أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حنان بناصر - المتغيرات الهيكلية في العلاقات العربية الامريكية















المزيد.....


المتغيرات الهيكلية في العلاقات العربية الامريكية


حنان بناصر

الحوار المتمدن-العدد: 1514 - 2006 / 4 / 8 - 05:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اقنعت هجمات 11 شتنبر الأمريكيين بضرورة تغيير المنطقة العربية، وتزايد إحساس العرب بالتهديد إزاء ما يرونه استهدافات من الولايات المتحدة للمنطقة العربية منذ هذه الأحداث، في محاولة لتغيير القيم والأوضاع الثقافية والاقتصادية والسياسية في العالم العربي، حيث أن هناك منظومة من التغيرات الهيكلية التي تعتري العلاقات العربية الأمريكية ومن بينها:
أولا: نزوع الولايات المتحدة إلى استخدام تعبير الشرق الأوسط للحديث عن المنطقة العربية عوض تعبير العالم العربي.

ثانيا: محاولة خلق نوع من التطابق بين ما هو عربي وما هو إسلامي، كمفاهيم استراتيجية فيما يتعلق بالمصالح والتهديدات وإمكانيات العمل ودمج الدول العربية والإسلامية في شرق أوسط كبير يمتد من المغرب إلى اندونيسيا.[1]

ثالثا: اختراق الحدود بالتأثير الأمريكي في مجريات الأمور داخل العالم العربي وليس من خارجه.

رابعا: تغير آليات التغيير الأمريكي المطلوب، بحيث لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية تستبعد اللجوء إلى القوة لتغيير النظم السياسية في العالم العربي،[2] حيث ورد في كتاب لـ "هارلان كليفلاند":

«إن لدينا من القوة ما يمكننا من أن نعيد بناء العالم مرة أخرى، فلم يحدث من عهد نوح حتى الآن، موقف مشابه لما هو عليه الحال في الحاضر، وإن ميلاد عالم جديد أصبح الآن بأيدينا."[3]وقبل ذلك هناك تعبير طالما تم ترديده خلال الحرب العالمية الثانية، وهو "لقد بلغت أمريكا سن الرشد" حيث تملك الأمريكيين شعور بالقوة والعظمة، فلقد أنقدوا العالم من هتلر، وفي إطار هذه العملية سوف تنتشر السلطة والسيطرة الأمريكية.[4]ويلتقي كبار الإستراتيجيين الأمريكيين في تحديد أهداف السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط نظرا لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية القومية والكونية، وهي التي تملي سياستها في هذه المنطقة، ويمكن اختصار هذه الأهداف كما يلي:

1. الإلتزام الثابت والدائم تجاه إسرائيل بالمحافظة على أمنها وبقائها وتفوقها، واعتبار حماية أمن إسرائيل هو بمثابة حماية أمن الولايات المتحدة.

2. وجود أكبر احتياطي للنفط في العالم في هذه المنطقة وبالتالي ضمان استمرار تدفق البترول العربي بأسعار معتدلة ومقبولة مع بقاء فوائض أمواله في نطاق الأمان.

3. الحفاظ على شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، لكونه مصلحة قومية وكون أي نزاع يطال إسرائيل أو النفط أو الاثنين معا، يشكل تهديدا كبيرا لا يمكن تجاهله في منطقة، من منظور جيواستراتيجي، من أكثر المناطق خطورة في العالم.

4. تحقيق وتثبيت نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة باعتبارها القوة العالمية الأولى.[5]

وجاء تورط عدد من العرب المسلمين في الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة، ليحدث صدعا في العلاقات العربية مع النظام العالمي وخاصة مع الولايات المتحدة ويوفر الفرصة للحديث عما يسمى بصراع الحضارات،[6]على الأقل في الخطاب السياسي المطروح من الطرفين العربي والأمريكي، واتخذ ذلك عدة أشكال:

I. التأثير السلبي على القضية الفلسطينية التي كانت جزءا هاما من منظومة العلاقات العربية الأمريكية بحيث انهار التركيز الأمريكي على خلق نظام ينطوي على السلام والتعاون في المنطقة ليحل محله تحول رئيسي في الموقف الأمريكي من المستوطنات وحق العودة من خلال خطاب الضمانات الذي سلمه بوش لشارون، والسماح له بتجزئة المرحلة الأولى من خارطة الطريق إلى عدة مراحل أدت إلى تأجيل احتمالات تنفيذها من المستقبل المتوسط إلى المستقبل البعيد.

