أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - المزحة














المزيد.....

المزحة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6126 - 2019 / 1 / 26 - 18:54
المحور: الادب والفن
    


كنا نهم بالانطلاق في حافلة من الطراز القديم، والتي لم تكن تعدّ كذلك حتى نهاية السبعينات.. أعني، في أوان خدمة أمثالها على خط حينا الدمشقي، وكانت وقتذاك تتراءى لأعيننا الفتيّة مثل عروس. بكلمة أخرى، كانت هذه الحافلة اليوم ذاتَ منظرٍ رث. مظهرُ سائق الحافلة، كان بدَوره ينتمي إلى ذلك العقد البعيد، السعيد. المفردة الأخيرة، أشدد عليها كون السبعينات ( بالنسبة لي بالطبع )، شهدت أجمل مراحل العُمر وأكثرها إثارة. ولكن السائق، المشرع في تدخين سيجارة وهو جالس وراء المقود ينتظر ربما إشارة الانطلاق من قائد رحلتنا، كان يفّكرُ بأشياء أخرى ولا شك.
" لقد تجمعنا هنا في عمّان، آتين من مختلف القارات، كي نركب أول حافلة في قافلة الحرية المتجهة إلى الشام "، خاطبنا ذلك القائد. شعرتُ في أعماقي بكراهية غريبة للرجل. بل وانتابني الغضب، حينَ أنهى خطبته المقتضبة، راسماً على شفتيه السميكتين ابتسامة لطيفة. لم يكن ثمة داعٍ لغضبي، ولا لفكرتي الساخرة: " ابتسامته، المخصصة لفتيات الرحلة، لها وظيفة الشارب فوق الشفتين وذلك لإخفاء غلظتهما ". ثم ما لبثتُ أن محضته مزيداً من الكراهية، لما عمد إلى صفارة بيده، فأطلق من خلالها صفرة الإشارة ببدء الرحلة. إذ تبدى الرجل عندئذٍ مثل غراب، يعتقد أن نعيقه سيجعله أجمل الطيور!
قررتُ تنكيدَ مزاج الغراب من خلال الجلوس في آخر الحافلة، أين المقعد العريض المتسع لعدة ركاب. هنالك في منتصف المقعد، كانت أجمل تينك الفتيات جالسة، تشارك الآخرين في الغناء. كانت قريبتي من ناحية بعيدة نوعاً. فما أن وقع بصرها عليّ حتى رمقتني بنظرة ناعمة، طهّرت دخيلتي من كل ما يمت للكره والنفور. مع اقترابي من مجلسها، أدهشني احتفاظها بالملاحة والنضارة على الرغم من توالي العقود مذ آخر مرة التقيت معها. آنذاك، كان شقيقها الكبير ما يفتأ حياً، ولم تكن قد ظهرت عليه بعدُ أعراض المرض العضال. تذكّرتُ أنني أمتلك صورة، تجمعني به في حفل زفافه، وكانت محفوظة في ألبوم داخل حقيبتي. كذلك كان في الحقيبة مجموعة رسائل قديمة، إحداها وصلتني من صديق ينعي فيها رحيل قريبي ذاك.
" قل لمعلمك أننا لن ندفع شيئاً، ويكفيه متعة الرحلة وملاحقة الفتيات بعينيه من خلال المرآة "، قال قائد الرحلة لمعاون السائق متفكّهاً. وفيما داخلي يمتلأ مجدداً بالمقت تجاه الرجل، إذا بعينيّ تلتقيان بعينيّ السائق. هذا الأخير، لاحَ عليه الحنق على أثر سماعه الدعابة السمجة. فما كان منه إلا الضغط على البنزين، مضاعفاً السرعة. فيما كان بقية الركاب ما انفكوا على مرحهم، ينشدون الأغاني أو يتبادلون الأحاديث، راحَ القلق يحتل داخلي. وكنتُ في هذه الحال، لما جلسَ أحدهم بقربي، فاصلاً إياي عن قريبتي. فما أن أدرتُ صفحة وجهي إلى ناحيته، إلا وتجمّدت أطرافي فَرَقاً: لقد كان شقيقها الكبير نفسه، المفترض أنه رحل عن الدنيا منذ عدة عقود!
" آخر شيء توقعته، هوَ أن أراك مجدداً "، قلت لقريبي وأنا أعانقه في غمرة الدموع. كان أيضاً ما يفتأ على فتوته ووسامته، كأنني فارقته بالأمس. حدثته عن الصورة، وحتى عن تلك الرسالة المشئومة. قال لي مبتسماً في غموض: " صديقنا، بعث لك الرسالة على سبيل الدعابة. المسكين ما زال في الشام، ولو رأيته الآنَ لحسبته مستحاثة! "
" لم يكن عليه أن يمزح في هكذا أمور، سامحه الله "، قلتُ ذلك وأنا أقصد أيضاً قائد رحلتنا. فالحافلة وهيَ في سرعتها الفائقة، أضحت مثل قاطرة على سكة المجهول. وها همُ الأموات، المفترضون، يُبعثون إلى الحياة. في الأثناء، كان ركاب حافلة الحرية غافلين عن الخطر المستطير، يتبادلون الأحاديثَ ويهزجون الأغاني.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تورغينيف وعصره: القسم الأخير
- الصراطُ متساقطاً: بقية فصل الختام
- الصراطُ متساقطاً: تتمة فصل الختام
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 14
- عصيرُ الحصرم ( سيرة أُخرى ): 71
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 13
- الشرفة
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 12
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 11
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 10
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 9
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 8
- إحسان عبد القدوس؛ الصورة النمطية للكاتب/ 2
- إحسان عبد القدوس؛ الصورة النمطية للكاتب
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 7
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 6
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 5
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 4
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 3
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 2


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - المزحة