أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ألان غريش - عن «السترات الصفر»














المزيد.....

عن «السترات الصفر»


ألان غريش

الحوار المتمدن-العدد: 6089 - 2018 / 12 / 20 - 10:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


«السترات الصفر» حركة لا سابق لها في التاريخ الطويل للانتفاضات الشعبية في فرنسا. محاولة اختزالها إلى نمط معروف من الاحتجاج أو تحليلها من خلال مقارنتها بوقائع ماضية ستفضي إلى استنتاجات مضللة. هي أيضاً حركة في طور النمو، تتلمس طريقها وتتردد، ومن غير الممكن التنبؤ مسبقاً بالوجهة التي ستتخذها في المستقبل. الكثيرون، بين اليساريين، يخشون طغيان التوجّه الشعبوي، المرتبط باليمين المتطرف، أي حركة شبيهة بالتي شهدتها دول أوروبية مختلفة، كإيطاليا والمجر، أو بتلك التي أوصلت دونالد ترامب إلى السلطة. يعتقد هؤلاء أن العداء للهجرة ورفض الضرائب المفروضة من الدولة من حيث المبدأ يؤكدان صحة تحليلاتهم. وعلى الرغم من أن هذه التحليلات تشير إلى مخاطر محتملة، فإنها تتجاهل الطبيعة المتنوعة للحركة واحتمال قيام القوى اليسارية بالتأثير في مسارها. المستقبل غير محدد سلفاً.


