و ثبت عنده لكن نسيه.
سادسا : عدم معرفة الفقيه بدلالة الحديث.
سابعا: اعتقاد الفقيه أن لا دلالة في الحديث و الفرق بين هذا و بين الذي قبله أن الأول لم يعرف جهة الدلالة و الثاني عرف جهة الدلالة، لكن اعتقد أنها ليست دلالة صحيحة.
ثامنا: اعتقاد الفقيه أن تلك الدلالة قد عارضها ما دل على أنها ليست مرادة مثل معارضة العام بالخاص أو المطلق بالمقيد أو الأمر المطلق بما ينفي الوجوب أو الحقيقة بما يدل على المجاز إلى أنواع المعارضات. وهو باب واسع أيضا، فإن تعارض دلالات الأقوال و ترجيح بعضها على بعض بحر خضم.
تاسعا: اعتقاد الفقيه أن الحديث معارض بما يدل على ضعفه أو نسخه، أو تأويله إن كان قابلا للتأويل بما يصلح أن يكون معارضا بالاتفاق مثل أية أو حديث آخر أو مثل إجماع.
عاشرا: معارضة الفقيه للحديث بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله مما لا يعتقده غيره أو جنسه معارض ، أو لا يكون في الحقيقة معارضا راجحا: كمعارضة كثير من الكوفيين الحديث الصحيح بظاهر القرآن من اعتقادهم أن ظاهر القرآن من العموم ونحوه مقدم على نص الحديث .
4- الاختلاف بسبب القواعد الأصولية
و المراد بالقواعد الأصولية تلك القواعد التي نصبها العلماء لضبط الاستدلال و الاستنباط، ولتسهيل الوصول إلى الأحكام الشرعية، وهذه القواعد وقع فيها خلاف بين العلماء مما سبب خلافا كثيرا في الفروع ويمكن توضيح هذا فيما يلي:
-أ- الخلاف في ضبط بعض القواعد :
فبعض العلماء يتوسع في القاعدة بغير ضوابط، فيقع بسبب ذلك خلل في المحتوى و مخالفة للآخرين ، كالخلاف في قاعدة " الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال" فليس كل احتمال يبطل به الدليل بل الاحتمال صحيح .
و كالتأويل الذي تصرف به النصوص عن ظاهرها، كما فعل الحنيفة في صرف المرأة في الحديث: " أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل" فقالوا المراد بها الأمة، ولما ردوا عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث : " ولها المهر بما استحل من فرجها " أن المهر لا يكون للأمة عندهم عدلوا إلى المكاتبة.
-ب- وقع الخلاف بسبب اختلاف العلماء في بعض القواعد كقاعدة " الأمر بعد الحظر"
ومثالها قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تحلو شعائر الله و لا الشهر الحرام و لا الهدي و لا القلائد و لا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم و رضوانا و إذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا و تعاونوا على البر و التقوى ولا تعاونوا على الإثم و العدوان و اتقوا الله إن الله شديد العقاب"، فهذا أمر بالاصطياد بعد التحلل من الإحرام، وذلك بعد أن نهى الله في قوله: "أحل لكم صيد البحر و طعامه متاعا لكم و للسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما و اتقوا الله الذي إليه تحشرون".
ففريق يرى أن الأمر بعد الحظر يفيد الإباحة، و فريق يرى أنه يرجع بالحكم إلى ما كان عليه قبل الحظر، مع أن ظاهر الأمر الوجوب
5- التعارض والترجيح بين الأدلة
وهو باب واسع اختلفت فيه الأنظار و كثر فيه الجدال. وهو يتناول دعوى التأويل و التعليل و الجمع و التوفيق و النسخ وعدمه. و التعارض يكون إما بين النصوص أو بين الأقيسة مع بعضها، و التعارض في السنة قد يكون في الأقوال أو في الأفعال، أو الإقرارات ، وقد يكون الاختلاف بسبب وصف تصرف الرسول عليه الصلاة و السلام سياسة أو إفتاء، و يُزال التعارض بأسباب من أهمها الاحتكام إلى مقاصد الشريعة ، و إن اختلفت النظرة إلى ترتيب المقاصد.
