أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد مصطفى - أكذوبة الإلحاد العربي















المزيد.....

أكذوبة الإلحاد العربي


أحمد مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 6228 - 2019 / 5 / 13 - 02:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا بأس أن نتناول قضية الإلحاد بصورة موضوعية، وأن نتعرّف على الأيديولوجيا الفلسفية للأفكار الإلحادية والفلسفات الراديكالية حتى لا يختلط علينا الفهم ولا نؤول لمربع تعميم الألفاظ. هنا، أكتب في هذا الصدد بشكل موجز فيما تيسّرَ لي من بوح القلم.

أولًا: التعبئة الضبابية /
قد يخرج أحدهم ليقول لكَ أنّ نسبة الإلحاد في الوطن العربي لا تتجاوز في مقدارها 0.000001%، وربما هذا ما سيؤكده شيوخ الإسلام على الأغلب؛ ليحاولوا إقناعك بأنّ الدين الإسلامي يحافظ على تماسكه، وأنّ المسلمين أمة واحدة، بعقل واحد، ومصير مشترك؛ تمامًا كما كان يحدث عندنا في المدارس الفلسطينية من ترويج لرواية المقاومة عن وجود عدد قليل لا يتجاوز المئة شخص من العملاء العاملين مع الاحتلال الإسرائيلي، بقصد الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، وشتّان بين مقصد التمويه في المُنطلق الأول، ومقصد الحرص في المُنطلق الثاني.
المفاجأة: حديث هؤلاء الشيوخ صحيح، بل وأرى هذه النسبة المذكورة «1 من المليون» تعد نسبة كبيرة تخضع للشك والبحث والتمحيص، لكن عذرًا، يجب أن نتوقّف لبرهة لأمرٍ هام.
عندما نتحدث بلغة الأرقام والإحصاءات، يجب علينا ألا نغفل عن شائبة ازدواجية تعريف المصطلحات والاختلاف الطبقي والفكري بين الفئات، فالمليون المقصود هنا لا يعني بالتأكيد «ملحد واحد من بين مليون شيخ»، بل يجب أن ننتبه جيدًا كي نشعر بالصدمة بعيدًا عن قوالب التعبئة.
­
ثانيًا: ازدواجية الفهم /
المليون المقصود هنا هو مليون شخص «مرتد» -بالمفهوم الإسلامي-، نعم مليون مرتد كان مسلمًا يصلي بجوارك ويصوم رمضان كصيامك، تستطيع أن تُخرِجَ من بين هذا المليون شخص واحد فقط (يستحق) أن يسمي نفسه ملحدًا، لا أن يُفهم هذا الأمر في سياق ملحد واحد من بين مليون مسلم.
هذه ليست نظرية أحمد مصطفى أو غيره، إلا أنها وجهة نظر، قد تختلف معها أو تتفق، لكن قبل كل شيء يجب علينا أن نؤسس لتعريفات واضحة حول هذه المسألة.
­
ثالثًا: مفاهيم خاطئة حول الإلحاد /
يجدر بنا أن نفرّق بين أصول المفاهيم، فالإلحاد لغةً هو الميل عن القصد والعدول عن الشيء، ومصدره لَحَدَ، أما الإلحاد اصطلاحًا فهو نفي أو عدم الاعتقاد بوجود آلهة. وهنا يجب أن نقف عند "النفي أو عدم الاعتقاد" للتفريق بينهما وبين عدم الإيمان، فمن وجهة نظر الفيلسوف الأمريكي أيرنست نيجل: ’’إنّ عدم الإيمان ليس إلحادًا، فالطفل حديث الولادة لا يؤمن؛ لأنه ليس قادرًا على الإدراك، وعليه يجب توفُّر شرط عدم الاعتقاد بوجود فكرة الإله كي يغدو ملحدًا‘‘.
وهنا لدينا نقطتين هامتين غائبتين عن عقول العرب الذين يدّعون الإلحاد، وهما متمثلتين في أنواع الملحدين، فإما أن يحمل الملحد إلحادًا موجبًا (وهو الشخص الذي ينفي وجود إله ويستعين بنظريات علمية وفلسفية لإثبات رؤيته)، أو يحمل إلحادًا سالبًا (يكتفي فقط بعدم الاعتقاد بوجود إله نظرًا لعدم قناعته بالأدلة التي يقدمها المؤمنون، مع استعداده للاقتناع في حال قُدِّمَت إليه أدلة كافية).
وبكل تأكيد، هناك فرق بين المواطن العربي الذي قرر أن يسمي نفسه ملحدًا نتيجة ما رآه من التنظيمات الإرهابية كتنظيم داعش والعديد من التنظيمات القمعية الظالمة التي تتستّر بوشاح الإسلام في ظلمها وتبرير مسوغاتها، وبين الملحد الحقيقي الذي يشترط جورج سميث أن يكون غرضه الرئيسي هو الموضوعية في النقد والبحث العلمي وليس المهاجمة أو إظهار عدم الاحترام للأديان.
­
رابعًا: تيارات شائعة /
هناك العديد من التيارات الشائعة التي يندرج تحت إطارها الكثير من العرب، كالتيارات اللادينية التي لا تؤمن بدين دون ضرورة إنكار الإله، والتيارات الربوبية التي تؤمن بوجود خالق للكون يمكن الوصول إليه باستخدام العقل دون الحاجة لوجود ديانات وكتب سماوية ونبوءات ومعجزات، وهناك تيار اللاأدرية الأغنوستية الذي لا يتخذ موقفًا من قضية الآلهة باعتبارها مسألة علمية لا يوجد حولها رأي محدد ودليل قاطع، مع العلم أنّ اللاأدرية تصنف من أكثر التيارات التي لاقت إقبالًا واسعًا على مستوى العالم، بفئاتها اللاأدرية الملحدة (لا تؤمن بوجود إله دون ادعاء المعرفة بالحقيقة)، واللاأدرية المؤمنة (لا تدّعي وجود إله وفي ذات الوقت تؤمن به)، واللاأدرية البراغماتية (تدّعي عدم توفر دليل على وجود الإله من عدمه وتحاجج بأنّ الإله لا مبالي تجاه الكون ويكاد يكون وجوده منعدمًا في القضايا الإنسانية)، واللاأدرية الصارمة (صاحبة رؤية: لا أستطيع أن أعرف هل هناك إله أم لا، وكذلك أنت)، واللاأدرية التجريبية (صاحبة رؤية: لا أعلم هل هناك إله أم لا؟ ولكن ربما في يوم من الأيام، إن وجدت أدلة، سيكون باستطاعتنا أن نكتشف شيئًا)، وليس هذا وحسب، بل هناك العديد من التيارات الأخرى التي قد تؤمن بوجود إله إيمانًا حقيقيًا وتختلف في طريقة الإيمان، كالتيارات الاتحادية الوجودية والمتصوفة، المُصنّفْ أتابعها كزناديق عند أهل السنة والجماعة، وقد آتي عليها في مقالة أخرى بشكل منفصل.

