أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - النهج الديمقراطي القاعدي - قراءة نقدية في الميثاق الوطني للتربية والتكوينميثاق وطني للتربية و التكوين أم مخطط طبقي للتركيع و التبضيع















المزيد.....



قراءة نقدية في الميثاق الوطني للتربية والتكوينميثاق وطني للتربية و التكوين أم مخطط طبقي للتركيع و التبضيع


النهج الديمقراطي القاعدي

الحوار المتمدن-العدد: 1527 - 2006 / 4 / 21 - 09:52
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


تقديـــــــــــــم :
لقد ظل قطاع التعليم منذ بداية الستينات ـ بعدما استنفد مهامه في بناء أجهزة دولة المعمرين الجدد ـ أحد المراكز الأساسية للصراع الدائر بين الجماهير الشعبية والتحالف الطبقي المسيطر ,والذي شكلت فيه انتفاضة 23 مارس 65 المجيدة ,بدايته المعلنة ,غير أن ذلك الصراع لم يكن بالثابت أو الخطي بل عرف عدة تحولات وقفزات أطرتها مختلف التطورات التي شهدها الصراع الطبقي في بلادنا .
ويمكن الجزم أن الحركة الطلابية قد لعبت الدور الريادي في ذلك الصراع خصوصا مع تبلور الفكر التقدمي الثوري داخلها مشخصا في التوجه الديموقراطي والممثل آنذاك في الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين ,وفي فصيل الطلبة القاعديين حاليا ,الذي استطاع إغناء التجربة النضالية للحركة الطلابية سواء على المستوى الوطني أو الدولي ,كما أمد ذلك ا لصراع بمضمونه الحقيقي بما هو صراع من أجل مصالح الجماهير الشعبية قاطبة وصراع من أجل الدفع بحركة التحرر الوطني إلى احتلال مواقع متقدمة في الصراع الطبقي , واستطاعت الحركة الطلابية بفضل ذلك , من إرباك العديد من أوراق النظام القائم وحلفائه من التصدي للعديد من البنود التخريبية ,رغم ما يمكن قوله عن الأزمة التي لا زالت تراوحها .
وهاهي اليوم مع ظهور ما سمي ب"الميثاق الوطني للتربية والتكوين " أمام محك آخر ,محك نعتقد على أنه الأخطر و الأدق في تاريخها إطلاقا .إذن هل نستطيع أن نجعل منها الآن قوة في مستوى خطورة و حجم الإستهدافات الحالية ؟ وكيف السبيل إلى ذلك ؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال لنتساءل : ما هي الطبيعة الحقيقية لهذا الميثاق ,وما هي خلفياته الإيديولوجية السياسية والاقتصادية ؟وهل بالفعل هناك إستهدافات جديدة غير تلك التي جسدها "إصلاح 75 "؟
كلها أسئلة إلى جانب أخرى ,سنحاول الإجابة عنها من خلال هذه القراءة التي نعتبرها جزء من استنهاض الفعل النضالي الأوطمي في أفق التصدي" للميثاق " وبإثارته لهذا النوع من النقاش و بهذا الشكل الذي ظل حبيسا لعدة عقود, يشكل هذا العمل محاولة أيضا لتكسيرذلك الطوق الذي وضع على الإنتاجات المكتوبة وإعادة الاعتبار لها .
يقول بياجي في كتابه " من المسلم به , أن المجتمع هو الذي يرجع له تحديد أهداف تربية الأجيال الصاعدة , و هذا ما يفعله دائما بكامل السيادة و بطريقتين: فهناك أولا تحديده العفوي لتلك الأهداف عبر ضغوط اللغة و العادات والرأي والأسرة و الضرورات الاقتصادية....الخ. يعني عن طريق النشاط الجماعي المتعدد الأشكال والذي بواسطته تتغير المجتمعات و تحافظ على نفسها، بتكوين كل جيل جديد ضمن القالب الثابت أو المتحرك للأجيال السالفة. و هناك ثانيا تحديده الواعي لتلك الأهداف عن طريق أجهزة الدولة و مؤسسات معينة حسب أنواع التربية المتوخاة ".
إن استشهادنا بهذه القولة لا يلغي اختلافنا مع صاحبها سواء في تحليله للعنصر العفوي و العنصر السياسي أو في تحديده لدور هذه العناصر و كيفية تفاعلها . و لذلك لزم تسجيل بعض الملاحظات الأساسية:
• أولا : ًٌُإن تناولها للعنصر العفوي و دوره في تحديد أهداف العملية التربوية , سوف يكون انطلاقا من كونه تعبيرا واسعا على سيادة ثقافة طبقة بعينها هي بالطبع ثقافة الطبقة المسيطرة. " فالشيوعيون لم يخترعوا تأثير المجتمع على التربية وإنما يريدون فقط تغيير طبيعته, وانتزاع التربية من تأثير الطبقة الحاكمة" , و رغم ما يمكن أن يقال هنا على العنصر العفوي, إلا أن الشيء الأكيد, أنه هو أيضا لا يخلو من" وعي" و بالتالي وجب تحديد مراميه المباشرة و غير المباشرة ما دامت لا توجد عفوية مطلقة , فالعفوية الخالصة تطابق الآلية الخالصة على حد تعبير غر امشي .
• ثانيا : وهو ما سيشكل النقطة المحورية في قراءتنا هاتة , وهو كون أزمة السياسة التعليمية ببلادنا لا تنفصل عن الأزمة العامة التي تعرفها البلاد , نتيجة لطبيعة النظام القائم و بشكل لا ينفصل عن الأزمة العضوية الإمبريالية عالميا , وبالتالي فتناولنا للعنصر الثاني أي العنصر السياسي , سيتخذ هذه الرؤية منطلقا له , و طبعا سنعمل على أن نوضح عمق هاتة الرؤية و نفادها إلى جوهر الأشياء , لكن قبل الغوص في تحليل مضمون "الميثاق الوطني للتربية و التكوين " ـ الذي أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه ميثاق طبقي للتركيع و التبضيع ـ لابد من تسليط الأضواء على مجمل الحيثيات التي رافقت ظهوره , وكيف منح تأشيرة المرور و عبر قنطرة "الإجماع " إلى ضفة "الشرعية" حتى قبل ميلاده .