وبهذا يعلم أن اجتهادات أئمة المذاهب لا يمكن أن تمثل كلها شرع الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم ، و إن كان يجوز أو يجب العمل بأحدها، لكن تبقى أكثرها مسائل اجتهادية و آراء ظنية تحترم و تقدر على السواء، ولا يصح أن تكون ذريعة للمعصية و العداوة و الفرقة الممقوتة بين المسلمين الموصوفين في قرآنهم بأنهم إخوة، و المأمورين بالاتفاق و الاعتصام بحبل الله...
6-الاختلاف عند الصحابة رضوان الله عليهم
-أ- في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه سلم ما يمكن أن يؤدي إلى الإختلاف، لأن الرسول صلى الله عليه سلم كان مرجع الجميع باتفاق. أما بالنسبة لمن كان لا يستطيعون رد بعض الأمور إلى الرسول بسبب بعدهم عن المدينة، فقد كانت تقع بينهم بعض الإختلافات كاختلافهم في تفسير ما يعرفونه من كتاب الله أو سنة رسوله و تطبيقه على ما نابهم من أحداث، وكانوا في بعض الأحيان لا يجدون في ذلك نصا، فتختلف اجتهاداتهم و عندما يعودون إلى المدينة يعرضون على الرسول صلى الله عليه وسلم ما فهموه من النصوص وما اجتهدوا فيه من القضايا، فإما يقرهم على ذلك فيبح جزءا من سنته، و إما يبين لهم وجه الحق فيأخذون به. ومن أمثلة ذلك ما أخرجه البخاري و مسلم أن النبي قال يوم الأحزاب "لا يصلي أحدكم العصر إلا في بني قريضة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها أي : ديار بني قريضة وقال بعضهم : لا نصلي لم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي ، فلم يعنف واحدا منهم ".
والظاهر من هذا الحديث الشريف أن الصحابة رضوان الله عليهم انقسموا إلى فريقين في موقفهم من أداء صلاة العصر: فريق أخذ بظاهر اللفظ، و فريق استنبط من النص معنى خصصه به، وتصويب رسول الله للفريقين دليل على مشروعية كل من المذهبين، إلا أن هذا لم يسع بعض الفقهاء من سنة رسول الله، و خاضوا في أمر تولاه و حسمه وانتهى منه، حيث أورد ابن القيم اختلاف الفقهاء في بيان الأفضل من فعل كل منهما، فهناك من قال: أن الأفضل فعل من صلى في الطريق فحاز قصب السبق في أداء الصلاة في وقتها و تلبية أمر الرسول، وهناك من قال أن الأفضل فعل من أخرها ليصليها في بني قريضة.
وقد كان الرسول يحذر من الخلاف و تبعاته حيث كان يقول:
لا تختلفوا فتختلف قلوبكم فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: " هجرت إلى رسول الله يوما فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم و يعرف في وجهه الغضب فقال: إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب "
وكان رسول الله يعلم الصحابة أدبا هاما من آداب الاختلاف في قراءة القرآن خاصة، فيقول في الحديث الصحيح :" اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فيه فقوموا " ويتضح من خلال الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينصح الصحابة بالقيام عن القرآن الكريم إذا اختلفوا في بعض أحرف القراءة ،أو في المعاني المرادة من الآيات الكريمة، حتى تهدأ النفوس و القلوب و الخواطر،و تنتفي دواعي الحدة في الجدال المؤدية إلى المنازعة و الشقاق . أما إذا ائتلفت القلوب و سيطرت الرغبة المخلصة في الفهم فعليهم أن يواصلوا القراءة و التدبر و التفكير في آيات الكتاب
-ب- بعد وفاة النبي صلى الله ليه وسلم
ومن صور اختلاف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
- اختلافهم في دفن النبي عليه الصلاة و السلام
روى الترميذي عن عائشة، قالت: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته، قال: "ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه" ادفنوه في موضع فراشه .