فلنبدأ من البداية. انطلقت الحركة من الأوساط الاجتماعية المهمشة، العاملة في مهن أجورها زهيدة (بمن فيهم صغار الموظفين أو العاملين في القطاع الاجتماعي والاستشفائي)، ومن بين الشرائح الدنيا من المتقاعدين، الذين ضمرت مداخيلهم باستمرار منذ عقود، نتيجة السياسات النيوليبرالية المفروضة على فرنسا. حدّت هذه السياسات من الخدمات الاجتماعية المقدمة للمواطنين (المستشفيات، المستوصفات، وسائل النقل العام)، خاصة للمقيمين خارج المراكز الحضرية. شكّلت زيادة الضريبة على الوقود المحفز الأول للاحتجاجات، لأن السيارة تمثل بالنسبة إلى جزء كبير من الفرنسيين وسيلة النقل الوحيدة للذهاب إلى العمل وللحصول على الخدمات الأساسية.
عامل آخر ساهم في اندلاع الحركة الاحتجاجية، هو شخصية الرئيس إيمانويل ماكرون. فهو ممثل نموذجي للنخب التكنوقراطية ولازدرائها المكشوف لعامة الشعب. وبينما تمتّع جميع سابقيه منذ بداية الجمهورية الخامسة بتجربة سياسية طويلة، برلمانية أو محلية، لم يحصل ماكرون إلا على تجربة وزارية قصيرة، وهو يفتقر إلى التجذر المحلي الذي تمتلكه غالبية القادة السياسيين، على مستوى مدينة أو منطقة، خاضوا فيها تجربتهم وبنوا صلات فعلية مع المجتمع. بإمكاننا القول إن ماكرون عديم الصلة بأية «تجربة محلية».
بالإضافة إلى ذلك، فإن انتخابه سنة 2017 أدى إلى تفكك النظام السياسي التقليدي واختفاء الحزب الاشتراكي وتشظي اليمين إلى مجموعة من التشكيلات والتيارات. لم يؤدِّ هذا التفكك إلى تشكيل حزب سياسي رئاسي حقيقي. حزب ماكرون، على الرغم من عدد نوابه في البرلمان، ليس لديه بنية تنظيمية تستطيع أن تكون قناة للتواصل مع القوى الاجتماعية. عزّز هذا الأمر ميل ماكرون للتحوّل إلى رئيس للأغنياء. لم يعد هناك من وسيط بينه وبين «الشعب»: هو قارن نفسه بجوبيتر (أحد آلهة الرومان) والشعب يعتبره اليوم المسؤول الوحيد عن أوضاعه الصعبة. تساهم هذه الظروف في تعقيد محاولات إيجاد مخارج للأزمة، خاصة مع غياب إمكانية اللجوء إلى الحلول البديلة التقليدية. «التجمع الوطني» و«فرنسا الأبية» يستطيعان الإفادة من الظروف الحالية، ولكن بصعوبة شديدة.
إذا عدنا إلى حركة «السترات الصفر»، فإن تحقيقاً أعده علماء اجتماع ونشرته «لو موند» يسمح بمعرفة مكوناتها. هم أولاً رجال ونساء معدل أعمارهم 45 سنة، ينتمون إلى الطبقات الشعبية أو إلى الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى. الموظفون يمثلون 33% منهم، والعمال 14%. عدد الموظفين الكبار المشاركين بالحراك ضعيف، أما عدد المتقاعدين فيصِل إلى أكثر من الربع. أخيراً، لا بد من ملاحظة المشاركة الكثيفة للنساء (45%). غالبية المشاركين ليست من القطاعات الاجتماعية الأكثر فقراً والتي تعيش على المساعدات الاجتماعية. فئة الشباب ممثلة بشكل ضعيف.
هذه الكتلة الاجتماعية هي جزء من فرنسا التي يجري تجاهلها وازدراؤها: للمرة الأولى شاهدنا على شاشات التلفزة وجهاً آخر لفرنسا، هو وجه أصحاب الأجور الزهيدة ونهايات الشهر الصعبة. هذا «الظهور» العلني هو أول نجاح لحركة «السترات الصفر» وهي تعي هذا الأمر وتفتخر به. تماماً كما سمحت الاحتجاجات والصدامات في الضواحي عام 2005 بطرح حالة «الأحياء الصعبة» وأوضاع سكانها المهاجرين وأبنائهم على النقاش العام.
السؤال المطروح الآن هو عن مدى قدرة هذه الحركة على التقاطع مع قوى أخرى كأبناء الأحياء الشعبية ذوي الأصول المهاجرة ومع الطلبة والنقابات. إحدى العقبات هي موضوع الهجرة الذي يستغله اليمين المتطرف، أي فكرة «الاجتياح الإسلامي» للبلاد والبدء بتغيير هويتها، وهي أطروحة متناغمة مع خطابات قوى السلطة. عقبة أخرى هي رفض «السترات الصفر» لأي «استغلال» سياسي أو نقابي، مع أن الكونفدرالية العامة للعمل (CGT) واليسار عموماً قد دعما الحركة بعد فترة تردد وحاولا المشاركة بتظاهرات معها.
يبقى أن الحركة مدعومة من أغلبية كبيرة من الفرنسيين على الرغم من تراجع عدد المشاركين فيها بعد التنازلات التي قدّمها ماكرون والعملية الإرهابية في ستراسبورغ. لم تمنع عمليات العنف التي تخللت الاحتجاجات في باريس وعدد من المدن وإدانتها من أكثرية المشاركين، من استمرار التأييد للحراك. وقد سمعنا التعليق التالي من مناضلين نقابيين: «منذ سنوات طويلة ننظم تظاهرات سلمية دون النجاح في تحقيق مطالبنا، بينما نجحت السترات الصفر في انتزاع تنازلات يعتبرونها غير مرضية ولكنها فعلية».
ملاحظة أخيرة تتعلق بأشكال الاحتجاجات في العالم النيوليبرالي. لقد طويت صفحة الحرب الباردة ومعها تلك الخاصة بأشكال الاحتجاج التقليدية. باتت الاحتجاجات اليوم تتخذ أشكالاً جديدة وغير مسبوقة كحركة «احتلال وول ستريت» أو انتفاضات الربيع العربي. السؤال المطروح اليوم، وليس فقط في فرنسا، هو عن مدى قدرة هذه الحركات على المساهمة في بلورة بدائل سياسية للأوضاع القائمة.



#ألان_غريش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكافحة العنصرية ليست من «امتيازات البيض»
- أكاذيب برنار هنري ليفي: إسرائيل... اليهود وغزة
- سارتر واليهود وإسرائيل والفلسطينيون
- تمّرد
- من -الحرب على الإرهاب- إلى -صدام الحضارات-
- تسكين المسألة الدينية لطرح المسالة الاجتماعية - في أصول الجد ...
- الرأي العام في السعودية.. البدايات


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ألان غريش - عن «السترات الصفر»