II. تآكل العلاقات التقليدية بين الولايات المتحدة وممن يسمون بالمعتدلين العرب كالسعودية ومصر، من خلال تعاون دام ربع قرن لتحقيق أهداف استراتيجية مشتركة في تحقيق السلام وحماية أمن الخليج والحفاظ على استقرار المنطقة.

III. احتدام المواجهة بين منظومة القيم لطرفي العلاقات العربية الأمريكية وخلق صور نمطية سلبية لدى كل طرف عن الطرف الآخر، بحيث أصبحت نظرة الطرف الأمريكي إلى العرب متمثلة في أن العرب بدو يتسمون بالشراسة ولا أمان لهم وبوسعهم الانحدار إلى مستويات وحشية كقطع الرقاب، كما أن عقلية البازار تسيطر عليهم فيغرقون في المساومة على الأشياء التي لا تستحق التفاوض. كما أنهم منافقون يدعون الفضيلة، وهم أثرياء بترول ولكنهم لا يستخدمون ثرواتهم في تنمية بلدانهم، وأن العرب يقبلون على تبرير نسف الآخرين ولا يجدون غضاضة في اللجوء إلى الإرهاب، كما أنهم رجعيون يعيشون على أمجاد الماضي، وعلى الطرف الآخر وقع تشويه لصورة أمريكا عند العرب، الذين ينظرون الآن إلى الطرف الأمريكي على أنه يتعامل مع العالم بعقلية راعي البقر الذي لا يعبأ بالقانون ويسرف في استخدام القوة دون مبرر، وأنه محكوم بنزعة استعمارية تجعل منه امتدادا لتاريخ طويل من النظام الاستعماري العالمي، كما ينظر العرب إلى الأمريكيين على أنهم رأسماليين منشغلين بمص دماء الفقراء والعمالة الرخيصة، وأن اليهود الأمريكيون مسيطرون على الاقتصاد والإعلام بل وعلى القرار السياسي، وبالتالي لا يفسر الطرف العربي أي إجراء أمريكي إلا من خلال نظرية التآمر واستهداف العرب المسلمين، وأن الطرف الأمريكي يقوم بدور الصليبيين الجدد ولكنهم جبناء يهربون من الالتحام المباشر كما حدث في بيروت والصومال.

IV. تناقص الاعتماد المتبادل بين الطرفين في مجالات التجارة والسياحة وكافة أشكال التعاون الأخرى.

V. انحسار التفكير الاستراتيجي المشترك بين الجانبين وتحوله إلى مجالات محدودة تختلف بحسب سخونة الموقف من فلسطين، إلى الإصلاح ثم مكافحة الإرهاب، بحيث لم يعد هناك تصور استراتيجي مشترك يجمع بين الولايات المتحدة وأصدقائها التقليديين في العالم العربي.[7]

وإذا كان من السهل في ظاهر الأمر تصوير السياسة الخارجية الأمريكية نحو العالم العربي كنتاج للسياسة الداخلية الأمريكية، ولجهود اللوبي الصهيوني القوي بصفة خاصة، فإن هذه الصورة تبدو شديدة التبسيط، بل ومضللة أحيانا، لأنها تمثل نوعا من المصادرة على المطلوب، فما الذي يفسر فعالية اللوبي الصهيوني المؤيد لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، ومتى أصبح مؤثرا في عملية اتخاذ القرار السياسي الخارجي للولايات المتحدة اتجاه العالم العربي؟ وكيف نجح في ذلك؟

فلا أحد ينكر أن إسرائيل وأصدقائها في الولايات المتحدة، يمارسون نفوذا هائلا في صناعة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية، واللوبي الصهيوني يجد آذانا صاغية في الولايات المتحدة نظرا لانسجامها مع الآراء الراسخة تاريخيا لدى الأمريكيين حول العرب والمسلمين بشكل عام، ولهذا فإن جهود اللوبي المؤيد لإسرائيل من الضروري أن تقدم ضمن سياق السياسة والدولة والمجتمع الأمريكي فيها، وبهذا المعنى فإن فهم السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية يتطلب فهما أعمق للمصادر المجتمعية والثقافية والحضارية والأمنية التي تغذي تصورات الأمريكيين حول العرب والمسلمين.[8] لكن لا يمكن إنكار سلسلة التطورات التي تمر بها العلاقات العربية الأمريكية والتي تغذي فكرة اتساع الهوة بين مواقف الأطراف العرب ومواقف الولايات المتحدة:

أولا: اقتراب الموقف الأمريكي إلى ما يصل حد التماثل مع موقف شارون إزاء كيفية التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والسماح له بعرقلة خارطة الطريق وبناء الجدار الفاصل واقتطاع المزيد من الأراضي الفلسطينية.

