أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فلسطين اسماعيل رحيم - الشامية ووردة الدار -من حكايات الحي القديم















المزيد.....

الشامية ووردة الدار -من حكايات الحي القديم


فلسطين اسماعيل رحيم
كاتبة وصحفية مستقلة

(Falasteen Rahem)


الحوار المتمدن-العدد: 5971 - 2018 / 8 / 22 - 16:14
المحور: سيرة ذاتية
    


والشامية وهذا كان اسم عنزتنا،ميزها بياضها عن جميع الماعز ،وقررت أمي شرائها بعد اول موسم للكصاص(اخر جني التمر ) أواخر تشرين الاول ، حين علا المرج واشتدت خضرة السواقي ، ولما كنّا قد احتللنا مساحة لا بأس بها في نفوس اهالي الحي الجديد،اتاحت لنا ان لا نجد منافسا على قطعة الارض الصغيرة التي عزلناها بسلك شائك كي نضمها الى بيتنا ، ولما صارت تلك القطعة خضراء جدا تدر على اهل الحي كل ما يحتاجونه من خضار فلا بأس ان نضيف اليها قن للدجاج ومعزة بيضاء جميلة تسر الناظرين.
الشامية اشترتها أمي من راع قال ان أصل المعزة من جبال الشام ، لذلك يميزها شكل هو اقرب للغزلان ، وقال ان حليبها زبدي المذاق ، وكان ذلك اول معاناة الشامية معنا نحن الصغار الذين صرنا تفيق اول الصباح من نومنا فيكون اول عمل لنا هو ان نأخذ اقداحنا ونصير نطاردها لنجرب حلبها ولعلنا نحظى بمذاق الزبدة الذي قيل انه يميز حليبها عن باقي الماعز ، كانت تجربة حلب المعزة تمر بمعركة عنيفة ، فهي لا ترتاح الا لأصابع أمي على ضرعها ، وكأن الأمهات فقط يعرفن كيف يهدئن روع الكائنات الخائفة، في حين كانت تهجَّم علينا اذا ما أردنا ان نجرب ذلك معها ، الشامية التي غدت معزة الحي ، ترعى في البستان القريب ، وتقصدها امهات الأطفال الرضع للتبرك بحليبها الذي كان يشفى أمراض الحلق وبعض الفطريات التي تصيب أمعاء الأطفال ، كانت كريمة وسخية جدا وعلى مدى اكثر من ثلاث سنوات كانت تلد لنا التوائم التي غالبا ما يعيش منها اثنين فقط ولا ادري لماذا ، اذكر يوما ولدت لنا معزة تشبهها ومن شدة تعلقي بصديقة في الحي خلعت على المعزة الجديدة اسمها ، آلاء، ما جعل البنت موضع سخرية عند اَهلها ، في حين كانت المعزة اهم من كل اهل الحي عندي ، غير ان آلاء المعزة لم تعش طويلا رغم كل محاولاتي لانقاذها والاهتمام بها ، كما ان آلاء صديقتي عادت الى البصرة ايّام توقف الحرب مع ايران ، ولَم يكن ثمة فارق زمني كبير بين رحيلهما، آلاء صديقة بصرية شقراء ، كانت بمثل عمري ولكنها اكبر حجما قليلا ، اذكر حين كانت تتغيب عن المدرسة فتحدثني بعدها عن مرض يصيبها كل شهر ولَم أكن افهم شيئا ، ولا افقه نوع المرض الذي تعانيه والذي كانت تقول عنه ان تسبب لها بكثرة البثور على وجهها ، انا التي كنت في عمرها الا ان جل مايمكن ان أكون عرفته آنذاك عن أمور الأمومة والنساء ، هو كيفية حلب الشامية دون ان أحظى برفسة من أرجلها الخلفية فتقعدني على اثرها مريضة ليوم أو اكثر ، وكذلك بكائي ودعائي حين تعاني الشامية الام المخاض، وهبتنا الشامية لقاء ، وهو جدي شقي جدا وذكي ، وأخوه بقاء والذي تبقى من ثلاثة توائم ، وكان مصيره ان يدفن راْسه في أساس بيتنا حين تم تعمير بيت البستان الذي عدنا اليه قبل حرب الخليج الثانية بعدة أشهر ، الشامية التي فقدناها في ليلة ماطرة وعاصفة حين باغتها المخاض لتتعسر ولادتها فنفقدها هي وأربعة توائم كانت لتكون أشهر من ناقة صالح لو طال عمرها قليلا ، اذكر بعد موتها لم تحظ بتكريم يليق بخدمتها لنا وللحي ، فقد تم رميها في النهر الذي شق حديثا خلف بيوت الحي السكني وكان كما اذكر يسمى بالحفار أو هو امتداد له ، واذكر اني كنت اخرج كل يوم أراقب جثتها التي بدئت تتفسخ ويسكنني أمل ان تقوم ، أو ينجو التوائم النائمين في بطنها ، وكثيرا ما ادعيت انها تتنفس أو اني رأيت بطنها تتحرك ، في الحقيقة كنت أريدها حية باي طريقة ،
