أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غسان ديبة - طيف الدين: زومبي من التاريخ أم مستقبل الرأسمالية















المزيد.....

طيف الدين: زومبي من التاريخ أم مستقبل الرأسمالية


غسان ديبة

الحوار المتمدن-العدد: 5998 - 2018 / 9 / 18 - 07:54
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    




ينطلق الكاتب من الأحداث المُتكرّرة منذ الثمانينيات، ليبرهن أن الدَين العامّ والخاصّ يمعنان في االرأسمالية المُتقادمة ويحوّلانها إلى أن تحمل أشكالاً من ما قبل الرأسمالية، وهذا الدَين أصبح أداة لإثراء القلّة. ويطرح سؤالاً في هذا السياق: هل التحوّل في الرأسمالية نحو الماضي يجعل أيضاً الحلول تأتي من الماضي؟ أي الدعوة إلى إلغاء الدين، كما كانت تفعل بلاد ما بين النهرين في التاريخ القديم
«حتى لا يظلم الأقوياء الضعفاء»
حمورابي

شيء سيّئ، بل سيّئ جدّاً، يحصل في الرأسمالية اليوم، وخصوصاً في الرأسمالية الأميركية. اعتقد البعض أن صعود ترامب والقومية المتطرّفة في أوروبا واحتمال اندلاع الحروب التجارية وخفض الضرائب على الأغنياء هي أكثر من كافية لإعلان أن هناك تحوّلاً كبيراً حصل في السنوات القليلة الماضية، ولكن الأمور تتّجه إلى الحضيض أكثر فأكثر. فالولايات المتّحدة تتّجه إلى أن تتحوّل، كما قال نورييل روبيني، إلى «بلوتوقراطية شعبوية»، وأن ما قد يفعله ترامب هو ما فعله سابقاً الأباطرة الرومان مثل كاليجولا أو نيرون. من المثير طبعاً أن روبيني يسمّي ترامب الأمبراطور في بلد رأسمالي متقدّم، لكنه يعتقد أنه يتّجه إلى الحكم الفردي «الإمبراطوري»، حيث يفعل ما يشاء ويهدّد من يشاء داخلياً. وعملياً، يذكر روبيني أنه بالإضافة إلى السياسات الاقتصادية التي تزيد من إثراء الأغنياء، فإن ترامب «هو وجنرالاته قد يعلنون أحكام الطوارئ ويعلّقون الحرّيات المدنية»، مذكّراً بتحذير رئيس لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية بول بوركر، من أن ترامب قد يشعل حرباً عالمية ثالثة. إذاً يبدو أن أشكالاً من الحُكم من بقايا ما قبل الرأسمالية أو من بداياتها بدأت تعود مجدّداً. ولكن هناك أموراً ربما أقل بريقاً تحدث أيضاً في الرأسمالية الحديثة أو ما يطلق عليها البعض الرأسمالية المتقادمة (late capitalism).
فالأمر الآخر الذي يأتي من التاريخ هو عودة الدَين في أكثر أشكاله تخلّفاً وظلامة وظلماً. فالدَين اليوم يسحق الطلاب والمزارعين في الولايات المتّحدة خدمة للدائنين، سواء كانوا الدولة أو المصارف. وفي أميركا أيضاً هناك تفشّي لظاهرة «سجون المدينين» البائدة. وعلى المستوى العالمي، يؤذي التقشّف المشتقّ من الدين شعوباً وطبقات مختلفة، وفي بعض الأحيان يسحقها بأكملها.