ثانيا: التخلي عن سياسات أمريكية تقليدية لمجرد إظهار المساندة لإسرائيل، مثل موقف بوش من المستوطنات وحق العودة للاجئين الفلسطينيين.

ثالثا: عملية غزو العراق واحتلال الولايات المتحدة لدولة عربية، وهي سابقة تاريخية تجعل العرب ينظرون إلى الولايات المتحدة كامتداد للمرحلة الاستعمارية البريطانية والفرنسية لأراضيهم.

رابعا: تصاعد التهديدات الأمريكية لسوريا وإيران يعمق الشعور بأن الولايات المتحدة تسعى للهيمنة الإقليمية، وتنفيذ خطة القرن الأمريكي الجديد التي رسمها المحافظون الجدد.[9]

خامسا: التصعيد المحتمل ضد السودان حول أزمة دارفور حتى بعد أن رضخت حكومته للضغوط الأمريكية وقبلت تقاسم السلطة والثروة مع الجنوبيين.

سادسا: تردي العلاقات الأمريكية مع الدول العربية الصديقة خاصة السعودية ومصر وانحسار علاقات التعاون الاستراتيجي معها.

سابعا: نزوع الولايات المتحدة إلى تجاهل التشاور مع الأطراف العربية حول خطوط الإصلاح قبل طرح مبادرتها حول رغبة واشنطن في فرض التغيير على المنطقة العربية.

ثامنا: استخدام الإعلام بشكل يسيء كل طرف للآخر حيث تزايد مستوى المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في العالم العربي، وفي المقابل تقل عدد الدول العربية المفضلة لدى الشعب الأمريكي.[10]

وهو ما يضع الدبلوماسية العربية الجماعية والفردية في حالة صعبة للغاية، حيث تعود العرب على اعتبار أنفسهم دعاة تغيير وتطوير وربما ثورة واعتبار الولايات المتحدة قوة للحفاظ على الوضع القائم، أما اليوم فهناك حالة جديدة، وهي تحول الولايات المتحدة إلى قوة تغيير بينما انزلق العرب إلى نوع من الممانعة التي تتضمن في طياتها محافظة على الأمور القائمة، حيث حدث انقلاب أخذت فيه أمريكا الرغبة في التغيير من العرب بينما العرب يعتبرون الحفاظ على ما هو قائم كأحد المنجزات التي يمكن الاعتزاز بها. هذا الانقلاب الذي دفع وزير الخارجية الألماني "يوشكافيشر" إلى القول لوزير الدفاع الأمريكي "دونالد رامسفيلد" في إحدى الجلسات "إنكم بلاشفة القرن الواحد والعشرين" فكما كان القرن الماضي محكوما برغبة البلاشفة في موسكو بتغيير النظام العالمي كله، فالأمريكيين هم بلاشفة هذا القرن.

أما بالنسبة للدبلوماسية العربية فما يحدث لها فهو أمر جديد تماما، فقد نشأت منذ خمسينات القرن الماضي على فكرة أنها تود أن توصل للقوة العظمى أنها تمثل سياسة حكومات واقعية، مقابلة سياسة شعوب تسعى إلى التغيير، وأن عليها أن توائم بين هذين الأمرين، إلا أن الأمريكيين لا يقبلون اليوم بهذا الأمر، وهم يعتبرون أنفسهم مع التغيير، وهذا ما عبر عنه رامسفليد عندما اعتبر انهيار النظام العراقي السابق شبيها بانهيار جدار برلين، أي مقدمة لتغيير شامل في المنطقة، وكذلك عندما ذهب كولن باول أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي ليقول أنهم يريدون إعادة تشكيل المنطقة سياسيا وفق مصالح الولايات المتحدة، وهذا الهدف يجعلها قوة تغيير ويضع أمام الدبلوماسية العربية تحديا غير مسبوق، فعليها أن تختار إما أن تعتبر الإبقاء على الوضع القائم نوعا من الإنجاز أمام هذه القوة التي تريد تغيير الأمور وفق ما تقول به الولايات المتحدة أو أنها لا تريد الإبقاء على ما هو قائم، أو لا تريد التغيير وفق الإملاءات الأمريكية بل التغيير من العرب أنفسهم، وأن لا يكون الخلاف بين الدبلوماسية العربية والموقف الأمريكي خلافا بين محافظين على وضع سيء وقوة ضاغطة تريد تغييره لمصلحتها كما تعلن ذلك وإنما أن يكون الخلاف بين قوة واحدة عظيمة تريد أن تغير الأوضاع لمصلحتها وقوى عربية تريد أيضا التغيير لمصلحة عربية.[11] بيد أن الاستراتيجية الأمريكية لا تتوقف هنا، حيث هناك جناح آخر لها يسعى إلى خلق شرخ بين المشرق والمغرب.

