|
تناقضات النموذج ( التنموي ) الجزائري -- ازمة زراعة ، فشل صناعة .
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5894 - 2018 / 6 / 5 - 16:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قلنا في الحلقات السابقة ، ان الانقلاب العسكري الذي قاده الهواري بومدين ضد اول رئيس اشتراكي احمد بن بلة ، وبدعم وتجويه من ( ك ج ب ) الروسية ، هو السبب الرئيسي فيما آلت اليه الأوضاع اليوم ، وعلى جميع المستويات ، من اقتصادية واجتماعية بالجزائر ، رغم وجود بترول وغاز . فبعد دخول ما كان يطلق عليه ب ( النظام الاشتراكي ) النفق المسدود ، الذي لم يكن في الحقيقة سوى دكتاتورية مفروضة من قبل صقور الجيش وصقور جبهة التحرير الوطني ، في تبادل للأدوار في شكل مسرحية ، عند تولي قصر المرادية ، حتى تخلى النظام عن ( الاقتصاد الاشتراكي ) الموجه الذي فشل فشلا ذريعا ، وارتمى بدون مقدمات في اقتصاد السوق ، التي تتطلب معايير خاصة ، كربط التحول الاقتصادي بمنهج أيديولوجي يضمن نجاح التحول ، ويضمن تحديات المرحلة التي تمت معالجتها معالجة تقنية وليست أيديولوجية ، وهو نفس الفشل حصدته تجربة البعث في سوريا وفي العراق ، وفي مصر الناصرية ، وهي نفس التجربة كانت ستعرف نفس المصير في المغرب فيما لو تم الاقتداء تقليدا بنفس تلك التجارب التقنوية المجردة من أي تحليل أيديولوجي . فما عكسه سلامة موسى بالشرق العربي ، نفسه عكسه المهدي بن بركة في غرب شمال افريقيا . ومن خلال تحليل المعطيات التي افرزتها التجربة ( الاشتراكية ) الجزائرية المغشوشة ، والتي لم تكن في الحقيقة سوى ( اشتراكية ) صقور الجبهة والجيش ، الذين استحوذوا على ثروة الشعب ، وضرب كل طبقات المجتمع ، خاصة تلك التي كانت تتطلع للعب دور في الاقتصاد الجزائري ، فإننا سنصل الى خلاصة لا ينكرها غير جاحد ، وهي ان اول تناقض جوهري سيفجر ( النموذج التنموي الجزائري ) ، هو فشل ما اسماه النظام ب ( الثورة الزراعية ) . ففي الوقت الذي كان فيه النظام يعتقد انه سجل اهم إنجازاته الصناعية ، خاصة البتروكيمايوات التي أصبحت اليوم في ازمة ، كانت الزراعة تمر بأعمق ازمة لم تشاهد مثلها حتى خلال الحقبة الكلونيالية نفسها . ويمكن ان نجمل تمثلات الازمة الزراعية في المظاهر الأساسية التالية : 1 ) الهجوم على الأراضي الزراعية الغنية التي تركها الكلونيال ، من قبل محاربين ، وحزبيين ، ومن قبل ضباط كبار في الجيش . وقد اثر هذا التحول سلبيا في القطاع الزراعي ، بسبب انعدام الكفاءة ،والتخصص ، والموارد اللازمة للاستثمار . 2 ) انخفاض المردود الزراعي ، بل تراجعه بشكل مثير في اغلب المنتجات الزراعية . بسبب الكُلْخُوزاتْ ، وضرب المبادرة الحرة ، بل قتلها بسبب شعارات لا علاقة لها ب ( الاشتراكية ) المشوهة . 3 ) تزايد حجم هجرة الفلاحين الى المدن الكبرى ، حيث كانوا يشتغلون في الضيعات التي كان يسيرها المعمرون الفرنسيون . 4 ) تصاعد نسبة نزوح الفلاحين الشباب الى فرنسا واوربة . 5 ) اضطرار النظام العسكريتاري التوتاليتاري الجزائري ، للرفع من حجم استيراد المواد الزراعية ، نتيجة ضعف الإنتاج . 6 ) ضعف القوة الشرائية لدا الجماهير ، الناجم عن الغلاء المتزايد في اسعار المواد الزراعية والغذائية . ان ازمة الزراعة لم تكن مشكلة في حد ذاتها ، وعلى المنظور المتوسط ، خاصة وان النموذج الذي اولاه العسكر وصقور الجبهة عناية واهتماما ، كانت صناعة البتروكيماويات والصناعة الثقيلة ، التي ستدخل ازمتها على المنظور البعيد كما نشاهد ذلك اليوم . فالاستثمارات التي خصصها النظام للصناعة التي فشلت ، لو كان قد خصصها للزراعة لكان وجه الجزائر اليوم مغايرا للحالة التي تتواجد عليها في العشرية الثانية من الالفية الثالثة . فالمشكلة الزراعية أضحت فعلا مشكلة عويصة ، لأنها في حد ذاتها أصبحت تهدد النموذج نفسه ، الذي راهن على الصناعة ، والذي هو حجر الزاوية في بنيان مشروع ( برجوازية الدولة ) كله . ذلك ان ازمة الزراعة تعرقل المشروع التصنيعي الجزائري من ناحيتين أساسيتين : الأولى : بما ان مصدر التمويل الأساسي الذي تعتمد عليه الاستثمارات الصناعية الجزائرية يقوم على عائدات الغاز والنفط ، فان انخفاض الإنتاج الزراعي الناجم عن ازمة الزراعة ، يفرض على النظام العسكريتاري ، اللجوء