لــم يكن هاجس توفير الشروط اللازمة و الملائمة لإنتقال هادئ للعرش , بالسمة الوحيدة التي طبعت الممارسة السياسية للنظام القائم مع نهاية التسعينات ـ رغم احتفاظها بأهميتها الكبيرة ـ بل رافقها ذلك التصميم و الهمة اللذان لا يعرفان حدودا في السعي إلى تطبيق /الامتثال إلى توصيات الدوائر الإمبريالية و على رأسها البنك العالمي . و لعل هاتان السمتان اللتان طبعتا الممارسة السياسية للنظام القائم رغم ما يمكن أن يبدو من انفصال ظاهر عن بعضهما البعض , إلا أنهما لا يشكلان في حقيقة الأمر إلا وجهان لعملة واحدة هي : المزيد من الارتماء في أحضان الإمبريالية و التنفيس عنها على حساب قوت و قوة الجماهير الشعبية . فمباشرة بعد التقرير الذي أصدره البنك العالمي بصدد الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية بالمغرب سنة 1995 , و رد النظام عليه في رسالة الكمبرادور إلى رئيس البنك العالمي و المؤرخة في 21 يونيو 1995 حيث قال :
M. Koch-Weser a identifié avec raison , trois axes de réflexion autour desquels pourrait s’articuler notre démarche dans un contexte socio-économique plus volontariste et plus cohérent dans sa définition plus novateur dans ses méthodes et de ses résultats.
Il s’agit des trois domaines suivants :
1. Définition d’un projet fédérateur et mobilisateur à moyen et long termes pour l’économie marocaine .
2. Identification des dysfonctionnements de l’administration et analyse des raisons…
3. Reforme de notre politique d’éducation et d’enseignement …"
قلنا مباشرة بعد هاتة الرسالة , رسمت الخطوط العامة لسياسة البلاد بأكملها , و بدأ العمل على جميع الواجهات في اتجاه توفير الشروط اللازمة لانتزاع ما تبقى من مكتسبات الشعب المغربي وعلى رأسها مكسب التعليم ," ليتوج" في الأخير بـ"ـالميثاق الطبقي للتركيع و التبضيع" .
فمــن شعارات "التوافق" و "التراضي" كانسجام مع ما جاء في التوصية 37 : "...لا يمكن أن تنجح إصلاحات في قطاع التعليم والتكوين كيفما كانت إلا إذا قبلت من طرف كـل طبقات المجتمع و الجماعات المعنية , و بالتالي يجب وضع استراتيجية للوصول إلى هذا الالتزام الشامل" , و التوصية 40 : "...إن الإجماع والانسجام الحكومي ضروريان قبل أن يتم فتح حوار مع مختلف الأطراف..." وصولا إلى ما سمي بـ"ـاللجنة الملكية للتربية والتكوين" كترجمة مباشرة للتوصية 39 : "...من الأحسن إسناد صياغة هذه النظرة الى مجموعة صغيرة من المسؤولين ذوي المستوى العالي , واللذين يعملون تحت إمرة شخصية ذات سلطة , و محترمة على الصعيد الوطني...".
إذن لم يبقى هنا المجال مفتوحا لطرح ذلك السؤال الساذج و التافه , الذي ملء فراغ مختلف "القراءات" حول "الميثاق" على صفحات الجرائد ـ حول خلفية الصمت و السرية التي أحاطت بأعمال تلك اللجنة. فطرح ذلك السؤال دون تقديم الجواب ـ إذا كان أصحابه طبعا يحملون جوابا ـ لا ينم إلا على شيء واحد : إخفاء الحقائق و در الرماد في الأعين , فالصورة واضحة : نحن على مشارف معايشة حلقة جديدة من مسلسل الإجهازات المتتالية على مكاسب الجماهير الشعبية , الوجه الساطع لعملية النهب والاستغلال الطبقيين , خصوصا إذا علمنا أن التعليم ظل و إلى حدود ليست بالبعيدة , القلعة الوحيدة "الباقية" في معسكر الجماهير في ظل حرب طبقية لا تعرف الرحمة و لا الهدنة.
كــل هذه المعطيات و الحيثيات التي سردناها سابقا , قد تعفينا من تحليل و نقد مضامين "الميثاق" ما دام الأمر واضحا و منذ البداية , ولم يبقى معه أي مجال للمراوغة , لكن و رغم ذلك فالأمر يحتاج للمزيد من التمحيص و المزيد من تسليط الضوء على الأشياء بأكبر قدر ممكن
لم يكن الميثاق الطبقي للتركيع و التبضيع , أول " الإصلاحات" التي مست النظام التربوي والتعليمي ببلادنا , فقد سبقه إلى حيز الوجود ركام من "الإصلاحات" , لكنها لقيت عنادا من الواقع لم تستطع مقاومته أو الصمود أمامه , مؤكدة فشل كل التنظيرات المنعزلة عن حركة الواقع الذي يمد النظرية بالقوة اللازمة , ليجعلها فاعلة فيه بالذات . ورغم "الجديد" الذي يحمله "الميثاق" في أحشاءه , إلا أنه بقي وفيا لروح "الإصلاحات" السابقة عليه , و إلى المبدأ العام الثابت الذي شكل الخيط الناظم بينها جميعا , أي خدمة مصالح الطبقات السائدة كما سيتضح ذلك.
يندرج " ميثاق التربية و التكوين" في إطاره العام أو الجزئي على حد سواء , ضمن رؤية محددة حاولت مقاربة واقع الوضع التعليمي و التربوي في المغرب , و الإجابة عليه , وإذا كان النظام التربوي و التعليمي في أي بلد , كان لا يخرج عن الإطار العام الذي يشمله , أي النسق المجتمعي ككل , كان بديهيا و لزاما أن يطرح التساؤل حول خلفيات هذه الرؤية خصوصا إذا علمنا أن خلاصاتها ستتبع بمهام لا محالة , وجب كشفها و ضبط حظوظ تمريرها , حتى نتمكن من إنارة طريقنا, و سواء أخذ تحليلنا طابعا أفقيا أو عموديا , سنحرص على أن نبقى أوفياء لخط الجماهير و ذلك بالنظر إلى "الميثاق" من منظور فكر الطبقة العاملة بالتحديد.