- اختلافهم في خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم
فقد اختلفوا في من تكون الخلافة فيهم، أفي المهاجرين أم في الأنصار؟ أ تكون لواحدة أم لأكثر؟ كما وقع الاختلاف حول الصلاحيات التي ستكون للخليفة أهي الصلاحيات نفسها التي كانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم بصفته حاكما و إماما للمسلمين، أم تنقص عنها و تختلف؟
قالت عائشة: "اجتمعت الأنصار ( بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم)إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ،فقالوا: منا أمير و منكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر و عمر و أبو عبيدة فذهب عمر يتكلم فسكته أبو بكر، فكان عمر يقول: و الله ما أردت بذلك إلا أني هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه و أنتم الوزراء، أبو بكر ، فتكلم فأبلغ ، فقال في كلامه : نحن الأمراء فقال الحباب بن المنذر: لا و الله لا نفعل أبدا، منا أمير و منكم أمير.فقال أبو بكر:لا، ولكنا الأمراء و انتم الوزراء، قريش أوسط العرب دارا و أعزهم أحسابا فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة، فقال عمر: بل نبايعك، أنت خيرنا و سيدنا و أحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، و أخذ عمر بيده فبايعه و بايعه الناس"
- قتال مانعي الزكاة
روى البخاري عن أبي هريرة قال:" لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان أبو بكر رضي الله عنه ، و كفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه : كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم عني ماله و نفسه إلا بحقه ،و حسابه على الله فقال أبو بكر: و الله لأقاتلن من فرق بين الصلاة و الزكاة، فإن الزكاة حق المال، و الله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم على منعها، قال عمر رضي الله عنه: فو الله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق" .
7- رأي العلماء في الاختلاف
لقد حذر العلماء من الاختلاف بكل أنواعه و أكدوا على وجوب اجتنابه و يقول ابن مسعود رضي الله عنه في هذا الصدد "الخلاف شر" و قال السبكي رحمه الله أن الرحمة تقتضي عدم الاختلاف و يستشهد بقوله تعالى: "ولكن اختلفوا فمنهم من آمن و منهم م كفر"، أما في السنة فيستشهد بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : إنما هلكت بنو إسرائيل بكثرة سؤالهم و اختلافهم على أنبيائهم. هذا وقد أشار السبكي إلى ثلاثة أنواع من الاختلاف : الأول في الأصول وهو : الذي نص عليه القرآن ولا شك أنه بدعة و ضلال، و الثاني في الآراء و الحروب وهو حرام أيضا لما فيه من تضييع للمصالح ،و الثالث في الفروع كالاختلاف في الحل و الحرمة و نحوهما، و الذي قطع به أن الاتفاق فيه -أي في الثالث- الثالث خير من الاختلاف، أما ابن حزم فقد ذم الاختلاف بكل أنواعه إذ لم يجعل شيئا من الاختلاف رحمة بل اعتبره كله عذاب.
8- موقف القرآن الكريم من الإختلاف
إن الرؤية الإسلامية العقدية و الفكرية ترى أن الأصل و السنة في الكون هي الإختلاف و التنوع، فالواحدية فقط للذات الإلهية، و مَن وما عدا ذلك يقوم على الإختلاف و التعدد، ذلك هو القانون التكويني الذي يسود و يحكم كل عوالم المخلوقات في الإنسان و الحيوان و النبات و الجماد، و في الأفكار و الفلسفات و الأيديولوجيات، و في الشرائع و الملل و الديانات .
لقد بدأت الإنسانية أمة واحدة، ثم صارت بعد ذلك شعوبا و قبائل ليتم التسابق و التدافع و التعارف بيهما، قال تعالى: "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و أنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه". (سورة البقرة، الآية 213)
و من أجل تأسيس مجتمع قائم على الحوار و احترام حقوق الإنسان، يجب التأصيل لشرعية الإختلاف على أسس دينية و علمية و حضارية، بحيث يكون الإختلاف ليس فقط أمرا مقبولا، بل يجب حمايته و الدفاع عنه باعتباره يمثل مشيئة الله تعالى في الخلق و الكون، فهو سنة من سنن الله تعالى غير القابلة للتحويل و التبديل.