الى استيراد كميات متزايدة باستمرار ، من المواد الزراعية والغذائية بأسعار مرتفعة ، الامر الذي يقود الى تحويل نسبة ضخمة من عائدات النفط والغاز ، المخصصة أصلا لتمويل الصناعة ، لتغطية العجز الغذائي الذي تعاني منه الجزائر اليوم ، حيث كل سلعها الزراعية والغذائية مستوردة من خارج الجزائر ، وهو ما يجعلها في وضعية تبعية ، تتناقض مع شعارات ك ( ككوبا افريقيا ) ( يابان العالم الثالث ) ( الديمقراطية الاشتراكية ) ( مكة الثوار ) . فوضع الجزائر اليوم كارثي وبامتياز وعلى جميع الأصعدة . ومن ثم فالنظام يبحث عن تهريب ازمته الى خارج الحدود من خلال التشبث بعظم الجمهورية العربية الصحراوية . والثاني : فان احدى الشروط الأساسية للتراكم الرأسمالي الصناعي أصلا لتمويل الصناعة ، تكمن في ضمان اقل كلفة ممكنة بالنسبة لقوة عمل الطبقة العاملة الصناعية . لكن اضطرار النظام لاستيراد مواد زراعية وغذائية بأثمان باهظة وجد مرتفعة ، يجعل تلك الكلفة ترتفع ، مما يؤدي الى انخفاض معدل الربح . إذا كانت المسألة الزراعية تمثل التناقض الجوهري الأول الذي فجر( نموذج التنمية ) الجزائرية ، فان التناقض الجوهري الثاني الذي قاد الى نفس النتيجة ، يكمن في طبيعة ذلك ( النموذج ) نفسه . فاستراتيجية التصنيع كما حددها ( النموذج ) ، تقوم على التكنولوجية المتطورة جدا ، والمستوردة من الغرب ، خاصة من فرنسا الذي ظل النظام مرتبطا بها اقتصاديا وثقافيا ، الامر الذي يدفع في نهاية المطاف الى مأزق كبير يصعب الخروج منه ، وهذا للاعتبارين التاليين : الأول : ان التصنيع القائم على التكنولوجية المتطورة ، لن يكون من شأنه سوى تشغيل نسبة ضئيلة من العمال ، الشيء الذي يؤدي حتما الى تفاقم البطالة ، خصوصا في شروط ازمة الزراعة التي ينجم عنها تصاعد الهجرة من البادية الى المدينة . والثاني : ان اعتماد التصنيع على التكنلوجية المتطورة ، يجعل الإنتاجية تكون عالية جدا ، وفي شروط وجود سوق محلية متقلصة وضعيفة يصبح التناقض هو ما بين تضخم الإنتاج ، وضعف الطلب ، وتدني الاستهلاك . فكيف حاول النظام العسكريتاري التوتاليتاري الجزائري ، إذن حل هذين التناقضين اللذين هددا ( نموذجه التنموي ) بالنسف ؟ ( يتبع )
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التنمية الجزائرية المعاقة ( 2 )
-
الانقلاب البومديني ( بودين ) ، وفشل اختيارات الدولة الجزائري
...
-
وثيقة نادرة : بلاغ حول الاراضي المغربية المغتصبة . - الاتحاد
...
-
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
-
الحاكمية
-
سيناريوهات الحرب القادمة والخطة المحكمة لمواجهتها ( تابع )
-
الخطة المحكمة لمواجهة اية حرب طارئة بالمنطقة ( تابع )
-
حتى لا تداهمنا بغثة الحرب القادمة ( تابع )
-
التهديد بالعودة الى الحرب
-
القرارات الاممية حول لالصحراء .
-
قراءة لقرار مجلس الامن 2414 حول الصحراء .
-
حين يتم ضرب وحدة العمال ، يتم ضرب الوعي الطبقي / الاجتماعي -
...
-
( المثقف ) المغربي الانتهازي
-
عندما تصبح القيادة البورصية عائقا امام تبلور فكر طبقي / عمال
...
-
سيناريو القرار المقبل لمجلس الامن حول الصحراء .
-
حقوق الانسان
-
دور الاجهزة البورصية النقابية في ضرب وحدة العمل النقابي واعا
...
-
هل ستندلع الحرب في الصحراء ؟
-
الكرْنفالْ -- الجُّوطية
-
الطبقة العاملة المغربية والوعي الطبقي / الاجتماعي ( 14 )
المزيد.....
-
سناتور جمهوري: أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات في طريقها إل
...
-
Ulefone تعلن عن هاتف مصفّح بقدرات تصوير ممتازة
-
الدفاع الجوي الروسي يعترض طائرة مسيرة في ضواحي موسكو
-
حركة -النجباء- العراقية ردا على استهداف صرح ثقافي وإعلامي له
...
-
البيت الأبيض: أوقفنا شحنة أسلحة واحدة لإسرائيل ولن يكون هناك
...
-
-حزب الله- يعلن قصف شمال إسرائيل بـ -مسيرات انقضاضية-
-
-ضربات إسرائيلية- شرق رفح.. ومحادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق
...
-
نتنياهو يرد على بايدن بشأن تعليق إرسال الأسلحة إلى إسرائيل:
...
-
انتعاش النازية في أوكرانيا وانتشار جذورها في دول غربية
-
شركات عالمية تتوجه نحو منع -النقاشات السياسية- في العمل
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|