خامسًا: إحصائيات وأرقام /
لا توجد إحصائية ثابتة حول عدد الملحدين في الوطن العربي، وبالرغم من اختلافي مع فكرة إطلاق مصطلح "ملحدين" على العرب المنتمين للاأدرية أو التوجهات الفكرية الفلسفية الأخرى، إلا أنّ هناك الكثير ممن نشروا إحصائيات وأرقام حول عزوف العرب عن ديانتهم الإسلامية، كالشيخ الأزهري وسفير السلام العالمي في الأمم المتحدة الدكتور مصطفى راشد، إذ نشر في العام 2014 مقالًا قدّر فيه الأرقام التي تتكلم عنها بعض منظمات الأمم المتحدة وبعض جمعيات المجتمع المدني المعلنة وغير المعلنة منها إلى 75 مليون ملحد حول العالم العربي، مرشّحًا هذا العدد إلى تزايد رغم التعتيم نتيجة الخوف من رد الفعل، وهناك العديد والعديد من الدراسات التي أعطت أرقامًا مختلفة كدراسة معهد غالوب الدولي التي أفادت بتقدير 5-9% من سكان المملكة العربية السعودية ملحدين، ودراسة أجراها “منتدى بيو فوروم للدين والحياة العامة” على مدار عامين ما بين 2010-2012، وهو مركز دراسات وأبحاث أمريكي متخصص بالأديان والمعتقدات في أكثر من 230 دولة، وأوصى في نتائج الدراسة أنّ ’’الإلحاد‘‘ أصبح “الديانة” الثالثة من حيث العدد في العالم بعد المسيحية والإسلام، وأنّ أقل نسبة ملحدين موجودة في الشرق الأوسط، حيث لا يزيدون على 2% (مليونان ومئة ألف) من مجموع مليار ومئة مليون ملحد في العالم.
جميع هذه الإحصائيات لا تكفي لتبيان العدد الحقيقي (للملحدين)، لكن بإمكان الباحثين والمشككين أن يُجروا إحصائيات مشابهة، من خلال ملاحظة الصفحات التي تنشر هذه الأفكار على الفيس بوك وتويتر لوحدهم، وتراقب العدد الكبير جدًا من التفاعل العربي عليها، وعندئذٍ يحق لكل فرد أن يصدّق ما يرى أو يكذّب عينه امتثالًا لِمَا يؤمن.