إن أول ما يلفت الانتباه في قراءة "الميثاق" , هي تلك اللغــة الإيديولوجية التي اعتمدها واضعوه , خصوصا في قسمه الأول و كذا إلمامهم بكل عناصر النسق التربوي , و مدى ارتباطه بالمحيط المجتمعي العام , طبعا دون أن يزيغوا عن الإطار العام الذي رسم لهم من طرف أسيادهم الإمبرياليين, وإذا كانت اللغة الإيديولوجية واضحة في أهدافها و غاياتها من المنظومة التربوية فإن ما يحمله "الميثاق" في ثناياه من بعد استغلالي و تجهيلي كان أعظــم.
تحت عنوان: "المبادئ الأساسية " , حدد الميثاق في قسمه الأول , مبادئ نظام التربية و التكوين بما هي: " مبادئ الشريعة الإسلامية إيمانا و عملا " من أجل تكوين المواطن الصالح المصلح المتزن المتصف بالاستقامة و الإعتدال و التسامح.....المتسم بالروح الإيجابية و الإنتاج النافع " , و تربية المواطنين على الإيمان بالله, وحب الوطن و الذود عنه و التمسك بالملكية الدستورية ". و قد منح" الميثاق" لهاته المبادئ , صفة المرتكزات الثابتة كما هو مدرج في عنوان الفقرة الفرعية الأولى , ليبقى وفيا لباقي "الإصلاحات" المزعومة السابقة عليه, في ثباتها هي أيضا على تربية و تكوين, و من ثم تخريج ذلك "المواطن المتزن ", المطيع الممتثل للأوامر و" المتصف بالإعتدال و التسامح " الخنوع المستسلم للأمر الواقع" , و المتسم بالروح الإيجابية و الإنتاج النافع " , و نحن بالطبع نفهم مضمون هاته الإيجابية و لمصلحة من سيكون الإنتاج نافعا . لكن قد يعترض تافه أحدب, ليقول أن قصدية و روح الميثاق, هي النفع الذي يعود على المجتمع ككل , لن نكتفي بالرد على هذه التفاهات بقول بليخانوف : " إن القبر هو العلاج الوحيد للأحدب", رغم أننا مقتنعين بها والى أبعد الحدود , بل سوف نترك الميثاق بنفسه ليجيب ويفضح دعاته, ففي تحديده لوظائف نظام التربية و التكوين والتي شملها في وظيفتين, الأولى : اتجاه الأفراد, و الثانية: اتجاه المجتمع,كشف عن طبيعة هذا النفع وهاته الإيجابية:
فالوظيفة الأولى اختزلها في : " منح الفرصة إلى الأفراد من أجل تلبية حاجيات السوق" , وشرط هذه الفرصة أيضا بمؤهلات هؤلاء الأفراد ليفتح سؤالين أساسيين في هذا الصدد :
1. ما هو نوع المؤهلات التي يتطلبها السوق بالمغرب ؟
2. من هم الأفراد الذين يمتلكون النوع الممتاز؟ أو بصيغة أخرى , من هم الأفراد المؤهلون لامتلاك النوع الممتاز؟
أما الوظيفة الثانية فقد حددها في " تزويد المجتمع بالأطر الكفأة للسهر على تحقيق الوظيفة الأولى".
وهكذا سيصبح نظامنا التعليمي , جهازا لإنتاج البضائع الذي سيشكل من خلاله المتعلمون , المادة الخام و السلعة الجاهزة للبيع في سوق الشغل الذي سيأخذ هو الأخر, بإذن البنك الدولي(إنشاء الله) مضمون المزاد العلني ,أما الأساتذة فسيأخدون موقع آلة الإنتاج التي ستحول المادة الخام إلى السلعة الجاهزة , طبعا مع مراعاة حاجيات المزاد العلني و قوانين العرض و الطلب . و بموجب هذه الوظائف , سيعود "النفع" على المجتمع و ذلك بتشيئ كل المنخرطين المباشرين وغير المباشرين في النظام التربوي , كل حسب دوره(من مادة خام إلى سلعة جاهزة للبيع أو في أحسن الأحوال آلة إنتــاج ) , ولربما أصبحت هذه الحقيقة تفقأ الأعين , عندما تطرق الميثاق لتحديد مهام و أدوار الجامعة , حيث حدد لها نفس أسس "المدرسة المغربية الوطنية الجديدة" , و المتمثلة في النهج التربوي الجديد....بالشكل الذي تصبح فيه " قاطرة للتنمية على مستوى كل جهة من جهات البلاد , و على المستوى الوطني ككل" بمعنــى " تزويد كل القطاعات بالأطر القادرة على الاندماج المهني فيها , و كذا الأطر القادرة على الرقي بمستويات إنتاجيتها و جودتها , حتى يتسنى لها أن تساير واقع العولمة و المنافسة الشديدة (كذا)" , ليضيف بعد ذلك على أن" النهج التربوي الجديد" يجب أن يجعل من بين مهامه اتجاه الجامعة , أن يجعلها " مختبرا للاكتشاف و الإبداع , و ورشا لتعلم المهن , يمكن لكل مواطن ولوجها أو العودة إليها (أوه) كلما حاز الشروط المطلوبة و الكفاية اللازمة (آه)" 10أ
أصبحت الآن الأمور واضحة , في حدود مقبولة , لمن يرغب في أن يرى الأشياء على حقيقتها, لكن يبقى هناك سؤال بدون جواب : ما المقصود بقاطرة التنمية على مستوى كل جهة من جهات البلاد؟. سنترك وزير التعليم العالي السابق يجيبنا على هذا السؤال من خلال الحوار الذي أجرته معه جريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 1/10/1998 عدد 5529 , أي قبل حتى صدور الميثاق :
" و من الخطوط العريضة لهذا الإصلاح الجامعي هناك الجهوية , يعني لابد للجامعة أن تتأقلم مع خصوصيات الجهة, فالجهة اليوم أصبحت أداة تطور دستورية. فإذن على الجامعة أن تعطي الأولوية لخصوصية الجهة, و أن تتعامل مع الجهة. فالجهة الفلاحية لابد أن تتلقى تكوينات فلاحية , و الجهة الصناعية لابد أن تتلقى تكوينات صناعية ... الخ".
و ليس ببعيد و لن نفاجأ , إذا ما تم إحداث جامعات من أجل التكوين على زراعة المخدرات , مادامت إحدى جهات المغرب لا تعرف سوى زراعة الكيف و الحشيش , مادام لزاما على الجامعة أن تتأقلم مع الجهة , و إلا لا داعي إطلاقا للجامعة هناك , و نخرج من هذا المأزق. لكن ماذا يمكن أن يقال أيضا على جهة الشمال , التي تعتبر رائدة في التهريب ,هل نقيم جامعات متخصصة في تكوين المهربين؟ أم أن معاهدة الغات والسوق الحرة ستعفينا من ذلك. "لا نريد للسخرية أن تكون وحدها أداة للنقد,..., فيكون الواقع التاريخي الفعلي لاذعا في سخريته" حسب تعبير الشهيد مهدي عامل , ما نريد أن نقوله وداعا للتعليم الموحد , و لنوجه أنظارنا حاليا حول ما قدمه "الميثاق" بصدد تعميم التعليم.