يشير القرآن الكريم إلى اختلاف اللغات و القوميات و الأجناس، و يعتبر ذلك آية من آيات الله عز وجل في المجتمع الإنساني، إذ يقول تعالى: " و من آياته خلق السماوات والأرض و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ". (سورة الروم، الآية 22)
فاختلاف اللغات و الأشكال و القوميات هو آية من آيات عظمة الله عز وجل في هذا الكون الفسيح، و هو اختلاف و تعدد في الإجتماع الإنساني، لكنه يجتمع في إطار واحد و جامع و هو جنس الإنسان.
كما يتحدث القرآن الكريم عن الإختلاف و التعدد و التنوع في الشعوب و القبائل، يقول تعالى: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" (سورة الحجرات، الآية 13)، و الهدف من هذا الإختلاف و التعدد هو التعارف الإنساني بين مختلف الشعوب و الأمم و ليس التصادم و التحارب و التباغض بينهم .
و لذلك لا ينكر الإسلام التنوع القومي، لأن القوميات هي دوائر لغوية و التنوع اللغوي هو سنة من سنن الله التي لا يمكن تبديلها، فالإسلام يعترف بالآخر القومي، سواء في إطار الجامعة الإسلامية و الحضارة الإسلامية أو في الدوائر الحضارية الأخرى، و من ثم يتعرف عليه، و يتعايش معه، لا كمجرد واقع لا فكاك منه، و إنما باعتبار هذا الإعتراف و هذا التعارف هو إرادة تكوينية لخالق الوجود .
و يبلغ الإختلاف في الإسلام مبلغ الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، و هو سنة إلهية في الكون. و لأن هذا هو شأن الإختلاف، و مكان التعددية، و مقام التنوع في الرؤية الإسلامية، كان القرآن الكريم هو المصدر الأول لالتماس موقف الإسلام من الإختلاف و التعددية، فنحن لسنا حيال فكرة حديثة أو طارئة، و إنما إزاء مبدأ إسلامي، أخبرنا القرآن أنه جعل إلهي و سنة أزلية و أبدية قد فطر الله عليها جميع المخلوقات، و حقيقة الإختلاف بين البشر من الحقائق الثابتة التي لا يمكن لأحد أن يلغيها، لأن الله تعالى هكذا شاء، فلم و لن يكون الناس نمطا واحداً أو قالبا فردا، و إنما كانوا و لا يزالون مختلفين، قال تعالى: " و لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم " . (سورة هود، الآية 118، 119)
و يفسر ابن عاشور هذه الآية بأن توهّم كثرة الإختلاف قد توحي بخروج أصحابه عن قبضة القدرة الإلهية، لذلك أعقب الله ذلك بما يرفع هذا التوهّم بأنّه قادر على أن يجعلهم أمّة واحدة متّفقة على الحقّ مستمرّة عليه كما أمرهم أن يكونوا، ولكن الحكمة التي أقيم عليها نظام الكون، إقتضت أن يكون نظام عقول البشر قابلا للتطوّح بهم في مسلك الضلالة أو في مسلك الهدى، أي للإختلاف والتغاير (…) فلا جرم أن الله خلق البشر على نظام من شأنه سريان الإختلاف بينهم في الأمور ومنها أمر الصلاح والفساد في الأرض وهو أهمّها وأعظمها، وقد يتفاوت الناس في أمر الصلاح ويختلفون في تعيينه وفي طرق بلوغه فيتفاوتوا في مدارج الإرتقاء. وقوله تعالى: "ولا يزالون مختلفين" تأكيد على أن الإختلاف أصبح سنة كونيّة وأنّ السعي إلى الإئتلاف يظل فعلا ثقافيا ينبني على مجهود بشري يهدف إلى الإقرار بالآخر المختلف والعمل على محاورته وفهمه قبل إصدار أي حكم معياري عليه .
والأمة هي الطائفة من الناس إتحدوا في أمر من أمور الحياة كالموطن واللغة والنسب والدّين، ومعنى كونها واحدة أن يكون البشر كلهم متفقين على إتباع دين واحد كما يدّل عليه السياق، فآل المعنى إلى: لو شاء ربّك لجعل الناس أهل ملّة واحدة أو أمّة واحدة من حيث الدّين الخالص.
