أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - كمال الجزولي - فِي المَسَافَةِ بَيْنَ القَانُونِ والعَدَالَة!















المزيد.....

فِي المَسَافَةِ بَيْنَ القَانُونِ والعَدَالَة!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 6031 - 2018 / 10 / 22 - 01:44
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


كثيراً ما يرتجَّ الأمر على النَّاس في شأن العلاقة بين مفهومي "القانون" و"العدالة"، فيحسبونهما متطابقين، وأن لكليهما، في الاستخدام، دلالة تبادليَّة واحدة interchangeable؛ بينما هما في الحقيقة مفهومان متباينان تمام التَّباين، وإن كان المأمول من استخدامهما بهذا الأسلوب أن يفضي أوَّلهما إلى الثَّاني. وربَّما لدقَّة هذا التَّباين قال بعض الحكماء إن بين الظلم الظاهر والعدل الخفي خيط رفيع لا يراه إلا أهل القلوب! ذلك أن "القانون"، كجزء من الثَّقافة الرُّوحيَّة ذات المضمون الطبقي، هو جماع القواعد التى تقرِّرها "الدَّولة" لضبط العلاقات الاجتماعيَّة وفق القيم التي تعكس مصالح الطبقة السَّائدة اقتصاديَّاً وسياسيَّاً وثقافيَّاً. فحماية هذه المصالح، إذن، هي غاية القاعدة القانونيَّة التي يقرِّرها المشرِّع، والتي تضمن "الدَّولة" احترامها وإنفاذها. بهذه الكيفية ينتمى "القانون" إلى البناء الفوقي superstructure الذى يعكس مستوى الوعي الاجتماعي السَّائد. فإذا أخذنا في الاعتبار البطء النِّسبي الذى يَسِمُ التغيُّر في هذا البناء، فإن "القانون" يتمظهر كقوَّة خارجيَّة محايدة، في حين أن "الدَّولة"، التي هى توأمه، كونها الأداة التنظيميَّة لسلطة الطبقة المعيَّنة، والتَّعبير الأكثر اكتمالاً عن إرادتها السِّياسيَّة، تحتاج إلى ترسانة من أجهزة القمع، وتدابير الإكراه، لضمان إنفاذه! وحيث أن كلَّ نظام قانوني يعكس، بالضَّرورة، مبادئ النِّظام الاجتماعي الذى يضبطه، فيمكن، ضمن هذا الاطار الفكري، ملاحظة الفارق الشَّاسع بين طلاقة التَّوقير الذي تحظى به، فى المجتمعات البدائيَّة، أو الخارجة، لتوِّها، من مرحلة البدائيَّة، قواعد السُّلوك الاجتماعي العام المرعيَّة بالتَّراضي، ومكانة الشِّيوخ المسلم لهم، عن طيب خاطر، بالإشراف الأبوي على الالتزام بذلك السُّلوك، من جهة، وبين الكلفة العالية التي يقتضيها، من جهة أخرى، فرض هذه القواعد، في "الدَّولة" الحديثة، بفيالق مسلحة، وأجهزة قمع متخصِّصة!
"القانون"، إذن، مؤسَّسة اجتماعيَّة، شكل تاريخيٌّ لـ "حقوق" و"واجبات" الأفراد والجَّماعات يتَّسق وأسلوب الانتاج في المجتمع المعيَّن، وطابع العلاقات بين طبقاته. لذا، فهو، من هذه الزَّاوية، مفهوم ملتبس؛ فعلى حين يعبِّر، في حقيقته، عن أفق محدود من التَّصوُّرات القيميَّة والمعرفيَّة لجزء من المجتمع، يزعم تمام القدرة على الإحاطة بكلِّ القيم الاجتماعيَّة! ومن ثمَّ، على حين يجرى تصويره كأداة محايدة، منتصبة فوق الجَّميع، وعلى مسافة واحدة من الجَّميع، ومقبولة، بالتَّراضي، من الجَّميع، فإنه يمثِّل، في الواقع، ساحة صراع تاريخي، اقتصادي سياسي، واجتماعي ثقافي.
أما "العدالة" فهي المعيار الأساسي الذي يقدِّر به عقل الأغلبيَّة في المجتمع، ووجدانها الجَّمعيَّان، حدود الالتزام بهذه "الحقوق" و"الواجبات" بمنأى عن إرادة السُّلطة. بعبارة أخرى ، لئن كان "القانون" علماً يستلزم تدريباً مخصوصاً للإلمام بفنيَّاته، كأداة ضبط سلطانيَّة تتنزَّل "نصوصها" على الأغلبيَّة دون اعتبار لإرادة هذه الأغلبيَّة، توهُّماً من عند السُّلطة بأن "العدالة" تدور، حتماً، حيثما دارت هذه "النُّصوص"، فيتحقَّق الخير بقانون، ويندحر الشَّرُّ بقانون، وتستقيم الفضيلة بقانون، وتنتفي الرَّزيلة بقانون، ويسطع الجَّمال بقانون، وينطفئ القبح بقانون، فإن "العدالة" تمثِّل، في حقيقتها، نزوعاً تلقائيَّاً أصيلاً للفطرة تستشعره العقول السَّليمة، والضَّمائر الحيَّة، دونما حاجة إلى نص. بل ما أكثر ما يجابه القاضي، مثلاً، من تناقض بين "نصوص القانون المصنوع" و"مقاصد العدالة التِّلقائيَّة"، فلا يكون أمامه سوى أحد مخرجين: إما أن يتنحَّى، أو أن يغلب هذه "المقاصد" لدى تأويله لـ "النُّصوص"، مع ما في هذا الخيار الثَّاني، على نبله، من شبهة المصادمة، أحياناً، لـ "القانون"!
مهما يكن من شئ، فلا ثالث لهذين المخرجين سوى أن يلغي القاضي عقله، ويغطي ضميره، معزيَّاً نفسه بأن وظيفته هي تطبيق "النُّصوص"، لا غير! وما أضيق ذلك من مخرج يختاره قاض مسلم أو مسيحي! فالقاعدة الشَّرعيَّة الإسلاميَّة: "لئن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقاب"، تقابلها القاعدة الأنجلوسكسونيَّة المنحدرة من أثر مسيحي: "الأفضل تبرئة مائة مجرم من إدانة برئ واحد". وفي الحديث الشَّريف: "قاضيان في النَّار وقاض في الجَّنَّة"، و"من جلس للقضاء كمن ذبح نفسه بسكين". ولعلَّ وليم تمبل، كبير أساقفة كنتربري، قد ذهب إلى معنى مشابه، لدى زيارته لبعض المحاكم فى إنجلترا، حسبما روى اللورد ديننق، أحد أشهر القضاة الإنجليز، في صدر كتابه "طريق نحو العدالة"، عن مخاطبة نيافته لقضاة تلك المحكمة بقوله: "لا أستطيع أن أدَّعي أننى أعرف الكثير عن القانون، غير أننى أوجِّه اهتمامي، بالدَّرجة الأولى، إلى العدالة"!
وإذن، فإن النزوع إلى "العدالة"، وكراهة "الظلم"، قيمتان ساميتان متجذِّرتان في صميم الفطرة الإنسانيَّة، وقد أمرت بهما الأديان أجمعها، مثلما درج الحكماء من مختلف الجِّنسيَّات، وشتَّى البلدان والمدارس الفكريَّة، على توقيرهما. وقد جرى التَّعويل عليهما، دائماً، لمجابهة "قمع الدَّولة"، كطبيعة متأصِّلة في "القانون"، وللتَّخفيف من غلوائه فى كثير من الحالات، بل ولكسره فى غير القليل منها! واستطراداً، أضحت حتَّى أكثر التَّيَّارات سلطويَّة تدرك، ولو من باب الحرص على الاستقرار النِّسبي لسلطتها، أهميَّة ألا تصطدم القاعدة القانونيَّة، في أىٍّ من سياقيها التَّشريعي أو القضائي، إصطداماً فاجعاً بتطلعات الأغلبيَّة الشَّعبيَّة، في المجتمع المعيَّن، إلى الحياة الأفضل، والوجود المغاير، وأن تعي ضرورة انفتاح هذه القاعدة، بالقدر الذي يمكِّنها من استيعاب أعمِّ التَّصوُّرات الجَّمعيَّة للخير والشَّر، الصَّواب والخطأ، الجَّمال والقبح، الفضيلة والرَّذيلة، وما إلى ذلك، لضمان القدر المعقول من القبول بالقواعد القانونيَّة الحاكمة للعلاقات في ما بين النَّاس، من جهة، وبينهم وبين السُّلطة، من جهة أخرى، وهي علاقات اقتصاديَّة سياسيَّة في المقام الأوَّل.

