أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زيدان الدين محمد - لماذا لا تصدر كِتابًا؟.















المزيد.....

لماذا لا تصدر كِتابًا؟.


زيدان الدين محمد

الحوار المتمدن-العدد: 6176 - 2019 / 3 / 18 - 23:41
المحور: الادب والفن
    


"‏نهاية الحصاد
زهرة الكاماس
تُحيك معطفاً لشجرة عارية".
- ندئ عادل.


إستنادًا إلى وصف الروائي جوزيف كونراد لعمله في الكتابة:
"أريد، بقوة الكلمة المكتوبة، أن أجعلك تسمع، أن أجعلك تشعر و قبل كُل شيء، أن أجعلك ترى".
فأنا لستُ مؤهلًا للخوض في عراك التأليف لأصدر كتابًا مآله بسبب تقزم معارفي و إتساع جهلي ،أحد الرفوف التي لا يلتقط منها كتابًا سوى قارئ يبحث عن علكة مؤقتة يذهب مفعول مذاقها بعد المضغة السابعة ،فلا هي التي هذّبته ليصغي و يشعر و يرى.

و من أحد الأسباب التي تجعلني أتحاشى الآن حتَّى التفكير بتأليف كِتاب أو بطريقة أصح للعودة لسابق زمن حين عدلت عن نشر كتابي الذي مقرّه السليم و الآمن الأدراج المغبرة:
شدة استنفاري مما يحدث من جُرم في إذابة مفهوم الأدب و سَحق بذور الفِكر و تلوين الفلسفة بطلاء لغوي مُزخرف لا يحتمل التأويل و لو لربع فكرة فلسفية. فالمكتبات في زمن الكاميرا والشّكليات و الأضواء و الإستعراض، مصابة بمرض التثاءب من تلك الإصدارات التي تسللت إليها عنوة مِن أشباه كُتّاب أجادوا في تخريج كُتبٍ بالغة الفزع لفرط سطوتها الإنشائية ، أولئك أشباه الكُتَّاب الذين أصيبوا بحُمّى اقتناء الكُتب لتزيين مكتباتهم و إطلاق لقب المُثقف قبل أسمائهم ، أولئك الذين يُسجلّون كم اقتباسًا لكُتّاب حقيقيين ليتفزلكون بها في ساحة سناب شات و أشباهه ، أولئك الذين يطاردون المُحررين و الناشرين في صناديق البريد و طاولات المقاهي و المشاهير في صفحات التواصل الإجتماعي، ليروجون عجلة لأعمالهم المُبهرجة بكم مفردة لامعة مستقاة من أوساط المعاجم.
و كونك مثلي ترى الأعمال البلهاء تحتلّ موطن الثقافة اليوم و تسعى لوأدها ، فلا منقذ لك من القيء المتكوّم في عقلك و نَفسك. تِلك الأعمال المُخضّبة بخيالٍ مريض و مُسطّرة بأفكارٍ مُضجرة كونها ملوّنة ،و عاطفية ميلودرامية مستوردة من أفلام الأبيض و الأسود، تلك الأعمال التي يبيع مرتكبها المُصطلحات الفاخرة المستوردة من جُب لسان غابر الأقوام و فاترينات مابعد الحداثة ، ليحيك بها مرتكبها نصوص مصنوعة مِن خُردة فكِرية و بلاغة تالفة، تِلك الأعمال المُصابة بالجذام في محتواها و مطلية مِن الخارج بغلافٍ ذو تصميمٍ فاخر، تلك الأعمال التي لا تعلم أنت كيف أصحابها ارتكبوا المعصية في كونها تستحق الطباعة ورقيًا نظرًا لركاكتهم كضربٍ من تعميم البلاهة..
تِلك الأعمال التي تجعلك تختنق و تشفق على المكتبة المختنقة بالطحالب، المصابة بالبثور و عيّنات كلمات خلقت وحيدات خلية، هي التي ستكون دافعًا كبيرًا لَك للتوبة عن فكرة ارتكاب الإثم و المعصية في نشر كتاب لك إلا بعد سنين طويلة من الإعتداد كما فعل إلبير قُصيري أنار الله روحه حيث كان لا يخرج كتابًا له إلا بعد كدّ سنينٍ طويلة لإنشاء حبكة فكرية و فلسفية يعتد بها.