المزارعون والطلّاب والفقراء في أميركا
في الغارديان في 6 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كتبت ديبي واينجارتن مقالاً بعنوان «لماذا يقتل المزارعون الأميركيون أنفسهم بشكل قياسي؟»، إذ حاكت بدقّة معاناة المزارعين في الولايات المتحدة وحالتهم النفسية نتيجة الضغوط الاقتصادية، وخصوصاً الائتمانية التي يرزحون تحتها. فمعدّل الانتحار بين المزارعين الأميركيين يبلغ خمس مرّات المعدّل العام، إذ يجد هؤلاء أنفسهم يخسرون أرضهم في صراعهم مع الدَين وفوائده ومع أسعار الغذاء التي تنخفض بشكل كبير. وهذا المنحى يحصل حول العالم، إذ في فرنسا ينتحر مزارع كل يومين، وفي الهند انتحر أكثر من 270 ألفاً منذ 1995.
بالإضافة إلى المزارعين، هناك فئة أخرى تعاني، وهم الطلاب الجامعيون، الذين وصل دينهم إلى 1.4 تريليون دولار مع ارتفاع معدّل الذين يتخلّفون عن الدفع أو الذين يواجهون مشكلة في الدفع. كما أن هذا العبء بدأ يؤثّر على مقدرة المتخرّجين على شراء المنازل وغيرها من الأمور التي كانت تُعتبر، لجيل خلا، من الأمور البديهية في المجتمع الأميركي. إن الذهاب إلى الجامعة كان يعني انفتاح الأفق الاقتصادي اللامتناهي. أما اليوم فالأمر مختلف بالنسبة إلى كثيرين. ففي مقالة لبن ميلر في نيويورك تايمز، «عدد كبير من المقترضين والمتخلّفين عن الدفع هم من الطلّاب ذوي الدخل المتدني... لقد أدّى إجبار هؤلاء الطلّاب على الاقتراض إلى تحويل واحدة من أفضل الاستثمارات الأميركية في الحراك الاجتماعي والاقتصادي - أي الجامعة - إلى أداة لإيقاع الكثيرين في فخ الديون».
في عام 1833 تمّ إلغاء ما يعرف بسجون المدينين في أميركا، وهو أمرٌ بدائي لا يزال يمارس في بعض من البلدان حتى الآن. لكن اليوم هناك عودة، على الرغم من أنها غير واسعة، لهذا الشكل البشع والمهين من العقاب للذين لا يستطيعون دفع ديونهم، وهناك الآن أكثر من 400 ألف أميركي في السجون، فقط لأنهم لا يستطيعون دفع كفالاتهم، في ما وصفه المرشّح الأميركي بيرني ساندرز بـ«سجون المدينين الحديثة»، داعياً إلى إنهائها. كل هذا يحدث في وقت أسهمت فيه الحكومة الفيدرالية والمصرف المركزي الأميركي في دعم المؤسّسات المالية المتعثّرة والمصارف بمئات المليارات من الدولارات، من أجل وقف الانهيار المالي بعد 2008، في ما اعتبره البعض «إشتراكية الأغنياء»، أي استعمال الأموال العامّة لإنقاذ الأغنياء من الإفلاس ومنع انخفاض قيم الأصول التي يحملونها.


حول تاريخ الدَين و«إلغائه»
كل هذا يجعلنا نفكّر كيف أن أشكالاً من تمظهر الدَين وعلاقته بالمجتمع، والتي كانت جزءاً أساسياً من تطوّر الدَين عبر العصور، تعود الآن لتشكّل جزءاً من الرأسمالية. في كتابه «الدَين: الخمسة آلاف سنة الأوائل»، يضع الانثروبولوجي دافيد غرايبر «الدَين» في صلب التطوّر التاريخي للإنسانية. هذا الكتاب ليس سردياً أو وصفياً. فبعد طرح السؤال حول لماذا يعتقد الناس العاديون وحتّى الناشطون الاجتماعيون أن الجميع «يجب أن يدفعوا ديونهم»، يذهب غرايبر بالقارئ في رحلة نظرية وتاريخية وأنثروبولوجية إلى بلاد ما بين النهرين والصين والهند وأثينا وروما وأفريقيا عبر العصور، ليكتشف من أين أتى الدَين وما علاقته بظهور النقد والعبودية والثورات وصعود وهبوط الحضارات والدولة والجيش والتوسّع والاستعمار. أمر مهمّ لنا اليوم يتناوله الكتاب: في الحضارات القديمة وفي الحضارات السومرية والبابلية، كان الحكّام يعلنون كل فترة من الزمن «عفواً عاماً» تنتفي معه كل الديون الاستهلاكية (وليس التجارية) وتُعاد الأراضي التي أخذت إلى أصحابها ويُعاد الأشخاص الذين استُعبدوا أو أُخذوا رهينة نتيجة ديونهم إلى عائلاتهم وبيوتهم. وكان البابليون يعتبرون هذه الطقوس جزءاً من إعادة التوازن إلى العالم والطبيعة. ويقول مايكل هدسون «كان حمورابي يعلن هذه الإجراءات بحمله مشعلاً يمثّل على الأرجح إله الشمس، وهو إله العدالة الذي تقود مبادئه الحكّام الحكماء والعادلين». طبعاً، فكما يقول غرايبر، فإن الأمر لم يكن له فقط علاقة بالعدالة، بل كان جزءاً من الحفاظ على مملكة بابل، التي أنشأت حضارة كبرى، ودليلاً لالتحاق المدينين والمسحوقين بمجتمعات البداوة التي كان يمكنها العودة وغزو المدن وتدمير كل شيء.