أمّا الزمخشري وفي تمشّيه الإعتزالي يرى في قوله "ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّة واحدة" يعني لاضطرهم إلى أن يكونوا أهل أمّة واحدة أي ملّة واحدة وهي ملّة الإسلام. وهذا الكلام يتضمن نفي الإضطرار وأنّه لم يضطرّهم إلى الإتفاق على دين الحق، ولكنه مكنّهم من الإختيار الذي هو أساس التكليف، فاختار بعضهم الحقّ وبعضهم الباطل، فاختلفوا فلذلك قال: "ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربّك" إلاّ ناسا هداهم الله ولطف بهم فاتفقوا على دين الحقّ غير مختلفين فيه .
فالاختلاف أمر طبيعي في البشر، خلقوا مستعدين له و ميادينه متسعة و متعددة باتساع و تعدد ميادين الحياة، كما يقول الغزالي: "و كيف يجتمعون على الإصغاء و قد حكم عليهم في الأزل بأنهم لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم". و بالتالي، فالإختلاف أمر إلهي و ليس مجرد مباح أو حق من حقوق الإنسان .
و إذا كان التنوع من دواعي و مقتضيات الإختلاف، فإن جامع الإنسانية هو رابطة الإئتلاف، "إذ لا يجوز أن يكون الناس مختلفين في ظاهرهم ولا يختفلون في باطنهم، و ليس يجوز في الحكمة أن يكثروا و لا يختلفوا".
إن هذا الإختلاف الذي فطر الله الناس عليه قد جاء لحكم إلهية بالغة، لأنه هو الحافز للفرقاء المختلفين على التنافس و التدافع و الإستباق، انتصارا لكل فريق لما به يتميزون، و ما فيه يختلفون عن الآخرين، و لو لم يكن هذا الإختلاف و التنوع لما كانت حوافز الإستباق و دواعي التدافع و أسباب التنافس بين الأفراد و الأمم و الأفكار و الفلسفات و الحضارات، و لكانت الحياة سكونا آسنا لا حيوية فيه، و لما استطاع الإنسان تحقيق مقاصد الأمانة التي حملها بالإستخلاف في الأرض و عمران هذا الوجود، فالإيمان بالإختلاف و التنوع و التميز هو الحافز على الإبداع و التدافع في ميادين التقدم و الإرتقاء. بينما الإعتقاد بوحدة النموذج الفكري و الحضاري هو باب التقليد و التشبه، و من ثم السكون و ذبول ملكات الإبداع المفضي إلى الموت، يقول تعالى: " و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة و لكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً، فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" . (سورة المائدة، الآية 48)
لهذه الحكمة الإلهية البالغة جعل الله الناس مختلفين، و عن هذه الحكمة حدثنا القرآن الكريم فقال: "و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" (سورة البقرة، الآية 251)، كما يقول تعالى: "و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا" .(سورة الحج، الآية 40)
و في التفسير لهذه الحكمة الإلهية يقول سيد قطب:
"إن من طبيعة الناس أن يختلفوا، لأن هذا الإختلاف أصل من أصول خلقتهم يحقق حكمة عليا من استخلاف هذا الكائن في الأرض، و الإختلاف في الإستعدادات و الوظائف ينشئ بدوره اختلافا في التصورات و الإهتمامات و المناهج والطرائق. لقد كانت الحياة كلها تأسن و تتعفن لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، ولولا أن طبيعة الناس التي فطرهم عليها أن تتعارض مصالحهم واتجاهاتهم الظاهرية لتنطلق الطاقات كلها تتزاحم و تتغالب و تتدافع فتنفض عنها الكسل و الخمول (.....) فالعقيدة في حاجة إلى الدفع عنها ، و أماكن العبادة لا يحميها إلا دفع الله الناس بعضهم ببعض، أي دفع حماة العقيدة لأعدائها الذين ينتهكون حرمتها، و يعتدون على أهلها، و هي قاعدة كلية لا تتبدل ما دام الإنسان هو الإنسان" .