إن الحديث عن التعميم , قد يحيلنا إلى طرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية , حتى يتسنى لنا معرفة واقع ومصيرهذالمطلب الشعبي , في سياق التطورات الحالية والمرتقبة التي سيعرفها النظام التعليمي . هل هناك بالفعل تراجع عن التعميم ؟ لكن لنطرح سؤالا أبعد من ذلك , متى كان التعليم معمما بالمغرب ؟ لن نتطرق هنا إلى واقع التعليم إبان الاستعمار المباشر, لأن المجال لا يتسع للتفصيل في هذا الموضوع من جهة , ومن جهة أخرى , فهناك اتفاق حول كونه كان تعليما استعماريا ولذلك سوف نقتصر على الحديث عنه منذ الاستقلال الشكلي .
لقد ظل التعميم منذ الاستقلال الشكلي وإلى الحدود الراهنة , يشكل إحدى المظاهر البارزة للأزمة التعليمية ببلادنا , لكنه مع ذلك , عرف مجموعة من التطورات والتحولات ارتبطت في جوهرها بالتطورات الاجتماعية التي عرفها المغرب , بمعنى آخر, إن تناولنا لقضية التعميم سينبني على أرضية تحليل أفقي وعمودي لتجربة التعميم , باعتبارها تجربة تخضع في تطوراتها , إلى العديد من المؤشرات الاجتماعية , سياسية بالدرجة الأولى , وبالتالي فإن معاينتنا لهاته القضية , ستتخذ كإطار لها , تحديد تطور العلاقات بين مختلف القوى الطبقية بالبلاد, بارتباطها مع قضية التعليم طبعا . محاولين الابتعاد عن تلك النظرة التقنوقراطية التي تحاول حصر الأشياء في أرقام ونسب مجردة
إن أول ما يمكن تسجيله في هذا الصدد, هو ذلك التدفق الهائل لأبناء الجماهير الشعبية داخل المؤسسات التعليمية, خصوصا في السنوات الأولى من الاستقلال الشكلي, الشيء الذي يعطي الانطباع للوهلة الأولى, بأن المغرب بدأ مشواره في تعميم التعليم, لكن لم يكن ولوج أبناء الجماهير آنذاك و بذلك الحجم إلى المؤسسات التعليمية, إلا واقعا فرضته مجمل الشروط التي أفرزتها طبيعية "الاستقلال".
فعلى مستوى التحالف الطبقي المسيطر,كان واضحا حجم احتياجه إلى الأطر التي ستمكنه من بناء ذاته بالشكل الذي يثبت سيطرته, و يبني جهاز دولته ضدا على مطامح و مصالح الجماهير الشعبية , الشيء الذي فرض عليه فتح المجال لأكبر عدد ممكن من الأطفال لولوج المدارس ,كما عمد إلى توظيف كل من كان يحسن القراءة و الكتابة, حتى يتسنى له مسايرة الكم الهائل من المقبلين على التعلم ,وذلك ما اتضح بعد ذلك , فمباشرة بعد انتهائه من هاتة المهمة, أي بناء جهاز الدولة, بدأت مصالحه تتناقض مع الواقع التعليمي, وبرزت مهام وأدوار أخرى يمكن إجمالها في تصفية التعليم , وجعله تعليما نخبويا وطبقيا, الشيء الذي عبر عنه في العديد من المعطيات كان أبرزها قرار بنهيمة 65.
أما من جهة النقيض أي الجماهير الشعبية , فقد اتضح لها بأن الأحلام التي تغذيها وعود وشعارات القوى المتواجدة على حلبة الصراع الطبقي بخصوص الاستقلال, لم تكن إلا مجرد أوهام وسراب تكسر على أرض الواقع مع أول هزة 58 , الشيء الذي دفعها إلى التخلص من تلك الأوهام , لكن وعيها الجنيني كان بطبيعته نوع من السذاجة والطوباوية بالشكل الذي ارتمت في أحضان أوهام أخرى غدتها هي الأخرى مجمل الشروط العامة للبلاد . لقد ترسخ في ذهن الجماهير, أن تحسين وضعيتها المادية والمعنوية مرتبط بالتعليم , وبذلك بادرت بالدفع بأبنائها إلى المدارس , وشكلت بذلك ضغطا شعبيا قويا ساهم في حدود بعيدة في ما وصل إليه التعميم من تطور, وهذا ما يفسر إلى جانب مجموعة من الأسباب الأخرى طبعا , البطولية الكبيرة والشجاعة النادرة التي واجهت بها الجماهير الشعبية المدافع والرصاص بالبيضاء وعدة مدن أخرى سنة65 (23 مارس ) إبان إصدار قرار بنهيمة المشؤوم .وإذا كانت تلك هي وضعية التعليم في السنوات الأولى من الاستقلال الشكلي فما هي يا ترى وضعيته حاليا ؟ وما هي الإجابات التي قدمها لنا "الميتاق" بصدده ؟
لا يخفى على أحد تزايد نفور الجماهير الشعبية من التعليم نتيجة للأزمة التي وصلت إليها السياسة التعليمية وكذا الإجهازات المتتالية التي أضعفت القدرة الشرائية للمواطن المغربي و مقارنة ما يتطلبه التعليم حاليا من نفقات هذا النفور الذي زكاة الجيش الضخم من المعطلين حملة الشهادات وما يعانون من وضعية مادية جد مزرية ووضعية أقل ما يقال عنها أنها لا تتوفر حتى على الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية هذا الواقع الذي أفرزه طبعا تطور واقع الصراع الطبقي بالمغرب وانعكاساته على العقل التعليمي.