وكانت قمة تونس المؤشر الواضح على بدء الأشغال الرسمية لهذا الشرخ، فقد صور الصراع على القمة بأنه صراع مشرقي-مغربي، واستنفرت من أجل ذلك كل أجهزة الدعاية والإعلام، كما بذلت جهود موازية لإبراز المغرب العربي على أنه يسير على نقيض المشرق من حيث الالتزام بالإصلاحات الديمقراطية وإطلاق الحريات.[12]إضافة إلى أن الدبلوماسية العربية وعوض العمل على التعاون في ما بينها في مجالات حيوية بالنسبة لشعوبها، أصبح كل ما يشغلها هو التنسيق فيما بينها وبين أمريكا في محاربة الإرهاب، كما أن كل دولة عربية تسعى منفردة إلى نيل رضى أمريكا، ومنذ أحداث 11 شتنبر والأمريكيون ينطلقون من فكرة أن منبع الإرهاب يتمثل في منطقة الشرق الأوسط والمغرب العربي، وذلك راجع لكون الأنظمة العربية عاجزة عن خلق الازدهار الاقتصادي بدولها وأنتجت عددا من المهمشين والمقصيين الذين يحملون مسؤولية وضعيتهم للولايات المتحدة، لذلك تطرح هذه الأخيرة كبديل محاولة خلق نوع من الازدهار الاقتصادي عبر استراتيجية التبادل الحر، وهذاالطرح مرتبط بمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يرتكز على خلق مناطق مزدهرة للتخفيف من سخط المهمشين ومحاصرة منابع الإرهاب وهو ما دفع الأمريكيين إلى اختيار بعض البلدان كنماذج والبداية كانت من الأردن بالتوقيع على اتفاقية التبادل الحر في مارس 2000 والتي دخلت حيز النفاذ 2001، ثم المغرب حيث كان التوقيع في 2 مارس بواشنطن،[13] والبحرين التي توجد الآن في مرحلة التفاوض، ولأن المغرب والأردن يقدمان لنموذجان متشابهان، فهما نظامان ملكيان يسمحان بنوع من الحرية ويعدان ربما من الأنظمة الأقل انتقادا في العالم العربي،[14] هذه الوضعية التي يعتبرها البعض تحديا للدول العربية "الصغرى" للدول العربية "الكبرى"، حيث ستكون الأولى نقطة الانطلاق الأمريكية نحو تغيير الثانية، وهكذا سيكون في وسع قطر مثلا دوما تحدي السعودية ونظامها، والأردن وربما لبنان، قريبا تحدي سوريا، وليبيا تحدي مصر، وتونس كل الدول العربية الكبرى مجتمعة،[15] وفي ظل هذه الاستراتيجية يحظى المغرب بمكانة خاصة لا يمكن فهمها في أبعادها السياسية والاقتصادية أو الثقافية فقط بل كذلك في بعدها الأمني الذي أصبح يحتل جزءا كبيرا في العلاقات السياسية الخارجية للدول خاصة بعد 11 شتنبر 2001، وخضع الاهتمام بالمغرب لمجموعة من العوامل ارتبطت بالدرجة الأولى بتفاعل السياسة الخارجية الأمريكية مع متغيرات المحيط الدولي الذي تطلب القيام بعملية متواصلة من التقييم وإعادة التقييم لدور المغرب في إطار الاستراتيجية الأمريكية.[16]

إن اختيارات المغرب السياسية المعتدلة، ومواقفه من أبرز القضايا الدولية كالإرهاب ظلت تقربه من الولايات المتحدة كشريك إقليمي، حيث حرصت الدبلوماسية المغربية على الارتباط ومسايرة نظيرتها الأمريكية في بحث دائم عن قضايا مشتركة برهن من خلالها على وحدة الرؤيا والدعم اللامشروط،[17]وهذا الرهان في السياسة المغربية شكل موقفا جد متقدم للملك محمد السادس، ولذلك اختارته الولايات المتحدة لإبرام اتفاقية التبادل الحر،[18]لكن يمكن التساؤل عن الدوافع الحقيقية التي أدت إلى إبرام هذه الاتفاقية؟ بمعنى آخر هل هذه الاتفاقية اقتصادية محظة أم أنها تحمل أهدافا سياسية؟.