الشامية لم تكن علاقة عبثية بالنسبة لي ، كانت فردا حقيقيا في العائلة ، كما دجاجتنا ام رقبة (ام رگبة)والتي تشبه النسر في شكلها والتي سأني ان تبيعها أمي لإحدى الجارات ، بنفس القدر الذي أصاب قلبي بحزن عميق حين تم عقد صفقة بين أمي وجارتنا ، بان تعطيها اثنين من الصيصان الذين كنت انتظر ان يفقسوا بفارغ الصبر ، فكانا ديكان رائعان في الشكل احدهما اسود داكن اللون مثل الليل والآخر اصفر فاقع كأنه النهار ، اذكر اني دبرت اكثر من حيلة لاستراجعهم لكني لم افلح .
بمثل اللهفة التي استقبلت بها الشامية ، كان لبقرتنا وردة ذات الحضور البهي في قلبي ، وردة التي ركضت الى ابي الذي كان يفاوض على شرائها بعد عودتنا ثانية الى القرية ، كنت في الخامسة عشر حينها ، جئت ألهث مثل من وجدت رفيق طفولتها ، ولا عجب فأمي كانت تقول اني شاركت عجلة رضيعة في طفولتي ، ذلك اني كنت أرضع حليب بقر طازج من بقرة تملكها أمي صادف انها ولدت عجلة عند مولدي ، فصرت شقيقة لعجلة صغيرة بالرضاعة ، كما انني ظللت احتفظ بحبل أمي بالرضاعة لمدة عامين وأبكي لفقدانها حين باعوها ، هذا ما تقوله امي أيضا عن طفولتي ، كان صاحب البقرة يفاوض ابي وحين تمت الصفقة وراح الرجل يعد المال وهو راجع صحت من خلفه، عمي لكن ماهو أسمها، فتطلع الرجل بضحكة خبيثة وهو ينظر الي متغزلا ويقول اسمها وردة يا وردة ، ومنذ ذلك الحين ووردة بقرة الدار المباركة التي ملئت الدنيا صخبا وحبا وعطاء ، فكان حليبها يصل للقاصي والداني ، وراحت تلد كل عام لنا عجلا ، ولما ولدت مبروكة قرروا بيعها والاحتفاظ بمبروكة التي تركت مكانها فيما بعد لجمانة ، جمانه كان اسم اختارته اختي فداء للعجلة التي ولدت بمعجزة يومها وبشجاعة نادرة من شقيقتي فداء ، اذا صادف مخاض مبروكة في غياب أمي وابي وإخوتي، عادت مبروكة الى البيت مسرعة بعد ان احست الام المخاض ، وجعلت تحن وتبكي ، وهي تجلس مرة وتقوم مرة ،فما كان مني الا البكاء معها ولما فقدت حيلتي في كيفية مساعدتها توضأت وجلست أصلي لله قربها ان يرعاها وان يسهل ولادتها ،كنت اخشى ان يصيبها مكروها ، فما كان من اختي فداء الا ان لفت عباءة الحقل السوداء على ذراعها وقامت بسحب الجنين من داخل بطنها جرا بيدها ولا اعرف كيف تسنى لفداء معرفة مايتوجب فعله وهي في عمرها ذاك ، ولا من أين جائت بكل تلك الشجاعة ورباطة الجاش، جرته حتى أسقطته على الارض فبركت المبروكة قليلا على الارض ، ثم قامت نشطة بعد لحظات تلاعب طفلتها الرضيعة التي أسمتها فداء في لحظتها جمانه ، وكان كذلك ، جمانه التي لم اعرف بعد ذلك مصيرها حين غادرت بيت ابي وقريتي في غياب دام طويلا ، ليتغير بعدها كل شي.
اذكر سرب البط الذي كان لامي والذين كان يثير غيرة نساء القرية ، لكثرة عدده ولجمال منظره ، والذي كان كلمة سر واحدة تجمعه عند المغيب ، فبمجرد ان تصيح امي في البستان، ياعهد، وهو اسم اخي الصغير ، كان البط يقفز من النهر ويخرج من البستان ويصطف في طابور طويل ويبدء بالعودة الى البيت، كان من بين سرب البط خاصتنا ذكر بط عنيف جدا، كان معني جدا بالوقوف امام شباك حجرة البنات صباحا وكنت اشغل اغنيات فيروز وانا منشغلة بوضع الكحل والاستعداد للذهاب الى المدرسة ، كان يظل قبالة شباكنا حتى ننتهي ونغادر ، وكنت قد تعودت على وجوده اليومي ذاك وكان مواظبا على موعده وعلى هدؤه في الاستماع للأغنيات
><.

من الحكايات القديمة
فلسطين الجنابي



#فلسطين_اسماعيل_رحيم (هاشتاغ)       Falasteen_Rahem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كابينة الهاتف - من حكايات الحي القديم
- الجيران - من حكايات الحي القديم
- من حكايات الحي القديم


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فلسطين اسماعيل رحيم - الشامية ووردة الدار -من حكايات الحي القديم