فعلى مستوى التحالف الطبقي المسيطر فيمكن تسجيل ذلك التطور الهائل الذي شمل كل بنياته الأساسية وتزايد ارتماءه في أحضان الإمبريالية و المؤسسات المالية بالشكل الذي يصبح فيه يوما بعد آخر أكثر اندماجا و تبعية, و لعل مجمل توصيات البنك العالمي التي أوردناها في التقديم لخير دليل على ذلك. إن مصالح التحالف الطبقي المسيطر ارتبطت بشكل لا رجعة فيه مع مصالح تلك المؤسسات و بالتالي فسؤالنا الحالي سيصب في تحديد ماهية مصالحه الحالية من التعليم و الذي سيجد إجابته في الإجابة عن السؤال التالي : ما هي مصالح المؤسسات المالية و أهدافها من التعليم ببلادنا ؟.
لقد لعب الصراع الأمريكي السوفييتي دورا بارزا و محوريا في رسم حدود العلاقات الدولية حيث شكل الإطار العام لمجمل تحركات القوى الدولية سواء فيما بينها أو في علاقتها بباقي البلدان,وإذا كانت الإمبريالية قد عملت بشتى الوسائل للحفاض على حلفائها و عملائها سواءا تعلق الأمر بالدعم المادي أو العسكري أو ... فإنها حاليا و مع حسم نتيجة هذا الصراع لصالحها بانهيار النتيجة التحريفية داخل المعسكر الشرقي بدأت تعمل داخل إطار مغاير في حدود كبيرة سمته العريضة تفردها بالسيطرة على العالم دون منازع أو مشاكس , هذا الإطار الجديد فرض عليها مهاما جديدة اتجاها عملائها من أجل تحقيق نوع من الإستقرار و التوازن السياسيين داخل هذه البلدان حتى تتمكن من فتح الأبواب على مصراعيها أمام دخول مأمن لرؤوس الأموال للإستثمار / الإستغلال داخل مجمل القطاعات الإنتاجية خصوصا إذا علمنا ما تدره اليد العاملة في هذه البلدان مقارنة مع مثيلاتها في البلدان الصناعية الكبرى , وإذا كانت شعارات " الديموقراطية " و " حقوق الإنسان " بمثابة الغطاء الواقي لهذه الخلفية الإستغلالية فإن ذلك يعطي من الجهة المقابلة إشارة واضحة لعمق أزمة الإمبريالية و تعفنها , فقد كان ماركس على حق عندما أكد على أنه " كلما اشتد تطور التناقض بين قوى الإنتاج النامية و النظام الإجتماعي القائم , أصبحت إيديولوجية الطبقة الحاكمة مشبعة بالنفاق و كلما فضحت الحياة بهتان هذه الإيديولوجية غدت لغة تلك الطبقة مهذبة و فاضلة "
و من الملاحظ كذلك أن الإمبريالية قطعت أشواطا كبيرة في الرفع من مستوى فعالية وسائل الإنتاج و تقنياتها المتعددة و المعقدة الشيء الذي تطلب معه ضرورة رفع مستوى اليد العاملة لتصبح مؤهلة لمسايرة هذا التقدم التقني و مواكبة حاجياته المتطورة باستمرار , الشيء الذي أجبر الأنظمة التبعية على المضي قدما في تهيئ هذه الأرضية اللازمة و الضرورية كما تفهم التوصية الخامسة من مقررات البنك العالمي " ....إن الاستمرار في مجال الرأسمال البشري هو المسألة الأكثر أهمية التي تطرح على المغرب بعد مرحلة التقويم الهيكلي " وهذا بالطبع ما شكل الإطار العام " للميثاق " برمته و " تعميم" على وجه التحديد , و سوف ننطلق من هاتة الرؤية باعتبارها البوصلة التي تقينا من الانجراف في التحاليل التقنوقراطية البورجوازية الصغيرة و خلفياتها الإيديولوجية الرجعية بالشكل الذي تقودنا نحو كشف الخلفية الاستغلالية للإمبريالية من وراء طرحها لتعميم التعليم و الخلفية التبعية للنظام القائم و المجسدة أيضا في رؤيته لتعميم التعليم تحت عنوان " تعميم تعليم جيد في مدرسة متعددة الأساليب ".
حدد "الميثاق" المقصود بالتعميم بقوله "....تعميم تربية جيدة على ناشئة المغرب بالأولي من 4 إلى 6 سنوات و بالإلزامي من 6 إلى 15 سنة و يضم هذا الأخير الابتدائي و الإعدادي " فقرة 24 .
و طبعا تحديده لسن الخامسة عشرة لم يكن عشوائيا إذا علمنا أنها السن القانونية للشغل . إذن يمكن أن نستنتج أن سياسة الانتقاء التي تطبع كل السياسات النخبوية / الطبقية سوف تبدأ مع نهاية الإعدادي , و سوف نلاحظ على أنها ستأخذ التأشيرة قبل ذلك بكثير عندما تتطرق إلى التنظيم البيداغوجي الذي اضطلع علينا به " الميثاق " .لكن قبل ذلك يمكن أن نتساءل إذا كان هذا الإعلان الواضح على تراجع تعميم التعليم و اقتصاره على الابتدائي و الإعدادي , فمن سيتحمل نفقات هذا " التعميم" ؟ و سوف نضع " هذا التعميم" بين مزدوجتين حتى يتضح لنا تحمل الدولة لمسؤولياتها في نفقاته وإلا فإنه لن يكون كذلك أي تعميما. و على ما يبدو أننا لن نزيل هاتين المزدوجتين فنفقات هذا "التعميم" قد منح الميثاق " شرف تحملها " أو تحمل القسط الأوفر منها إلى الجماعات المحلية بالشكل الذي تصبح فيها شريكا أساسيا للدولة مع تأكيده على تفعيل دور جمعية الأباء والأولياء لتصبح هي أيضا محاورا و شريكا ذا مردودية و فعالية (و يجب أن نستوعب نوع المردودية و الفعالية المطلوبة) إلى جانب دعم المنظمات غير الحكومية للإسهام في " تعميم " هذه الأسلاك من التعليم
أما على مستوى التجهيزات اللازمة, فالميثاق يؤكد, على أنه لا داعي لانتظار إنشاء بنايات جديدة و بتكلفة من شأنها أن تأخر التعليم , فكراء أو اقتناء مجلات " ملائمة " لحاجيات التدريس كفيل بذلك , و إذا سألنا عن معيار هذه " الملائمة " طبعا أربعة جدران و سقف , و إذا لم تكن هناك نوافذ فلنترك الباب مفتوحا ما دامت كل الأبواب ستفتح.