و مع الإختلاف و التنوع في الشعوب و الأمم و اللغات و القوميات و الألوان، هناك سنة الإختلاف و التمايز في الشرائع و الملل الدينية و في المناهج و الثقافات والحضارات، قال تعالى: " لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة". (سورة المائدة، الآية 48)
و بالتالي، لا يمكن أن نرفض حق الإختلاف و الإصرار على امتلاك الحقيقة الدينية دون غيرنا. لأن الله خلق الناس مختلفين في رؤاهم و تصوراتهم.
إن تأكيد القرآن الكريم على مشروعية الإختلاف و وجوبه باعتباره سنة من سنن الكون و آية من آيات الله جعل من مقولة الحقيقة الدينية المطلقة مقولة هشة لا تستجيب لخطاب القرآن الكريم. و على هذا الأساس بين القرآن أن الحقيقة المطلقة لا يعلمها إلا الله، و على الإنسان أن يجتهد في تمثل هذه الحقيقة بحسب وضعه التاريخي و سياقه الثقافي، ولا يقدر على حسم هذه الإختلافات غير الله، فهو فقط من يحكم بين المختلفين، يقول تعالى: " إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين " . (سورة النحل، الآية 125)
9- عدل الإسلام في التعامل مع المخالفين
لقد كان القرآن الكريم هو دستورَ المسلمين في التعامل مع مخالفيهم في الدين، فوضع قانونًا عامًّا إلتزم به الرسولُ صلى الله عليه وسلم، وهو: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"، (البقرة، الآية 256) فلم يُجبِر أحدًا على اعتناق الإسلام مكرهًا، بل ترك الناس وما اختاروا لأنفسهم من الدين، حتى إن الله سبحانه وتعالى أنكر على رسوله صلى الله عليه وسلم شدةَ حرصِه على إسلام المشركين من أهل مكة، فقال سبحانه: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ". (سورة يونس، الآية 99). كما قال تعالى: "و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر" (الكهف، 59)، و حسابه في الآخرة إلى الله و على الله، أما في الدنيا فإن له ما للمسلمين و ما على المسلمين .
تقول المستشرقة الألمانية زغريد هونكه :"... وبِناءً على ذلك، فإن العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبةِ الدخولَ في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشعَ أمثلة التعصب الديني وأفظعها، سمح لهم جميعًا - دون أي عائق يمنعهم - بممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوتَ عبادتهم وأَدْيِرَتهم وكَهَنتهم وأحبارهم دون أن يمسُّوهم بأدنى أذى".
فلما كانت الشريعة الإسلامية شريعة رحمة ووسطية، إقتضى الأمر أن تكون عادلة ومنصفة في التعامل مع غير المنتمين إليها، وهذا ما نجد القرآن الكريم يشير إليه في كثير من الآيات، من ذلك قوله تعالى في الدعوة إلى مجادلة اليهود والنصارى بالتي هي أحسن، يقول تعالى: "و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم و قولوا آمنا بالذي أنزل إلينا و أنزل إليكم و إلهنا و إلهكم واحد و نحن له مسلمون" (سورة العنكبوت، الآية 46)، وقوله تعالى أيضا في سورة النحل: "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين" (سورة النحل، الآية 125)، وغير ذلك من الآيات التي تشير إما صراحة أو ضمنا إلى ضرورة التعامل مع المخالفين بطريقة حسنة؛ فالمتأمل في هذه الآيات البينات يتضح له بشكل جلي كيف استعمل القرآن صيغة "أحْسَنُ" التي تدل على التفضيل؛ بمعنى، أن القرآن الكريم يهدف إلى التنبيه إلى ضرورة الإحسان إلى غير المسلمين ومعاملتهم بالتي هي أحسن حتى يكون ذلك مدعاة لجلبهم إلى الإسلام .