لِذا على الرُغم من كون إصدار كتاب في أيامنا هذه، من السهل و اليسير ، إلَّا أنهُ في حسبتي من المروءة و النُبل العدول عن فكرة تأليف كتاب لا يطل على شُرفة الواقع و لا يحمل فِكرة تُأجج عقل قارئها لتدفعه لإعمال ثورة و إنقلاب على الحال المُظلم الظّالم.
و من المُلاحظ فإنه يغلب على مَن أصدروا أعمالهم السنوات المُتأخرة -مثالًا لا حصرًا- تجدهم من الثلة الذين يختزلون كلمة "دون كيخوته" في حضيرة محاربة طواحين الهواء وفقًا لأقوالٍ متداولة لا تخلو من السطحية، دون أن يقتربوا عن كثب ليتعرفوا على كاتب فذ اسمه "ميغيل دي سرفانتس" . و إستيعاب مهنة الكتابة عند هؤلاء ميؤوس مِنها ، إذ هم من الزمرة ذو الأحلام الرومانسية التي محورها كي يكونوا كُتّابًا عليهم بقراءة أعمال متداولة بعينها ثُم الإنضمام لعدة ورشات كتابية مع الأخذ بالإلتزام بالملبس الذي يعكس ثقافتك، كساعةٍ باهظة أنيقة و خاتم و إن وُجد ربطة عنق و القبعة الماغوطية -نسبة لمحمد الماغوط- ، بعد هذا كالفرض يأتي عليهم واجب إلتقاط شذرات عرجاء من مواقع إلكترونية ، و الإشتراك في قنوات تلغرام ثقافية أدبية لسرقة محتواها و نشرها في صفحاتهم لكأنهم استقوها من مباحثهم وغوصهم وتحليلهم ، و أكاد أجزم أنهم ليسوا قلة من يفعلون ذلك بل إني على مقربة من هؤلاء الذين ينسخون و يلصقون من هُناك إلى هُنا ، سواء مقولة أو لوحة فنية أو سيرة عن أديبٍ و كاتب ،و هم لا يكادون يفقهون مَن الذي نشروا عنه مقولته أو لوحته و هؤلاء يشبهون ذلك الذي خَرج في مظاهرةٍ يصرخ بالديموقراطية وهو لا يفهم ماهي.

بعد الجحيم الدنيوي من الإنحطاط الثقافي و المعرفي و الفِكري الذي نصطدم به عند زيارتنا للمكتبات أعتقد أنهُ علينا أن نقول للمنتفخة أوداجهم بهوس حصاد لقب كاتب أن يتحلّوا بما تحلّى بهِ سفيان الثوري حين مزق كُتبه و طيرها في الريح قائلًا:
"ليت يدي قُطعت من ها هنا و لَم أكتب حَرفًا" .