سادسًا: خاتمة استدراكية /
ربما يرى مَن يقرأ هذه المقالة أنّ رقمًا بمثل تلك الملايين يعد ضربًا من الخيال والتهويل، إلا أن كل فرد اجتماعي منفتح على الثقافات ولديه الكثير من الأصدقاء والمعارف لا بدّ أن يمرّ ببعض مَن يتشدقون بفكرة الإلحاد للتخلُّص من قيوده الدينية عن غير وعي، وأعتقد أنّ هذا الأمر وهذا العزوف الكبير عن الدين الإسلامي يعزى على التنشئة الدينية والتعبئة الاجتماعية؛ لأنّ غالبية المسلمين -من غير المتطرفين- لا يؤمنون بفكرة التعداد الديني إلا في خطابهم مع أهل الكتاب، ولا يؤمنون بها كمنهاج إنساني يجب تطبيقه على أنفسهم وأطفالهم منذ صغرهم وصولًا لاختيار دينهم في سن الرشد، فهذا شيء مخالف في تعريفهم للقيم الإسلامية حتى وإن كان منصفًا للقيم الإنسانية، والمفارقة العجيبة الكبرى أنهم يستغربون عندما يرون شخصًا يدّعي الإلحاد للهروب من القوالب الإسلامية، ثم يسارعون لوصفه "بالمرتد!"، وهو في الحقيقة لم يدخل الإسلام بنفسه كي يستحق لقب الردة عن شيء لم يختاره، بل فُرِضَت عليه الأسلمة بحُكم الموروث منذ نعومة أظافره معتقدين وأهله أنه سيؤمن بها عند البلوغ، إلى أن تخلّى عن دينه بمحض إرادته عندما ظنّ أنّ لديه من الوعي الكافي ما يجعله يختار دينًا آخرًا أو فلسفة أخرى أو يبقى بلا دين.
إجمالًا: الإلحاد هو أكذوبة العرب الفلسفية الكبرى، ليس هناك ملحد عربي حقيقي واحد، ولكن يوجد الملايين من العرب يدّعون الإلحاد، وملايين يعرفون أنهم يتّبعون أفكارًا لا صلة لها بالإلحاد، وملايين لا يعرفون ولا يشعرون، وفي النتيجة، قبل أن نوزّع الأوزار على الثقافة الدينية الدراجة، يجب أن نصرّح بالوزر الأكبر لهذا الحال والضريبة الأعظم لهذه الأحوال التي لا يتحملها إلا أولئك الإسلاميين الذين دخلوا عالم السياسة من أوسع أبوابه على وتر تديُّن المجتمع؛ فلم يمتثلوا للدولة المدنية وعلمنة القوانين، بل أساءوا للدين بشعاراتهم وسلوكهم، وظلموا الناس بتمييزهم وفسادهم، دون أن يستطيعوا تطبيق عدالة دينهم، أو العودة بالنفع على مواطنيهم؛ فأصبحوا واجهةً تعريفيةً عن الإسلام، وأسسوا بلا وعي في نفوس الشباب الناشئين مبادئ النفور من المعتقدات بعدما رأوه من سياسة تجارة الأديان.
ولا شيء يستحق أن يُختم به إلا ما قالته الشاعرة ميسون السويدان: "لا تلُمني إن صِحتُ بملءِ الفمِ: أينَكْ... ألفُ شيخٍ يا إلهي واقفٌ بيني وبينَكْ! ... إنهم يخشونَ أن تُبصِرَ مَن يُبصِرُ زَيْنَكْ... فَقَؤُوا عيني وراحوا... يقصدونَ الآن عينَكْ".



#أحمد_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تضامنا مع الرفاق المعتقلين -مباديء واساليب القيادة الثورية-
- معهد الدراسات العربية يمنح شهادات مضروبة للمصريين ويرفض معاد ...


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد مصطفى - أكذوبة الإلحاد العربي