وهناك آيتان في كتاب الله تعالى إشتملتا على قاعدة أساسية في التعامل مع المخالفين في الدين، وهما قوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين و أخرجوكم من دياركم و ظاهروا على إخراجكم أن تولوهم و من يتولهم فأولئك هم الظالمون" (سورة الممتحنة الآية 8 – 9)، فهذه الآية صريحة في الدعوة إلى البر بالكافرين، والنهي عن مقاتلهتم والقسط إليهم؛ شريطة عدم العدوان على المسلمين والمظاهرة عليهم وإخراجهم من ديارهم، فإن هم فعلوا ذلك كان من حق المسلمين مقاتلتهم، وإظهار شوكتهم عليهم، حتى يرتدعوا وتبقى كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى. قال تعالى: "و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (سورة البقرة، الآية 189)، وقوله تعالى في نفس السورة: "و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين" (سورة البقرة، الآية 192). فهذه الآيات صريحات في بيان قواعد التعامل مع المخالفين؛ حيث إنها تدعو بجلاء إلى التزام العدل معهم، دون المساس أيضا بالمبادئ الكبرى التي قام عليها الدين الإسلامي .
وبالرجوع إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد أنه كما كان رحيما بالمسلمين، كان رحيما أيضا بالكافرين، وهذا ما صرح به القرآن الكريم، كما جاء في قوله تعالى: "و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (سورة الأنبياء، الآية 106)، ومن ثمة فمبدأ الرحمة الوارد في الآية يقتضي التحلي بصفة الرحمة والأخلاق الحسنة مع المسلمين وغير المسلمين، لأنه أرسل للعالمين و ليس لفئة خاصة. فإذا تتبعنا سيرته صلى الله عليه وسلم، وجدنا أنه كان يتمثل تعاليم القرآن في تعامله مع اليهود والنصارى والمشركين، حيث كان خلقه القرآن كما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها لما سألها أحد الصحابة عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت:"كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ"، و كما قال تعالى: "و إنك لعلى خلق عظيم". (سورة القلم، الآية 4)
و من بين الأمثلة و الشواهد من السيرة النبوية التي تشهد على عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المخالفين، نجد:
عقده لاتفاقية سلم مع يهود المدينة لما هاجر إليها، هذه الإتفاقية التي جاءت لترسم معالم السلم والأمان، ولتحدد صلاحيات كل فئة، وتعمل على إقامة المساواة بين أفراد المدينة، كل حسب الوضعية التي يعيشها والديانة التي يدين بها، مسوية بينهم في الحقوق والواجبات، ومعطية لكل طائفة الحق في إقامة شعائرها وطقوسها الدينية، مقيمة بذلك أسس دولة إسلامية جديدة مبنية على التنوع الثقافي والعرقي والديني. ومما جاء في هذه الوثيقة التي تبرز عظمة الإسلام في التعامل مع المواطنين سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين:"وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم...وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه، وأهل بيته وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم". كما أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد وثيقة صلح مع نصارى نجران، جاء فيها:"ولنجران وحاشيتها، جوار الله وذمّة محمد النبي رسول الله على أموالهم، وأنفسهم، وملّتهم، وغائبهم، وشاهدهم وعشيرتهم، وبيعهم وكلّ ما تحت أيديهم من قليل أو كثير. لا يغّير أسقف من أسقفيّته ولا راهب من رهبانيّته ولا كاهن من كهانته، و لا يحشرون (يكلفون بالقتال)، و لا ينشرون (يدفعون العشر)، ولا يطأ أرضهم جيش (....)، و أن أحمي جانبهم، و أذب عنهم و عن كنائسهم و بيعهم و بيوت صلواتهم، و مواضع الرهبان و مواطن السياح (.....)، و أن أحرس دينهم و ملتهم أين كانوا " .
ولعل أبلغ مثال يضرب في سماحة الرسول مع المخالفين هو موقفه من أهل مكة يوم فتحها؛ حيث إنهم لم يسلموا كلهم دفعة واحدة، والدليل على أنه قال لهم: "ومن دخل دار أبا سفيان فهو آمن"، فالأمان لا يعطى إلا لغير المسلمين في هذه اللحظة الحاسمة في تاريخ الإسلام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن أخرجه وطرده من أحب بلاد الله إلى قلبه، وبعدما وقعوا تحت يده:" يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل فيكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء" .
فهذه الأمثلة والشواهد المستخلصة من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين كيف كان يتعامل مع المخالفين، وكيف أنه كان رحمة للناس أجمعين، كما وصفه الله تعالى في كتابه العزيز، وليس لفئة خاصة.