وهكذا سوف يحقق الميثاق ما اعتبره ضروريا من رفع لنسبة الوافدين على سوق الشغل من %20 حاليا إلى %60 كمتوسط سنوي مع نهاية " العشرية الوطنية للتربية و التكوين " إنه " طموح جيد " لكن ألم تسمعوا أيها السادة واضعي الميثاق و من نفس المصادر التي رسمت لكم خطوطه العريضة على أن العالم بأسره لن يحتاج مع نهاية العشرية الثانية لهذا القرن سوى %20 من ساكنته داخل سوق الشغل ؟ أم أنهم أعطوكم وعدا بتشغيل كل المغاربة و المغاربة فقط ؟
إنها إحدى المفارقات بل التناقضات التي تتخبط فيها الإمبريالية و عملائها الرجعيين , فمهما ابتدعوا من " حلول " فلن يجدوا غير عناد الواقع ليتحطموا عليه .
قد يطول الكلام في هاتة النقطة لكن قبل الانتقال إلى باقي النقط الأخر , سوف ندرج هنا نصا لأحد المعمرين الفرنسيين , و سوف نعتبره خلاصة لكل ما سبق أن أوردناه و لينتبه القارئ :
" و إنه لمن واجبنا ومن أجل مصلحتنا معا , عندما نوجه مجهوداتنا لإدخال إصلاحات ثقافية في المجتمع المغربي أن لا نعمل على زعزعة هذا المجتمع و أن لا نمس تقاليده , يجب أن نعطي لجميع الطبقات " خبرة الحياة "الذي يناسبها و التي هي في حاجة إليها , كما يجب أن نوجه تطور كل هذه الطبقات في الإطار الخاص بها .... هنا كما في البلدان الأخرى توجد بروليتاريا يدوية , إن أبناء العمال و الفلاحين و الصيادين هم موضوع اهتمام زائد من طرف الحماية إن لهم مدارسهم الابتدائية ذات الاتجاه المهني الفلاحي الرعوي , الملاحي حسب المناطق .... و لكن ليس لدينا في المغرب بروليتاريا فكرية , فهل هناك أية فائدة في خلق مثل هاته البروليتاريا الفكرية , سواء بالنسبة لمصلحة المجتمع المغربي أو بالنسبة للسيطرة الفرنسية ؟
يقينا , لا , إن عملنا العظيم الذي نقوم به من أجل التجديد الثقافي يجب أن ينحصر فقط ضمن الأطر التقليدية لهذا المجتمع , و سيتجه نحو البرجوازية التجارية القروية , تحو موظفي المخزن , نحو رجال الدين أو رجال العلم , و بكلمة واحدة نحو
النخبة.... إن الخطركل الخطر كامن في صنع طبقة من المثقفين .... لا ركائز لها و لا ماض لها و لا تقاليد , الشيء الذي سيجعل منها مرتعا خصبا لجميع الإغراءات .
و إذن فيجب أن لا نهتم بالكم (أي التعميم) , يجب أن لا نضع في المغرب سنة بعد أخرى و بشكل مطرد و على حساب المجتمع المغربي و مصلحة الإمبراطورية الفرنسية , رجالا ينمي ينمي فيهم التعليم أذواقا و حاجات و أمالا , لن يقدروا هم أيضا على إرخائها بأنفسهم , و لن تقدر الحماية و لا المغرب ولا المستعمرة و لا الإقتصاد المغربي على تحقيقها لهم , فكيف لا يجزم المرء بأن هذه القدرات التي ستبقى دون عمل ستنقلب ضد مصلحتها و ضد مصلحتنا و نحن .... و لهذا فإنه من المستحيل , بعد الذي قلناه , أن يخرج المرء بنتيجة بغير النتيجة التالية :
إن زبناء مدرستنا الثانوية و مدارس أبناء الأعيان , يجب أن يكونوا من هذه النخبة الإجتماعية التي يقبلها الشعب و يحبها و يحترمها و التي تحكمه بكل قوى الدين و العلم و الهيبة و الإدارة و الثروة , يجب أن لا تخلق – بواسطة التعليم – جماعة من الساخطين المستائين اللامنتمين طبقيا , لنبق أسياد المستقبل , لنجمع بين الصفوة الإجتماعية و النخبة الفكرية و ذلك بمنح التربية الفكرية الرفيعة لأطر المجتمع المغربي وحدها , أولئك الذين يستطيعون استيعابها و استعمالها ....".
ينطلق الميثاق من مصادرة أساسية هي كون التعليم غير مندمج في الوسط المجتمعي و غير مرتبطة مع محيطه الإقتصادي مع انعدام أو نقص في مسالكه المؤدية إلى سوق العمل , إن هاته المصادرة ليس لها بالنسبة إلينا سوى معنى واحد هو ذلك الفصل القائم بين " تخطيط " الدولة التبعية و واقع الجماهير الشعبية, و ما انعدام " المسالك " المؤدية إلى سوق الشغل , سوى النتيجة الحتمية لتبعيته للدوائر الإمبريالية و موقعه من التقسيم العالمي لسوق الشغل , لن نتسائل هنا حول طبيعة الإجابات المقدمة من طرف " أصحاب الميثاق " أو حول الجوانب التي تخدمها , فذلك الأن مجرد تحصيل للحاصل . لكن سوف نتسائل حول مدى " إبداع " عملاء البنك العالمي و المؤسسات المالية في خلق هاته الجسور و المسالك . إن الجديد الذي قدمه الميثاق في هذا الصدد هو تمديده للتكوين المهني داخل كل أسلاك التعليم مع إحداث ما يسمى بالتكوين بالتناوب و التكوين الذي اعتبره " عاملا أساسيا لتلبية حاجيات المقاولات من الكفايات ..." كما أقر صراحة على تمفصله " بناءا على منطق السوق , الذي يعتبر وحده الكفيل بمواكبة حاجيات المقاولات من الكفايات بطريقة فعالة ...." و تجدر الإشارة هنا إلى خطورة هذه الرؤية التي سوف يتم من خلالها ربط الإستمرار في العمل لدى الطبقة العاملة بالتكوين و إعادة التكوين الذي سيتحمل بالطبع تمويله أو تمويل القسط الأوفر منه للعمال أنفسهم – و هو ما عبرت عنه مدونة الشغل الأخيرة – مع تولي الخواص مسؤولية تخطيط التكوين المهني في