كثير من المحللين قالوا أن اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة هي اتفاقية سياسية بالأساس بناءا على معطيات كثيرة أهمها:

Ø السرية التي مرت بها المفاوضات.

Ø منافسة الاتحاد الأوربي في منطقة المغرب العربي.

Ø الاستفادة من موقع المغرب الجغرافي في الحر ب على الإرهاب.

Ø تأمين قاعدة أمريكية قوية في المغرب تساند قاعدة روتانا الإسبانية.[19]

وفي استطلاع للرأي أنجزته المجلة الاقتصادية المغربية على 500 مشارك من رؤساء وسياسيين وممثلين للمجتمع المدني، وكانت النتيجة تجد على الشكل التالي: 64,06% منهم ترى أن اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة هي اتفاقية سياسية، في حين يرى 15,4% منهم أنها اتفاقية اقتصادية، و19,2% منهم ترى أنها سياسية واقتصادية في نفس الوقت.[20]

لكن يبقى هاجس الوحدة الترابية هو الذي يحكم السياسة الخارجية المغربية رغم أن الأمريكيين يرون الأمر بشكل مختلف حيث ينظرون إلى ملف الصحراء بصفته ملفا مستقلا عن التبادل الحر والذي يتطلب نوعا آخر من المفاوضات.[21]ومنذ التحول الأمريكي في موقفها من الصحراء، عملت الدبلوماسية المغربية على التحرك من أجل الدفع إلى تصحيح مواقفها. وهذا ما تم بعد الزيارة الملكية للولايات المتحدة، حيث أكد الرئيس الامريكي عن تفهم حساسية الموضوع بالنسبة للمغرب وأنه لا يمكن فرض أي شيء على المغرب، ورغم ذلك فالدبلوماسية المغربية مطالبة الآن بتحقيق التوازن بين اتفاقية التبادل الحر مع دولة عظمى لن تفيد الاقتصاد المغربي كثيرا بقدر ما ستكون وسيلة للتباهي السياسي.[22]خاصة مع تعقد دور الدبلوماسية، حيث أصبحت الدول التي لا تتوفق في صياغة سياسة خارجية دقيقة وصائبة عرضة للسقوط في الخسارة، ليس مصالحها فقط وإنما خسارة قرارها الوطني إن لم يكن سيادتها بالكامل، فقد ازداد الأداء الدبلوماسي صعوبة بعد فقدان الضوابط التي كانت تحكمه، وأصبح الفعل الدبلوماسي أشبه بالمشي على خيط رفيع، وهو ما يحتم العمل على تفعيلدبلوماسية وقائية لا تكتفي بمعالجة آثار الأحداث وتداعياتها وإنما استباق الكارثة.[23]

في هذا الإطار يتوجب على المغرب إعادة تقييم الدبلوماسية العربية من أجل توجيهها ومواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، ومواجهة "الدبلوماسية الشمولية" الغربية والتحول نحو تطبيق دبلوماسية شمولية عربية تتمتع بصفات الدبلوماسية العصرية في عالم لا يقبل بالدبلوماسية الفردية بل دبلوماسيات متكتلة،[24]على شاكلة الاتحاد الأوربي الذي أصبح محط تنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية على النفوذ في المغرب العربي الذي كان إلى وقت قريب منطقة نفوذ أوربية بدون منازع.[25]هذا التنافس الذي ينعكس على العلاقات المغاربية بشكل أو بآخر.



--------------------------------------------------------------------------------

[1]- انظر المطلب الخاص بمشروع الشرق الأوسط والإصلاح.

[2]- سعيد، عبد المنعم: "العلاقات العربية الأمريكية"، الأهرام 2001-01-1 http://www.ahram.org.eg/acpss/ahram/2001/1/1

[3]- هارلان كليفلاند: " ميلاد عالم جديد فرصة متاحة لقيادة عالمية" ترجمة جمال علي زهران، المكتبة الأكاديمية 2000 ص: 19.