إن الإختلاف سنة ربانية لا مخلص منها، فالناس يختلفون في ألوانهم و أشكالهم و قبائلهم و ميولهم و عقولهم، و في كل شيء، قال سبحانه: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا" (الحجرات، الآية 13). فلم يقل سبحانه: لتعاركوا أو لتحاربوا، و إنما قال: لتعارفوا، و التعارف ليس هو المعرفة فحسب، إنما التعارف هو التعامل بالمعروف، و المعروف هو البر و الإقساط و الإحسان.
إن قيام الكون و بقاء الحياة لا يكون بتحقيق رغبة فئة خاصة من الناس بعينها، و إلا لكانت هذه الفئة تطمع في إبادة الآخرين و محوهم من الوجود، و لكانت كل أمة تريد نقيض ما تريده الأمة الأخرى.
و من بديع الحكمة الإلهية أن الله تبارك و تعالى منح الناس حق الإختيار، كما قال سبحانه: "و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر" (الكهف، الآية 29)، و حملهم مسؤولية الإختيار، إما جنة أو جهنم. و لو شاء الله لجعلنا و جعل البشر كلهم ملائكة مطيعين: "لا يعصون الله ما آمرهم و يفعلون ما يؤمرون" (التحريم، الآية 6)، و لكنه أراد أن يخلق خلقا فيبتليهم، كما قال سبحانه: "و لكن ليبلو بعضكم ببعض" (محمد، الآية 4)، و هذا ابتلاء في ميادين الحياة كلها.
إن الدين لم ينزل لتأجيج الصراع بين الناس، بل لضبط العلاقات و تنظيمها و عمارة الأرض، قال تعالى: "هو أنشاكم في الأرض و استعمركم فيها" (هود، الآية 61). و لهذا لما خلق الله آدام عليه السلام خلقه من أجل عمارة الأرض و السعي فيها فقالت الملائكة لربها: "أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك" (البقرة، الآية 30)، فقد علمت الملائكة أن الإفساد في الأرض و سفك الدماء مما يكرهه الله.
و بالتالي، حفظت الشريعة الإسلامية حقوق الناس بما في ذلك حقوقهم في الإختلاف، حيث جعل الله الإنسان مخلوقا مختارا، و يسره الله لما خلقه له من خير أو شر، هدى أو ضلال.




المصادر و المراجع :

-القرآن الكريم

-الاختلاف في الإسلام نعمة أو نقمة ؟كوني أحمد موسى، 1436-2015
-آداب الاختلاف في الإسلام، الدكتور طه جابر فياض العلواني،ط1، 1984.
-الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم، در الفكر بيروت، ب،ط، 1427-2007
-آداب الاختلاف و بعض القواعد الضابطة له، الشيخ د.على يونس،بدون تاريخ
-أدب الاختلاف في الإسلام، الشيخ صلاح نجيب الدق، بدون تاريخ
- صحيح البخاري ، دار الكتاب العربي ، بيروت، ط1 ، 1958-2005، محمد بن إسماعيل البخاري(ت:256)، ت/أحمد زهرة، و أحمد عناية
-تاريخ الإسلام ، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي أبو عبد الله شمس الدين،ط2، 1990.
-صحيح سنن الترميذي،ضعيف سنن الترميذي، محمد ناصر الألباني،ط:1،مكتبة المعارف 1419-1998
- محمد عمارة، الإسلام و الآخر: من يعترف بمن؟ و من ينكر من؟، مكتبة الشروق الدولية، PDF
-محمد عمارة، الإسلام و التعددية الإختلاف و التنوع في إطار الوحدة، ط 1، مكتبة الشروق الدولية، 2008، PDF
- عبد الله أحمد يوسف، شرعية الإختلاف، ط 2، دار الصفوة، 2004، PDF
- هونكه زغريد، شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون و كمال دسوقي، دار الجبل، بيروت، 1993، PDF



#يوسف_الغشوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف الغشوي - ظاهرة الإختلاف في الإسلام