إطار شراكة ثلاثية بينهم و بين الدولة و المأجورين يحصلون داخلها على حصة الأسد , الشيء الذي سيحول لا محالة تعليمنا إلى وحدة إنتاجية هدفها الوحيد هو الرفع من " المردودية " و التقليل من النفقات نصل الأن إلى نقطة أساسية داخل " الميثاق " , النقطة التي شكلت أهم و أخطر الخلاصات العملية له , و نعني بها بالطبع : المجانية . لقد ظلت الميزانية المخصصة للتعليم تثير شهية النظام القائم منذ عدة عقود , إذ لم نقل منذ بداية السستينات , لكن النظام لم يكن ليصرح بشكل مباشر عن نيته في في تصفية التعليم , خصوصا و أن موازين القوى أنذاك لم تكن لم تسمح بمثل هذه الخطوة فكان من الضروري توفير الشروط الموضوعية و الذاتية للقيام بها . و هكذا عمل النظام على ترويج العديد من المقولات و المواقف التي تهيء لهذه الشروط من قبيل كون التعليم قطاعا غير " منتج " و أن شواهد التعليم العام شواهد فارغة المحتوى , تفتقد إلى الإنسجام مع المحيط الإقتصادي و الإجتماعي ....إلخ من المقولات . و إلى جانب هذا الخطاب الديماغوجي فقد كان العنف حاضرا بشكل وازن من أجل تحقيق تلك التوازنات المفقودة , خصوصا داخل الجامعة بالسعي إلى تحطيم الحركة الطلابية و إطارها العتيد أ و ط م , بعدما تأكد عدم إمكانية لجمه او دمجه في إطار الخطوط الحمراء خصوصا مع حضور قوة ضاربة و دينامكية لها من الحيوية , ما يمكنها من الصمود أمام الضربات المتعددة و القاسية , و نقصد بها بالطبع فصيل النهج الديموقراطي القاعدي الذي نال القسط الأوفر من تلك الضربات و لا زال يعاني منها من طرف النظام القائم سواءا بشكل مباشر عن طريق أجهزة الأواكس و مختلف قوات القمع , أو بشكل غير مباشر عن طريق القوى الظلامية التي خلقها النظام داخل الجامعة من أجل إحقاق تلك التوازنات التي يبحث عنها . و مهما قد يبدو حاليا من تناقض / صراع بينهما ( أي النظام و القوى الظلامية ) , إلا أنه ليس سوى صراعا حول شكل السلطة السياسية بالبلاد , فالقوى الظلامية , و إن لم تكن لها الجرأة على التصريح عن موقفها الحقيقي من مجانية التعليم داخل الجامعة , فهي أكثر وضوحا من النظام نفسه في الإفصاح عنه من خلال مؤلفات زعمائها (راجع فصل" تعليم يحررنا" من كتاب: حوار مع الفضلاء الديموقراطيين ) .
و نظرا لموازين القوى الحالية التي ترجح كفة النظام القائم و حلفائه الموضوعيين بمشاركة القوى الإصلاحية عمد النظام إلى حسم هذه النقطة بشكل مباشر لا يخلو من ديماغوجية– كما سترى – من خلال ما تم إقراره في الفصل الأخير من الميثاق و المعنوي بالشراكة و التمويل .
فبعد أن تمت الإشادة بالتعليم الخاص و التضخيم من دوره في الرفع من جودة و فعالية نظام التربية و التكوين , تم إقرار مجموعة من الإجراءات التشجيعية له , حتى يقوم " بدوره كاملا على مستوى التعليمين الثانوي و الجامعي " و هي كالأتي :
1. وضع نظام جبائي و مشجع للمؤسسات الخاصة لمدة يمكن أن تصل إلى 20 سنة ...
2. إعفاء بعض المؤسسات التعليمية الخاصة كليا من الضرائب ..
3. أداء منح مالية لدعم المؤسسات الخاصة ذات " الإستحقاق " ..
4. اعتراف الدولة بشهادات القطاع أو منح شهادات الدولة مباشرة للمتخرجين منه .
5. وضع أجود أطر التربية و التكوين رهن إشارة التعليم الخاص .
6. استفادة أطر القطاع الخاص من دورات التكوين الأساسي و المستمر المبرمجة
لصالح القطاع العام .
فبعد التذكير بالرهانات الكمية و النوعية " لإصلاح و تطوير " نظام التربية و التكوين , و التي تم ربطها بما سمي " بالتدبير الأمثل " للموارد عن طريق " إرشاد " الإنفاق التربوي و الأخذ بمبدأ تنويع موارد تمويل التربية و التكوين بإسهام الفاعلين و الشركاء من الدولة و الجماعات المحلية و الأسر الميسورة من خلال :
1. إحداث ضريبة على المستوى الوطني لم يتم تحديد قيمتها .
2. الزيادة في نسبة ميزانية القطاع ب %5 سنويا , إلا أن هذا الكرم لا يهدف سوى إلى امتصاص إنخفاض العملة باعتراف أصحاب الميثاق أنفسهم .
3. تحمل الجماعات المحلية بشراكة مع سلطات التربية و التكوين العبء المالي الناتج عن تعميم الابتدائي و تجهيزه
4. إقرار رسوم التسجيل في التعليم الثانوي و الجامعي , تحدد قيمتها من طرف مجلس الجامعة الذي أنيطت به أيضا عملية الإشراف على صرفها .
5. إحداث نظام للقروض الدراسية .
6. الإجهاز الكلي على المنح
هكذا يبدو أن أصحاب الميثاق على درجة عالية من التمكن من إبداع أساليب المكرو الخداع التي لا تخلو من غباء واضح , و لنتسائل هل بالفعل أن تنويع موارد التمويل يعني مكافأة المقاولة و تحميل الجماهير الشعبية عبء التمويل ؟ سنترك للقارىء الإجابة على هذا التساؤل كما نترك له التعليق على المبدأ الثالث الوارد في الفقرة 173، " تفعيل التضامن الاجتماعي بإقرار حقوق التسجيل في التعليم العالي و في مرحلة
لاحقة في التعليم الثانوي ..."
و لنحاول أن نقف عند بعض النقط من أجل توضيح الأشياء .
