أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن صالح الجيزاني - المتسول














المزيد.....

المتسول


حسن صالح الجيزاني

الحوار المتمدن-العدد: 6077 - 2018 / 12 / 8 - 01:51
المحور: الادب والفن
    


من بعيد بدت الحديقة زاهرة ومخضرة وارتفعت الاشجار من جهاتها . كان السياج الحديدي يسورها من كل جانب فبدت كانها مستطيلة الشكل ، قدرت مساحتها بمساحة ملعب لكرة القدم او اكثر قليلا ..كانت الحديقة غارقة في ظل الاشجار في هذه الساعة من الظهيرة القائظة ، انه الصيف الحارق بحرارته الشوارع والطرقات في ساعات الظهر .. ظل وديع تدغدغه نسمات عليلة سرّت ناظري ، كان الشارع المؤدي اليها خاليا الا مني انا الذاهب اليها ابحث عن بابها وخمنت انه في الجهة المقابلة لي تماما ، كان مغطى بنبات متسلق لا اعرف اسمه فبدا الباب كانه فتحة حفرت لنفسها اخدودا بين الاوراق المتكاتفة . لم المح شيئا يتحرك في المكان الخالي تماما وكانت نسمة هواء ، شعرت بها ، قد ضربت الاشجار فارتعشت قليلا واهتزت فتمايلت كما رايتها . سرت انوي الدخول لارتاح قليلا من الحر اللافح ، فقد جئت من قريتي البعيدة لا نجز عملا في المدينة وتاخر بي الوقت ، انتظر ساعة او اكثر لعودتي فيكون الجو قد تحسن قليلا . الوقت الحار هذا ليس غريبا عني ، فالصيف في قريتنا حار جدا وجاف ويفتقر الى الهواء او نسمة الريح الباردة وكاننا نعيش في صحراء مترامية ليس فيها غير الشمس واللهب والقيظ في الفصل من السنة الذي يجعلنا اجسادا تتهاوى عند نسمة ريح في الليل العذب . لمحت شخصا بملابس بالية وشعر اشعث ، يتحرك باتجاه الباب فاستغربت قليلا لاني ، لاني لم اره ولم المحه يتحرك قبل ذلك . رآني اتحرك نحو باب الدخول فانتظر قليلا ولم يدخل .. استغربت الامر ولكنه بدد مخاوفي واستغرابي حين وصلت اليه ودنوت منه .. القى علي التحية . فأطمأن قلبي و ارتحت قليلا وكا نت على وجهه ابتسامة زادت من اطمأناني واقتربت منه اكثر . قال لي :
ـ الباب مغلق ! كنت اتمنى ان اجلس في هذا الظل ، مشيرا الى الحديقة ، لابدد تعبي وغيظي من الحر !
قلت له :
ـ انا ايضا كنت اتمنى قضاء ساعة تحت الشجر .
رد بحسرة :
ـ اعرف مكانا اخر لكنه يحتاج الى نصف ساعة سيرا على الاقدام ..
وجدت ان الامر لا يستحق هذه المعاناة وفضلت الذهاب الى الشارع الرئيسي لاستاجر سيارة وانهي هذه اللوعة .
رايت في وجهه الحاحا غريبا على بالانتظار قليلا.. وكان يتصبب عرقا وهو يكاد يتوسل فتعاطفت معه ، كان متشبثا بالمكان لا يريد المغادرة . قلت له :
ـ اتنتظر طويلا ؟
ـ سابقى منتظرا حتى يفتح الباب .. اعتقد ان الامر لن يطول كثيرا . يقفل الحارس باب الحديقة خوفا من الاطفال المخربين الذين ياتون احيانا منسلين من بيوتهم ، انه اجراء احترازي .. ونظر الى ساعته .
قلت له باستغراب :
ـ الا يوجد لك بيتا تذهب اليه في هذا الحر ؟
رد وكانه يتهامس معي :
ـ لو كان مثل بيوت الناس لما جئت الى هنا !
قلت له :
ـ لماذا لا تذهب الى اقربائك مثلا وتنهي المشكلة . وضحكت ضحكة خفيفة !
رد بغضب :
ـ لا بيت عندي ولا اقارب!
ـ ولا اولاد ؟
ـ ولا اولاد !
كان الشارع يهجع تحت لهيب الظهيرة القاسية ، فيما كنت انوي الرحيل من المكان ، تكلم معي بحزن بالغ :
ـ كل يوم اجيء الى هنا ، المكان مريح وليس فيه ما يعكر مزاجي في هذا الوقت !
ـ كل يوم ؟
ـ نعم كل يوم ، الى وقت الغروب فانسحب الى مخدعي في البناية المجاورة ..
واشار الى بناية مهجورة قرب الحديقة .
قلت باستغراب :
ـ ولما لا تذهب اليها في هذا الوقت ؟
ـ لانها حارة جدا ولا يمكن لانسان ان يقضي فيها ساعة واحدة ! مهجورة لا ابواب ولا شبابيك وتنام فيها الكلاب والقطط وتتكوم فيها النفايات !
انها قدري ان اعيش فيها ، فليس لي بيت كما اخبرتك .
كانت كلمات الرجل تنزل علي كالصاعقة ، قلت له :
ـ ساطرح عليك امرا وانت حر فيما تراه مناسبا في جوابك !
بدت علامات الحيرة على وجه الرجل وقال :
ـ ارجو ان يكون امرا استطيع ان اجيبك عليه !
ـ هل يمكننك ان تذهب معي الى بيتي ؟ عندي ثلاثة اطفال صغار وزوجة مريضة !
ـ وما افعل في المجيء معك ؟
ـ تخلص من هذه الخربة مؤقتا لحين توفر مكان اخر افضل قليلا . فالله لا ينسى عباده .
ـ لا استطيع .. اعذرني .
ـ ما السبب ؟
لاني اعمل من اجل كسب قوتي اليومي وذهابي معك سيحرمني من رزقي !
تعجبت قليلا لكني حاولت ان اعرف منه ما العمل الذي يقوم به :
قال :
ـ اعتقد ان الناس في المدينة اكثر ويتعاطفون معي ويعرفونني . يجودون علي بنقود قليلة اعيش منها ..
ـ انت متسول ؟
ـ لا ، ولكني تعودت الامر واستسهلته !
فجاة حضر حارس الحديقة وفوجئت بالتحية التي القاها على الرجل وقال له عذرا لتاخري وارجو منك العفو والمسامحة . استغربت الامر ولكني وددت معرفة ما يجري . مد حارس الحديقة يده الى جيبه واخرج رزمة من النقود واعطاها للرجل قائلا له :
ـ هذه بدلات الايجار لعقاراتك هذا الشهر يا سيدي !



#حسن_صالح_الجيزاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن صالح الجيزاني - المتسول