الدَين في أساس الاستثمار الرأسمالي ولكنه بدأ يتحوّل لإثراء القلّة


على الرغم من، (أو ربّما بسبب)، نظرة غرايبر الأنثروبولوجية، إلا أنه لا يفرّق في بعض الأحيان بين الرأسمالية والمجتمع التجاري. ففي الرأسمالية يصبح الائتمان جزءاً من توسّع الرأسمال ويقلّ دوره في إخضاع الناس كما كان قبلها. يقول كارل ماركس إن الائتمان يأخذ شكلين في الرأسمالية: فهو أساسي في توسيع تراكم الرأسمال، الذي من دونه سيواجه عوائق، وبالتالي هذا هو الوجه الإيجابي له؛ والشكل الآخر هو ابتعاده عن القيم الحقيقية في الاقتصاد وتشكيله، ما سمّاه ماركس، بالرأسمال الوهمي، الذي يمكن أن يشكّل أساساً لتوسّع مالي بحت ينتهي بإنتاج الأزمات، وهذا ما حصل في 2008.
إذاً منذ زمن ماركس حتى أواخر القرن العشرين، كان هدف الائتمان بشكل رئيسي هو تراكم الرأسمال، ولكن منذ الثمانينيات حتى الآن بدأ هذا الأمر يتغيّر مع صعود الرأسمال الوهمي وسيطرته على الأسواق المالية. فأصبح المال كأنه ينتج المال ويؤدّي إلى تراكم الثروات لدى الأرستقراطية المالية، وإلى إخضاع الدول على المستوى العالمي. فليس من المصادفة أن انفجار خدمة الدين بعد 1980 بعد السياسات النقدية المحافظة لحاكم الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بول فولكر وارتفاع الفوائد بشكل كبير بين يوم وآخر، هو الذي أدّى إلى أزمة الديون العالمية التي أعلنت بدء حقبة جديدة، تمثّلت بسيطرة صندوق النقد الدولي والأسواق المالية العالمية، وبداية عهد الخصخصة والنيوليبرالية التي أدّت، في النهاية، إلى تهميش الطبقة العاملة والمتوسطة في الولايات المتحدة وبريطانيا، وأدّت أيضا إلى إطاحة إنجازات التنمية بعد الحرب العالمية الثانية. واليوم، في الذكرى العاشرة لأزمة 2008 التي لا يزال حطامها يؤذي العمّال والموظفين والشباب والدول، مثل اليونان، لا يمكننا إلا أن نذكر دور هذا الرأسمال الوهمي ممثلاً بأدوات الدَين «المتطوّرة» في اندلاع الأزمة الرأسمالية العالمية. وفي الردّ على «الحل الكينزي»، تمّ رفع لواء التقشّف، خصوصاً في بريطانيا التي تعاني اليوم من آثار حوالى عقد من التقشّف، الذي وإن خُفّض الدَين العام، إلا أنه أدّى إلى زيادة الدَين الخاص لدى الأفراد لغرض الاستهلاك بشكل كبير، وأدّى إلى تراجع الأجور الحقيقية. وفي اليونان اليوم، على الرغم من خروجها من الإنقاذ المالي، إلا أنها أأضحت حطاماً اقتصادياً.
برهنت الأحداث المتكرّرة منذ الثمانينيات أن الدَين العام والخاص يمعنان في الرأسمالية المتقادمة ويحوّلانها إلى أن تحمل أشكالاً من ما قبل الرأسمالية، وهذا الدين أصبح أداة لإثراء القلّة. وهنا لا بدّ من السؤال: هل يكون التحوّل في الرأسمالية نحو الماضي سبباً لمجيء الحلول من الماضي بالدفع باتجاه الدعوة إلى إلغاء الدَين كما كانت تفعل بلاد ما بين النهرين؟ يقول غرايبر إن في سومر، كان يطلق على هذا العفو العام «إعلان الحرية»، وفي هذا إغراء لمئات الملايين من البشر اليوم. طبعاً لم يكن البابليون والسومريون أكثر علماً في الاقتصاد وفي سبل خلق الثروة، ولكنهم ربّما كانوا أكثر حكمة من أرباب الرأسمال المالي اليوم، الذين يمعنون في إثراء أنفسهم وفي الوقت نفسه ينصّبون ترامب إمبراطوراً عليهم.



#غسان_ديبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقرير التنافسية: اختبار «البيان الشيوعي» والحاجة إلى سياسة ت ...
- عشرة نقاط من الإنتخابات الأخيرة ولما بعدها
- كارل ماركس بعد 200 عام: اقتصادي وثوري في آن!
- الانتخابات النيابية: محطة نحو التغيير والتقدم والعدالة الاجت ...
- همسات حول نهاية الرأسمالية
- الجذور الاقتصادية لأزمة الديمقراطية الرأسمالية
- ما بعد الحطام: الآثار العميقة لأزمة الرأسمالية


المزيد.....




- -لا لإقامة المزيد من القواعد العسكرية-: نشطاء يساريون يتظاهر ...
- زعيم اليساريين في الاتحاد الأوروبي يدعو للتفاوض لإنهاء الحرب ...
- زعيم يساري أوروبي: حان وقت التفاوض لإنهاء حرب أوكرانيا
- إصلاحُ الوزير ميراوي البيداغوجيّ تعميقٌ لأزمة الجامعة المغرب ...
- الإصلاح البيداغوجي الجامعي: نظرة تعريفية وتشخيصية للهندسة ال ...
- موسكو تطالب برلين بالاعتراف رسميا بحصار لينينغراد باعتباره ف ...
- تكية -خاصكي سلطان-.. ملاذ الفقراء والوافدين للاقصى منذ قرون ...
- المشهد الثقافي الفلسطيني في أراضي الـ 48.. (1948ـــ 1966)
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غسان ديبة - طيف الدين: زومبي من التاريخ أم مستقبل الرأسمالية