***



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سَلامٌ عَلَى أُكْتُوبَرَ وأَبْرِيل!
- فِي المَشْهَديَّةِ الشِّعْرِيَّةِ لَدَى وَدَّ المكِّي
- مَحْجُوبٌ الذَّهَبِيُّ .. مَرَّةً أُخْرَى!
- الجحيم أو يعقوب في شاتيلا!
- سُؤِالٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ خَيْرٌ مِنْ جَمِيعِ الإِجَابَات!
- الحَرَكِيُّون!
- كمال الجزولي: عَبُودُ يُهْدِي غُرْدُونَ وَكِتْشِنَرَ بَاقَات ...
- الشِّيُوعِي مُورِيسْ أُودَانْ بَيْنَ فِرِنْسيَّةِ المِيلادِ ...
- كرري: 120 عاماً
- إنتهت اللعبة Game Over
- توريت: 63 عاماً
- مِنَصَّتَانِ .. وإِرْهَابٌ وَاحِد!
- الخَلِيْلُ: زَهْرُ الكَلامِ، نَعْنَاعُ النَّغَمِ، ورَيْحَانُ ...
- مِن هُمُومِ المَتَاعِبِ الفِقْهُوفِكْريَّةِ مَعَ التَّطَرُّف
- المدخل لعودة الاستعمار
- هُدهُدْ: نُقُوشٌ عَلَى ذَاكِرةِ الفَقْد!
- الشيوعيون السودانيون وقضية الدين
- العَدَالَةُ الانْتِقَالِيَّةُ والجَّنَائِيَّةُ الدَّوْلِيَّة ...
- صَفْحَتَانِ مِنْ دَفْتَرِ القَرْنِ الأَفْرِيقِي!
- ورقةٌ مستعادةٌ من رزنامةٍ قديمة: سيكو Sicko


المزيد.....




- کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق ...
- المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: روسيا في طليعة الدول الساع ...
- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - كمال الجزولي - فِي المَسَافَةِ بَيْنَ القَانُونِ والعَدَالَة!