[4]- ستيفن امبروز: "الارتقاء إلى العالمية: السياسة الخارجية الأمريكية منذ 1938" ترجمة نادية محمد ياسين، المكتبة الأكاديمية، القاهرة 1994، ص: 14.

[5]- خليفة نبيل: "الرؤية المستقبلية للعلاقات العربية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين"، ضمن مؤلف جماعي، "العلاقات العربية الأمريكية نحو مستقبل مشترك" سامي عبد الله خصاونة، عمان الجامعة الأردنية 2001 ص: 469.

[6]- تعريف صراع الحضارات.

[7]- سعيد، عبد المنعم: مرجع سابق.

[8]- جرجس فواز: "السياسة الأمريكية تجاه العرب كيف تصنع؟ ومن يصنعها؟" مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت الطبعة الأولى يونيو 1998 ص: 13.

[9]- تعريف المحافظون الجدد.

[10]- عبد المنعم، سعيد: مرجع سابق.

[11]- سلامة غسان: الدبلوماسية العربية تجاه الحرب على العراق" ضمن ندوة تحت عنوان الدبلوماسية العربية في عالم متغير" مركز دراسات الوحدة العربية بيروت الطبعة الأولى غشت 2004 ص: 200.

[12]- محيو، سعيد: "كبار" و "صغار" في لوحة الشطرنج الأمريكية "الصباح" عدد 1250، 15-04-2004.

[13]- إن قرار التوصل إلى اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة تم الإعلان عنه يوم 23 أبريل 2002 وذلك بمناسبة الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى الولايات المتحدة، وفي يناير 2003 انطلقت المفاوضات من طرف الوزير المنتدب في الشؤون الخارجية والتعاون الطيب الفاسي الفهري الذي عين المنسق المحاور الأساسية مع أمريكا من طرف الملك، ومن جانب الولايات المتحدة كانت "كاترين نوفيلد " ثانية كانت الدولة في التجارة الخارجية مكلف بمباشرة المفاوضات وشملت سبع جولات تفاوضية شملت اثنى عرة قطاعا همت كل من الفلاحة، تجارة الخدمات، ولوج السواق القضايا الجمروكية، التعاون الجمروكي، النسيج، حقوق الملكية الفكرية، الصفقات العمومية، المجال الاجتماعي، اشغل القضايا القانونية الاشهار، البيئة.

[14]- بنعلي إدريس: "الرهانات المرتبطة باتفاق التبادل الحر هل هي رهانات سياسية أم اقتصادية بالنسبة لأمريكا"، الصحيفة عدد 153/12 مارس 2004. ص 10/11.

[15]- محيو سعد: مرجع سابق.

[16]- العثماني رشيد: "المنافسة الجزائرية للعلاقات المغربية الأمريكية، العامل السياسي كنموذج"، عرض السنة الثانية من دبلوم الدراسات العليا المعمقة مادة المغرب وأمريكا، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال الرباط.

[17]- رفاش، مصطفى: "السياسة الخارجية المغربية بين الإكراهات الداخلية والخارجية" رسالة للباحث في جريدة العلم. عدد 419526 نوفمبر 2003 ص: 6.

[18]- العثماني، رشيد: "الدبلوماسية الاقتصادية في الممارسة المغربية"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، أكدال، الرياض، سنة 2003 ص: 98.

[19]- Emanuel Delaine : « Le Maroc a l’heure américaine » Ecofinance N° 42 Avril 2004.

[20]- Economie et Entreprise : « Libre échange Maroc USA : un accord économique ou politique » ? N°58 P : 39.

[21]- Mery Tachid : « et si on avait réflichée avant de conclune » la véritée N°155 du 5 an 11 Mars 2004 P : 8.

[22]- مساوي،عادل: مرجع سابق ص: 36-48.

[23]- الجمني، عبد المجيد: "الدبلوماسية في معارك الوجود والبقاء" http://www.albayan.co.ae

[24]- بن هودين،محمد: "الدبلوماسية العربية في عالم متغير" مرجع سابق ص: 173.

[25]- الجور شي، صلاح الدين: "الشراكة الأمريكية المغاربية سوق جديدة ورهانات استراتيجية"



#حنان_بناصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حنان بناصر - المتغيرات الهيكلية في العلاقات العربية الامريكية