جاء على صفحات الميثاق فقرة 173 :
" يحدث نظام القروض الدراسية بشراكة بين الدولة و النظام البنكي يمكن لطلبة و أوليائهم من أداء حقوق التسجيل بالقطاعين الخاص و العام و بشروط و تسهيلات جد تحفيزية "
ما الداعي إذن لهاته القروض ما دام الميثاق قد أقر على أن رسوم التسجيل ستفرض على الأسر الميسورة فقط , و أنه "لا يحرم أحد من متابعة دراسته بعد الإلزامي لأسباب مادية محضة ..." أم أن هاتة القروض ستشكل المخرج الذي سيتم من خلاله امتصاص ما تبقى من قوت الجماهير , و حتى الكلام على اقتصار الرسوم على الأسر " الميسورة " يبقى مجرد حبر على ورق يهدف إلى زرع الأوهام , فلنا في تجربة تقنين المنح دروسا غنية , و دون الدخول فس التساؤل حول قيمة تلك الرسوم – التي نرجح على أنها لن تكون ذي قيمة تذكر في بدايتها – لأن الإشكال يتعدى قيمتها , فهو يستهدف كخطوة أولى تحقيق مبدأ خوصصة التعليم ما دام معيار تحديد قيمة الرسوم و أشكالها قابل للمراجعة مع أية لحظة
خلاصة :
إن أهم ما يمكن استخلاصه الآن هو أن الأمر لا يتعلق إذن " بميثاق وطني للتربية و التكوين "- تلك التسمية التي تسعى إلى منح مشروعية مفقودة , بل الأمر يتعلق كما سبق الذكر بمخطط طبقي للتركيع و التبضيع , يهدف النظام من ورائه إلى تحقيق العديد من الأهداف و تثبيث مجموعة من المعطيات يمكن إجمالها فيما يلي :
. اقتصاديا :
1. دمة المصالح الإقتصادية الإمبريالية على المستوى المحلي عن طريق ما سمي بالشراكة .
2. تحويل التعليم في اتجاه خدمة مصالح المقاولات و القطاع الخاص .
3. خلق يد عاملة مؤهلة نسبيا للتكيف مع معطيات التطور التكنولوجي و متطلبات السوق الإمبريالية.
4. تحميل الجماهير الشعبية عبء التمويل عن طريق الضرائب المباشرة و غير المباشرة و لإجهازعلى المنح و بالتالي الزج بها إلى حافة الفقر و التشرد أكثر مما هي عليه.
1. جعل التعليم آلة من أجل امتصاص انخفاض العملة
2. إغلاق العديد من المؤسسات و المعاهد و توقيف التشغيل في هذا القطاع بدعوى ترشيد الإنفاق و عقلنته 3. تجميد أجور الفاعلين فيه .
إيديولوجيا :
1. ترسيخ إيديولوجية السوق .
2. ترسيخ الثقافة الرجعية على مستوى كل أسلاك التعليم .
3. طمس الهوية الحقيقية للشعب المغربي .
4. زرع الأوهام حول التضامن و التكافل الإجتماعيين 5. تسييد ثقافة الانحلال والتفسخ و إثارة روح الفردية و الأنانية
6. تفكيك وحدة الشعب المغربي .
7. العمل على تركيع الجماهير الشعبية .
. سياسيا :
1. الزج بالتعليم في نطاق السياسة الجهوية التي جاء بها دستور 96 , وما تحمله من بعد سياسي رجعي يرسخ الحكم المطلق من خلال " السلطات " المخولة للعمال .
2. نسج علاقة لا ديموقراطية مع الفاعلين الحقيقيين في القطاع , بإحداث العديد من المجالس التي تغيب فيها التمثيلية الفعلية لهم .
3. الإجهاز على العمل النقابي داخل القطاع , سواء عن طريق العمل بالعقدة بالنسبة للمدرسين الجدد , أو تحطيم الإطار المنظم للجماهير الطلابية أ و ط م , عن طريق التمثيلية غير الشرعية للطلبة داخل ما سمي بمجلس الكلية
4. تحطيم الحركة الطلابية نهائيا .
5. تفتيت وحدة التعليم بشكل نهائي من خلال ما سمي بالسياسة الجهوية
و نعتقد على أن المراسيم و القوانين المنظمة و التطبيقية لهذا المخطط ستكون أكثر إجحافا , وأكثر طبقية , و أكثر وضوحا أيضا , فما العمل إذن للتصدي لهذا المخطط ؟ إن الإجابة على إشكالية التعليم , لا يمكن أن تتم إلا في إطار مشروع مجتمعي شامل و بديل , يرسخ مصالح الجماهير الشعبية و يقطع ذلك الحبل السري الذي نسجه النظام و حلفائه منذ معاهدة " إيكس ليبان " السيئة الذكر عن طريق إحقاق سلطة الطبقة العاملة و حلفائها الموضوعيين , لكن في غياب ذلك المعبر عن هاتة المصالح و الأهداف . هل نستكين إلى الخنوع بدعوى موازين القوى ؟ أم " نناضل " على جعل الواقع كما هو عليه مادام " الميثاق " أكثر إجحافا؟
بكل تأكيد لا هذا و لا ذاك , فالأمر يتطلب نضالا حازما و جريئا أكثر من ذي قبل , و لعل الخلاصات التي توصلنا إليها في نهاية هذه القراءة , تجعلنا أكثر تشبتا بالمهام المرحلية الملقاة على عاتق الحركة الطلابية , تلك المهام تستمد مشروعيتها و راهنيتها من واقع التناقضات الطبقية التي يحمل بها المجتمع المغربي , و من واقع أزمة حركة التحرر الوطني بشكل عام , و أزمة الحركة الطلابية بشكل خاص , سواء في شقها الذاتي أو الموضوعي . و إذا كان الواقع يؤكد يوما بعد آخر ذقة و نفاذ تلك الإجابة المرحلية التي كان للطلبة القاعديين شرف طرحها للحركة الطلابية من جهة , و يفضح من الجهة المقابلة خساسة و تفاهة الطروحات الإصلاحية و التحريفية , فإن ذلك في نظرنا , يجعل تلك المهام أكثر صعوبة نظرا لحجم الإستهدافات الجديدة , التي تضرب في العمق الأساس الموضوعي للحركة الطلابية و نقصد بها بالطبع : المجــــــانــية.



#النهج_الديمقراطي_القاعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القاعديون التروتسكيون- (!!)أكبر مهزلة يشهدها تاريخ الحركة ال ...
- بيان للرأي العام
- :قراءة نقدية في- الميثاق الوطني للتربية و التكوين-: ميثاق وط ...
- بيان إلى الرأي العام الوطني والدولي
- بيــــان حقيقة


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - النهج الديمقراطي القاعدي - قراءة نقدية في الميثاق الوطني للتربية والتكوينميثاق وطني للتربية و التكوين أم مخطط طبقي للتركيع و التبضيع