لِذا سبب عدولي عَن الفِكرة الشاقة والمهمة الصعبة في تأليف كتاب هي أحد الأسباب المذكورة أعلاه، فالقُرّاء اليوم و مجتمعاتنا بحاجة لغذاء معرفي حقيقي لا لأسطرٍ إنشائية مصحوبة بعاطفة مريضة يكاد صاحبها يكون مبتور العاطفة أصلًا في معاملته مع الآخرين ، إن القُراء اليوم بحاجة لقراءة ما يجعلهم يطلون على شُرفة حقيقية لواقعهم، بحاجة لإتقاد روحي و معرفي ليتمكنوا من الإصلاح و الثورة على الفساد و أهله، لا التملق و الركض خلف أعمال و مؤلفات نكاد ننهيها في جلسة واحدة مع فنجان قهوة،مؤلفات تلهينا عن قضايا واقعنا المعطوب اليوم الذي لم نرحمه من فيض غض بصرنا عنه.
وقد قُلتُ مسبقًا واصفًا ميلي إلى الكُتب التي تستهويني:
"أُحب تِلك الكُتب التي خُلقت لتكون شيئًا ماكثًا على الصدر ،وتخلق مني كائنًا قلقًا محشورًا في التفكير الثقيل والتخطيط كيف سأكملها وكم أيام طوال بحاجةٍ لأتفرغ فيها لألتهم تلك الكُتب، تلك الكُتب التي تجعلني أحسب محسبًا عظيمًا للوقتِ و أهيء لها عقلي و أنفض عنه غباره، تلك الكُتب التي تجعلني ليال أخوض عراك مع نفسي و إضطراباتي بسبب فكرة علقت بي و اتقدت في مبلغ نفسي،و ليس تلك الكُتب التي كُتبت لنمضغها خلال وقت وجيز كقطعة حلوى لا تُكلفنا عناء التفكير ما إذا كانت ذو نفع أم مُجرد حلوى مليئة بالسكر والنكهات".


وأنا عني و عن نفسي فإني أفضّل بصق ثقافتي و معرفتي المقصورة في تغريداتٍ عدة في تويتر ، و رمي بحوثاتي في تلك الكراتين المليئة بالغبار ، على أن أرتكب معصية إضافية في حق ثقافتنا ومكتباتنا ،و لستُ مؤهلًا بعد للخوض في مهمة شاقة كمهمة الأنبياء في نشر الرسالات الصالحة و نصرة الإنسان ، بالإضافة لستُ جزافيًا بشجاعة الجهل لأدبّ بنفسي في بطن التأليف ، و إني على ذلك أُفضّل ما أشقيت نفسي عليه من بحوثات و أفكار لم أتحرى فيها مزيدًا من الدقة، أن تبقى في عش ظلاميتها، فالخروج للنور لا يليق إلَّا بالحُكماء المُحنكين الواثقين من رسالاتهم الثورية ضد الظلام.


و خِتامًا فإني أُحمّل دور النشر المسئولية الأولى، حيث باتت تسمح لكل من هب و دب بإصدار أعماله لنا ، لنساعد كُلنا حينها في تخريج مُثقف و كاتب فقير المبادئ و الأخلاق والفِكر والتنوير ،و لنشترك جميعنا على مقدمتنا دور النشر في وأد ثقافتنا التي قد تغدو غدًا ضمن المغفورين لها و تحت جناح رحمة الله.
و دور النشر هذهِ التي تسمح لبعض المهرجين في إصدار بثورهم و أفكارهم الشّوهاء ، لا تقلّ جرم عن تلك المؤسسات الفنية التي جعلت هكذا أغنية هبابية تمر بلا رقيبٍ و لا حسيب:
"بحبّك ياحمار
و بقولّك ياحمار
أنا بازعل لمّا حد
بيندهلك ياحمار".



#زيدان_الدين_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حادث نيوزلندا و تواطئ منهجية التَّطرف مع سلوك الإرهاب.
- حتَّى طرزان مُسلمًا حنيفًا.
- مِن التصديق الصبياني إلى الإعتقاد النَّاضج.
- التَّهادر الزوجي و سلبيته على الأبناء.
- ضَحايا تجارب إلهية.
- كاسيت رواية ١٩٨٤ من إنتاج الجماعة ال ...
- بُنٌ بِرائحة امرأة.
- القدِّيس الزِّنديق.
- بَين ثُنائية التُّراث و المُعاصرة..فجوة التهمت ثقافتنا.


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زيدان الدين محمد - لماذا لا تصدر كِتابًا؟.